ديوان الإفتاء [524]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, والبشير النذير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

الحذر مما يشوش على المصلين في المساجد

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, وفي بداية هذه الحلقة يحسن بي التنبيه على أمر هو من الأهمية بمكان, وهذا الأمر يتعلق بآداب المساجد, فقد لوحظ في بعض بيوت الله عز وجل قيام بعض الناس عقيب السلام مباشرة, وقبل أن ينفتل الإمام ويعتدل في جلسته, يقوم قائمهم ليلقي موعظة أو ليسأل الناس, وأحياناً يقوم بعض الناس فيرتل آيات من القرآن, وهذا كله مخالف للسنة, ومخالف لما ينبغي أن تكون عليه بيوت الله عز وجل من السكينة والوقار, وعدم التشويش على المصلين, فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد, وكان أصحابه رضي الله عنهم ما بين قارئ وداع ومستغفر ومصل, وقد علت أصواتهم, فرفع النبي عليه الصلاة والسلام طرف خبائه وقال: ( أيها الناس! ألا كلكم مناج ربه, فلا يجهرن بعضكم على بعض ).

فكل ما يشوش على المصلين والذاكرين، فإنه يمنع في بيوت الله عز وجل؛ لأن الناس بعد سلام الإمام إما مسبوق يريد أن يكمل صلاته, وإما آخر يريد أن يأتي بالباقيات الصالحات, أو ثالث قام ليأتي بالسنة الراتبة, وهكذا.

فهذا الذي يقرأ القرآن, وذاك الذي يلقي موعظة, وهذا الذي يسأل الناس, كل هذا تشويش على الناس, ولذلك أوجه رسالة إلى إخواني أئمة المساجد أقول لهم: ينبغي أن يمنع المتحدث والقارئ والسائل بعد السلام إلى أن يفرغ المسبوق من صلاته, ويفرغ المسبح من الباقيات الصالحات, ونحو ذلك من الأمور المرتبطة بالصلاة، أما أن يتاح الفرصة لمثل هذا التشويش فهذا مما لا ينبغي.

وأوجه رسالة إلى الجميع أئمة ومأمومين أقول لهم: إن المساجد هي بيوت الله عز وجل, وإننا مأمورون بأن نعظم حرمتها, وأن نعرف لها شرفها وقدرها قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ[الحج:30] وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32].

بعض آداب المساجد

ومن تعظيم المساجد التي هي بيوت الله عز وجل أن ندخلها ونحن على طهارة، وفي أحسن زينة وفي أبهى هيئة؛ استجابة لأمر ربنا حين خاطبنا بقوله: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف:31], وإذا دخل أحدنا إلى بيت الله عز وجل فليدخل بيمناه, وليأت بالدعاء المأثور: ( بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله, اللهم افتح لي أبواب رحمتك ), ولا يجلسن حتى يركع ركعتين ما لم يكن الوقت وقت نهي, فقد جاء في الحديث: ( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ونقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ).

وبعد أن يركع الإنسان ركعتين إذا أراد أن يسلم على من بجواره فليكن ذلك بصوت منخفض لا يزعج الناس, ولا يقطع على التالي تلاوته, وعلى المصلي صلاته, وليس فيه تشويش. وليشغل أحدنا نفسه حال بقائه في المسجد بذكر الله عز وجل، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام, أو القراءة في بعض كتب العلم النافعة ونحو ذلك, ولو احتاج إلى أن يتكلم مع صاحبه بكلام مباح فلا مانع شريطة ألا ترتفع الأصوات، ولا تعلو الضحكات وما إلى ذلك.

تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة

ومن تعظيم شعائر الله عز وجل أن ننزه مساجدنا، عن كل رائحة كريهة مستقبحة فقد ورد في الحديث: ( فمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً, فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته, فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ).

قال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير قول ربنا جل جلاله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور:36]: قال علماؤنا: ومن كل ذي رائحة كريهة لا تفارقه لسوء صناعته, فإنه يصلي في بيته, إذ الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام.

