خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شروط وجوب الصيام
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
أيها الفضلاء فقد تقدم معنا الكلام أن ثبوت الشهر يكون بأحد طريقين باتفاق المسلمين: إما بأن يرى الهلال عدلان، وإما بأن نكمل العدة ثلاثين، وهذا ينطبق على رمضان وعلى شوال وعلى غيرهما من الشهور.
أما الحساب الفلكي فهو محل خلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وقد تقدم معنا بسط هذا الأمر، وأيضاً تقدم معنا الكلام في أن اختلاف المطالع معتبر، فلأهل كل بلد رؤيتهم، مثلما أنهم يختلفون في الإفطار والامساك في كل يوم وليلة، فكذلك لو اختلفوا في بداية الشهر وخاتمته لا حرج في ذلك إن شاء الله، وإن كنا نرجو أن يأتي على المسلمين زمان خاصة مع تيسر وسائل الاتصال أن تعود لهم لحمتهم وتضمهم خلافتهم، وأن يكون مبدأ صومهم ونهايته في وقت واحد، وما ذلك على الله بعزيز.
وتقدم معنا الكلام في أن الصيام له ركنان: الركن الأول: النية، ومحلها القلب، ووقتها في الليل في أي جزء من الليل. فلو أن الإنسان نوى قبل طلوع الفجر بلحظة بأنه صائم صيام الفريضة فصومه صحيح، وعلمنا بأن المالكية رحمهم الله يقولون: كل صوم متتابع تجزئ فيه نية الليلة الأولى، لكن يستحب تجديدها لكل يوم.
وأما الركن الثاني: فهو الكف عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ لقول ربنا جل جلاله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]. وأصول المفطرات أربعة: أولها: الطعام، وثانيها: الشراب، وثالثها: الجماع، ورابعها: نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة.
فلو أن إنساناً طعم أو شرب أو جامع فقد فسد صومه، وهذه الثلاثة مذكورة في هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]إلى آخرها، ذكر الله فيها الطعام والشراب والجماع، وأما الحيض والنفاس فذكر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت المرأة لم تصلي ولم تصم؟!)، ومعلوم بأن الشرع يطلق الحيض على النفاس ويطلق النفاس على الحيض، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة: (ما لك لعلك نفست؟! )، فسمى الحيض نفاساً، وأحكامهما واحدة، اللهم إلا المدة فإنها تختلف بين الحيض والنفاس.
إذا علم ذلك فإن الصوم لا يجب إلا إذا توافرت شروط خمسة. الصوم عنده شروط وجوب وعنده شروط صحة، كما أن الصلاة عندها شروط وجوب وعندها شروط صحة، فشرط وجوب الصلاة أمران: البلوغ، وعدم الإكراه على تركها، فالصلاة لا تجب على غير البالغ، والصلاة لا تجب على من أكره على تركها، فمن أكره على ترك الصلاة فقد ارتفع وجوبها عنه.
وأما شروط صحتها فستة: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة، وترك المبطلات، والإسلام.
