شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 41-43


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عندنا في هذه الحلقة حوالي خمسة أحاديث، وهي تحتاج إلى شيء من البسط والكلام حولها، وينبغي أن نحرص قدر الإمكان على أن ننهي هذه الأحاديث؛ لأنني لاحظت أن من الخير فيما يظهر لي أن نتحرك أكثر مما كان من قبل، بمعنى: أن نحرص على أخذ عدد من الأحاديث في كل جلسة يكون عدداً طيباً، نتمكن به من إنهاء الكتاب خلال مدة معقولة ووجيزة نسبياً بإذن الله تعالى؛ إن وفق الله.

هذه الأحاديث التي معنا تبدأ بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ومسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه )، والحديث كما يقول المصنف: أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة .

سبب الحديث وتخريجه

هذا الحديث له سبب، وهو في كثير من المصادر مذكور أوسع وأطول مما ذكره المصنف، فالمصنف رحمه الله اقتصر منه على محل الشاهد، فالذي في المصادر التي أشار إليها المؤلف: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هذا الوضوء فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم) هذا اللفظ الذي ذكرته هو لفظ أبي داود في سننه، وهو أقرب الألفاظ للفظ الذي ساقه المصنف في البلوغ، ومع ذلك تلحظون فيه شيئاً من الاختلاف؛ لأنه قال: ( وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه ) وهذه زيادة لم يذكرها المصنف أنه مسح بالسباحتين باطن أذنيه.

والحديث رواه أيضاً النسائي وابن ماجه، ولذلك قال المصنف في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية قال: رواه الأربعة إلا الترمذي، فهو في ابن ماجه أيضاً، وقد رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وسعيد بن منصور في سننه وغيره.

هذا الحديث صحيح، فقد قال المصنف في الدراية : وإسناده قوي. وفي تلخيص الحبير ذكر الحديث وقال: من طرق صحيحة.

وقال الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام : إن هذا الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الحديث كما لاحظتم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فـابن دقيق العيد يقول: إن الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن إسناده إلى عمرو بن شعيب صحيح. هذا كلام ابن دقيق العيد.

راوي الحديث عمرو بن شعيب

ولذلك ينبغي أن تعرفوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأنه كثيراً ما يرد هذا الإسناد، فإذا عرف الطالب الحكم على هذا الإسناد استفاد من الحكم على أحاديث كثيرة جداً، إذا ثبتت صحة إسنادها إلى عمرو بن شعيب، فـعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أبوه من؟ عن عمرو بن شعيب عن أبيه، من هو أبوه؟

شعيب، هذا من البديهيات يعني: ما هناك إشكال في عمرو بن شعيب عن أبيه، فهذا يشبه سؤال الأعرابي الذي كان يقول: مريم بنت عمران من أبوها؟ فأبوه شعيب -كما هو ظاهر في نفس الإسناد- عن عمرو بن شعيب، لكن جده هل هو جد عمرو أو جد شعيب؟

المسألة -كما هو معروف- فيها خلاف، فإذا قلنا: إن الجد هو جد عمرو فيكون هناك انقطاع في الإسناد، ولذلك يضعفه بعض أهل العلم، وإذا قلنا: إنه جد أبيه -يعني: جد شعيب - يكون الإسناد متصلاً، وهذا هو الراجح أن الجد جد شعيب، وهو يعني شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وبذلك يكون الإسناد متصلاً.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنه إسناد صحيح، ومن المعروف -والكلام لا يزال لـابن القيم - أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له صحيفة تسمى الصادقة، فيها أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي التي رواها عنه عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: ومن العلماء وأهل الحديث من عد إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كإسناد أيوب عن نافع عن ابن عمر، يعني: عده إسناداً في غاية الصحة، بل ربما صح أن يقال فيه: إنه من السلاسل الذهبية في الأسانيد الصحيحة، قال: والأئمة الأربعة وغيرهم يحتجون بحديثه.

إذاً: إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه كلام، ولكن الأقوى والأظهر أنه صحيح، وبناء عليه يكون حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء ومسح الرأس والأذنين حديثاً صحيحاً.

