خطب ومحاضرات
لباب النقول في أسباب النزول [10]
الحلقة مفرغة
الآية الرابعة بعد المائتين: قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ[البقرة:204].
هذه الآية تحكي نموذجاً لنوع من الناس حلو اللسان، لكنه عظيم الفساد في الأرض، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ولكن أعماله تكذب أقواله، وهذا حال المنافقين.
هذه الآية نزلت -كما قال ابن عباس - في شأن رجلين من المنافقين؛ إذ لما أصيب أصحاب الرجيع عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، و مرثد بن أبي مرثد الغنوي وإخوانهم، قال المنافقون: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهليهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم؛ فهم يشمتون بالمسلمين الذين قتلوا. وهذا يشبه قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا[آل عمران:156]، هكذا المنافقون يحاولون دائماً أن يلقوا الحسرة والندامة في قلوب المؤمنين.
الآية السابعة بعد المائتين: قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[البقرة:207].
ومن الناس صنف يشري أي: يبيع نفسه طلباً لرضوان الله عز وجل.
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: نزلت في صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه لما خرج مهاجراً فلحق به بعض المشركين، فالتفت إليهم، وقال: قد علمتم معشر قريش أني أرمى القوم، يعني: أنه من أحسن الناس رماية، والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي فأخذتموه، فدلهم على مكان ماله، وأنه تحت عتبة الباب، فرجع القوم وأخذوا مال صهيب كله، فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى) وأنزل الله عز وجل هذه الآية.
الآية الثامنة بعد المائتين: قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ[البقرة:208].
نزلت هذه الآية في جماعة من اليهود أسلموا، ثم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا -أي: أن يعظموا السبت وأن يقوموا الليل بالتوراة، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )).
الإسلام لا يصلح فيه التلفيق، بأن تكون قطعة من هنا، وقطعة من هناك، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19] إن كنت مسلماً فانس الماضي، كما قال الله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة:48] ولا يمكن أن تكون مسلماً وأنت لا زلت تحتج بالتوراة وتنظر فيها وتعظم السبت، وقد أبدلك الله بالتوراة قرآناً، وبالسبت الجمعة، فلا يصلح.
الآية الرابعة عشرة بعد المائتين: قول الله عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة:214].
هذه الآية نزلت في يوم الأحزاب، عندما كان المشركون يحاصرون المسلمين، وجاءوهم من أعلى المدينة، واليهود كانوا في أسفلها، والمنافقون كانوا في الصفوف يثبطون الناس ويشككونهم؛ حتى إن بعض المسلمين داخلهم شيء من الشك، وقالوا: يا رسول الله! نصبح ونمسي في السلاح، يعني: نحن دائماً خائفون متوقعون العدو أن يأتينا من هنا أو هنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ليبين لهم أن من سنة الدعوات التمحيص والابتلاء والزلزلة.
أم حسبتم أيها المسلمون أن تدخلوا الجنة وأنتم ما عرفتم أخبار السابقين من أتباع النبيين ممن مستهم البأساء والضراء، البأساء: الحرب والقتال، والضراء: الضر من مرض وفقر ونحوه.
وَزُلْزِلُوا لكثرة الأعداء، حتى إن النبي منهم كان يتساءل هو والمؤمنون معه ويقولون: متى نصر الله؟ قال الله عز وجل: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة:214].
لكن هذا القرب في علمه هو جل جلاله، وليس بمقاييسنا نحن البشر، فلا نقول: إن النصر سيكون بعد شهر أو سنة أو نحو ذلك.
الآية الخامسة عشر بعد المائتين: قول الله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ[البقرة:215].
أخرج ابن جرير عن عبد الملك بن جريج : أن المسلمين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم، فنزلت: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ[البقرة:215]، فإن كان عندك مال أنفق على نفسك حتى تعفها، ثم بعد ذلك على والديك، هذه النفقة الواجبة، ثم بعد ذلك على الأرحام الأقرب فالأقرب.
الآية السابعة عشرة بعد المائتين: قول الله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ[البقرة:217].
هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن جحش ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن جحش رضي الله عنه: إذا صليت الصبح غداً فوافني عند باب المسجد، فجاء عبد الله بن جحش فوجد مجموعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم عكاشة بن محصن ، و أبو حذيفة بن عتبة ، و خالد بن البكير ، و سعد بن أبي وقاص ، و عتبة بن غزوان ، و واقد بن عبد الله اليربوعي . ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب فأملى عليه كتاباً، ثم خيط هذا الكتاب ودفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن جحش وقال له: اذهب فقد أمرتك على هؤلاء النفر، سر يومين ثم افتح كتابي، وهذه يسمونها المهام المكتومة، يعني: حتى الجندي لا يعرف ما يراد منه، وهي إلى الآن مستعملة في الحروب، يركب الجنود طائرة ولا يعرفون إلى أين تتوجه بهم، المهم يقال لهم: حيث ما حطت الطائرة تعاملوا مع عدوكم. فسار رضي الله عنه بأصحابه يومين، ثم فتح الكتاب، فإذا فيه: أما بعد: (أن سر حتى تأتي نخلة بين مكة والطائف فترصد عيراً لقريش، ولا تكره أحداً من أصحابك على المسير معك).
فـعبد الله بن جحش تلا الكتاب على من معه، وقال لهم: وقد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أستكرهكم وإني ماض لأمره، فقال الصحابة: ونحن ماضون لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذهبوا رضوان الله عليهم حتى وصلوا بطن نخلة، فوجدوا عيراً لقريش قد جاءت من قبل اليمن، وفيها الزبيب، والعنب، والأدم وغير ذلك، يقودها رجل يقال له: عمرو بن الحضرمي ، ومعه رجلان من بني مخزوم وكان ذلك في آخر يوم من رجب، ورجب من الأشهر الحرم، لو تركوا القافلة فسوف تمضي، فكانوا يقولون: ننتظر غداً حتى يدخل شعبان، فبدءوا يتشاورون فقالوا: هل اليوم الثلاثون من رجب أم الأول من شعبان؟ وفي النهاية قالوا: هو الأول من شعبان.
وكان واقد بن عبد الله التميمي رجلاً رامياً، وهو الذي رمى عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، ثم اشتدوا إثر هؤلاء المشركين، أما أحدهم فقد أعجزهم هرباً، والثاني جاءوا به أسيراً، واستاقوا العير، وهنا أجلب المشركون بخيلهم ورجلهم، وقالوا: إن محمداً وأصحابه قد استحلوا الشهر الحرام، وغيروا دين إبراهيم.
ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم في حرج شديد، وقال لهم: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام)؛ لأن هذا التصرف خطأ، وخلاف التعليمات؛ فضاقت صدور الصحابة رضوان الله عليه، فجاء الفرج من الله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ )) المعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام.
قُلْ )) يا محمد!
قِتَالٌ فِيهِ )) حكمه كبير، وخطأ ومعصية.
ثم قال سبحانه: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ )) يقول ربنا سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: إن كان أصحابك أخطئوا مرة، فإن هؤلاء المشركين ارتكبوا أربع جرائم كبيرة؛ فهم يشوشون عليكم من أجل خطأ، وهم قد وقعوا فيما هو أعظم وأنكى وهو: الكفر بالله، والصد عن سبيل الله، وإخراج المسلمين من المسجد الحرام، ولذلك قال عبد الله بن جحش يخاطب المشركين:
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمـد وكفر به والله راء وشاهـــد
وإخراجكم من مسجد الله أهله لئلا يرى لله في البيت ساجــد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ببطن نخلة لما أوقد الحرب واقد
ونفس الشيء يحدث الآن من الأمريكان الكفرة قاتلهم الله، فهم يقتلون في العراق ثلاثين ألف مسلم، يدكون المباني على أهلها، ثم المسلمون إذا أمسكوا بجماعة من الكفرة وذبحوهم ذبح الشياه تقوم الدنيا ولا تقعد؛ لأن هذا خلاف الأديان، والحضارة، والتسامح، والإنسانية، وهذه وحشية، وهكذا وكذا.
