أرشيف المقالات

هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
من الأمثال التي ضربها الله تعالى لكشف سوءة الشرك والمشركين , أن الإنسان لا يجعل من عبيده وإمائه شركاء له في رزقه وإنما هو في مكانة وهم في مكان , ولا يتملكه الخوف إطلاقاً من مجرد التفكير في أن لهم الحق في مشاركته أو اقتسام أملاكه فإنما هم عبيد , فما بالنا بالله رب العالمين مالك الملك ومدبر الأمر , هل يصح بحال أن يشاركه عبيده في ملكه وخلقه وتدبيره , فمن باب أولى لا يصح بحال أن تصرف لهم عبادة ظاهرة أو باطنة فيشاركونه فيما يستحق من تأليه سبحانه وتعالى عما يفعل المشركون .
و خلاصة أفعال المشركين إنما ترجع إلى الهوى والجهل بالله والضلال المبين , فمن كان هذا  طريقه فلا هادي له بعد أن قطع حباله مع الله .
{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [ الروم 28 - 29]
قال السعدي في تفسيره :
هذا مثل ضربه اللّه تعالى لقبح الشرك وتهجينه مثلا من أنفسكم لا يحتاج إلى حل وترحال وإعمال الجمال.
{ {هَلْ لَكُمْ ممَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ } } أي: هل أحد من عبيدكم وإمائكم الأرقاء يشارككم في رزقكم وترون أنكم وهم فيه على حد سواء.
{ {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } } أي: كالأحرار الشركاء في الحقيقة الذين يخاف من قسمه واختصاص كل شيء بحاله؟
ليس الأمر كذلك فإنه ليس أحد مما ملكت أيمانكم شريكا لكم فيما رزقكم اللّه تعالى.
هذا، ولستم الذين خلقتموهم ورزقتموهم وهم أيضا مماليك مثلكم، فكيف ترضون أن تجعلوا للّه شريكا من خلقه وتجعلونه بمنزلته، وعديلا له في العبادة وأنتم لا ترضون مساواة مماليككم لكم؟
هذا من أعجب الأشياء ومن أدل شيء على سفه من اتخذ شريكا مع اللّه وأن ما اتخذه باطل مضمحل ليس مساويا للّه ولا له من العبادة شيء.
{ {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ } } بتوضيحها بأمثلتها { {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} } الحقائق ويعرفون، وأما من لا يعقل فلو فُصِّلَت له الآيات وبينت له البينات لم يكن له عقل يبصر به ما تبين ولا لُبٌّ يعقل به ما توضح، فأهل العقول والألباب هم الذين يساق إليهم الكلام ويوجه الخطاب.
وإذا علم من هذا المثال أن من اتخذ من دون اللّه شريكا يعبده ويتوكل عليه في أموره، فإنه ليس معه من الحق شيء فما الذي أوجب له الإقدام على أمر باطل توضح له بطلانه وظهر برهانه؟ لقد أوجب لهم ذلك اتباع الهوى فلهذا قال: { { بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } } هويت أنفسهم الناقصة التي ظهر من نقصانها ما تعلق به هواها، أمرا يجزم العقل بفساده والفطر برده بغير علم دلهم عليه ولا برهان قادهم إليه.
{ { فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } } أي: لا تعجبوا من عدم هدايتهم فإن اللّه تعالى أضلهم بظلمهم ولا طريق لهداية من أضل اللّه لأنه ليس أحد معارضا للّه أو منازعا له في ملكه.
{ {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} } ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب، وتنقطع بهم الوصل والأسباب.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