خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
ثبوت دخول رمضان
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يجب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً وارزقنا عملاً صالحاً ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
فما زال الحديث يتناول أحكام الصيام، وقد تقدم معنا الكلام في تعريف الصيام وبيان فضله وأنواعه، وعرفنا أن الصيام المفروض يتمثل في صيام رمضان وصيام النذر وصيام الكفارات.
وعرفنا بأن صيام رمضان قد فرض بإجماع المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، ومعنى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قبضه الله حتى صام تسعة رمضانات، وقد أجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، وأنه ركن من أركان الإسلام، وأن منكر هذه الفرضية ومستحل الفطر في نهار رمضان من غير عذر يكفر والعياذ بالله.
وقد خاطبنا ربنا جل جلاله بهذه الفريضة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، وهذه الآية قد رغبنا ربنا جل جلاله فيها في الصيام حين نادانا بوصف الإيمان، وأخبرنا بأن الصيام مفروض علينا كما كان مفروضاً على الذين من قبلنا، وأن ثمرة الصيام تحصيل تقوى الله عز وجل، ثم رغبنا جل جلاله بقوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، وكما بين نبينا صلى الله عليه وسلم تلك الأيام المعدودات بقوله: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا أو هكذا وهكذا وقبض على إبهامه)، فالأيام المعدودات إما أن تكون ثلاثين أو تسعة وعشرين، فلا يزيد رمضان على ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
ثم رخص ربنا جل جلاله للمريض والمسافر بالفطر، وأخبر أن الواجب عليهما القضاء في عدة من أيام أخر، وأن العلة في ذلك أن ديننا مبناه على اليسر: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].
ورغبنا جل جلاله في أن نكثر من الدعاء في أثناء الصيام فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَهمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والمسافر حتى يرجع، ودعوة الوالد لولده). وتقدم معنا الكلام في أن الصيام فرض على التدريج، لم يكن فرضه دفعة واحدة، فكان المفروض في أول الأمر صيام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم فرض صيام رمضان على التخيير، من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم، ثم بعد ذلك جاء الفرض الجازم في قول ربنا جل جلاله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185].
والحديث في هذا الدرس سيتناول مسألتين:
المسألة الأولى: بم يثبت دخول شهر رمضان؟
والمسألة الثانية: ما هي شروط وجوب صوم رمضان؟
أما السؤال الأول: بم يثبت دخول الشهر؟ فدخول الشهر بإجماع المسلمين يثبت بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى: رؤية الهلال. والطريقة الثانية: إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، وهذا ثابت في الحديث الصحيح المتفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، وفي لفظ: (لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه)، فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام والإفطار على رؤية الهلال.
وقد ذكر ربنا جل جلاله هذا المعنى في قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، فإذا لم ير الهلال فإن الناس يتمون العدة ثلاثين، سواءً كانت عدة شعبان أو عدة رمضان.
وهاهنا مسألتان:
المسألة الأولى: ما حكم التعويل على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر وخروجه؟
والمسألة الثانية: لو رؤي الهلال في بلد هل تكون هذه الرؤية عامة لجميع بلاد المسلمين؟
أما المسألة الأولى: فإنها تثير كلاماً كثيراً في كل عام، حين يخرج الفلكيون على الناس فيقولون: يستحيل رؤية الهلال في ليلة كذا، ثم بعد ذلك يخرج على الناس بيان بأنه ثبت دخول رمضان في ليلة كذا، وهي ذات الليلة التي قال الفلكيون: بأنها تستحيل فيها الرؤية، يقولون: رؤي الهلال في بلد كذا وفي بلد كذا بشهادة العدول المؤتمنين، ويعلم أن غداً صيام، فيدخل الناس في بلبلة.
جمهور العلماء على أنه لا يعول على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر ولا في إثبات خروجه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علل الصيام والإفطار على الرؤية، ولكن ينسب إلى بعض العلماء الأولين من فقهائنا المتقدمين التعويل على الحساب، ينسب هذا إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي و أبي العباس بن سريج ومن قبلهم مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وبعض أهل العلم ينكر صحة هذه النسبة إليهم.
