أحكام الله


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيها المسلمون عباد الله! فإن الله تبارك وتعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه كتاباً هو خير كتاب، وفصل فيه كل شيء تفصيلاً، وأنزل عليه في يوم عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

فما من مصلحة إلا وجاء الإسلام بتتميمها وتكميلها، والحث عليها والترغيب فيها، وما من مفسدة إلا وجاء الإسلام للتحذير منها، والتنفير عن سلوك سبيلها، والتحذير من عواقبها.

حفظ الإسلام لمصالح العباد وللضرورات الست

أيها المسلمون عباد الله! إن دين الله عز وجل خير كله، وبر كله، ومصلحة كله، وحيث ما كان دين الله فالمصلحة ثمّ، فأحكام الله عز وجل، أوامره ونواهيه، ما أحل لنا وما حرم علينا، ما حثنا عليه وما زجرنا عنه، كل ذلك جاء لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة، من أجل أن يحيا المسلم حياة طيبة في هذه الدنيا، ومن أجل أن يكون مصيره إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127].

والعقل وحده أيها المسلمون عباد الله! لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد، العقل وحده لا يرشد حائراً، ولا يهدي ضالاً، ولا ينقذ تائهاً، بل لا بد أن يستضيء العقل بنور الوحي؛ لأنه منزل من رب حكيم خبير عليم عظيم، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقال سبحانه: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، فالله جل جلاله يوجه هذا السؤال للجميع، أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140].

وأنت أيها المسلم تعبد رباً هو عالم الغيب والشهادة، هو الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيءٍ عدداً، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم ما يصلحني ويصلحك، ما يفيدني ويفيدك في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قال أهل العلم: الشريعة جاءت بثلاثة أنواع من المصالح:

أولها: درء المفاسد الذي يعبر عنه أهل الأصول بالضروريات.

وثانيها: جلب المصالح الذي يعبر عنه أهل الأصول بالحاجيات.

وثالثها: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وهو ما يعبر عنه بالتحسينات والتتميمات.

وأما الضرورات الست التي ما بعث الله رسولاً، ولا أنزل كتاباً إلا من أجل تحصيلها، فهي: المحافظة على الدين، والنفس، والعرض، والنسب، والعقل، والمال، فقد جاءت آيات القرآن الكريم وسيرة نبينا العظيم صلوات ربي وسلامه عليه وسنته من أجل المحافظة على هذه الستة: الدين والنفس، والعرض والنسب، والعقل والمال، بل شريعة الإسلام تدور حول هذه الست.

حفظ الإسلام للأنساب والأعراض

الذي يعنينا في هذا المقام أيها المسلمون عباد الله! أن نبين لكل من نور الله قلبه بأن شريعة الإسلام جاءت بالمحافظة على الأنساب والأعراض، ومن أجل ذلك حرم الله الزنا، وبين أنه فاحشة، وأنه قبيح، فقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وأوجب في اقترافه حداً رادعاً وعقوبةً بليغة، فقال سبحانه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، فمثلما سمى الله عز وجل المشركين نجساً، كذلك سمى الزنا خبثاً وجعل أهله خبثاء، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، وقال في الزناة والزواني: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، وبين أنه كلما كان الشرك على العبد أغلب كان حظه من الزنا أعظم، وأن الزاني لا ينكح إلا من كانت مثله زانية أو شراً منه مشركة، وأن الزانية لا يواقعها إلا من كان مثلها زانياً أو شراً منها مشركاً، قال تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3].

