الخسوف


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37].

معاشر المسلمين! أجرى الله آياته الكونية، كالنجوم والشمس والقمر وسائر الكواكب وغيرها، وسائر مخلوقاته جل وعلا أجراها على نظام معينٍ تسير عليه: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40].

فإذا أخلف الله هذا النظام، وغير تلك القوانين، أو قلب تلك السنن التي تسير عليها مجموع الكائنات والآيات الكونية وغيرها، فإن ذلك تنبيه للعباد على أمور عديدة.

إثبات وجود الله وقدرته

أولها: أن الله الذي أوجد هذه الآيات الكونية، أن الله الذي خلق الشمس والقمر، أن الله الذي خلق الجبال والبحار، أن الله الذي خلق جميع الآيات والكائنات، الذي أنشأها من العدم وصرفها كما يرى العباد، وصرفها بقدرته ومشيئته، كما يرى العباد رؤية الأبصار لا رؤية المشيئة، يوم أن صرفها وأنشأها فهو قادرٌ على تغييرها وهو قادرٌ على إخلاف مساراتها وقلب نظمها وقوانينها، فذلك دليلٌ ولفتةٌ وانتباهٌ للعباد أجمعين.

إن العباد يوم أن يصبحوا ويرون الشمس مشرقةً من المشرق، ويوم أن يمسوا ويرون الشمس تغرب من المغرب، فإذا جاء الليل رأوا القمر في كبد السماء أو في أحد أطرافها، إذا استمروا على ذلك ولم يروا تغيراً أو تنوعاً أو تقلباً، فإن الكثير من الغافلين يظنون أن هذا أمرٌ لا بد ولا محالة كائن، سواء بتدبيرٍ أو بغير تدبير، وهنا يُظهر الله جل وعلا آياته فيخلف آيةً من هذه الآيات، فقد تحتجب الشمس وقد ينخسف القمر وبعد ذلك يقف العباد وقفة دهشة!! كيف تغير هذا النظام؟ وما الذي غير مسار هذا الكوكب؟ إن الذي خلق ذلك وأبدعه وأوجده من العدم، قادرٌ على تغييره، وقادرٌ على قلب مساره، وقادرٌ على إفنائه كما أوجده، إنها لآية عظيمة من آيات الله جل وعلا، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عباد الله! خسف القمر على وقت النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الناس تقول: إنما تنكسف الشمس أو ينخسف القمر لموت عظيم أو حياة عظيم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لا تنكسف، وإن القمر لا ينخسف لموت عظيمٍ أو حياته، وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فادعوا وصلوا حتى ينجلي أو ينكشف ما بكم) .

إذاً فهي آية من آيات الله التي خلقها وهي آية من الآيات التي كونها ودبرها وقرر مسارها ونظامها، ويوم أن يعلم البشر بحدوث خسوف أو كسوف، فإن ذلك لا يضر أو ينقص من قدر آيات الله شيئاً؛ لأن البشر مخبرون عما سيقع، وليسوا قادرين على أن يُوقعوا شيئاً لم يقدره الله؛ لأن البشر يخبرون عما سيقع بما آتاهم الله جل وعلا من وسائل الأسماع والأبصار والأفئدة والعقول والقلوب، لأن البشر يخبرون بما سيقع بما سخر الله لهم من علوم الفلك وعلوم الطبيعة والحسابات وغير ذلك.

أما ولو كانوا صماً، وعمياً، وبلهاً؛ فلن يقدروا أن يخبروا عن إمكان حدوث خسوف أو كسوف قد يقع أو لا يقع.

إذاً فإن علم البشر بحدوث آية من آيات الله لا ينقص من قدرها، ولا يهوّن من شأنها، ولا يقلل من أمرها، فالتفتوا إلى آيات الله جل وعلا ولا تكونوا عن آيات الله غافلين.