والآن بعض فقهائنا المعاصرين يقول بالتعويل على الحساب. ما حجتهم في ذلك؟
حجتهم أولاً: أن الحساب علم منضبط والخطأ فيه غير وارد، أو أنه يسير وأن الله عز وجل أشار إلى اعتماد الحساب في قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [يونس:5].
ثانياً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (صوموا لرؤيته) ليس المراد بذلك الرؤية البصرية وإنما المراد بالرؤية العلم، ونحن نعرف في خطاب القرآن أن الرؤية تطلق ويراد بها العلم، مثلاً قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ[الفيل:1]، وهو سبحانه وتعالى يعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ولم يحضر، لكن المقصود: ألم تعلم. وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ[الفجر:6]، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ولن يخاطب بالقرآن وقد رأى، لكن المراد هاهنا الرؤية العلمية وليست الرؤية البصرية، قال: (صوموا لرؤيته). أي: للعلم بأنه قد وجد الهلال.
ثالثاً: قالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم علل التعليق على الرؤية بقوله: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، هل الأمة الآن أمة أمية؟ الحمد لله رب العالمين أمة المسلمين فيها الكاتبون والحاسبون والفلكيون ومن يعلمون عدد السنين والحساب، وفيهم العلماء الذين نفاخر بهم الدنيا، فهذه الأمية التي علق النبي صلى الله عليه وسلم عليها الحكم لم تعد موجودة ولا حاصلة.
وقالوا: بأنه لو كان التعويل على الرؤية البصرية كما هو ظاهر الحديث ماذا يصنع الأعمى؟ وماذا يصنع المحبوس؟ الأعمى لا يرى، لا تتأتى له الرؤية، والمحبوس في غرفة أو في زنزانة لا تتأتى له الرؤية.
وقالوا: نقيس الصيام على الصلاة، الصلاة نعرف دخول وقتها بالحساب في يوم كذا صلاة المغرب ستكون في السابعة وثمانية وعشرين دقيقة مثلاً، وليس بالضرورة أن نخرج فننظر هل غربت الشمس أو لم تغرب.
وكذلك يقولون: صلاة الصبح في الخامسة ودقيقة أو الخامسة ودقيقتان مثلاً، وليس بالضرورة أن نخرج فننظر في جهة المشرق هل ظهر الفجر الصادق أم لم يظهر؟ كما يقول أئمتنا الأولون: على هيئة جناح الطائر المستطيل في الأفق.
ويقولون: الفجر الكاذب وهو على هيئة ذنب السرحان المستطيل في الأفق. لا نحتاج لهذا ولا هذا وإنما نعول على الحساب وعلى قول الفلكيين.
وقالوا: لو أننا عولنا على الرؤية فماذا يصنع أهل البلاد الذين يدوم فيهم الغيم؟ فعلاً بعض البلاد لا يكادون يرون الشمس ولا القمر، ليس عندهم شمس ولا قمر، وإنما هم في غيم دائم مستديم. ماذا يصنع هؤلاء؟!
هذه خلاصة حجة القائلين بالحساب الفلكي وأنه يعول عليه في إثبات دخول الشهر وخروجه.
والآخرون يردون على هذه الحجج كلها، فيقولون: بأن القياس على المحبوس والأعمى وغير هؤلاء وأمثالهم أولاً: قياس في مقابل النص فهو فاسد الاعتبار.
ثانياً: المحبوس والأعمى كلاهما معذور وهو مكلف بالاجتهاد، ونحن لا نقيس غير المعذور على المعذور، فالشريعة عذرت في الصلاة، فمن لا يستطيع القيام يصلي جالساً، ومن لا يستطيع الجلوس يصلي على شقه الأيمن.. وهكذا، فما نقيس القادر على المعذور.
ثالثاً: قولهم بأن الحساب منضبط لا يحتمل الخطأ، نقول: هذا القول ينقضه اختلاف الفلكيين أنفسهم في البلد الواحد، وأنتم ترون في كل عام فلان يقول: كذا، والآخر يقول: كذا، وكلاهما فلكي، ولذلك بعض العلماء يقول: اختلافهم ليس في وقت ولادة الهلال ولكن اختلافهم في إمكانية رؤية الهلال.