بيان ما في قوله: (فمن زاد أو نقص فقد أساء ...) من الإشكال

هذا الحديث.. في اللفظ الذي سقته عن أبي داود شيء من الإشكال؛ لأنه ذكر: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً )، ثم قال: ( هذا الوضوء، فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم )، أما من زاد فالأمر واضح؛ لأن الزيادة في الشرع مثل النقصان عليه، يعني: الإفراط كالتفريط، فمن توضأ أربعاً -مثلاً- فهو مخطئ ومقصر وظالم، مثل من لم يسبغ الوضوء مثلاً.

لكن من نقص عما ورد في الحديث، يعني: من غسل مرتين مرتين، أو غسل مرة مرة، هل نقول عنه: إنه أساء وتعدى وظلم؟

لا يقال: إنه أساء وتعدى وظلم مطلقاً؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، ومرة ومرة، وبالاتفاق فإن الواجب في الضوء هو الغسل مرة مع الإسباغ، وما زاد فهو سنة، ولذلك يشكل هذا الحديث، وبالذات رواية أبي داود حيث إن فيها: ( فمن زاد أو نقص )، وقد أجاب على هذا الإشكال ابن رجب الحنبلي رحمه الله، في شرحه لعلل الترمذي حيث عقد باباً للأحاديث النبوية التي اتفق العلماء على عدم العمل بها وذكر منها هذا الحديث بلفظ: ( فمن زاد أو نقص )، وقال: إن الإمام مسلماً ذكر إجماع العلماء على خلافه، يعني: أنه لا يجب الغسل ثلاثاً ثلاثاً.

ويمكن أن يقال: إن رواية: (أو نقص) رواية شاذة، وأن الروايات الصحيحة عند الأئمة بلفظ: ( فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء )، وهذا هو الموجود في سنن النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم بلفظ: ( فمن زاد فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء ) وليس فيها: (أو نقص)، فلعل زيادة: (أو نقص) هي زيادة من أحد رواة الحديث، وتكون شاذة مخالفة للمحفوظ.

وللترمذي رحمه الله في آخر السنن كتاب سماه: كتاب العلل، وقد شرحه ابن رجب في كتاب مستقل مطبوع أكثر من طبعة وبأكثر من تحقيق، وقد ذكر الترمذي بعض الأحاديث التي ساقها في سننه ولم يعمل بها أحد، ثم استطرد ابن رجب وذكر أحاديث عديدة من الأحاديث التي اتفق العلماء على عدم العمل بها، وذكر منها هذا الحديث، وإن لم يخرجه الترمذي .

ذكر صفة مسح الأذنين

هذا الحديث فيه فوائد منها:

ذكر صفة مسح الأذنين، وأن المشروع أن يدخل المتوضئ إصبعه السبابة أو السباحة؛ وهي التي تلي الإبهام، وهي هذه الإصبع التي تلي الإبهام؛ سميت السبابة لأن الإنسان يستخدمها عند السب، وكذلك يستخدمها في التسبيح فتسمى السبابة أو السباحة أو المسبحة، ولذلك قال: ( وأدخل إصبعيه السباحتين ) يعني: من اليمنى واليسرى، فيدخل أصبَعيه أو أصبُعيه في أذنيه؛ في فتحة الأذن أو في صماخ الأذن الذي ينفذ إلى الرأس، ويجعل الإبهام فوق ظاهر الأذن، ثم يحرك الإبهام فوق ظاهر الأذن، ويحرك السبابة أيضاً في داخل الأذن، وهذا هو المشروع في مسح الأذن، هذه هي الصفة التي تثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من طريق كما سيأتي.

أما الغضاريف الموجودة في داخل الأذن فلا يلزم الإنسان أن يتقصاها؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يلزم ولا يشرع إيصال الماء إلى جلدة الرأس في أصل مسح الرأس، فكذلك الحال في الأذنين يكفي أن يدخل السبابتين في داخل الأذنين -في صماخ الأذنين- ويمسح بالإبهام على ظاهر الأذنين، كما ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما رأيتم في هذه الرواية، وثبت من طرق أخرى: منها حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي وفيه: ( أنه مسح بأصبعيه أذنيه ظاهرهما وباطنها )، وكذلك ثبت ذلك من حديث المقدام بن معدي كرب عند أبي داود، وفيه أنه قال: ( أدخل أصبعيه في صماخ أذنيه ) والصماخ تنطق بالصاد أو بالسين: (في صماخ أو في سماخ أذنيه)، وحديث المقدام هذا قال فيه الحافظ ابن حجر : إسناده حسن. وورد مثل ذلك أيضاً عن جمع من الصحابة.