ويلحق بذلك ما يوجد من بعض الناس الذي ابتلي بالتدخين, نسأل الله أن يعافينا والمسلمين, وأن يتوب علينا أجمعين, فمن كان كذلك فلا ينبغي له أن يؤذي الناس بهذه الرائحة المنتنة التي يتأذى منها المسلمون.

الحذر من المخالفات حال عقد النكاح في المساجد

ومما ينبغي التنبيه عليه كذلك: أن من الأذى الذي يحصل في أغلب المساجد إذا كان هناك عقد زواج, فإن الناس يأتون ببعض المأكولات من خبيص أو بعض المكسرات أو ما أشبه ذلك, فيدخل بها إلى المسجد, وهذه الأشياء يتفتت بعضها على فراش المسجد, بما فيها من سكر وسمن ودقيق وما إلى ذلك, ثم بعد ذلك تدوسها الأرجل وتتغير رائحة الفراش, وهذا كله مما ينبغي أن يتواصى الناس بالنهي عنه, فهذه المطعومات لا يدخل بها إلى صحن المسجد, وإنما تكون في فنائه، في ردهته, أو في برحته, فمن شاء أن يطعم هناك فلا بأس, أما في داخل المسجد فهذا من الأذى الذي ينبغي أن تصان عنه بيوت الله عز وجل.

الاهتمام بنظافة المساجد

صون المساجد عما لا يليق فيها من بيع وغيره

إخوتي الكرام! وتصان المساجد عن البيع والشراء, فلا يبيع الإنسان فيها ولا يشتري, ولا ينشد ضالة, ( فمن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك, ومن سمعتموه ينشد ضالته في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك )، ومثله أيضاً: تصان المساجد عن الأمور الدنيوية التي مكانها الأسواق, وتصان المساجد عن إقامة الحدود, وضرب الرقاب, ولا يحمل فيها سلاح, ولا يروع فيها مسلم, ولا يرفع فيها صوت بغير ذكر الله, ولا صوت يعود نفعه للعامة, يعني: لو كان هناك شيء لعامة الناس, ومثله: لو أن إنساناً يذكر الله لنفسه, فيرفع صوته, ويؤذي غيره, ويشوش على من عداه, فهذا أيضاً مما يمنع منه الناس.

حكم التسول في المساجد

ولو أن سائلاً قال: إن بعض الناس قد يأتي إلى المسجد, فيعرض حاجته, ويطلب من الناس أن يعينوه فما الحكم؟ نقول: لا بأس بهذا, لكن بشرطين: الشرط الأول: أن تكون به حاجة حقيقية لا مدعاة, فلا يكون ممن احترفوا السؤال, فإن وجوهاً معينة تتردد على المساجد وتردد كلاماً محفوظاً في كل حين, ولربما يقابلهم الإنسان في الأسبوع مراراً, فهؤلاء قد احترفوا السؤال.

الشرط الثاني: ألا يكون في ذلك تشويش على الناس, فلا يكون هذا السؤال بعد سلام الإمام مباشرة, بل ينتظر ويتريث إلى أن يفرغ المسبوق من صلاته, وإلى أن يكمل المسبح تسبيحاته, ثم بعد ذلك لا بأس أن يعرض السائل حاجته, فإن المسجد هو مكان قضاء الحوائج, وقد ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة, فدخل قوم من مضر مجتابي النمار, يعني: ثيابهم مشققة, فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة، وقال: تصدق رجل من ديناره, من درهمه، من صاع تمره, من صاع بره, من صاع شعيره, وبسط الثوب في المسجد, فجعل الصحابة رضي الله عنهم يأتون بما أفاء الله عليهم, هذا يأتي بقبضة من تمر, وذاك يأتي بصاع من شعير, حتى جاء رجل بصرة من مال قد عجزت يداه عن حملها, فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة, فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).

أهمية المساجد في حياة المسلمين

أيها الإخوة! المسجد هو المكان الذي تقضى فيه الحوائج, ويغاث فيه الملهوف, وينصر فيه المظلوم, وقد كان المسجد على زمان نبينا صلى الله عليه وسلم مكاناً لهذا كله, فلربما ربط فيه الأسير, ولربما عقدت فيه المناظرة بين أهل الإسلام وغيرهم, كما حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نصارى نجران.