تخويف العباد

معاشر العباد! ثم إن في ذلك ومع إثبات وجود الله وخلقه وتدبيره في ذلك تخويف للعباد، في ذلك بيانٌ قريب أن الله لو شاء لجعل خطأ هذه الآية أعظم مما هي عليه، ولا يستطيع العباد أمام هذه الآية فعلاً أو تدبيراً أو شيئاً، إن الذي جعل القمر ينخسف، أو جعل الشمس تنكسف، لقادرٌ على أن يجعل القمر غائباً عن الناس آماداً طويلة، ولقادرٌ على أن يجعل الشمس غائبةً عن العباد مدداً ودهوراً بعيدة.

فالذي أمر الشمس بالكسوف والقمر بالخسوف فهو قادرٌ أن يأمر غيرها من الآيات والكائنات المسخرة بأمره؛ بتغيير ما تكون عليه من حالٍ إلى حال، ولذلك يقول الله جل وعلا: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ [القصص:71-72].

فالله جل وعلا حينما يحدث آية من آياته ينبه العباد على أمرٍ عظيم، والتنبيه بالقليل فيه قدرةٌ على الكثير، وفيه بيانٌ بالكثير، إذ إن الله جل وعلا يوم أن خسف بالقمر، أو كسف بالشمس قادرٌ أن يجعل هذا القمر غائباً، وقادرٌ على أن يجعل هذه الشمس غائبةً آبادً ومدداً طويلة، وبعد ذلك من يأتينا بليلٍ نسكن فيه، أرأيتم لو أن الشهور والأعوام انقلبت علينا نهاراً جهاراً من يأتينا بليلٍ نسكن فيه؟!.

أرأيتم لو أن الله جعل الدهور والأعوام ليالي مظلمة، من يأتينا بضياء نستضيء به، وما الذي يجعل قدرات البشر الضعيفة، وقدراتهم المحدودة من الكهرباء وغيرها تستطيع أن تؤثر أو تغني ولو أدنى غنى في آية من آيات الله جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد نبه على ذلك صراحةً، ونبه على غيره من الآيات في مواقع عدة، يقول جل وعلا: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30] هذا الماء الذي جعل الله كل حيٍ منه: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].

هذا الماء الذي منه الحياة بقدرة الله وإرادته لو شاء الله جعله غائراً فلم نستطع له طلباً، والله جل وعلا يوم أن سخر هذا الماء وقربه إلينا لتناله وسائلنا المحدودة، وقدراتنا الضعيفة إنما ذلك آية من آيات الله، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون.

النظر إلى آيات الله ونعمه

معاشر المؤمنين! انتبهوا إلى آيات الله جل وعلا، وتدبروها أعظم التدبر واعلموا أن أي تغير فيها إنما هو تخويف للعباد من الله، وإن العباد لا بد ولاشك قد أحدثوا أمراً إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] ويوم أن ننظر إلى آيات الله بعين الشمول، والعموم نُدرك أن هذه الآية تذكرنا وتنبهنا إلى عدد من الآيات والنعم التي لا نستطيع لها عدداً ولا إحصاءً ولا حساباً، يقول الله جل وعلا: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] ما الذي جعل هذا النسل البشري يتكاثر مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8] من نطفةٍ قذرة تكون في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء في ظلمات الأرحام، وبعد ذلك يخلقها الله جل وعلا بأمره لملائكته من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ، وبعد ذلك يؤمر الملك فينفخ فيها الروح وتُكتب الآجال والأرزاق والسعادة والشقاء والأعمال: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] إنها لمن آيات الله جل وعلا التي تبين للناس أنه وحده سبحانه القادر على الإنشاء من العدم: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:65].

