خطب ومحاضرات
من سورة البقرة [2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
ففي الآية السادسة والعشرين من سورة البقرة يقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].
سبب نزول الآية: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها...)
في سبب نزول هذه الآية قولان لأهل التفسير:
القول الأول: أنها نزلت في المنافقين الذين ضرب الله لهم مثلين: مثلاً نارياً حين قال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً[البقرة:17]، ومثلاً مائياً حين قال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ[البقرة:19]، فقال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب الأمثال.
القول الثاني: أن الآية نزلت في المشركين الذين سمعوا قول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، وسمعوا قول الله عز وجل: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ[الحج:73]، فقالوا: لا يشبه هذا كلام الله، فالله أجل من أن يذكر الذباب والبعوض والعنكبوت، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي[البقرة:26]، والحياء تغير وانقباض في النفس عند قول أو فعل ما يترتب عليه العيب والذم.
والله جل جلاله منزه عن الحوادث، لكن صفة الحياء نثبتها له على ما يليق بجلاله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حيي ستير )، وقال: ( إن الله يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما خائبتين )، فصفة الحياء ثابتة لربنا على ما يليق بجلاله.
لكن الحياء لا يمنعه من أن يبين الحق، أو أن يقول الحق، أو أن يفعل ما هو حق، كما قال سبحانه: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53] جل جلاله.
وفي هذه الآية يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، والبعوضة حشرة حقيرة لها خرطوم كخرطوم الفيل في الصفة دون الحجم، ولها قدرة كبيرة على مص الدماء، وقد منحها الله عز وجل أجنحة وآذاناً وقدرة على الاستشعار.
يقول علماء الحيوان: بأن البعوضة تستطيع أن تستشعر وتبصر فريستها من بعيد من نحو خمسة وستين متراً، ولذلك فإن كبار الحيوانات وضخامها لا تقدر على البعوضة.
والله جل جلاله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها.
قال المفسرون: معنى (فما فوقها) أي: فما دونها، يعني ما هو أقل من البعوضة، كما تقول لإنسان: أنت تقترف جريمة من أجل جنيه أو فوق ذلك، أي دون ذلك، نصف الجنيه مثلاً.
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً للدنيا بجناح البعوضة وليس بالبعوضة، فقال: ( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ).
وقد بين ربنا جل جلاله أن قوة المثل ليس في ضخامة وعظم الممثل به، بل قد يكون الممثل به حقيراً لشيء حقير، وقد يكون الممثل به كبيراً لشيء كبير، والمعول على مطابقة المثل للواقع.
أقسام الناس تجاه ضرب الله تعالى للأمثال
وبين ربنا جل جلاله أن الناس ينقسمون في هذا المثل إلى قسمين:
القسم الأول: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ[البقرة:26]، يعلمون بأن هذه الأمثال حق، وأن الله عز وجل يبين بها مراده للناس.
القسم الثاني: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً[البقرة:26]، قولهم: (ماذا أراد الله)، هذا من باب الاستهزاء والسخرية، لا لأنهم يقرون بأن هذا الوحي من عند الله عز وجل، لكنهم يقولون: على فرض أن هذا الكلام كلام الله، (ماذا أراد الله بهذا مثلاً)؟ قال الله عز وجل: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27].
ومثلها أيضاً الآية التي في سورة الرعد، أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17].
في سبب نزول هذه الآية قولان لأهل التفسير:
القول الأول: أنها نزلت في المنافقين الذين ضرب الله لهم مثلين: مثلاً نارياً حين قال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً[البقرة:17]، ومثلاً مائياً حين قال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ[البقرة:19]، فقال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب الأمثال.
القول الثاني: أن الآية نزلت في المشركين الذين سمعوا قول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، وسمعوا قول الله عز وجل: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ[الحج:73]، فقالوا: لا يشبه هذا كلام الله، فالله أجل من أن يذكر الذباب والبعوض والعنكبوت، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي[البقرة:26]، والحياء تغير وانقباض في النفس عند قول أو فعل ما يترتب عليه العيب والذم.
والله جل جلاله منزه عن الحوادث، لكن صفة الحياء نثبتها له على ما يليق بجلاله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حيي ستير )، وقال: ( إن الله يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما خائبتين )، فصفة الحياء ثابتة لربنا على ما يليق بجلاله.
لكن الحياء لا يمنعه من أن يبين الحق، أو أن يقول الحق، أو أن يفعل ما هو حق، كما قال سبحانه: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53] جل جلاله.
وفي هذه الآية يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، والبعوضة حشرة حقيرة لها خرطوم كخرطوم الفيل في الصفة دون الحجم، ولها قدرة كبيرة على مص الدماء، وقد منحها الله عز وجل أجنحة وآذاناً وقدرة على الاستشعار.
يقول علماء الحيوان: بأن البعوضة تستطيع أن تستشعر وتبصر فريستها من بعيد من نحو خمسة وستين متراً، ولذلك فإن كبار الحيوانات وضخامها لا تقدر على البعوضة.
والله جل جلاله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها.
قال المفسرون: معنى (فما فوقها) أي: فما دونها، يعني ما هو أقل من البعوضة، كما تقول لإنسان: أنت تقترف جريمة من أجل جنيه أو فوق ذلك، أي دون ذلك، نصف الجنيه مثلاً.
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً للدنيا بجناح البعوضة وليس بالبعوضة، فقال: ( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ).
وقد بين ربنا جل جلاله أن قوة المثل ليس في ضخامة وعظم الممثل به، بل قد يكون الممثل به حقيراً لشيء حقير، وقد يكون الممثل به كبيراً لشيء كبير، والمعول على مطابقة المثل للواقع.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
من سورة النور [1] | 2424 استماع |
من سورة الرعد [2] | 2190 استماع |
تدبر القرآن | 2097 استماع |
من سورة النحل [1] | 1873 استماع |
من سورة البقرة [3] | 1796 استماع |
من سورة الأعراف | 1521 استماع |
من سورة النور [2] | 1430 استماع |
من سورة آل عمران | 1420 استماع |
من سورة النحل [2] | 1418 استماع |
من سورة الحج | 1354 استماع |