أنواع الصيام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام على بعض المسائل المتعلقة بالصيام، فمن ذلك: تعريف الصيام، وبيان حكمه وحكمته ومرتبته من الدين، ومتى فرض، وكيف كان التدرج في فرضه، وبقي معنا الكلام في هذا الدرس -إن شاء الله- عن أنواع الصيام.

يقول علماؤنا رحمهم الله: الصيام على ستة أنواع:

فهناك صوم واجب، وصوم مسنون، وصوم متطوع به، وصوم مباح، وصوم مكروه، وصوم محرم.

والصوم الواجب على ثلاثة أنواع: ‏

صوم رمضان

أولها: صوم رمضان، فصيام رمضان واجب على كل مسلم بالغ، عاقل، صحيح، مقيم، فكل إنسان مسلم قد بلغ الحلم وهو ممتع بنعمة العقل، وصحيح في بدنه فليس به علة تمنعه من الصيام، وهو مقيم غير مسافر، فصوم رمضان في حقه واجب، ولو أنه أفطر بغير عذر فحسابه عسير، وكما قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتاب الكبائر: وما زال المسلمون لا يظنون خيراً بمن أفطر في رمضان من غير عذر، وما زالوا يظنون به الإلحاد والزندقة، وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ذنبان لم أر أعظم منهما بعد الشرك بالله: رجل ترك صلاة مكتوبة متعمداً حتى خرج وقتها، ورجل أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له. فصوم رمضان صوم واجب بإجماع المسلمين.

صوم النذر

النوع الثاني: صوم النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو نذراً مشروطاً، ومثال النذر المطلق: أن يقول إنسان: لله علي أن أصوم كذا، فيجب عليه الوفاء بالنذر؛ لأن الله عز وجل قال: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ[الحج:29]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه )، والنذر المشروط: أن يقول الإنسان: لله علي أن أصوم يوماً إذا حصل كذا، مثلاً إن شفيت من مرضي، أو إن نجح ولدي، أو إن سلمت من الشرور والآفات ونحو ذلك، فهذا نذر مشروط والوفاء به مطلوب، والله عز وجل مدح عباده المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر، فهذا من الصوم الواجب.

صوم الكفارات

النوع الثالث: صوم الكفارات، فمن حلف يميناً ثم حنث فقد وجب عليه أن يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، فإذا عجز فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام. وكذلك من صوم الكفارات: صوم كفارة الظهار، فلو أن إنساناً قال لامرأته: أنت علي حرام كأمي أو كأختي أو أنت علي كظهر أمي مثلاً، فالله عز وجل أمره بأن يكفر قبل المسيس بتحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وكذلك من قتل مؤمناً خطأً يجب عليه أن يحرر رقبة، فإن لم يجد الرقبة كما هو في زماننا فواجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، ومثل ذلك فيمن أفطر في نهار رمضان بجماع، سواء كان في فرج حلال أو حرام، فإنه بالاتفاق يجب عليه القضاء، ويجب عليه الكفارة، فيقضي مكان اليوم يوماً، ويكفر بتحرير رقبة أو بصيام شهرين متتابعين أو بإطعام ستين مسكيناً، والإمام مالك يقول: على التخيير، وغيره يقولون: على الترتيب، فيحرر رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل: ( هل تجد رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا أملك إلا ما أفترشه وألتحفه، فأهدي للنبي صلى الله عليه وسلم عرق من تمر -يعني: قفة، مكتل- فقال له: اذهب فتصدق به، فقال: يا رسول الله! على أفقر مني؟ فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال له: اذهب فأطعمه أهلك ).

إذاً: الصوم الواجب ثلاثة أنواع:

النوع الأول: صيام رمضان، الثاني: صيام النذر، الثالث: صيام الكفارات.

أولها: صوم رمضان، فصيام رمضان واجب على كل مسلم بالغ، عاقل، صحيح، مقيم، فكل إنسان مسلم قد بلغ الحلم وهو ممتع بنعمة العقل، وصحيح في بدنه فليس به علة تمنعه من الصيام، وهو مقيم غير مسافر، فصوم رمضان في حقه واجب، ولو أنه أفطر بغير عذر فحسابه عسير، وكما قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتاب الكبائر: وما زال المسلمون لا يظنون خيراً بمن أفطر في رمضان من غير عذر، وما زالوا يظنون به الإلحاد والزندقة، وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ذنبان لم أر أعظم منهما بعد الشرك بالله: رجل ترك صلاة مكتوبة متعمداً حتى خرج وقتها، ورجل أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له. فصوم رمضان صوم واجب بإجماع المسلمين.