بالنسبة للصيام فشروط وجوبه خمسة: أولها البلوغ، فالصبي الصغير غير مخاطب بالصيام، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يحتلم، لكن يستحب للمسلم أن يعود صبيه على الصيام، وأن يأمره به، وأن يشجعه عليه، وأن يحمله على الصبر؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هكذا كانوا يفعلون كما قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: (فكنا نصومه ونصوم صبياننا، فإذا بكوا جعلنا لهم اللعبة من العهن حتى يكون عند الإفطار). حتى صبيان الصحابة كانوا يبكون من الجوع، فالصبي لو بكى لا تتأثر مباشرة وتعطيه الأكل، فالصحابة كانوا يجعلون لهم بعض الألعاب يلاعبوهم بها حتى تغرب الشمس، وسيبكي اليوم ولن يبكي غداً؛ لأن المسألة مسألة تعويد، مثل تعودنا الآن أنه لا بد من فطور وغداء وعشاء، لا يستطيع أحد أن يقول: هذه سنة أو فرض، وإنما الأمر راجع إلى عادة اعتدناها، قد يكون في بعض الأحيان أو في بعض بلاد الله الناس يقتصرون على وجبتين، وفي بعض بلاد الكفر -نسأل الله السلامة- قد يأكلون سبع وجبات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)، والرجل الكافر لما جاء فأمر له صلى الله عليه وسلم بحلاب شاة فشربها حتى استتمها ثم أمر له بأخرى فشربها ثم ثالثة فشربها حتى شرب حليب سبع شياه..، فلما أصبح أسلم، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بحلاب شاة فشربها ثم ثانية فشربها ثم ثالثة فما استتمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)، وهذا مشاهد موجود، فالكافر دائماً تجد فمه شغال، يطحن طحناً وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهمْ[محمد:12]. ولذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود، قال: ينبغي أن ينشأ الصغير على بغض الاستكثار من الطعام. وللأسف نساؤنا لا يفقهن هذا الكلام، تجدها دائماً تشجع صبيها على أن يكثر من الأكل، تقول له: لو أكملت الصحن هذا أنا سأعطيك جائزة، فيكمل الصحن ثم تقول له: الكوب الحليب هذا لو أكملته وتصفق له، حتى يتخم الصبي وينشأ وقد استقر عنده أن الاستكثار من الطعام فضيلة وبطولة، بينما الأمر بخلاف ذلك.
أقول: مثلما نأمر الصبي بالصلاة إذا بلغ سبعاً كذلك نأمره بالصيام ونشجعه عليه، وهذا هو الشرط الأول لوجوب الصيام.
الشرط الثاني: العقل، إذ المجنون غير مخاطب بتكاليف الشرع، وقد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، ومناط التكليف العقل، ومتى ما سلب الإنسان نعمة العقل -نسأل الله أن يمتعنا بعقولنا- فقد ارتفع عنه خطاب الشرع.
الشرط الثالث: القدرة على الصيام لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ولذلك من كان شيخاً كبيراً لا يطيق الصوم، ومن كانت امرأة عجوزاً، ومن كان مريضاً زمناً، هؤلاء جميعاً لا يصومون وينتقلون إلى الإطعام.
كذلك من كان مريضاً مرضاً طارئاً.. عنده ملاريا، تيفوئيد، دزنتاريا لا يستطيع أن يصوم فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، لكن السؤال: ما هو المرض المبيح للفطر؟
المرض الذي يبيح الفطر والذي لا يبيحه
ونحن نعلم بأن الأمراض ليست سواء، أحياناً هناك مرض خفيف، كصداع خفيف، وزكام يسير، وجرح في الإصبع، ووجع في الضرس، فهذا لا يبيح الفطر، كأن تجرح أحداً سكينة أو شوكة تدخل فيه فيقول: باسم الله: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ[البقرة:184] نقول له: لا هذا مرض خفيف، يحرم عليك أن تفطر معه.
النوع الثاني: مرض يستطيع معه الصوم، ولكن مع مشقة، نقول له: السنة أن تفطر؛ لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فمثلاً: مريض الملاريا -عافانا الله وإياكم- عنده دواء في ساعات معينة، أو بعض مرضى الالتهابات عنده دواء كل ست ساعات، أو كل ثمان ساعات، ولو أنه فرط في استعماله يشق عليه، فمثل هذا نقول له: خير لك أن تفطر؛ لأن الدين والحمد لله مبناه على اليسر، ولذلك في آيات الصيام قال ربنا: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185]، ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).