وفي المسجد كذلك تعقد الألوية, وفي المسجد تقام الشورى, وفي المسجد تعليم الجاهل, وفي المسجد تنبيه الغافل, مثلما حدث من معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه, لما جاء فتكلم في أثناء الصلاة, فنبهه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا أخا العرب! إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هو ذكر الله وتلاوة القرآن ), ولما جاء الأعرابي فبال في طائفة من المسجد قال له: ( يا أخا العرب! إن المساجد ما بنيت لشيء من هذه القاذورات, إنما هي لذكر الله ولتلاوة القرآن ), ونحو ذلك.

فهذا كله كان في المسجد, والرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد يعظ الناس ويذكرهم, وفي المسجد كان يعبر لهم الرؤى ويؤولها لهم, وفي المسجد كذلك كان يجتمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والصبيان, كل يجد في المسجد بغيته, حتى كانوا خير أمة أخرجت للناس.

ولذلك أقول: إخوتي وأخواتي! ينبغي أن نعنى في أحيائنا بمساجدنا, وأن نحيي فيها هذه السنن المباركة؛ من أجل أن تعود للمسجد رسالته, فلا يكون مكاناً للصلاة, ثم تغلق أبوابه, وتعصف الريح بأركانه, وينصرف الناس عنه, ولا يأتون إلا للصلاة الأخرى, بل المسجد هو المركز الإسلامي الذي تدار فيه الشئون, وتقضى فيه الأمور, ويغاث فيه الملهوف, ويجد ذو الحاجة حاجته, هذا هو المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهكذا ينبغي أن يكون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا[الجن:18], أسأل الله أن يجعلنا من عمارها وقطانها, والركع السجود فيها.

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, وفي بداية هذه الحلقة يحسن بي التنبيه على أمر هو من الأهمية بمكان, وهذا الأمر يتعلق بآداب المساجد, فقد لوحظ في بعض بيوت الله عز وجل قيام بعض الناس عقيب السلام مباشرة, وقبل أن ينفتل الإمام ويعتدل في جلسته, يقوم قائمهم ليلقي موعظة أو ليسأل الناس, وأحياناً يقوم بعض الناس فيرتل آيات من القرآن, وهذا كله مخالف للسنة, ومخالف لما ينبغي أن تكون عليه بيوت الله عز وجل من السكينة والوقار, وعدم التشويش على المصلين, فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد, وكان أصحابه رضي الله عنهم ما بين قارئ وداع ومستغفر ومصل, وقد علت أصواتهم, فرفع النبي عليه الصلاة والسلام طرف خبائه وقال: ( أيها الناس! ألا كلكم مناج ربه, فلا يجهرن بعضكم على بعض ).

فكل ما يشوش على المصلين والذاكرين، فإنه يمنع في بيوت الله عز وجل؛ لأن الناس بعد سلام الإمام إما مسبوق يريد أن يكمل صلاته, وإما آخر يريد أن يأتي بالباقيات الصالحات, أو ثالث قام ليأتي بالسنة الراتبة, وهكذا.

فهذا الذي يقرأ القرآن, وذاك الذي يلقي موعظة, وهذا الذي يسأل الناس, كل هذا تشويش على الناس, ولذلك أوجه رسالة إلى إخواني أئمة المساجد أقول لهم: ينبغي أن يمنع المتحدث والقارئ والسائل بعد السلام إلى أن يفرغ المسبوق من صلاته, ويفرغ المسبح من الباقيات الصالحات, ونحو ذلك من الأمور المرتبطة بالصلاة، أما أن يتاح الفرصة لمثل هذا التشويش فهذا مما لا ينبغي.

وأوجه رسالة إلى الجميع أئمة ومأمومين أقول لهم: إن المساجد هي بيوت الله عز وجل, وإننا مأمورون بأن نعظم حرمتها, وأن نعرف لها شرفها وقدرها قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ[الحج:30] وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2405 استماع