وهذا الذي تفعلونه، وهذه القنابل التي يسمونها القنابل الذكية، والانشطارية، والعنقودية وغيرها من الأسماء، هل هذه حضارة ورحمة؟! فلذلك ينبغي أن نجيبهم بنفس الجواب.
فنقول: ربما يكون هذا خطأ، مع أنا لا نسلم بأن الذبح خطأ، لكن لو فرض أنه خطأ في حق مائة، ولكنكم قد ارتكبتم الفظائع في حق شعب بأكمله، فما الذي جعل هذا مباحاً حلالاً، وجعل هذا قبيحاً حراماً؟!
فنفس الدعاية التي يثيرها هؤلاء الكفرة الآن كان أسلافهم كـأبي جهل و أبي لهب يثيرونها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الآية التاسعة عشرة بعد المائتين: قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ[البقرة:219].
الخمر هو كل ما خامر العقل فغطاه، سواء كانت من الذرة، أو الشعير، أو العنب، أو التمر، أو الحنطة أو غير ذلك مما يستحدثه الناس.
والعلماء رحمهم الله قالوا: الخمر أو المسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب، يعني: الرجل السكران -عافني الله وإياكم- يكون عقله غير موجود لكن حواسه موجودة، بحيث إنه لو وضع يده على النار فإنه يشعر، فالمسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب، قال الشاعر:
وإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا أفقت فإنني رب الشويهة والبعير
يعني: عندما يكون سكران يرى نفسه في قصور وأنه ملك، فإذا أفاق وجد نفسه مع الغنم.
والخورنق والسدير قصران للنعمان بن المنذر في الحيرة.
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء
فالمسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب.
والمخدر هو ما أذهب العقل دون الحواس لا مع نشوة وطرب، فالرجل السكران بالخمر تجده في نشوة وطرب أما الذي أخذ المخدر فإنك تجده ساكناً هادئاً تقول له: السلام عليكم، فيقول: هاه.
والمسلمون كانوا يشربون الخمر، فالله عز وجل بحكمته ورحمته ما حرمه عليهم مرة واحدة، وإنما حرمها على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: قول ربنا سبحانه: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا[النحل:67] ما دام أن الناس اتخذوا سكراً ورزقاً حسناً، فمعناه أن السكر ليس رزقاً حسناً.
وقال عمر : اللهم أنزل لنا في الخمر بياناً شافياً، فجاءت المرحلة الثانية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[البقرة:219] فقال عمر : اللهم أنزل لنا في الخمر بياناً شافياً.
فجاءت المرحلة الثالثة: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[النساء:43]. فبعض المسلمين قالوا: لا خير في شيء يشغل عن الصلاة، لكن بعضهم ما زال يشرب الخمر، فجاءت المرحلة الرابعة: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[المائدة:90].
وقد لعن الله في الخمر عشرة: شاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، وآكل ثمنها، وعاصرها، ومعتصرها، كل من أحاط بالخمر فإنه ملعون، نسأل الله العافية.
حصول الأجر بالنية الصادقة بلا عمل
السؤال: لي نية في الاعتكاف ولكن ظروفي لا تسمح، فهل يندرج هذا تحت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركنا أقواماً بالمدينة ما قطعنا وادياً إلا كانوا معنا حبسهم العذر)؟
الجواب: أولاً: قال ربنا سبحانه: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[النساء:100].
ثانياً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثلما كان يعمل مقيماً صحيحاً).
ثالثاً: في غزوة تبوك قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا شاركوكم في الأجر، حبسهم العذر) من هنا أخذ العلماء قاعدة: كل من نوى عملاً صالحاً حيل بينه وبين ما يشتهي يكتب الله له أجره.
فأنت تحب الصيام وتصوم فإذا قدر الله عز وجل عليك مرضاً منعك من الصيام، فإن الله يكتب لك أجر الصائم.