أيها المسلمون عباد الله! إن الله جل جلاله قد أوجب أن يجلد الزاني ذكراً كان أو أنثى، شريفاً أو وضيعاً، مأموراً أو أميراً، فهذا حكم عام لا يستثنى منه أحد، فإن كان الزاني محصناً سبق له الدخول في نكاح صحيح، فالعقوبة أشد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر )، فالله جل جلاله أوجب أن يرجم الزاني إن كان محصناً، ذكراً كان أو أنثى، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وكان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم، فوعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا من بعده، ولولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، وهكذا علي رضي الله عنه لما زنت شراحة الهمدانية قال رضي الله عنه بعدما رجمها يوم الجمعة، قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المصالح المتعلقة بفرضية تنفيد عقوبة الزناة

لكن لم شرعت هذه العقوبة، ولم أوجب الله علينا تنفيذها؟ من أجل جملة من المصالح:

أولها: التعبد لله، مثلما نعبد الله بسجودنا وركوعنا، ومثلما نعبد الله بصيامنا وحجنا، كذلك نعبد الله عز وجل بإنفاذ أحكامه، وتطبيق شرعه، ( فحد واحد يقام في أرض الله خير من أن تمطر أربعين خريفاً )، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيها: تطهير هذا المذنب الذي اقترف الفاحشة، فإنه يطهر، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه العقوبات كفارات لأهلها، كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ( كنا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فأخذ به في الدنيا، فهو كفارة له وطهور، ومن لم يؤخذ به في الدنيا فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه )، والله جل جلاله أرحم وأعدل من أن يجمع على عبد عقوبتين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، فمن أقيمت عليه العقوبة في الدنيا فإن ذلك يطهره من الذنب، ويكفر عنه الخطيئة.

ثالثها: ردع هذا المذنب، فهذا الذي أتى الذنب إذا جلد ظهره، أو قطعت يده، أو أنفذ فيه حكم الله حداً كان أو تعزيراً، فإنما ذلك لردعه؛ لئلا يعاود الذنب؛ لئلا ينتهك الحرمات، ولئلا يجترئ على الحدود، ولئلا يشيع الفاحشة.

رابعها: لزجر غيره، أي: من أجل أن يزجر الناس عن تعاطي هذه القاذورات التي هي شر في الدنيا والآخرة، من أجل أن يزجر الناس أمر ربنا بأن تكون العقوبة علانية، لا في مكان مغلق، ولا خلف ستور مسدلة، وإنما وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لا بد أن يكون ذلك أمام الناس، ولو أن المسلم الذي يحرص على شرفه، الذي يصون سمعته، والذين يذود عن عرضه أن يدنس بالقيل والقال، لو أنه رأى رجلاً أو امرأة أمام عينيه يجلد، أو أنه يعاقب فإن ذلك أعظم زاجراً من أن تكون فضيحته على رءوس الأشهاد يتحدث بها الملأ ويتكلم بها الناس.

خامسها: أن يحصل الأمن النفسي، والطمأنينة الاجتماعية، أن يأمن الناس حين يشعرون بأن أحكام الله نافذة، وأن شريعته مطبقة، وأن أمره غالب، وأن أحكامه يخضع لها الجميع، كباراً وصغاراً، أغنياء وفقراء، رعاة ورعية، أشرافاً وسوقة، الكل في حكم الله سواء، فهنا الناس يطمئنون، هذا يطمئن على ابنه، وعلى بنته، بأنهم يعيشون في مجتمع طاهر نظيف، يحفظ الأخلاق، يذود عن الحرمات، يميز الطيب من الخبيث، والحلال من الحرام.

قبح جريمة الزنا في الجاهلية والإسلام

يا أيها المسلمون عباد الله! الزنا خبيث وقبيح، قد استقر قبحه، حتى عند أهل الجاهلية الأولى، لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يوم الفتح على ألا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، قالت هند بنت عتبة : وما كانت امرأة مؤمنة عريقة في إيمانها، بل هي حديثة عهد بإسلام، ماذا قالت تلك المرأة التي شبت وشابت في الجاهلية، قالت: يا رسول الله! أو تزني الحرة؟ ما أقبحه حلالاً فكيف به وهو حرام، فلو أن الإنسان واقع أهله في الحلال أتى زوجته التي أحلها الله له، فإن هذه المواقعة تمنعه من دخول المسجد، وتمنعه من مس المصحف، وتمنعه من قراءة القرآن، وتوجب عليه الغسل، فكيف بها وهي حرام، وهي سفاح، تسبب أضراراً لا يعلمها إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( معاشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ابتلاهم الله عز وجل بالأسقام والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم )، عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، هذه من علامات الساعة التي حذر منها نبينا صلوات ربي وسلامه عليه.