النوع الثاني: صوم النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو نذراً مشروطاً، ومثال النذر المطلق: أن يقول إنسان: لله علي أن أصوم كذا، فيجب عليه الوفاء بالنذر؛ لأن الله عز وجل قال: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ[الحج:29]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه )، والنذر المشروط: أن يقول الإنسان: لله علي أن أصوم يوماً إذا حصل كذا، مثلاً إن شفيت من مرضي، أو إن نجح ولدي، أو إن سلمت من الشرور والآفات ونحو ذلك، فهذا نذر مشروط والوفاء به مطلوب، والله عز وجل مدح عباده المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر، فهذا من الصوم الواجب.

النوع الثالث: صوم الكفارات، فمن حلف يميناً ثم حنث فقد وجب عليه أن يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، فإذا عجز فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام. وكذلك من صوم الكفارات: صوم كفارة الظهار، فلو أن إنساناً قال لامرأته: أنت علي حرام كأمي أو كأختي أو أنت علي كظهر أمي مثلاً، فالله عز وجل أمره بأن يكفر قبل المسيس بتحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وكذلك من قتل مؤمناً خطأً يجب عليه أن يحرر رقبة، فإن لم يجد الرقبة كما هو في زماننا فواجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، ومثل ذلك فيمن أفطر في نهار رمضان بجماع، سواء كان في فرج حلال أو حرام، فإنه بالاتفاق يجب عليه القضاء، ويجب عليه الكفارة، فيقضي مكان اليوم يوماً، ويكفر بتحرير رقبة أو بصيام شهرين متتابعين أو بإطعام ستين مسكيناً، والإمام مالك يقول: على التخيير، وغيره يقولون: على الترتيب، فيحرر رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل: ( هل تجد رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا أملك إلا ما أفترشه وألتحفه، فأهدي للنبي صلى الله عليه وسلم عرق من تمر -يعني: قفة، مكتل- فقال له: اذهب فتصدق به، فقال: يا رسول الله! على أفقر مني؟ فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال له: اذهب فأطعمه أهلك ).

إذاً: الصوم الواجب ثلاثة أنواع:

النوع الأول: صيام رمضان، الثاني: صيام النذر، الثالث: صيام الكفارات.

وأما الصوم المسنون: فكصيام الإثنين والخميس، والثلاث البيض، وعرفة وعاشوراء وتاسوعاء، والتسع الأول من ذي الحجة وصيام شهر الله المحرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحب الصلاة إلى الله بعد الفريضة صلاة الليل، وأحب الصيام إلى الله بعد رمضان صيام شهر الله المحرم )، وصيام شعبان، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من الصيام في شعبان، وكان يقول: ( ذاك شهر غفل عنه الناس بين رجب ورمضان )، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيته استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)، يعني: أكثر شهر كان يصوم فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو شهر شعبان، وكان يفعل هذا من باب الاستعداد لرمضان، ومثله صيام ستة أيام من شوال، ومثله صيام رجب باعتباره أنه من الأشهر الحرم التي أمرنا بتعظيمها، وأن نكثر من العمل الصالح فيها، لكن ينبغي أن يعلم بأنه لم يصح في صيام رجب بخصوصه حديث، وهذا الذي قاله حذام المحدثين الإمام أبو الفضل الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، قال في كتابه تبيين العجب لما ورد في فضل رجب: لم يصح في فضل شهر رجب ولا في صيامه بخصوصه حديث.

أما صيام التطوع، فيصح لك أن تصوم في أي يوم؛ تقرباً إلى الله عز وجل إلا الأيام التي نهينا عن صيامها، فلو أنك وجدت إنساناً صائماً يوم السبت أو يوم الأحد أو يوم الثلاثاء أو يوم الأربعاء، فليس من حقك أن تنكر عليه، وهذا يفعله بعض الناس، فمثلاً إذا قال لك: كل، وألح عليك، وفي النهاية تضطر إلى أن تقول له: أنا صائم، فيقول لك: الليلة الثلاثاء، قل له: نعم الثلاثاء. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى بيته فيقول: ( هل من طعام؟ فإذا وجد طعاماً أكل، وإذا لم يجد قال: فإنني اليوم صائم )، إلا الأيام التي نهينا عن صيامها، إما لأن الصيام فيها حرام أو لأن الصيام فيها مكروه.

