ديوان الإفتاء [320]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

أما بعد: إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم ممن يقولون الحق وبه يعدلون، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وقد تقدم معنا الكلام في حلقات مضت عن الطهارة، وبعض أحكامها في بيان النجاسات وأعيانها، وكيفية تطهيرها، وآداب قضاء الحاجة، وخصال الفطرة، والكلام عن الوضوء، وموجباته، وفرائضه، وسننه، وفضائله، ومكروهاته.

وبقي معنا الكلام في هذه الحلقة إن شاء الله عن نواقض الوضوء، أو كما يسميها بعض الفقهاء بموجبات الوضوء، أو كما يسميها بعضهم بمبطلات الوضوء، فالنواقض والمبطلات والموجبات مترادفات، ومراد بها الأحداث والأسباب التي توجب نقضاً للطهارة الصغرى، وهذه النواقض على نوعين: إما أحداث، وإما أسباب، والأحداث جمع حدث، والمراد به ما يكون ناقضاً للوضوء بذاته، بأن ينقض الوضوء بنفسه، أما الأسباب فليست ناقضة بذاتها، وإنما هي مظنة للنقض، يعني: مثلاً النوم ليس ناقضاً بذاته، لكنه مظنة لخروج الريح، وكذلك اللمس ليس ناقضاً بذاته، لكنه مظنة لخروج المذي الذي هو حدث ناقض.

ما ينقض الوضوء بذاته

أما الأحداث فهي تتمثل في أمور ستة، وبعضهم أوصلها إلى ثمانية، اثنان يخرجان من الدبر وهما: الغائط، والريح، قال الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وقد أجمع المسلمون على أن الإنسان إذا تغوط فإن وضوءه قد انتقض، وأما الريح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولما سأل رجل من حضرموت أبا هريرة رضي الله عنه راوي هذا الحديث، قال له: ما الحدث يا أبا هريرة ؟ ففسره رضي الله عنه بخروج الريح، قال علماؤنا: نبه بالأدنى على الأعلى، إذا كان خروج الريح ناقضاً فمن باب أولى الغائط.

وأما الأحداث التي تكون من القبل فأولها: البول، فلو أن الإنسان بال فقد انتقض وضوءه باتفاق المسلمين.

ثانياً: خروج المذي، والمذي هو الماء الأبيض الخاثر الذي يخرج عند الملاعبة، أو عند التذكر، إذا تذكر الإنسان الجماع وما يتعلق به فهذا أيضاً ناقض للوضوء يوجب أمران:

الأول: غسل الذكر كله من أصله إلى رأسه، الثاني: الوضوء؛ لأن علياً رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت رجلاً فسأله. فقال: اغسل ذكرك وتوضأ ) ، وفي لفظ ( اغسل مذاكيرك وتوضأ ).

ثالثاً: الودي وهو ماء خاثر، يخرج في إثر البول، يجب منه ما يجب من البول.

رابعاً: دم الاستحاضة لو أن المرأة أصابها النزف، وهو: الدم الذي يأتي في غير وقت الحيض، والذي بين النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ركضة من الشيطان ) وهو دم علة وفساد، فهذا لا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها.

خامساً: المني إذا كان خارجاً على غير اللذة المعتادة، يعني: ربما يخرج بسبب برد، أو بسبب خوف، أو بسبب مرض، فلا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء.

سادساً: الهادي، وهو: ماء أبيض يخرج من المرأة قبيل الولادة، وهذا أيضاً ناقض للوضوء.

فتحصل من مجموع ذلك أن الأحداث الناقضة للوضوء ثمانية: اثنان من الدبر، وهما: الغائط والريح، وستة من القبل، وهي: البول، والمذي، والودي، ودم الاستحاضة، والمني إذا كان على غير اللذة المعتادة، والهادي وهو الماء الذي يخرج من المرأة قبيل الولادة.