النوع الثالث: المريض مرضاً شديداً بحيث أنه لو صام يخشى عليه الهلاك، نقول له: الصوم في حقك حرام. مثل بعض مرضى الكلى الذين لا يستغنون عن الماء، ومثل بعض مرضى السكري، أو بعض أنواع القروح التي تصاب بها المعدة، بحيث يقول له الأطباء: بأنك لا تجوع ولا تشبع، لا بد أن تأكل على فترات متقاربة، وتأكل شيئاً يسيراً، فأمثال هؤلاء جمعياً نقول لهم: يجب عليكم أن تفطروا، ويحرم عليكم أن تصوموا؛ لأن الله تعالى قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار)، ولذلك من كان يخشى مع الصوم أن يفقد بصره أو أن يفقد سمعه ونحو ذلك، نقول له: احفظ نفسك، والحمد لله قد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً في عدة من أيام أخر، أو في الإطعام إذا كان مرضك ملازماً.
إذاً: المرض ليس سواء، فهناك مرض خفيف يسير فيجب عليك أن تصوم معه، وهناك مرض يمكن أن تصوم معه ولكن مع مشقة، فيستحب لك أن تفطر؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، أما إذا كان المرض شديداً، بحيث لو صمت خفت الهلاك أو فقدت حاسة كسمع أو بصر فنقول لك: يحرم عليك الصوم. وهذا الكلام يخاطب به كبار السن، أحياناً يكون شيخاً كبيراً طاعناً في السن فيقول: لابد أن أصوم. نقول له: يا أبانا حرام عليك أن تصوم، فإن الله لم يأمر بالتهلكة.
إباحة الفطر للحامل والمرضع
كذلك بالنسبة للحامل والمرضع، فبعض النساء تظن أن كل حامل لا بد أن تفطر، وأن كل مرضع لا بد أن تفطر، نقول: لا. إذا كانت حاملاً تستطيع الصيام فالصوم في حقها واجب، وإذا كانت مرضعاً تستطيع الصيام فالصوم في حقها واجب.
مثلاً بعض النساء تكون حاملاً وهي صائمة، والأمر عادي بالنسبة لها، وبعض النساء ترضع ولدها وهي صائمة ولا تتأثر لا هي ولا طفلها، فهاتان الصوم في حقهما واجب، أما إذا كانت الحامل تخشى على نفسها أو تخشى على الجنين، أو إذا كانت المرضع تخشى على طفلها وقد عرفت ذلك إما بتجربة أو بإخبار الطبيب الحاذق الثقة ففي هذه الحالة نقول لهما: أفطرا والواجب عليكما عدة من أيام أخر.
بعض النساء ستقول: كيف؟ أنا سنة واحد وعشرين هجرية كنت حاملاً، وسنة اثنين وعشرين كنت مرضعاً، وفي ثلاث وعشرين حاملاً، وفي أربع وعشرين مرضعاً، وخمس وعشرين حاملاً، وست وعشرين مرضعاً، والآن نحن سنة ثلاثين فعلي تسعة رمضانات، نقول لها: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، تصوم تسعة رمضانات أو تسعة عشر رمضان، سيأتي عليها زمان -إن شاء الله- لا حمل ولا إرضاع.. فلا تنتقل مثل هذه إلى الإطعام، فالإطعام ليس للحامل ولا للمرضع، إنما الإطعام لثلاثة: الشيخ الكبير؛ لأن الشيخ الكبير هذا لن يرجع شباباً، والمرأة العجوز، والمريض الزمن.
وقد جاء في الحديث: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصيام).
ونحن نعلم بأن الأمراض ليست سواء، أحياناً هناك مرض خفيف، كصداع خفيف، وزكام يسير، وجرح في الإصبع، ووجع في الضرس، فهذا لا يبيح الفطر، كأن تجرح أحداً سكينة أو شوكة تدخل فيه فيقول: باسم الله: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ[البقرة:184] نقول له: لا هذا مرض خفيف، يحرم عليك أن تفطر معه.
النوع الثاني: مرض يستطيع معه الصوم، ولكن مع مشقة، نقول له: السنة أن تفطر؛ لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فمثلاً: مريض الملاريا -عافانا الله وإياكم- عنده دواء في ساعات معينة، أو بعض مرضى الالتهابات عنده دواء كل ست ساعات، أو كل ثمان ساعات، ولو أنه فرط في استعماله يشق عليه، فمثل هذا نقول له: خير لك أن تفطر؛ لأن الدين والحمد لله مبناه على اليسر، ولذلك في آيات الصيام قال ربنا: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185]، ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).