أيضاً يقولون: بأن قياس الصيام على الصلاة لا يستقيم؛ لأن الشرع جعل وجوب الصلاة سببه دخول وقتها، ودخول وقتها معلق على دورة الشمس ولذلك متى ما حصل العلم بالوقت بأي طريق من طرق العلم وجبت الصلاة.
أما بالنسبة للصيام فالشرع حدد وسيلة معينة وهي رؤية الهلال، ولذلك المجامع الفقهية ولجان الفتوى سواء كان المجمع الدولي أو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، أو لجنة الفتوى بالأزهر، أو غيرها من المجامع المعتبرة في بلاد المسلمين لا يقولون باعتماد الحساب الفلكي.
وبعضهم يتوسط فيقولون: نعتمد الحساب الفلكي في نفي الرؤية لا في إثباتها. فلو قال الفلكيون: بأن رؤية الهلال متعذرة ففي هذه الحالة يؤخذ بقولهم. لكنهم لو قالوا: بأن الحساب يقول بأن الصيام سيكون في يوم كذا فإننا لا نعتمد قولهم ولا نأخذ به.
المسألة الثانية وهي أيضاً تثير بلبلة عند جماهير المسلمين في كل عام حين يصوم أهل البلد الفلاني في يوم الإثنين والبلد القريبة جداً في الشمال تصوم يوم الثلاثاء والبلد القريبة في الغرب تصوم يوم الأحد، وتجد أحياناً فروقاً في بداية الشهر تبلغ ثلاثة أيام، أما الروافض فشأنهم أعجب هناك في بلاد فارس فهؤلاء أيضاً يعدلون دائماً.. يخالفون المسلمين في الصيام وفي الإفطار.
أقول: هذه المسألة لا ينبغي أن تزعجكم كثيراً؛ لأن الخلاف فيها قديم، بعض أهل العلم يرى أن رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلاد، فلو رؤي الهلال في بلد من بلاد المسلمين خاصة إذا كانوا يشتركون في جزء من الليل، ومعلوم بأن أقصى مشرق للمسلمين في إندونيسيا، وأقصى مغرب للمسلمين في موريتانيا بلاد شنقيط، التي هي بعد المغرب الأقصى، ما بين إندونيسيا في أقصى الشرق، وموريتانيا في أقصى الغرب تسع ساعات، معنى ذلك أنهم يشتركون في جزءٍ من الليل، ولذلك بعض العلماء يقول: رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (صوموا لرؤيته) ليس مخاطباً بذلك آحاد المسلمين، بل إذا رأى الهلال عدلان وشهدا بذلك فإن الصوم لازم لجميع المسلمين، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بنفسه وإنما يأتي شاهدان فيقولان: يا رسول الله قد رأينا الهلال، كما جاء عبد الله بن عمر رضي الله عنه فيقول: يا رسول الله إني رأيت الهلال، فيؤذن في الناس بأن يصوموا.
ولكن جماعة آخرين من أهل العلم قالوا: لا. اختلاف المطالع معتبر، ولكل أهل بلد رؤيته، واستدلوا على ذلك بحديث كريب مولى ابن عباس رضي الله عنه، (أن أم الفضل بعثت كريباً إلى معاوية بالشام، فدخل عليهم رمضان ليلة الجمعة.. أصبحوا يوم الجمعة صائمين، فلما قضى حاجته في بلاد الشام رجع إلى المدينة في أثناء رمضان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: متى رأيتم الهلال؟ يعني في الشام قال: رأيناه ليلة الجمعة فصمنا، فقال له ابن عباس: لكننا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال.. هلال شوال، أو نكمل العدة ثلاثين. فقال له كريب : ألا تكتفي برؤية معاوية؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والقائل لهذا الكلام ابن عباس الحبر البحر الفقيه العلم، يرى بأن لأهل كل بلدٍ رؤيتهم.
فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله، لكن يبقى بعد ذلك إشكالات:
الإشكالية الأولى: إشكالية كريب هذه ترد على كثير من الناس، فـكريب بدأ الصيام في الشام يوم الجمعة، وجاء إلى المدينة، وأهل المدينة بدءوا يوم السبت، فلو فرض أن أهل المدينة صاموا ثلاثين يوماً؟ لو أن كريباً تابعهم سيكون قد صام واحداً وثلاثين يوماً. هذه إشكالية.
