خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63722"> لباب النقول في أسباب النزول
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
لباب النقول في أسباب النزول [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فتقدم معنا الكلام في الدرس السابق أن آيات القرآن الكريم على قسمين: قسم قد تنزل من غير سبب خاص، وهو أكثر القرآن الكريم، وقسم تنزل جواباً على سؤال أو عقيب حادثة معينة، وهذا الذي اصطلح أهل التفسير على تسميته بسبب النزول.
وعرفنا أن سبب النزول يعرف عن طريق الرواية الموثوقة عن الصحابي حين يقول: نزلت آية كذا في شأن كذا، أو نزلت سورة كذا في شأن كذا، أو عن طريق التابعي الذي عرف عنه الاشتغال بالتفسير كـسعيد بن جبير و مجاهد بن جبر و عكرمة مولى ابن عباس ومن كان مثلهم رحمة الله عليهم أجمعين.
وتوقف بنا الكلام عند فوائد معرفة سبب النزول، فما هي الفائدة في أن نعرف أن سورة كذا، نزلت في شأن كذا أو أن آية كذا نزلت في شأن كذا؟
معرفة سبب النزول تعين على فهم الآية
الفائدة الأولى: أن معرفة سبب النزول تعني على فهم الآية، وتزيل الإشكال الذي قد يعلق بالذهن في فهمها؛ لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، وذكر في ذلك أمثلة منها:
أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما لم يفهم معنى قول الله عز وجل : فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا[البقرة:158] إلا بعدما عرف سبب النزول، وكذلك قدامة بن مظعون لم يعرف معنى قول الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا[المائدة:93] إلا بعدما عرف سبب النزول، وكذلك قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ[البقرة:115] لا نفهم معنى هذه الآية إلا بعد معرفة سبب النزول.
معرفة سبب النزول تعين على فهم الحكمة التي يشتمل عليها التشريع
الفائدة الثانية: أنَّ معرفة سبب النزول يعين على فهم الحكمة التي يشتمل عليها التشريع، وهذا مفيد بالنسبة للمؤمن ولغير المؤمن، أما المؤمن فإنه يزداد إيماناً، وأما غير المؤمن فإنه يعلم أن التشريع إنما جاء لجلب المصلحة ودفع المفسدة.
مثلاً: شرب الخمر حرام، وهو من كبائر الذنوب، والدليل قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[المائدة:90-91].
سبب نزول هذه الآية ما قاله عبد الرحمن بن عوف : (صنع لنا رجل من الأنصار طعاماً، فأكلنا لحم جزور -أي لحم جمل- ثم سقانا خمراً فتفاخرنا، فقال أحدهم: الأنصار خير من المهاجرين، فقلت: بل المهاجرون خير من الأنصار، فقام أنصاري بلحي جمل، -لحي الجمل: العظم- فضربني على أنفي حتى كسره، فسال الدم، فقلت: والله لا أمسح الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عبد الرحمن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ودمه يسيل، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[المائدة:91]).
معرفة سبب النزول هنا يزيد المؤمن إيماناً بضرر الخمر، ويدعو غير المؤمن إلى أن يفكر أن الله عز وجل ما حرم شيئاً إلا لأنه خبيث ولأنه ضار.
معرفة سبب النزول ترفع توهم الحصر
الفائدة الثالثة: رفع توهم الحصر، الإنسان أحياناً لو قرأ آية فإنه يظن أن هذه الآية جاءت للحصر، مثلاً: قال الله عز وجل: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ[الأنعام:145].
يعني: المحرمات فقط هذه الأربع، والدليل: النفي مع الاستثناء: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً)) يعني: إلا أن يكون واحداً من هذه الأربع، هل المحرمات هي هذه الأربع فقط؟ لا، فهذه الأربع لم يذكر فيها الخمر، ولم يذكر فيها الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، وغير ذلك، فإذا عرفنا سبب النزول سيرتفع هذا الوهم، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، كأن الآية تقول: لا حرام إلا ما حللتموه، ولا حلال إلا ما حرمتموه، يعني: الكفار كانوا يأكلون الميتة، والخنزيز، والدم المسفوح، وما أهل لغير الله به، فكأن الآية جاءت مناقضة لقصدهم تقول لهم: الحرام هو الذي تأكلونه، وبالمقابل الكفار كانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فالآية تقول لهم: ولا حلال إلا ما حرمتموه. هذا كلام الشافعي رحمة الله عليه.
معرفة سبب النزول تعرفنا باسم من نزلت فيه الآية
الفائدة الرابعة: معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وقد قال ابن مسعود : والله الذي لا إله غيره ما أنزل الله في القرآن سورة إلا وأنا أعلم أين نزلت، وأنا أعلم فيمن نزلت.