المهم أن هذه هي الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الأذنين، وهذه هي الفائدة التي من أجلها ساق المصنف هذا الحديث.

عدم مشروعية الزيادة في الوضوء على ما ورد

ومن الفوائد التي تستفاد من هذا الحديث: أنه لا يشرع للإنسان الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الزائدة على ذلك إساءة وظلم.

فأما أنها إساءة: فلأنها مخالفة للشرع؛ لأن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث غسلات لأعضاء الوضوء، فمن زاد على ثلاث غسلات فكأنه استدرك على النبي صلى الله عليه وسلم، ورغب عن هديه عليه الصلاة والسلام وعن سنته، فقد أساء ولم يحسن وإن كان يريد الإحسان، أما أنها ظلم: (أساء وظلم) فهي لا شك ظلم؛ ظلم للنفس وجور عليها؛ لأن هذه الزيادة هي في الغالب نوع من الوسواس، فإن الإنسان يخيل إليه أنه لم يغسل فيعيد الغسل مرة ثانية وثالثة، ثم يخيل إليه أنه لم يغسل فيزيد، فيدخل بذلك في باب الوسوسة التي تؤدي بالإنسان إلى الهلاك -والعياذ بالله-، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وغيرهم من أهل العلم: أن من استمر على ذلك فإنه يمنع منه، فإن أصر عليه فإنه يعزر ويؤدب؛ لأنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعبد لله عز وجل بأشياء لم يشرعها الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد رأيت ورأى غيري ما يقع فيه من ابتلي بالوسواس من الغلو في ذلك والمبالغة، حتى إن ذلك يؤدي به إلى ترك الوضوء، ثم يؤدي به إلى ترك الصلاة، ويصيبه بهموم وأحزان كثيرة في نفسه، وهذا ما يريده الشيطان: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]، وقد سبق أن تكلمت في ذلك وأطلت في إحدى المناسبات، ولذلك لا أريد أن استطرد حول هذا الموضوع، وأحيل الإخوة الراغبين في الاستزادة إلى ما كتبه الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: إغاثة اللهفان في الجزء الأول حول موضوع الوسواس في الطهارة والصلاة، ومداخل الشيطان على بني آدم في ذلك؛ فهو كلام نفيس مهم. فهذا من فوائد الحديث.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( فقد أساء وتعدى وظلم )، فلأن هذا من تعدي حدود الله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حد لنا حدوداً في الوضوء، منها ألا نزيد على ثلاث ولا ننقص عن واحدة، فمن زاد عن الثلاث فقد تعدى الحد الذي حده الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أمر غير مشروع، والتعبد به يعتبر من باب البدع والضلالات.

هذا الحديث له سبب، وهو في كثير من المصادر مذكور أوسع وأطول مما ذكره المصنف، فالمصنف رحمه الله اقتصر منه على محل الشاهد، فالذي في المصادر التي أشار إليها المؤلف: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هذا الوضوء فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم) هذا اللفظ الذي ذكرته هو لفظ أبي داود في سننه، وهو أقرب الألفاظ للفظ الذي ساقه المصنف في البلوغ، ومع ذلك تلحظون فيه شيئاً من الاختلاف؛ لأنه قال: ( وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه ) وهذه زيادة لم يذكرها المصنف أنه مسح بالسباحتين باطن أذنيه.

والحديث رواه أيضاً النسائي وابن ماجه، ولذلك قال المصنف في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية قال: رواه الأربعة إلا الترمذي، فهو في ابن ماجه أيضاً، وقد رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وسعيد بن منصور في سننه وغيره.

هذا الحديث صحيح، فقد قال المصنف في الدراية : وإسناده قوي. وفي تلخيص الحبير ذكر الحديث وقال: من طرق صحيحة.

وقال الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام : إن هذا الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الحديث كما لاحظتم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فـابن دقيق العيد يقول: إن الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن إسناده إلى عمرو بن شعيب صحيح. هذا كلام ابن دقيق العيد.