ما يجب بسببه الوضوء وليس بناقض

ثم بعد ذلك هناك أسباب تقدم معنا الكلام في أنها ليست ناقضة بنفسها لكنها مظنة للنقض:

أول هذه الأسباب: زوال العقل بنوم مستثقل، أو إغماء، أو سكر، أو جنون، أو صرع، أو تخدير، طال أم قصر، هذه كلها مزيلة للعقل.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوضوء واجب من زوال العقل، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا نام ذهب عقله حتى لا يدري ما يكون في أثناء نومه، وثبت أيضاً من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن, إلا من جنابة، لكن من بول ونوم وغائط ) فسوى بين البول والغائط والنوم بجامع أن الكل ناقض للوضوء، وكذلك في سنن أبي داود : ( العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ ) ، وفي لفظ: ( فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) ، لكن المعتبر أن يكون النوم ثقيلاً، أما إذا كان نوماً خفيفاً فإنه لا ينقض الوضوء؛ لأن أنساً رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم) -يعني: وهم جلوس رضوان الله عليهم كانت تخفق رءوسهم- ( ثم يصلون ولا يتوضئون )، يعني: لا يجددون الوضوء، لكن علماءنا يقولون: يستحب لإمام المسجد إذا خفق رأسه أن يتوضأ؛ لأنه قدوة لغيره، ولربما لو رآه غيره تخفق رأسه ثم يقوم للصلاة من غير وضوء ظن أن النوم ليس بناقض.

لكن ما هو ضابط النوم المستثقل؟ قالوا: هو الذي لا يشعر بما يحدث حوله، ربما سقطت مسبحته، وربما سقط الكتاب من يده، وربما سال ريقه ولا يشعر بشيء من ذلك، هذا هو النوم المستثقل الذي يوجب الوضوء.

السبب الثاني للنقض: لمس من يلتذ به عادة إذا قصد اللذة أو وجدها، لو أن إنساناً لمس زوجته مثلاً وقصد بذلك اللمس لذة، أو وجد لذة؛ فإن هذا يكون ناقضاً للوضوء، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43] قال علماؤنا رحمهم الله: ولم يذكر ربنا جل جلاله المس، وإنما ذكر اللمس، واللمس فيه معنى زائد على المس، كما قال ربنا جل جلاله: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام:7] أي: لتبين ما فيه من معنى، وما فيه من مضمون، فاللمس يحمل معنى فوق المس؛ ولذلك قيدوه بوجود اللذة أو قصدها، أما إذا كان مجرد لمس من غير قصد للذة أو وجود لها فإنه لا يعد ناقضاً، ودليل ذلك حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه، فكان إذا سجد غمزني فطويت رجلي، فإذا قام بسطتها )، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلمسها وهو في الصلاة، كذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( افتقدت رسول الله في ليلة ظلماء، فقمت التمسه في الظلام، فوقعت يدي على بطن رجله، وهو ساجد يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك )، فأمنا رضي الله عنها مست رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمادى في صلاته صلوات ربي وسلامه عليه، فدل ذلك على أن مجرد اللمس ليس بناقض، وإنما النقض يحصل إذا قصد اللذة أو وجدها.

السبب الثالث: مس الذكر، جاء في حديث طلق بن علي رضي الله عنه: ( من مس ذكره فليتوضأ ) ، وفي لفظ: ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ساتر ولا حجاب فليتوضأ )، أما إذا كان من فوق الساتر أو من فوق الثياب فإنه لا يعد ناقضاً من نواقض الوضوء، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من مس ذكره ) يدل على أن من مس ذكر غيره كما لو كان طفلاً صغيراً تغسله أمه؛ فإن هذا لا يعد ناقضاً للوضوء، وهذا يكثر سؤال الناس عنه.