فسبب النزول يعيننا على معرفة أن هذه الآية نزلت في فلان، فمثلاً: مروان بن الحكم بن أبي العاص كان يقول: إن قوله تعالى: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ[الأحقاف:17] نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: والله ما نزلت في عبد الرحمن ، ولو شئت أن أسميه لسميته.
فالسيدة عائشة تريد أن تستر اسم الرجل الذي نزلت فيه؛ لأنه أسلم وصار من الطيبين، لكن في الوقت نفسه تنفي عن أخيها عبد الرحمن أن تكون هذه الآية قد نزلت فيه.
كذلك قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[البقرة:207].
فقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ )) أي: يبيع نفسه، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )) هذه الآية نزلت في سيدنا صهيب بن سنان الرومي ، (وذلك أن صهيباً أراد أن يهاجر لكن الكفار منعوه، وقد أقاموا عليه حراساً، فتصنع رضي الله عنه أنه مصاب بمرض، وبدأ يستأذن أن يمشي إلى الخلاء، فمشى إلى الخلاء ثم رجع وبعد قليل استأذن ليذهب إلى الخلاء وهم يراقبونه، فمشي إلى الخلاء ثم رجع، ثم استأذن أن يمشي إلى الخلاء فقال الكفار بعضهم لبعض: قد شغله الله ببطنه فدعوه، لا يستطيع الهرب؛ لأنه مريض، فمشى هذه المرة وما رجع، فما انتبهوا له إلا بعد مسافة، فأدركوه رضي الله عنه وهو في طريقه إلى المدينة فلحقوه، فالتفت إليهم وقال: تعلمون -معشر قريش- أني أرماكم - يعني أنا أحسنكم رماية - والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ولو شئتم دللتكم على مالي فأخذتموه -أول الأمر رهبهم ثم رغبهم- قالوا: دلنا، قال لهم: هو في مكان كذا تحت أسكفة الباب، يعني: تحت عتبة الباب، قالوا له: الآن لا حاجة لنا فيك، فرجعوا وحفروا وأخذوا المال، وهو رضي الله عنه فر بجلده، فلما وصل إلى المدينة استقبله الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى) هذه صفقة رابحة، وهو لم يكن قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[البقرة:207].
فهذه الآية نزلت في صهيب بن سنان رضي الله عنه.
كذلك قول الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ[الأحزاب:37] نزلت في زيد بن حارثة لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنهما، وكان يريد أن يطلقها، وهي بنت عمة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب ، وكان زيد يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: (يا رسول الله! إني أريد طلاقهاً ائذن لي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: هل رابك منها شيء فكان يقول: لا، لكنها تؤذيني بلسانها؟ فكان صلى الله عليه وسلم يقول له: أمسك عليك زوجك واتق الله) يعني: دع زوجتك معك واتق الله.
معرفة سبب النزول تبين لنا أن صورة السبب داخلة في عموم الحكم
الفائدة الخامسة: أن سبب النزول غير خارج من حكم الآية فيما إذا كان لفظ الآية عاماً وورد مخصص لها، فبمعرفة سبب النزول يعلم أن ما عداه يشمله هذا التخصيص، أما سبب النزول فهو داخل في العموم، وهذا بإجماع العلماء أن صورة السبب داخلة في الحكم، مثلاً: قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ[الأحزاب:53]، (إناه) أي: نضجه؛ ولذلك قال الله عز وجل عن أهل جهنم والعياذ بالله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ[الغاشية:2-5] يعني: تناهى حرها.
فيكون معنى الآية السابقة: أيها المؤمنون! لا تدخلوا بيت الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد استئذان، وإذا دعاكم إلى طعام فأتوه وقت الطعام، ولا تجلسوا فترة طويلة تنتظرون نضج الطعام.
وسبب النزول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم وليمة، وجاء بعض الصحابة فأكلوا وانصرفوا إلا رجلين بقيا يتكلمان، ويستأنسان،والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده إلا غرفة واحدة، قال الحسن البصري : دخلت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا فتى -يعني: شاب- فكنت إذا رفعت يدي نلت سقفها، وإذا مددت رجلي نلت جدارها، وهذان الرجلان قعدا يستأنسان، وبقيت زينب رضي الله عنها ووجهها إلى الحائط تنتظر خروجهما، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حيياً، فبقي صلى الله عليه وسلم يدخل ثم يخرج ويدخل ثم يخرج لعلهم يشعرون بذلك ويخرجون، ولكنهم لم ينصرفوا، فنزلت الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ[الأحزاب:53].
فالحكم هنا عام، فبيتي وبيتك مثل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز دخول البيوت إلا بإذن.
فإذا قال قائل: إن هذا الحكم خاص بالنبي فنقول: تدخل بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم دخولاً أولياً؛ لأن الآية نازلة في شأنه عليه الصلاة والسلام.