ولذلك ينبغي أن تعرفوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأنه كثيراً ما يرد هذا الإسناد، فإذا عرف الطالب الحكم على هذا الإسناد استفاد من الحكم على أحاديث كثيرة جداً، إذا ثبتت صحة إسنادها إلى عمرو بن شعيب، فـعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أبوه من؟ عن عمرو بن شعيب عن أبيه، من هو أبوه؟

شعيب، هذا من البديهيات يعني: ما هناك إشكال في عمرو بن شعيب عن أبيه، فهذا يشبه سؤال الأعرابي الذي كان يقول: مريم بنت عمران من أبوها؟ فأبوه شعيب -كما هو ظاهر في نفس الإسناد- عن عمرو بن شعيب، لكن جده هل هو جد عمرو أو جد شعيب؟

المسألة -كما هو معروف- فيها خلاف، فإذا قلنا: إن الجد هو جد عمرو فيكون هناك انقطاع في الإسناد، ولذلك يضعفه بعض أهل العلم، وإذا قلنا: إنه جد أبيه -يعني: جد شعيب - يكون الإسناد متصلاً، وهذا هو الراجح أن الجد جد شعيب، وهو يعني شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وبذلك يكون الإسناد متصلاً.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنه إسناد صحيح، ومن المعروف -والكلام لا يزال لـابن القيم - أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له صحيفة تسمى الصادقة، فيها أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي التي رواها عنه عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: ومن العلماء وأهل الحديث من عد إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كإسناد أيوب عن نافع عن ابن عمر، يعني: عده إسناداً في غاية الصحة، بل ربما صح أن يقال فيه: إنه من السلاسل الذهبية في الأسانيد الصحيحة، قال: والأئمة الأربعة وغيرهم يحتجون بحديثه.

إذاً: إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه كلام، ولكن الأقوى والأظهر أنه صحيح، وبناء عليه يكون حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء ومسح الرأس والأذنين حديثاً صحيحاً.

هذا الحديث.. في اللفظ الذي سقته عن أبي داود شيء من الإشكال؛ لأنه ذكر: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً )، ثم قال: ( هذا الوضوء، فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم )، أما من زاد فالأمر واضح؛ لأن الزيادة في الشرع مثل النقصان عليه، يعني: الإفراط كالتفريط، فمن توضأ أربعاً -مثلاً- فهو مخطئ ومقصر وظالم، مثل من لم يسبغ الوضوء مثلاً.

لكن من نقص عما ورد في الحديث، يعني: من غسل مرتين مرتين، أو غسل مرة مرة، هل نقول عنه: إنه أساء وتعدى وظلم؟

لا يقال: إنه أساء وتعدى وظلم مطلقاً؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، ومرة ومرة، وبالاتفاق فإن الواجب في الضوء هو الغسل مرة مع الإسباغ، وما زاد فهو سنة، ولذلك يشكل هذا الحديث، وبالذات رواية أبي داود حيث إن فيها: ( فمن زاد أو نقص )، وقد أجاب على هذا الإشكال ابن رجب الحنبلي رحمه الله، في شرحه لعلل الترمذي حيث عقد باباً للأحاديث النبوية التي اتفق العلماء على عدم العمل بها وذكر منها هذا الحديث بلفظ: ( فمن زاد أو نقص )، وقال: إن الإمام مسلماً ذكر إجماع العلماء على خلافه، يعني: أنه لا يجب الغسل ثلاثاً ثلاثاً.

ويمكن أن يقال: إن رواية: (أو نقص) رواية شاذة، وأن الروايات الصحيحة عند الأئمة بلفظ: ( فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء )، وهذا هو الموجود في سنن النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم بلفظ: ( فمن زاد فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء ) وليس فيها: (أو نقص)، فلعل زيادة: (أو نقص) هي زيادة من أحد رواة الحديث، وتكون شاذة مخالفة للمحفوظ.

وللترمذي رحمه الله في آخر السنن كتاب سماه: كتاب العلل، وقد شرحه ابن رجب في كتاب مستقل مطبوع أكثر من طبعة وبأكثر من تحقيق، وقد ذكر الترمذي بعض الأحاديث التي ساقها في سننه ولم يعمل بها أحد، ثم استطرد ابن رجب وذكر أحاديث عديدة من الأحاديث التي اتفق العلماء على عدم العمل بها، وذكر منها هذا الحديث، وإن لم يخرجه الترمذي .