إن العباد بأسبابهم الضعيفة لا يملكون إلا أن يشقوا الأرض، لا يملكون إلا أن يحرثوها ويضعوا البذور التي خلقها الله لهم بينها، ثم يفعلون الأسباب التي أمروا بها، وبعد ذلك يتكلون على الله جل وعلا، يتكلون عليه وحده لا شريك له ومن ثم يخرج لهم هذه الثمار اليانعة، تُسقى بماء واحد ويُفضل بعضها على بعضٍ في الأكل، تُسقى بماءٍ واحد وترون ألوانها وأنواعها مختلفةٍ ومتعددة: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:68-74] كلها آيات من الله جل وعلا، ولكن أين المتأثر وأين المعتبر؟ أين الذي يتأثر لرؤية الكسوف والخسوف؟

أولها: أن الله الذي أوجد هذه الآيات الكونية، أن الله الذي خلق الشمس والقمر، أن الله الذي خلق الجبال والبحار، أن الله الذي خلق جميع الآيات والكائنات، الذي أنشأها من العدم وصرفها كما يرى العباد، وصرفها بقدرته ومشيئته، كما يرى العباد رؤية الأبصار لا رؤية المشيئة، يوم أن صرفها وأنشأها فهو قادرٌ على تغييرها وهو قادرٌ على إخلاف مساراتها وقلب نظمها وقوانينها، فذلك دليلٌ ولفتةٌ وانتباهٌ للعباد أجمعين.

إن العباد يوم أن يصبحوا ويرون الشمس مشرقةً من المشرق، ويوم أن يمسوا ويرون الشمس تغرب من المغرب، فإذا جاء الليل رأوا القمر في كبد السماء أو في أحد أطرافها، إذا استمروا على ذلك ولم يروا تغيراً أو تنوعاً أو تقلباً، فإن الكثير من الغافلين يظنون أن هذا أمرٌ لا بد ولا محالة كائن، سواء بتدبيرٍ أو بغير تدبير، وهنا يُظهر الله جل وعلا آياته فيخلف آيةً من هذه الآيات، فقد تحتجب الشمس وقد ينخسف القمر وبعد ذلك يقف العباد وقفة دهشة!! كيف تغير هذا النظام؟ وما الذي غير مسار هذا الكوكب؟ إن الذي خلق ذلك وأبدعه وأوجده من العدم، قادرٌ على تغييره، وقادرٌ على قلب مساره، وقادرٌ على إفنائه كما أوجده، إنها لآية عظيمة من آيات الله جل وعلا، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عباد الله! خسف القمر على وقت النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الناس تقول: إنما تنكسف الشمس أو ينخسف القمر لموت عظيم أو حياة عظيم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لا تنكسف، وإن القمر لا ينخسف لموت عظيمٍ أو حياته، وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فادعوا وصلوا حتى ينجلي أو ينكشف ما بكم) .

إذاً فهي آية من آيات الله التي خلقها وهي آية من الآيات التي كونها ودبرها وقرر مسارها ونظامها، ويوم أن يعلم البشر بحدوث خسوف أو كسوف، فإن ذلك لا يضر أو ينقص من قدر آيات الله شيئاً؛ لأن البشر مخبرون عما سيقع، وليسوا قادرين على أن يُوقعوا شيئاً لم يقدره الله؛ لأن البشر يخبرون عما سيقع بما آتاهم الله جل وعلا من وسائل الأسماع والأبصار والأفئدة والعقول والقلوب، لأن البشر يخبرون بما سيقع بما سخر الله لهم من علوم الفلك وعلوم الطبيعة والحسابات وغير ذلك.

أما ولو كانوا صماً، وعمياً، وبلهاً؛ فلن يقدروا أن يخبروا عن إمكان حدوث خسوف أو كسوف قد يقع أو لا يقع.

إذاً فإن علم البشر بحدوث آية من آيات الله لا ينقص من قدرها، ولا يهوّن من شأنها، ولا يقلل من أمرها، فالتفتوا إلى آيات الله جل وعلا ولا تكونوا عن آيات الله غافلين.

معاشر العباد! ثم إن في ذلك ومع إثبات وجود الله وخلقه وتدبيره في ذلك تخويف للعباد، في ذلك بيانٌ قريب أن الله لو شاء لجعل خطأ هذه الآية أعظم مما هي عليه، ولا يستطيع العباد أمام هذه الآية فعلاً أو تدبيراً أو شيئاً، إن الذي جعل القمر ينخسف، أو جعل الشمس تنكسف، لقادرٌ على أن يجعل القمر غائباً عن الناس آماداً طويلة، ولقادرٌ على أن يجعل الشمس غائبةً عن العباد مدداً ودهوراً بعيدة.