وهذا دليل على أن سبب النزول يستفاد منه أن الخاص يدخل تحت حكم العام، فإذا وجد التخصيص كان هذا التخصيص شاملاً لما عداه.
معرفة سبب النزول تثبيت الوحي وتيسر الحفظ والفهم
الفائدة السادسة: تثبيت الوحي، وتيسير الحفظ والفهم، وتأكيد الحكم في ذهن من يسمع الآية.
مثال ذلك: قصة الإفك،هذه القصة نزلت فيها عشر آيات، منها: قول الله عز وجل: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ[النور:12].
فلو عرفت سبب نزول هذه الآية لن تنسى هذه الآية أبداً، إن سبب نزولها: أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه دخل على زوجته أم أيوب والناس يتناقلون الكلام في المدينة كما قال الله عز وجل: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ )) مع أنه في العادة أن الإنسان يتلقى الكلام بالأذن, ولكن من سرعة النقل قال الله عز وجل: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ[النور:15] أي: أ، الرجل لا يسمع بأذنيه وإنما بلسانه فيروج لذلك، لكن أكثر الصحابة لم تكن هذه صفتهم، فـأبو أيوب دخل على زوجته وقال لها بمنتهى الصراحة والوضوح : يا أم أيوب ! أسمعت ما يقول الناس في شأن عائشة و صفوان ؟ قالت: نعم، هو والله الكذب، فقال لها رضي الله عنه: أكنت فاعلته يـا أم أيوب قالت: لا والله معاذ الله، قال لها: فـعائشة خير منك و صفوان خير مني.
إذاً ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بأخيه، ومن حسن ظن المؤمن أن يعتقد أن أخاه خير منه.
مثال آخر: قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ[الحجرات:2] هذه الآية سبب نزولها: (ما كان من بعض الأعراب الذين جاءوا في وقت القيلولة والراحة، وقالوا: يا محمد! أخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين -يعني: أخرج علينا بسرعة وإلا سنقول فيك شعراً-؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية يؤنب فيها هؤلاء الذين لم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية جلس أحد الصحابة وهو ثابت بن قيس بن شماس في بيته يبكي، فعلم به الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءه وقال له: مالك؟ فقال ثابت : يا رسول الله! أنا رجل جهوري الصوت، وكنت أرفع صوتي عليك، وأخشى أن يكون قد حبط عملي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة إن شاء الله) فالإنسان إذا عرف سبب نزل هذه الآية لا ينساها أبداً؛ لأنه فهم معناها تماماًَ؛ ولذلك فإن معرفة سبب النزول يربط الأسباب بالمسببات، والأحداث بالأشخاص، والمبنى بالمعنى، والأزمنة بالأمثلة، وكل هذا يدعو إلى تقرر الأشياء وتأكيدها في الذهن.
الفائدة الأولى: أن معرفة سبب النزول تعني على فهم الآية، وتزيل الإشكال الذي قد يعلق بالذهن في فهمها؛ لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، وذكر في ذلك أمثلة منها:
أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما لم يفهم معنى قول الله عز وجل : فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا[البقرة:158] إلا بعدما عرف سبب النزول، وكذلك قدامة بن مظعون لم يعرف معنى قول الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا[المائدة:93] إلا بعدما عرف سبب النزول، وكذلك قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ[البقرة:115] لا نفهم معنى هذه الآية إلا بعد معرفة سبب النزول.
الفائدة الثانية: أنَّ معرفة سبب النزول يعين على فهم الحكمة التي يشتمل عليها التشريع، وهذا مفيد بالنسبة للمؤمن ولغير المؤمن، أما المؤمن فإنه يزداد إيماناً، وأما غير المؤمن فإنه يعلم أن التشريع إنما جاء لجلب المصلحة ودفع المفسدة.
مثلاً: شرب الخمر حرام، وهو من كبائر الذنوب، والدليل قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[المائدة:90-91].
سبب نزول هذه الآية ما قاله عبد الرحمن بن عوف : (صنع لنا رجل من الأنصار طعاماً، فأكلنا لحم جزور -أي لحم جمل- ثم سقانا خمراً فتفاخرنا، فقال أحدهم: الأنصار خير من المهاجرين، فقلت: بل المهاجرون خير من الأنصار، فقام أنصاري بلحي جمل، -لحي الجمل: العظم- فضربني على أنفي حتى كسره، فسال الدم، فقلت: والله لا أمسح الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عبد الرحمن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ودمه يسيل، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[المائدة:91]).
معرفة سبب النزول هنا يزيد المؤمن إيماناً بضرر الخمر، ويدعو غير المؤمن إلى أن يفكر أن الله عز وجل ما حرم شيئاً إلا لأنه خبيث ولأنه ضار.