حرمة إنكار عقوبة جريمة الزنا

يا أيها المسلمون.. يا عباد الله! هذا الكلام كله الذي سمعتموه هو عندكم معشر المؤمنين من بدهيات الدين، ومن قواعده، ومن أصوله التي لا يكاد يجهلها مسلم، كلنا نعلم بأن الله عز وجل أعلم بنا من أنفسنا، وأن الله عز وجل ما شرع لنا شرعاً إلا لمصلحتنا، لكن الناس بحاجة إلى التذكير بهذه الأصول في هذه الأيام التي يراد فيها تغيير الثوابت، والتي يراد فيها طمس المعالم، والتي يريد فيها أهل الباطل أن يصيروا المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، صورة تظهر بالفيديو يتناقلها الناس عبر المواقع، وتروج لها بعض الفضائيات، شرطيان يقومان بجلد فتاة، وتلك الفتاة تتأوه وتتوسل، وتقوم وتقعد، وتهرب، وتذهب، ثم بعد ذلك تضج الدنيا كلها، يخطب الخطباء، يسيل المداد على صفحات الجرائد، تجري أقلام بالقول المنكر، وتعقد مؤتمرات، وتسير مظاهرات، لا لقهر النساء، لا لجلد النساء، هذا الكلام لا يصدر إلا من أحد اثنين: إما إنسان لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يؤمن بالقرآن وبما فيه من أحكام، لا يؤمن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يعتقد بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وإما آخر جاهل ينادي على نفسه بالكساد، يقول: أيها الناس! أنا جاهل، وحق للجاهل أن يسكت حتى يتعلم، فإن من الإثم أن يتكلم الإنسان بما لا يعلم، ولا يخاف أن يأثم، وإذا أثم لا يندم، ومن الإثم أن تهرف بما لا تعرف.

يا أيها المسلمون.. يا عباد الله! مجموعة من النسوة تقوم إحداهن وتطالب بإلغاء المادة إحدى وخمسين ومائتين التي تنص على عقوبة الجلد حين الإتيان بالأفعال الفاضحة، أو ترويج البغاء، أو الوقوع في الزنا، تقول: إن في الجلد إهانة للمرأة، وما درت تلك الجاهلة المسكينة أنها حين تقول ذلك الكلام، فإنها تتهم رب العالمين الذي خلق الذكر والأنثى بأنه أهان المرأة، الله خالقنا هو الذي قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور:2]، وبدأ بالمرأة قبل الرجل؛ لأنها إن زنت فليس العار عليها وحدها، بل عليها وعلى أهلها.

يا أيها الناس! يا من غضبتم لجلد تلك الفتاة! يا من استنكرتم! يا من تمعرت وجوهكم! يا من رقت قلوبكم! من منكم يرضى أن تجاوره امرأة بغي تدير بيتها للبغاء، تجلب بائعات الهوى، وبنات الليل تكون جارة لك، بيتها إلى جوار بيتك، من منكم يرضى بهذا، إني والله لأحسب أن الفاسق لا يرضى هذا، الفاسق المتحلل الذي يرتكب النواهي، ويقصر في الأوامر لا يرضى أن تجاوره امرأة من هذا النوع؛ لأنه هو وإن كان فاسقاً فإنه يخشى على عرضه، يخشى على ولده وبنته، يخشى على نسائه، على حريمه، من منكم يرضى أن تجاوره امرأة قبض عليها مراراً تارة بتهمة الترويج للمخدرات الكيميائية، وتارة بتهمة ممارسة البغاء، وتارة بتهمة إدارة محل للبغاء، من منكم يرضى بهذا، من منكم يرضى أن يجد أمام بابه طفلاً رضيعاً عمره ساعات، يتلوى في الوعاء الذي حفظ فيه، وقد نهشت الكلاب بعض أطرافه، هذه هي عاقبة الزنا، الزناة والزواني هذه ثمرتهم، في كل حين يشكو الناس أنهم أمام مسجد كذا، أو في مزبلة كذا وجدوا طفلاً رضيعاً، وأحياناً تكون الكلاب قد التهمت بعضاً منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أحمد عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: ( لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشى فيهم ولد الزنا أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده ).

