خطب ومحاضرات
من سورة الرعد [1]
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
كلمة المثل في القرآن قد تأتي بمعنى الصفة، وليس من الضرورة أن تأتي بمعنى قياس شيء على شيء أو حالة على حالة، وقد عد بعض المفسرين آيات من أمثال القرآن وليس فيها من الأمثال شيء، ومن ذلك الآية الثالثة والثلاثون من سورة الرعد، وهي قول ربنا تبارك وتعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:35].
في هذه الآية المثل بمعنى الصفة، صفة الجنة التي وعد المتقون؛ لأن الله عز وجل قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ[الرعد:35].
الأنهار في الجنة بين ربنا جل جلاله في آية أخرى أنها على أربعة أصناف ذكرها في سورة القتال فقال سبحانه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ[محمد:15]، بمعنى صفة الجنة التي وعد المتقون، فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ[محمد:15]، أي غير متغير، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ[محمد:15]، قول الله عز وجل: وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ[محمد:15]، بينها في آية أخرى فقال: لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات:47]، (لا فيها غول)، أي: ليس فيها المادة التي تغتال العقل وتحمل الإنسان على ما لا يرضى من الأفعال.
قال ابن كثير رحمه الله: ليس فيها شيء مما في خمر الدنيا، من مغص البطن ونتن الريح وقبح الفعل وصداع الرأس، وهذه الصفات الأربع المذكورة موجودة في خمر الدنيا، حتى إن السكير ليفعل ما يتنزه عنه الصبيان والمجانين.
قال الله عز وجل: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا[الرعد:35]، بمعنى أن هذه الجنة سكانها لا يعانون جوعاً ولا يعانون شمساً ولا حراً، كما قال الله عز وجل: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً [الإنسان:13].
أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا[الرعد:35]، هذا الوصف قد تكرر في كثير من الآيات كقول الله عز وجل في أول سورة البقرة: وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ[البقرة:25]، بمعنى أن أهل الجنة يؤتون بالثمار، ثم يؤتون بثمار من ذات النوع، فيقولون: قد رزقنا هذا من قبل، أي: قد أكلناه، فتقول لهم الملائكة: اللون واحد ولكن الطعم مختلف، وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً[البقرة:25]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أدنى أهل الجنة منزلة من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، مع كل خادم صحفتان واحدة من ذهب وأخرى من فضة، يجد في كل واحدة لوناً من الطعام ليس في الأخرى، يأكل من آخره مثلما يأكل من أوله، يجد لآخره من اللذة ما لا يجد لأوله ).
وهناك في سورة الواقعة قال الله عز وجل: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:27-34]، هذا هو حال أهل الجنة.
قال الله عز وجل: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ[البقرة:25]، طهرهن الله عز وجل من الحيض، ومن النفاس ومن البصاق ومن التنخم، ومن المني، ومن البول، ومن الغائط، فليس في الجنة شيء من النجاسات.
قالت أم سلمة : ( يا رسول الله! أخبرني عن قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22]، قال: (حور): بيض، (عين): واسعات العيون، شديدات بياضها، شديدات سوادها، شفر الحورية منهن بمنزلة جناح النسر، قالت: يا رسول الله! فأخبرني عن قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:49]، قال: رقتهن كرقة القشرة مما يلي البيضة )، ثم قال صلوات ربي وسلامه عليه: ( يدخل المؤمن على الواحدة منهن في خيمة مجوفة من لؤلؤ على سرير من ذهب، كلما أتاها وجدها بكراً، لا يفتر ذكره ولا تشتكي قبلها، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، فهن بيض الوجوه، خضر الثياب، صفر الحلي، تقول له: والله ما في الجنة شيء أطيب ولا أحسن منك )، كما وصفهن الله عز وجل بأنهن: مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، (مقصورات) أي: محبوسات، وفي آية أخرى قال: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ[الرحمن:56]، أي: حابسات عيونهن على أزواجهن، لا ينظرن إلى غير الأزواج.