السبب الرابع: من الأسباب الناقضة -عياذاً بالله-: الردة، والردة هي الرجوع عن دين الإسلام، إما بقول مكفر، أو فعل مكفر، أو اعتقاد مكفر، فالقول المكفر كمن سب الله، أو سب أحداً من الأنبياء المجمع على نبوتهم، أو سب دين الله. والفعل المكفر كمن مزق المصحف، أو طرحه، أو ألقاه في قاذورة. والاعتقاد المكفر - والعياذ بالله - كمن اعتقد أنه لا بعث بعد الموت، أو اعتقد أن هناك نبوة بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه ردة ناقضة للوضوء، بل هي محبطة للعمل كله، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] كما قال أهل التفسير: هذا من باب اللف والنشر المرتبين، فذكر الله فعلين ورتب عليهما عقوبتين فيها، ورتب على ذلك حبوط العمل والخلود في النار، قالوا: حبوط العمل في مقابل الردة، والخلود في النار في مقابل الموت على الكفر -والعياذ بالله-، لكن من ارتد ثم تاب تاب الله عليه.

وكذلك ذكر علماؤنا رحمهم الله ها هنا مسألة وهي قضية الشك، والذي عليه جمهور العلماء أن الشك ليس بناقض للوضوء؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة, قال: لا ينصرفن عنه حتى يسمع صوتاً, أو يجد ريحاً )، فلم يعول على الشك، وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتيقن، والقاعدة المتفق عليها: أن اليقين لا يزول بالشك، لكن علماءنا رحمهم الله فرقوا بين الشك الذي يكون قبل الصلاة، والشك الذي يكون طارئاً في أثناء الصلاة، فأعملوا الأول وأهملوا الثاني، فقالوا: الشك الذي يكون قبل الصلاة يكون مؤثراً؛ لأن الطهارة ثابتة في الذمة بيقين فلا تزول إلا بيقين، أما الشك الذي يكون في داخل الصلاة فقالوا: هو الذي ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينصرفن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ).

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من التوابين، وأن يجعلنا من المتطهرين.

أما الأحداث فهي تتمثل في أمور ستة، وبعضهم أوصلها إلى ثمانية، اثنان يخرجان من الدبر وهما: الغائط، والريح، قال الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وقد أجمع المسلمون على أن الإنسان إذا تغوط فإن وضوءه قد انتقض، وأما الريح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولما سأل رجل من حضرموت أبا هريرة رضي الله عنه راوي هذا الحديث، قال له: ما الحدث يا أبا هريرة ؟ ففسره رضي الله عنه بخروج الريح، قال علماؤنا: نبه بالأدنى على الأعلى، إذا كان خروج الريح ناقضاً فمن باب أولى الغائط.

وأما الأحداث التي تكون من القبل فأولها: البول، فلو أن الإنسان بال فقد انتقض وضوءه باتفاق المسلمين.

ثانياً: خروج المذي، والمذي هو الماء الأبيض الخاثر الذي يخرج عند الملاعبة، أو عند التذكر، إذا تذكر الإنسان الجماع وما يتعلق به فهذا أيضاً ناقض للوضوء يوجب أمران:

الأول: غسل الذكر كله من أصله إلى رأسه، الثاني: الوضوء؛ لأن علياً رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت رجلاً فسأله. فقال: اغسل ذكرك وتوضأ ) ، وفي لفظ ( اغسل مذاكيرك وتوضأ ).

ثالثاً: الودي وهو ماء خاثر، يخرج في إثر البول، يجب منه ما يجب من البول.

رابعاً: دم الاستحاضة لو أن المرأة أصابها النزف، وهو: الدم الذي يأتي في غير وقت الحيض، والذي بين النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ركضة من الشيطان ) وهو دم علة وفساد، فهذا لا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها.

خامساً: المني إذا كان خارجاً على غير اللذة المعتادة، يعني: ربما يخرج بسبب برد، أو بسبب خوف، أو بسبب مرض، فلا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء.

سادساً: الهادي، وهو: ماء أبيض يخرج من المرأة قبيل الولادة، وهذا أيضاً ناقض للوضوء.

فتحصل من مجموع ذلك أن الأحداث الناقضة للوضوء ثمانية: اثنان من الدبر، وهما: الغائط والريح، وستة من القبل، وهي: البول، والمذي، والودي، ودم الاستحاضة، والمني إذا كان على غير اللذة المعتادة، والهادي وهو الماء الذي يخرج من المرأة قبيل الولادة.