النوع الثالث: المريض مرضاً شديداً بحيث أنه لو صام يخشى عليه الهلاك، نقول له: الصوم في حقك حرام. مثل بعض مرضى الكلى الذين لا يستغنون عن الماء، ومثل بعض مرضى السكري، أو بعض أنواع القروح التي تصاب بها المعدة، بحيث يقول له الأطباء: بأنك لا تجوع ولا تشبع، لا بد أن تأكل على فترات متقاربة، وتأكل شيئاً يسيراً، فأمثال هؤلاء جمعياً نقول لهم: يجب عليكم أن تفطروا، ويحرم عليكم أن تصوموا؛ لأن الله تعالى قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار)، ولذلك من كان يخشى مع الصوم أن يفقد بصره أو أن يفقد سمعه ونحو ذلك، نقول له: احفظ نفسك، والحمد لله قد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً في عدة من أيام أخر، أو في الإطعام إذا كان مرضك ملازماً.
إذاً: المرض ليس سواء، فهناك مرض خفيف يسير فيجب عليك أن تصوم معه، وهناك مرض يمكن أن تصوم معه ولكن مع مشقة، فيستحب لك أن تفطر؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، أما إذا كان المرض شديداً، بحيث لو صمت خفت الهلاك أو فقدت حاسة كسمع أو بصر فنقول لك: يحرم عليك الصوم. وهذا الكلام يخاطب به كبار السن، أحياناً يكون شيخاً كبيراً طاعناً في السن فيقول: لابد أن أصوم. نقول له: يا أبانا حرام عليك أن تصوم، فإن الله لم يأمر بالتهلكة.
كذلك بالنسبة للحامل والمرضع، فبعض النساء تظن أن كل حامل لا بد أن تفطر، وأن كل مرضع لا بد أن تفطر، نقول: لا. إذا كانت حاملاً تستطيع الصيام فالصوم في حقها واجب، وإذا كانت مرضعاً تستطيع الصيام فالصوم في حقها واجب.
مثلاً بعض النساء تكون حاملاً وهي صائمة، والأمر عادي بالنسبة لها، وبعض النساء ترضع ولدها وهي صائمة ولا تتأثر لا هي ولا طفلها، فهاتان الصوم في حقهما واجب، أما إذا كانت الحامل تخشى على نفسها أو تخشى على الجنين، أو إذا كانت المرضع تخشى على طفلها وقد عرفت ذلك إما بتجربة أو بإخبار الطبيب الحاذق الثقة ففي هذه الحالة نقول لهما: أفطرا والواجب عليكما عدة من أيام أخر.
بعض النساء ستقول: كيف؟ أنا سنة واحد وعشرين هجرية كنت حاملاً، وسنة اثنين وعشرين كنت مرضعاً، وفي ثلاث وعشرين حاملاً، وفي أربع وعشرين مرضعاً، وخمس وعشرين حاملاً، وست وعشرين مرضعاً، والآن نحن سنة ثلاثين فعلي تسعة رمضانات، نقول لها: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، تصوم تسعة رمضانات أو تسعة عشر رمضان، سيأتي عليها زمان -إن شاء الله- لا حمل ولا إرضاع.. فلا تنتقل مثل هذه إلى الإطعام، فالإطعام ليس للحامل ولا للمرضع، إنما الإطعام لثلاثة: الشيخ الكبير؛ لأن الشيخ الكبير هذا لن يرجع شباباً، والمرأة العجوز، والمريض الزمن.
وقد جاء في الحديث: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصيام).