ضابط الشرطة يقول: في كل يوم من أيام السنة يسلم إلى دار رعاية اللقطاء طفلان حديثا الولادة غير من يلقى في الآبار، وغير من يقتل ومن يجهض، وغير من يرمى في المزابل، في كل يوم طفلان يخرجان إلى الدنيا ثمرة للذة محرمة بين فاسق وفاسقة، من منكم يرضى هذا؟

أيها المسلمون عباد الله! إن الناس يغفلون عن المقدمات، وينظرون في النتائج، ألم تقرءوا قول الله عز وجل: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور:2]، وبعضهم يتعالم فيقول: هذه ليست الشريعة، نقول: نعم، الخطأ قد يحصل من القاضي، قد يحصل من المنفذ للعقوبة، قد يحصل من السجان، قد يحصل من الحاكم، قد يحصل من غير هؤلاء، لكن المخلص الذي يتقي الله عز وجل يبين الخطأ، ويدل عليه، وفي الوقت نفسه يذكر الناس بما في دين الله من عدل ورحمة وهدى، وأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام.

كيفية جلد الزاني

إن علماءنا رحمهم الله لما فسروا قول الله عز وجل: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ماذا قالوا؟ قالوا: هذه العقوبة ليست للانتقام، ولا للتشفي، وينبغي أن يضرب المذنب بسوط وسط، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يجلد مذنباً فقال: ( آتوني بسوط، فأتي بسوط شديد، قال: دون هذا! فأوتي له بسوط لين قال: فوق هذا )، يعني: ينبغي أن تكون الآلة وسطاً لا تبضع لحماً، ولا تسيل دماً، ولا تكسر عظماً، ولا تشوه جسداً، قالوا: وينبغي أن يفرق الضرب على الجسد كله، وتتقى المقاتل، فلا يضرب الرأس، ولا يضرب الوجه، ولا تضرب الخصيتان، ولا ينبغي للضارب أن يرفع يده حتى يرى إبطه، بل يكون ضرباً وسطاً، وأما المرأة فتشد عليها ثيابها، وتضرب جالسة لئلا تتكشف، هذا كله قد نص عليه علماؤنا، وطبقه فقهاؤنا وخلفاؤنا، فلو أن شرطياً أخطأ فإنه يبين الخطأ، ولو أن قاضياً زل فإنه ينبه على زلته، ويؤمر بأن يراجع الحق لا أن يتمادى في الباطل، أما أن يجعل من حادثة فردية سبباً للطعن في دين الله عز وجل، والدعوة إلى إلغاء القانون كله، واتهام رب العالمين جل جلاله بأنه قد أهان المرأة، فإن قائل ذلك وأمثاله جديرون بأن نذكرهم بقول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]، وقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:26-28].

وأما بقايا الشيوعيين، الذين بارت بضاعتهم، وفسدت تجارتهم، وضل سعيهم، فإنهم أعلنوا بأنهم سيتقدمون بمذكرات لمجالس حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية، وسيفعلون ويفعلون، نقول لهم: خسئتم وخبتم وخاب سعيكم، ما بقي لكم ما تستترون به، لمن تشتكون؟ أتشكون لمن فاحت روائحهم في فضائح سجن أبو غريب وفي غونتانامو، وفي قاعدة باغرام وفي غيرها؟ لمن ثبت أنهم عنصريون؟ لمن منعوا المآذن؟! لمن منعوا الحجاب؟! لمن هاجموا رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم وظهرت عداوتهم للقاصي والداني؟! لمن تشتكون؟! أتستجيرون من الرمضاء بالنار! تدعون أنكم مظلومون وأنتم الظالمون!