أما الصوم المكروه فهو على أنوع:

صوم العام كله

النوع الأول: صوم العام كله: وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بصيام الدهر، فيكره لك أن تصوم العام كله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يسرد الصوم نهاه، وقال له: ( لا تفعل، صم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال له: يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك، فأمره صلى الله عليه وسلم بأن يصوم الإثنين والخميس، قال: أطيق أفضل من ذلك، قال له: صم يوماً وأفطر يوماً، قال: أطيق أفضل من ذلك، قال له: لا أفضل من ذلك )، واستمر عبد الله بن عمرو بن العاص على هذه السنة، يصوم يوماً ويفطر يوماً حتى كبر، فلما تقدم به العمر ووهن منه الجسد قال: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صار رضي الله عنه يعاني ما يعاني في الصيام.

وبعض الشيوخ ممن صار كبيراً في السن وأحسبه من الصالحين، كان يشكو -وهو من أهل العلم- فيقول: لا أستطيع الآن صيام الإثنين والخميس، فنقول له: هنيئاً لك ما صمته، قبله الله منك، والآن يكتب الله لك وكأنك صائم، فلو كان الإنسان في شبابه يصوم تطوعاً، ثم لما كبر عجز، فالله عز وجل يكتب له كأنه صائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ).

فإذا كنت تصوم وأنت شاب، فلما صار عمرك تسعين سنة، وعجزت حتى عن صيام رمضان، يكتب الله لك وكأنك صائم رمضان، وكأنك صائم ما اعتدت صيامه من أيام التطوع، ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[الحديد:21].

( وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من يصوم الدهر، فقال: لا صام ولا أفطر )، يعني أن عمله غير معتبر.

صوم يوم الجمعة منفرداً

النوع الثاني: صوم يوم الجمعة منفرداً: كأن يكون الإنسان مفطراً يوم الخميس، ومفطراً يوم السبت، ويصوم الجمعة وحده تطوعاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو يوماً بعده )، فإما أن تصوم الخميس والجمعة، أو تصوم الجمعة والسبت، فيكره أن يفرد يوم الجمعة بصيام؛ لأن يوم الجمعة يوم عيدنا معشر المسلمين، أعياد المسلمين ثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وكلاهما حولي، وعيد الجمعة أسبوعي، ( وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إحدى أمهات المؤمنين فوجدها صائمة يوم الجمعة، قال لها: أصمت بالأمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري )، فأمرها بالفطر، فصوم يوم الجمعة منفرداً مكروه.

وأما صيام يوم السبت فقد ذهب بعض أهل العلم كذلك إلى كراهة صومه منفرداً، قالوا: لأن فيه تشبهاً باليهود، فاليهود يعظمون السبت، فيمتنعون فيه عن مباشرة الأعمال ويقعدون عن كثير من الأمور، وهم في ذلك يتعلقون بعقيدة باطلة حيث يزعمون أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ[ق:38]، أي: ما مسنا من تعب، ولكن المحققون من أهل العلم يقولون: لا يصح النهي عن صيام يوم السبت، فلو أن الإنسان صامه فلا حرج عليه إن شاء الله.

صوم يوم عرفة للحاج

النوع الثالث: صوم يوم عرفة للحاج، أما غير الحاج فصيام يوم عرفة في حقه سنة، وأما الحاج فلا يصومنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الحجاج لم يصمه، فهو لما كان واقفاً بعرفة وشك الناس أصائم هو أم مفطر؟ ركب صلى الله عليه وسلم على بعيره ثم دعا بعس من لبن، فشرب من أجل أن يراه الناس جميعاً ويعلمون أنه مفطر، عليه الصلاة والسلام، هذا من ناحية النص.