فالذي أمر الشمس بالكسوف والقمر بالخسوف فهو قادرٌ أن يأمر غيرها من الآيات والكائنات المسخرة بأمره؛ بتغيير ما تكون عليه من حالٍ إلى حال، ولذلك يقول الله جل وعلا: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ [القصص:71-72].

فالله جل وعلا حينما يحدث آية من آياته ينبه العباد على أمرٍ عظيم، والتنبيه بالقليل فيه قدرةٌ على الكثير، وفيه بيانٌ بالكثير، إذ إن الله جل وعلا يوم أن خسف بالقمر، أو كسف بالشمس قادرٌ أن يجعل هذا القمر غائباً، وقادرٌ على أن يجعل هذه الشمس غائبةً آبادً ومدداً طويلة، وبعد ذلك من يأتينا بليلٍ نسكن فيه، أرأيتم لو أن الشهور والأعوام انقلبت علينا نهاراً جهاراً من يأتينا بليلٍ نسكن فيه؟!.

أرأيتم لو أن الله جعل الدهور والأعوام ليالي مظلمة، من يأتينا بضياء نستضيء به، وما الذي يجعل قدرات البشر الضعيفة، وقدراتهم المحدودة من الكهرباء وغيرها تستطيع أن تؤثر أو تغني ولو أدنى غنى في آية من آيات الله جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد نبه على ذلك صراحةً، ونبه على غيره من الآيات في مواقع عدة، يقول جل وعلا: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30] هذا الماء الذي جعل الله كل حيٍ منه: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].

هذا الماء الذي منه الحياة بقدرة الله وإرادته لو شاء الله جعله غائراً فلم نستطع له طلباً، والله جل وعلا يوم أن سخر هذا الماء وقربه إلينا لتناله وسائلنا المحدودة، وقدراتنا الضعيفة إنما ذلك آية من آيات الله، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون.

معاشر المؤمنين! انتبهوا إلى آيات الله جل وعلا، وتدبروها أعظم التدبر واعلموا أن أي تغير فيها إنما هو تخويف للعباد من الله، وإن العباد لا بد ولاشك قد أحدثوا أمراً إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] ويوم أن ننظر إلى آيات الله بعين الشمول، والعموم نُدرك أن هذه الآية تذكرنا وتنبهنا إلى عدد من الآيات والنعم التي لا نستطيع لها عدداً ولا إحصاءً ولا حساباً، يقول الله جل وعلا: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] ما الذي جعل هذا النسل البشري يتكاثر مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8] من نطفةٍ قذرة تكون في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء في ظلمات الأرحام، وبعد ذلك يخلقها الله جل وعلا بأمره لملائكته من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ، وبعد ذلك يؤمر الملك فينفخ فيها الروح وتُكتب الآجال والأرزاق والسعادة والشقاء والأعمال: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] إنها لمن آيات الله جل وعلا التي تبين للناس أنه وحده سبحانه القادر على الإنشاء من العدم: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:65].

إن العباد بأسبابهم الضعيفة لا يملكون إلا أن يشقوا الأرض، لا يملكون إلا أن يحرثوها ويضعوا البذور التي خلقها الله لهم بينها، ثم يفعلون الأسباب التي أمروا بها، وبعد ذلك يتكلون على الله جل وعلا، يتكلون عليه وحده لا شريك له ومن ثم يخرج لهم هذه الثمار اليانعة، تُسقى بماء واحد ويُفضل بعضها على بعضٍ في الأكل، تُسقى بماءٍ واحد وترون ألوانها وأنواعها مختلفةٍ ومتعددة: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:68-74] كلها آيات من الله جل وعلا، ولكن أين المتأثر وأين المعتبر؟ أين الذي يتأثر لرؤية الكسوف والخسوف؟