أزواج نساء الدنيا في الجنة
وهنا سؤال يطرحه كثير من النساء، وللأسف تكرر في الآونة الأخيرة.
تأتي أوراق مكتوبة، تقول النساء: إذا كان للرجال في الجنة الحور العين، فما لنا معشر النساء؟ وإذا كان المفتي لئيماً، فإنه يقول لهن: ادخلن الجنة ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء، والأمر هين!
ولكن الجواب الصحيح أن يقال: إن من تمام نعيم أهل الجنة رجالاً ونساء نعمة النكاح، فإذا كان الرجال ينعمون بالنكاح، فالنساء كذلك، إذا كان الزوج في الجنة فالحمد لله، وبها ونعمت، أما إذا كان الزوج كافراً -والعياذ بالله-، كحال فرعون مثلاً الذي كانت زوجته مؤمنة طيبة حيث: قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ[التحريم:11]، وفرعون كما قال ربنا: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98]، فيكون فرعون في النار وزوجته في الجنة، أما إذا كانت المرأة لم تتزوج أصلاً، وخرجت من الدنيا ولم تعرف الزواج، فإن الله جل جلاله برحمته وفضله ومنه يزوجها بمن ترضى من عباده المؤمنين.
زوجات رسول الله في الجنة من غير زوجاته في الدنيا
روى الإمام ابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مع أمنا خديجة وهي في مرض الموت، فقال لها صلوات ربي وسلامه عليه: (يا خديجة ! إذا قدمت على ربك، فأقرئي ضرائرك مني السلام، فقالت له: يا رسول الله! هل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكني أشعرت بأن الله قد زوجني في الجنة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى )، هؤلاء الثلاثة: آسية امرأة فرعون زوجها في جهنم، و مريم عليها السلام خرجت من الدنيا ولم تتزوج، وكلثوم أخت موسى الله أعلم هل كانت كذلك، أو كان زوجها كافراً، لا ندري، فهؤلاء النساء الثلاث زوجات لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جنة عرضها السموات والأرض.
ولذلك قال الله عز وجل: وَلَهُمْ فِيهَا[البقرة:25]، (ولهم) أي: لأهل الجنة رجالاً ونساء، أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:25].
وهنا سؤال يطرحه كثير من النساء، وللأسف تكرر في الآونة الأخيرة.
تأتي أوراق مكتوبة، تقول النساء: إذا كان للرجال في الجنة الحور العين، فما لنا معشر النساء؟ وإذا كان المفتي لئيماً، فإنه يقول لهن: ادخلن الجنة ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء، والأمر هين!
ولكن الجواب الصحيح أن يقال: إن من تمام نعيم أهل الجنة رجالاً ونساء نعمة النكاح، فإذا كان الرجال ينعمون بالنكاح، فالنساء كذلك، إذا كان الزوج في الجنة فالحمد لله، وبها ونعمت، أما إذا كان الزوج كافراً -والعياذ بالله-، كحال فرعون مثلاً الذي كانت زوجته مؤمنة طيبة حيث: قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ[التحريم:11]، وفرعون كما قال ربنا: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98]، فيكون فرعون في النار وزوجته في الجنة، أما إذا كانت المرأة لم تتزوج أصلاً، وخرجت من الدنيا ولم تعرف الزواج، فإن الله جل جلاله برحمته وفضله ومنه يزوجها بمن ترضى من عباده المؤمنين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
من سورة النور [1] | 2425 استماع |
من سورة الرعد [2] | 2191 استماع |
تدبر القرآن | 2097 استماع |
من سورة النحل [1] | 1873 استماع |
من سورة البقرة [3] | 1797 استماع |
من سورة البقرة [2] | 1542 استماع |
من سورة الأعراف | 1522 استماع |
من سورة النور [2] | 1431 استماع |
من سورة آل عمران | 1421 استماع |
من سورة النحل [2] | 1419 استماع |