أنت تصلي الفرض في جماعة، فتصلي صلواتك الخمس في المسجد، فإذا قدر الله عليك ملاريا، وجلست أسبوعاً لا تخرج من البيت يكتب الله لك أجر الجماعة، مع أنك تصلي إلى جوار سريرك، لماذا؟ لأن الله لا يعاملنا بالعدل وحده، وإنما يعاملنا بالعدل والفضل، ولذلك يوم القيامة تكون الحسنة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، والسيئة واحدة.
حكم الشرع في اتخاذ الطيور للزينة وحبسها
السؤال: ما حكم الشرع في اتخاذ الطيور للزينة وحبسها، مع العلم أنه يهيأ لها المكان، ويوفر لها الطعام والشراب؟
الجواب: من اتخذ طيوراً فأطعمها وسقاها، وكنها من الحر والقر فلا حرج عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض) معناه: لو حصل أحد الأمرين فقد انتفى الحرج، لو أنك أطعمتها فقد خرجت من الحرج، ولو تركتها تأكل من خشاش الأرض فقد انتفى الحرج، أما أن تحبسها في قفص، ثم لا تطعمها ولا تسقيها حتى تموت، فأنت عاصٍ والجزاء من جنس العمل، من عذب خلق الله عذبه الله.
جواز الاعتكاف في أي مسجد
السؤال: قال تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ[البقرة:187] هل يدل هذا على جواز الاعتكاف في أي مسجد غير المساجد الثلاثة؟
الجواب: الذي عليه جمهور العلماء أن الاعتكاف يجوز في أي مسجد، اللهم إلا إذا كان الاعتكاف في العشر الأواخر فلا بد أن يكون مسجداً جامعاً؛ لئلا تضطر للخروج إلى الجمعة؛ لأنك لو خرجت بطل اعتكافك.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهذا يحمل على الاعتكاف الكامل، يعني: ذو الأجر الكبير، ولا شك أنه لا مقارنة بين اعتكاف في مسجد ما وبين اعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي.
عدم جواز الخروج من المعتكف إلا لضرورة
السؤال: أنوي الاعتكاف -إن شاء الله- ولكن لدي معاينة في أحد أيام الاعتكاف، فهل هذه ضرورة أقطع لها الاعتكاف أم أنه يبطل وينقص الأجر؟ ومتى يبدأ الاعتكاف في هذا المسجد؟
الجواب: الاعتكاف ليس فيه شيء نظامي يبدأ يوم كذا وينتهي يوم كذا، من شاء أن يعتكف من أول رمضان فبيت الله يسع الجميع، لكن الاعتكاف يكون في العشر الأواخر، وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخل في اليوم العشرين قبل غروب شمسه؛ من أجل أن يدرك أول ليالي الوتر، التي هي ليلة إحدى وعشرين، وما كان يخرج صلى الله عليه وسلم إلا إلى مصلى العيد.
أما الخروج من المعتكف لغير ضرورة فإنه يبطل الاعتكاف، ولذلك لا تترك المعاينة إن شاء الله، واخرج ثم تعال واستأنف وجدد النية، وابدأ اعتكافاً من جديد، وليس هناك شيء يضيع الاعتكاف الأول، وسوف تجده في الميزان، والذي اعتكفته آخراً سوف تجده في الميزان.
حكم البنج
السؤال: هل البنج من المخدرات المحرمة؟
الجواب: البنج من المخدرات بلا شك، فهو مسكر ويذهب العقل، بدليل أن الإنسان في العميلة الجراحية يستعمل معه المشرط، وتغرز فيه الحقن ولا يشعر، لكن هذا من باب الضرورة العلاجية، بشرط أن تكون الجراحة نفسها مباحة، وإلا لو كانت الجراحة محرمة مثل جراحة تغيير الجلد، أو من لا يعجبه أنه رجل، ويريد أن يصبح امرأة -والعياذ بالله- وامرأة لا يعجبها أنها امرأة، فتريد أن تكون رجلاً، فهذه جراحة محرمة، ومثل ذلك جراحة التجميل التحسينية، كمن يرى أنفه كبيرة، وقالوا له: هناك دكتور يمكن أن يصغرها، فهذه محرمة؛ لأنها داخلة في قوله تعالى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ[النساء:119]، فإذا كانت الجراحة محرمة، فإن التخدير محرم.