الشرط الرابع: الإقامة، فمن كان مسافراً سفراً مباحاً، ومن باب أولى سفر الطاعة جاز له أن يفطر، وهاهنا أيضاً نقول: السفر ليس الناس فيه سواء، فهناك سفر لا مشقة فيه، وهو حال كثير من أنواع السفر اليوم، فهذا المسافر يستحب له أن يصوم؛ لأن الله عز وجل قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة:184]، وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم وهو مسافر، بل أكثر من ذلك، يقول الصحابة: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في يوم شديد الحر، حتى إن أحدنا ليتقي الشمس بيده، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ) والباقون كلهم مفطرون، أبو بكر و عمر والجماعة.
أقول: إذا كانت المشقة في السفر يسيرة أو لا مشقة فيه فخير لك أن تصوم، وإذا كانت المشقة عظيمة فخير لك أن تفطر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان مع أصحابه في سفر فشق عليهم الصيام، أمرهم أن يفطروا، فلما بلغه أن قوماً صاموا، قال: (أولئك العصاة أولئك العصاة) أي: الذين لم يأخذوا بالرخصة.
اشتراط الإباحة ومسافة القصر للفطر في السفر
لكن ليس كل سفرٍ يبيح الفطر، فأول شيء لابد أن يكون السفر سفراً مباحاً، فمن سافر في معصية لا يجوز له أن يفطر؛ لأن الرخص لا يستعان بها على معصية الله، لا بد أن تكون مسافراً سفر طاعة، كعمرة مثلاً، أو طلب علم، أو صلة رحم، أو سفر مباح، كمن سافر في تجارة، أما من سافر في معصية، مثلاً سافر لكي يقتل رجلاً حرام قتله، لا يحل له أن يفطر، أو سافر من أجل أن يوقع عقداً ربوياً.
أو سافر من أجل أن يأخذ شحنة بنجو، فلا ينبغي له أن يفطر.
الشرط الثاني: أن تكون المسافة مسافة قصر، ومسافة القصر عند أكثر أهل العلم: أربعة برد، ما يعادل بالتقريب ثلاثة وثمانين كيلو، فمن سافر أكثر من ثلاثة وثمانين كيلو جاز له أن يفطر.
اشتراط تبييت النية قبل الفجر، والسفر ليلاً لإباحة الفطر في السفر
الشرط الثالث: أن يبيت الفطر قبل الفجر، فإن بيت الصيام لا يجوز له أن يفطر إلا لضرورة؛ لأنه كان مخيراً بين الصوم والفطر، فلما اختار الصوم صار الصوم في حقه عزيمة ليس له أن يخرمه، فإن خرمه كان منتهكاً لحرمة الصوم. هذا كلام المالكية رحمهم الله، لكن يعكر عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما مر معنا قريباً الحديث-: (كان مع الصحابة في سفر صائماً فلما شق عليهم أمرهم أن يفطروا) وكذلك صلى الله عليه وسلم فلما كان في غزوة الفتح فتح مكة وهو صائم فلما بلغ كراع الغميم، مكان قريب من مكة، أمر الصحابة أن يفطروا، فقال لهم: (إنكم ستلقون عدوكم وإنه أقوى لكم)، فأمرهم بالفطر؛ لأن الفطر أقوى لهم.
فليس كل سفر مبيحاً للفطر، فالسفر المبيح للفطر شرطه الأول: أن يكون سفراً مباحاً أو سفر طاعة.
الشرط الثاني: أن تكون المسافة مسافة قصر.
الشرط الثالث: أن يبيت نية الفطر من الليل.
والشرط الرابع: أن يرحل من بلده ليلاً. قالوا: فلو رحل من بعد الفجر فإنه يلزمه أن يتم الصيام.
لكن لو قسنا الصيام على الصلاة. يعني: أنت لو سافرت بعد الفجر أو حتى بعد الزوال جاز لك أن تتمتع برخص السفر كلها، جاز لك أن تقصر، وجاز لك أن تجمع، وجاز لك أن تترك السنن القبلية والبعدية بالنسبة للظهر والمغرب والعشاء، لكن هكذا قال المالكية: من خرج بعد الفجر فقد شاهد بداية الصوم وهو حاضر فلزمه أن يصوم.