وعلى العكس لو أن ابن عباس قدم من المدينة وقد صام يوم السبت وذهب إلى الشام وأهل الشام صاموا يوم الجمعة، لو فرض أنهم رأوا الهلال ليلة الثلاثين، يكونون قد صاموا رمضان تسعة وعشرين و ابن عباس يكون قد صام ثمانية وعشرين، وهذه واردة بكثرة الآن لتيسر وسائل النقل، فهاهنا قاعدة عضوا عليها وهي قاعدتنا معشر المالكية: بأن الاعتبار بالبلد التي تقدم عليها. مثلاً لو أنك صمت في البلد الذي صام يوم الأحد، ثم جئت إلى هنا والناس قد صاموا يوم الإثنين، فتعتبر بما عليه أهل هذه البلاد.
وعلى العكس لو أنك ذهبت -ولا حول ولا قوة إلا بالله- لمن صام يوم الأحد فإنك تفطر معهم ثم تقضي، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً ستقضي يوماً واحداً. فالمقصود بأن الاعتبار بالبلد الذي تقدم عليه.
ومثلها أيضاً الذين قالوا: بأن لكل أهل بلد رؤيته، استدلوا بأن لأهل كل بلد إمساكه وإفطاره. مثلاً نحن الآن في رمضان نكون جالسين وقد بلغت الروح الحلقوم وننظر إلى أهل مكة وهم يأكلون ويشربون، ولا أحد يقول: نفطر مع مكة بسم الله، ولو فعل ذلك كلنا نقول له: صومك باطل، لأنك تعمدت أن تأكل قبل أن تغرب الشمس.
ومثله أيضاً: نحن نأكل ونتسحر وأهل مكة يصلون صلاة الصبح، فإذا كان لأهل كل بلد إفطاره وإمساكه فكذلك لأهل كل بلد رؤيته، فلا تنزعجوا لهذا الأمر.
إذا تبين ذلك فإننا نقول بأن للصوم ركنين: الركن الأول النية، والركن الثاني الإمساك. النية بمعنى أن ينوي الإنسان بقلبه بأنه سيصوم، ولا يشترط أن يتلفظ بقول: نويت الصيام، هذا ليس من السنة، فالإنسان ينوي بقلبه أنه غداً صائم، أو كما عند المالكية كل صوم متتابع تكفي فيه نية الليلة الأولى. فمثلاً لو قيل بأن غداً رمضان، فنوى الإنسان أن يصوم شهراً، فتكفيه هذه النية للشهر كله، ويستحب له تجديدها في كل ليلة، فإذا انقطع التتابع، مثلاً يوم عشرة رمضان سافرت أو مرضت فأفطرت يوماً أو يومين أو أكثر فإذا استأنفت الصيام فلا بد أن تستأنف النية.. لا بد أن تجدد النية.
والنية محلها القلب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل)، أما بالنسبة لصيام التطوع فعند جمهور العلماء لا يشترط تبييتها من الليل، مثلاً غداً خميس وأنت ما نويت صياماً، لكنك لما قمت في الصباح وجدت الجو غائماً والهواء بارداً ثم بعد ذلك ذهبت إلى الفوال فوجدت الحانوت مغلقاً، فقلت: طالما والجو طيب ولا يوجد فول فإنني اليوم صائم، يصح الصيام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرجع بعد صلاة الصبح فإذا وجد طعاماً أكل فإذا لم يجد قال: (فإنني اليوم صائم).
وهذا طبعاً عند غير المالكية؛ لأن المالكية يقولون: صيام التطوع مثل صيام الفريضة لا بد من تبييت النية من الليل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإني إذاً صائم) قالوا: معناه مستديم الصيام.
طيب لماذا يسأل عن الطعام إذا كان أصلاً صائم؟ قالوا يسأل عن الطعام من أجل أهله، يتفقدهم هل عندكم طعام تأكلون؟ ولا يقصد نفسه. ولا شك أن هذا تأويل بعيد من المالكية جزاهم الله خيراً.
نقف عند هذا الحد إن شاء الله، أسأل الله أن ينفعني وإياكم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.