استخدام الموبايل أثناء الاعتكاف
السؤال: هل يجوز للمعتكف استخدام الموبايل أثناء فترة الاعتكاف؟
الجواب: إذا كان يستخدم الموبايل في خير، فهو خير، وإذا كان يستخدم الموبايل لكي يسأل عن أولاده، فلا مانع، صفية رضي الله عنها كانت تأتي وتزور الرسول صلى الله عليه وسلم في المعتكف، و عائشة رضي الله عنها كان يدخل النبي عليه الصلاة والسلام لها رأسه فترجله وهو في معتكفه، وهي حائض رضي الله عنها.
فالموبايل قد تسخدمه في شيء واجب أو مباح بقدر معلوم، لكن من يلعب به، أو يدير أعماله من خلاله، فالأفضل في حقه ألا يعتكف؛ لئلا يؤذي الناس، وبعض الناس يعتكفون ليقضوا أياماً طيبة، فيها الفرفشة، فهذا لا يصلح.
الاعتكاف معناه: أن تحبس نفسك في بيت الله على عمل مخصوص، ذكر، قرآن، دعاء، استغفار، صلاة ونحو ذلك، ولذلك سن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الخباء، بأن يصنع الرجل له حاجزاً من أجل ألا يشتغل بالناس، ولا هم يشتغلون به.
حكم القنوت في الصلاة
السؤال: ما حكم القنوت في الصلاة؟
الجواب: القنوت مسألة خلافية بين الأئمة الأربعة، فالناس على مذهب إمامهم، إن قنت وجب عليهم أن يقنتوا معه، وإن لم يقنت فلا يقنتوا.
معنى دعاء ( اللهم احفظ قلوبنا من النفاق ... )
السؤال: ماذا يعني الدعاء القائل: اللهم احفظ قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء، وأعيننا من الخيانة؟
الجواب: يقول ابن أبي مليكة رحمه الله: أدركت ثلاثين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق، ولذلك الإنسان العاقل دائماً يدعو الله أن يطهر قلبه من النفاق، وأعماله من الرياء فالرياء يسري إليها، والرياء لا يكاد يسلم منه أحد، حتى الصديق رضي الله عنه سيد هذه الأمة جاء يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم فعلمه دعاء يدعو به.
وأعيننا من الخيانة، العين تخون، يعني: يا رب احفظ بصري من أن تكون له خائنة، وخائنة الأعين هي: أن الإنسان إذا كان بين الناس غض بصره، وإذا لم يكن معهم تتبع المرأة ببصره، ويعاين مرة ثانية إذا تأكد من أنه لا يوجد رجل يراه؛ لأنه يتظاهر بالورع، فهذه خائنة الأعين.
وبعض الناس يلبس نظارات سوداء يشاهد من خلالها المحرمات، والناس لا يعرفون؛ لأن الرأس في ناحية، والنظر في ناحية.
ومن الأدعية أيضاً: اللهم سلمنا وسلم ديننا! اللهم سلمنا! أي: سلمنا من سائر الشرور والآفات.
وسلم ديننا: سلم ديننا من كل نقص، وسلب، وطعن.
ولا تسلب وقت النزع إيماننا، أي يا رب! في وقت نزع الروح توفنا ونحن مؤمنون.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفاه على الإيمان).
مدة بقاء موسى في مدين
السؤال: كم بقى موسى في مدين:
الجواب: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي[القصص:27] على أن تعمل أجيراً عندي ثماني حجج، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ[القصص:27].
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سألت جبر أين الأجلين قضاهما موسى؟ فقال: أتمهما وأوفاهما) يعني: موسى رجل كريم، يقابل الكرم بالكرم، هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ[الرحمن:60] فعمل عند العبد الصالح عشر سنين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لباب النقول في أسباب النزول [2] | 2286 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [4] | 2032 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [7] | 1952 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [8] | 1864 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [3] | 1793 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [1] | 1782 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [11] | 1638 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [5] | 1591 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [9] | 1230 استماع |
لباب النقول في أسباب النزول [6] | 680 استماع |