أرشيف المقالات

ماذا تعرف عن مجزرة (بَرْبَشْتْرُ)؟!

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
  بَرْبَشْتْرُ (barbastro) مدينة تقع في الشمال الشرقي من الأندلس وتُعد من الثغر الأعلى ومن أعمال كورة بَرْبَطَانِيَة، وعند البحث عنها في الخرائط الجغرافية الحالية نجدها قريبة من خط طول (0ْ) وخط عرض (42ْ)، كما أنها قريبة من سلسلة جبال بيرينه الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا والمعروفة قديماً بجبال البُرْت.

هذه المدينة الجميلة حل بها نكبة عظيمة للمسلمين وإبادة جماعية كبيرة قد تكون ليس لها مثيل فقد قُتل فيها -بعد الأمان الكاذب من النورمانديين النصارى الكفار- (6000) رجل مسلم بالسيف!! كما تم سبي (5000) فتاة جميلة أُرسِلَت كهدية إلى نصارى القسطنطينية! إلى غير ذلك من الأمور التي تحرق قلب كل مسلم غيور يهمه أمر المسلمين.

القصة تقول كما يرويها الدكتور عبد الرحمن الحجي في كتابه (التاريخ الأندلسي) نقلاً عن بعض كُتب المؤرخين:

"سارت الحملة إلى جنوب فرنسا متجهة نحو الأندلس، حاصروا أولاً مدينة "وشَقْةَ" إحدى مدن مملكة "سَرَقُسْطَة" والثغر الأعلى ولما فشلوا في اقتحامها تركوها متوجهين إلى مدينة "بَرْبَشْتْرُ" من القواعد الأندلسية المنيعة فحاصروها سنة (456 هـ) لعله في شهر جماد الآخرة منها، ويقدر عدد أفراد هذه الحملة بأربعين ألفاً أو يزيدون.

واستمر الحصار أربعين يوماً وجرت معارك عديدة خارج المدينة، ولما قلَّت الأقوات واشتد الضيق بالمدينة استطاع النورمانديون بعد قتال عنيف اقتحام المدينة الخارجية، وجرت معارك أخرى وتحصن المسلمون بالقصبة والمدينة الداخلية مصممين على الثبات حتى آخر رمق، لكن حدث أن تعرض المهاجمون إلى مكان مجرى الماء الأرضي أو دلَّهم عليه خائن فقطعوه واشتد بالمدافعين العطش فعرضوا على النورمانديين التسليم بشروط فرفضوا، ثم دخلوا المدينة ربما في شهر شعبان من العام عُنوة واستباحوا المدينة الباسلة بكل ما فيها ومن فيها.

وقدر عدد القتلى والأسرى بين أربعين ومائة ألف! ثم أعطى قائد الحملة الأمان، لكنه حين رأى كثرة أهل المدينة أمر جنده أن تُقلّل أعدادهم حصاداً بالسيف، فأطيح أرضاً بستة آلاف من الرؤوس! ثم إنهم انتهبوا المدينة واحتلوا دورها لأنفسهم وارتكبوا أبشع الجرائم قتلاً وهتكاً للأعراض، -وكان الخطب أعظم من أن يوصف أو يُتقصى- كما يقول ابن حيَّان".

وزاد أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله الحُميري في كتاب (صفة جزيرة الأندلس) بعض الزيادات المهمة فقال: "بَرْبَشْتْرُ: هي مدينة من بلاد بريطانية بالأندلس وهي حصن على نهر مخرجه من عين قريبة منها، و"بَرْبَشْتْرُ" من أمهات مدن الثغر الفائقة في الحصانة والامتناع وقد غزاها على غرة وقلة عدد من أهلها وعدة أهل غاليش والروذمانون وكان عليهم رئيس يُسمّى "ألبيطش" وكان في معسكره نحو أربعين ألف فارس فحصرها أربعين يوماً حتى افتتحها وذلك في سنة (456 هـ) فقتلوا عامة رجالها وسبوا فيها من ذرارى المسلمين ونسائهم مالا يحصى كثرة.

ويذكر أنهم اختاروا من أبكار جواري المسلمين وأهل الحسن منهن خمسة آلاف جارية فأهدوهن إلى صاحب القسطنطينية! وأصابوا فيها من الأموال والأمتعة ما يعجز عن وصفه وتخلفوا فيها من جلة رجالهم وأهل البأس منهم من وثقوا بضبطه لها ومنعه إياها واستوطنوها بالأهل والولد وجعلوها ثغراً من ثغورهم ثم انصرفوا عنها، وفي ذلك يقول الفقيه الزاهد ابن العسال من قصيدة كامل:



 
ولقد رمانا المشركون بأسهم *** لم تخط لكن شأنها الصماء هتكوا بخيلهم قصور حريمها *** لم يبقَ لا جبل ولا بطحاء   جاسوا خلال ديارهم فلهم بها *** في كل يوم غارة شعراء باتت قلوب المسلمين برعبهم *** فحماتنا في حربهم جبناء   كم موضع غنموه لم يرحم به *** طفل ولا شيخ ولا عذراء ولكم رضيع فرّقوا من أُمّه *** فله إليها ضجة وبغاء   ولرب مولود أبوه مجدل *** فوق التراب وفرشه البيداء ومصونة في خدرها محجوبة *** قد أبرزوها ما لها استخفاء   وعزيز قوم صار في أيديهم *** فعليه بعد العزة استخذاء لولا ذنوب المسلمين وأنهم *** ركبوا الكبائر ما لهن خفاء   ما كان ينصر للنصارى فارس *** أبداً عليهم فالذنوب الداء فشرارهم لا يختفون بشرهم *** وصلاح منتحلى الصلاح رياء.
هذا للأسف الشديد عبارة عن وهن كبير أصاب الناس في الأندلس وتخاذل واضح من أمرائها؛ بحيث وقعت مثل هذه المذابح الكبيرة والشنيعة وهم غارقون في ملذاتهم وشهواتهم الشخصية، كما يحدث اليوم من رؤساء وقادة وملوك وسلاطين المسلمين أمام قضايا الأمة الإسلامية كقضية فلسطين وغيرها من الدول الإسلامية التي تستباح صباح مساء ولا تجد من هؤلاء إلاَّ الشجب والاستنكار في بعض الأحيان، بل قد يكون بعضهم متواطئ مع العدو ضد إخوانهم من المسلمين فلا حول ولا قوة إلا بالله من هذا الضعف والخور والهوان.

    موسى بن سليمان السويداء
 

شارك الخبر

المرئيات-١