يا أيها المسلمون يا عباد الله! قد عرف الناس طريقهم، ولو أن القاضي قد زل أو ضل أو جهل، أو لو أن الشرطي قد تعدى وأساء وظلم، فالمسلمون ما زالوا على يقين بأن شريعة الله يجب أن تكون حاكمة، وأن حكم الله يجب أن ينفذ، وأن شرط الله أسبق، وأن قضاء الله أوثق، وأن دين الله أعدل، ومعاذ الله أن نعود إلى أيام التيه والضلال.

أسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يقمع كل فاسق وفاسقة، وأن يتوب على كل مذنب ومذنبة، وأن يأخذ بأيدينا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

أيها المسلمون عباد الله! إن دين الله عز وجل خير كله، وبر كله، ومصلحة كله، وحيث ما كان دين الله فالمصلحة ثمّ، فأحكام الله عز وجل، أوامره ونواهيه، ما أحل لنا وما حرم علينا، ما حثنا عليه وما زجرنا عنه، كل ذلك جاء لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة، من أجل أن يحيا المسلم حياة طيبة في هذه الدنيا، ومن أجل أن يكون مصيره إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127].

والعقل وحده أيها المسلمون عباد الله! لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد، العقل وحده لا يرشد حائراً، ولا يهدي ضالاً، ولا ينقذ تائهاً، بل لا بد أن يستضيء العقل بنور الوحي؛ لأنه منزل من رب حكيم خبير عليم عظيم، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقال سبحانه: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، فالله جل جلاله يوجه هذا السؤال للجميع، أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140].

وأنت أيها المسلم تعبد رباً هو عالم الغيب والشهادة، هو الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيءٍ عدداً، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم ما يصلحني ويصلحك، ما يفيدني ويفيدك في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قال أهل العلم: الشريعة جاءت بثلاثة أنواع من المصالح:

أولها: درء المفاسد الذي يعبر عنه أهل الأصول بالضروريات.

وثانيها: جلب المصالح الذي يعبر عنه أهل الأصول بالحاجيات.

وثالثها: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وهو ما يعبر عنه بالتحسينات والتتميمات.

وأما الضرورات الست التي ما بعث الله رسولاً، ولا أنزل كتاباً إلا من أجل تحصيلها، فهي: المحافظة على الدين، والنفس، والعرض، والنسب، والعقل، والمال، فقد جاءت آيات القرآن الكريم وسيرة نبينا العظيم صلوات ربي وسلامه عليه وسنته من أجل المحافظة على هذه الستة: الدين والنفس، والعرض والنسب، والعقل والمال، بل شريعة الإسلام تدور حول هذه الست.

الذي يعنينا في هذا المقام أيها المسلمون عباد الله! أن نبين لكل من نور الله قلبه بأن شريعة الإسلام جاءت بالمحافظة على الأنساب والأعراض، ومن أجل ذلك حرم الله الزنا، وبين أنه فاحشة، وأنه قبيح، فقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وأوجب في اقترافه حداً رادعاً وعقوبةً بليغة، فقال سبحانه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، فمثلما سمى الله عز وجل المشركين نجساً، كذلك سمى الزنا خبثاً وجعل أهله خبثاء، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، وقال في الزناة والزواني: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، وبين أنه كلما كان الشرك على العبد أغلب كان حظه من الزنا أعظم، وأن الزاني لا ينكح إلا من كانت مثله زانية أو شراً منه مشركة، وأن الزانية لا يواقعها إلا من كان مثلها زانياً أو شراً منها مشركاً، قال تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3].

أيها المسلمون عباد الله! إن الله جل جلاله قد أوجب أن يجلد الزاني ذكراً كان أو أنثى، شريفاً أو وضيعاً، مأموراً أو أميراً، فهذا حكم عام لا يستثنى منه أحد، فإن كان الزاني محصناً سبق له الدخول في نكاح صحيح، فالعقوبة أشد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر )، فالله جل جلاله أوجب أن يرجم الزاني إن كان محصناً، ذكراً كان أو أنثى، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وكان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم، فوعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا من بعده، ولولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، وهكذا علي رضي الله عنه لما زنت شراحة الهمدانية قال رضي الله عنه بعدما رجمها يوم الجمعة، قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.