وأما من ناحية المعنى؛ لأن الفطر أقوى على العبادة، فلو أن الإنسان تناول شيئاً من طعام وشيئاً من ماء فإنه في الساعات الأخيرة من يوم عرفة يجتهد في الدعاء والذكر وتلاوة القرآن والتلبية وما إلى ذلك، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ( أفضل الحج العج والثج )، والعج رفع الصوت بالتلبية، والثج إراقة الدماء تقرباً إلى الله عز وجل، أما لو كان الحاج صائماً فالغالب أنه بعد نصف النهار يكون راغباً في الراحة؛ لأن الجسد قد ضعف والسكريات انخفضت، ولا يستطيع أن يبذل جهداً يذكر، فلذلك قال علماؤنا: صيام يوم عرفة مكروه لمن كان واقفاً بعرفة من الحجاج.

صوم يوم المولد النبوي ويوم الشك

النوع الرابع: صوم يوم المولد النبوي؛ فبعض الناس يصوم يوم المولد، فنقول له: من أين أتيت بهذا التخصيص؟ ولم يرد في شرع الله عز وجل ما يدل على تخصيص يوم المولد بصيام.

النوع الخامس: صوم يوم الشك: وهو اليوم الثلاثون من شعبان، وبعض العلماء عده في الصوم المحرم؛ لحديث عمار عليه من الله الرضوان: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ).

نذر صيام يوم مكرر

النوع السادس: نذر صيام يوم مكرر: فمثلاً بعض الناس ينذر، فيقول: لله علي أن أصوم يوم الخميس ما حييت، يعني مدة حياته ففي كل خميس وهو صائم، وصيام يوم الخميس سنة؛ لأن ( الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم الخميس، ولما سئل قال: ذاك يوم تعرض فيه الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )، لكن لو أن الإنسان نذر صيام يوم الخميس مدة حياته فإن في ذلك تشديداً على النفس، والله أعلم هل يستطيع صيامه أو لا يستطيع؟ وغالباً ما يأتي بهذه العبادة وهو كاره لها؛ لكثرة ما يلحقه فيها من حرج، لأنه ربما هذا الخميس أتته دعوة وليمة عرس، والخميس الذي بعده قد يدعو الناس لسبب من الأسباب، فتكثر أعذاره، فربما يدخل في الأمر شيء من الرياء؛ ولذلك اجعل الأمر على العفو وعلى السعة، فتصوم الإثنين والخميس، والثلاثة البيض متى ما استطعت، فإنك بهذا تجد في نفسك شوقاً إلى الصيام، وإلى العبادة فتأتيها وأنت محب لها؛ لأن العبادة لا بد فيها من ثلاثة أركان: حب وخوف ورجاء، فلو أن الإنسان جاء إلى العبادة كارهاً لم يقبلها الله منه، فالله عز وجل قال عن المنافقين: إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا[النساء:142]، وقال عنهم: وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ[التوبة:54]، وقال عنهم: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ[التوبة:54]، فالعبادة لا ينفع فيها الكراهة، أن تقول: والله رمضان جاء الله يريحنا. فالله لا يحتاج لصيامك، ولو صمت ما قبل الله منك، وبعض الناس يقول: يا أخي لا تكرهنا، كفاية الذي نحن فيه، هكذا بعض الناس يكون في أول يوم من رمضان فلو قلت له: السلام عليكم؛ يشاكلك، ويقول لك: يا أخي نحن متعبون، ويقول: ألا ترى الحالة التي نحن فيها، لا شاي ولا قهوة ولا سيجارة ولا سفة، فمثل هذا لا داعي لأن يصوم، لأن الله يقول: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[الزمر:7]، ومثله من يخرج زكاته وهو كاره، ومثله من يحج وهو كاره، فبعض الناس لا يحج حتى يصل عمره إلى سبعين سنة، وفي النهاية يقول: لم يبق شيء، فيذهب إلى الحج وهو يجرجر رجليه، ومجرد ما يزاحمونه وإلا يعصروه يبدأ يسب ويلعن الأمة كلها ويقول: هؤلاء ناس متخلفون! فمثل هذا الصنف الذي يدخل في العبادة كارهاً لها لا تنفعه، وكذلك الذي يدخل في العبادة وهو لا يرجو عليها ثواباً ولا يخاف على تركها عقاباً لا تنفعه، فلا بد من خوف ورجاء مع الحب.

ثم العبادة المتقبلة لا بد فيها من شرطين:

الشرط الأول: إخلاص لله عز وجل، والشرط الثاني: متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.