أرشيف المقالات

حاجة الأمة إلى العلماء الربانيين وخطر رفع العلم

مدة قراءة المادة : 57 دقائق .
حاجة الأمة إلى العلماء الربانيين وخطر رفع العلم د.
أحمد العمراني مَنِ العالم حقيقة الذي نخشى فقدانه؟ وما العلم المطلوب؟ وكيف واقع الأمة اليوم تجاه العلم والعلماء؟ إن أول ما يجب التسليم به هو أن علم البشر وعلم الخلائق كلها لا يساوي شيئاً أمام علم الله المطلق، لقوله ـ تعالى ـ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] .
فعِلْمُ الله مطلق لا حد له ولا حصر، يعلم الجزئيات والكليات، ولا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، سواء أكان في السر أم في العلن.
قال ـ تعالى ـ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3] . - بل إن علم الخلائق جملة سواء أكانوا ملائكة، أم رسلاً، أم أنبياء أم علماء هم من عطاء الله؛ حيث يقول ـ سبحانه ـ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 31 - 32] . وعن أُبَيِّ بن كعب قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: بَيْنَا مُوسَى فِي مَلأ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ فَقَالَ مُوسَى: لا، فَأُوحِىَ إِلَى مُوسَى: بَلَى! عَبْدُنَا خَضِرٌ» (1) . - وفي رواية: «قال: فَانْطَلَقَا ـ موسى والخضر ـ يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ؛ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الخضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ في الْبَحْرِ» (2) . إنها نصوص رائعة من نصوص شرعنا، نصوص ناطقة ومعبرة، لهذا وجب على كل عالم أو متعلم، إرجاع العلم الى الله أولاً.
وقد عنون البخاري ـ رحمه الله ـ باباً من أبوابه الحديثية بقوله: «باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ» (3) . وهو المنهج الذي سار عليه السلف الصالح، فعن ابن أم عبد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود أنه قال: «مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: لاَ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] (4) .
بل هو النهج الذي سار عليه سلفنا الصالح في كتاباتهم واجتهاداتهم؛ فقلما يخلو مقال لهم أو كتاب من ختم بكلمة: (الله أعلم) . - العلم الذي يُخشى من رفعه: ورد العلم في نصوص شريعتنا بعدة معانٍ من أهمها: - بمعنى الخشية، قال ـ تعالى ـ: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] .
قال ابن مسعود: «ليس العلم بكثرة الحديث، ولكن العلم بالخشية» (1) . - بمعنى: النور: قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] .
قال إمامنا مالك: «إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور جعله الله في القلوب» (2) . - بمعنى: القرآن: حيث سمّى الحق ـ سبحانه ـ القرآن علماً في قوله ـ تعالى ـ: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6] .
كما عرَّف النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن بالعلم في قوله: «أبا المنذر! أي آية معك في كتاب الله أعظم ـ مرتين؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر!» (3) . - بمعنى: الحديث: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننتُ يا أبا هريرة! أنه لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوْلى منك؛ لِمَا رأيت من حرصك على الحديث، وإن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قِبَل نفسه» .
وفي رواية: «والذي نفسي بيده! لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك؛ لما رأيت من حرصك على العلم» (4) . وأخرج الشيخان في صحيحيهما، واللفظ للبخاري عَنْ أَبِي مُوسَى ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الماءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِي قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» (5) . - فَضْلِ الْعِلْمِ عامة والعلوم الشرعية خاصة: وهذا أمر لا يخفى على عاقل أريب؛ فنصوص الوحيين ناطقة بفضله، مغرية بتمثله؛ حيث يقول ـ سبحانه ـ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة» (6) .
وقال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (7) .
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه» (8) . وقال ابن عمر: «العلم ثلاثة أشياء: كتاب ناطق، وسنة ماضية، و (لا أدري) » (9) . قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ: (واتفق أهل الشرائع على أن علوم الشريعة أفضل العلوم، وأعظمها أجراً عند الله يوم القيامة) (10) .
وقال محمد بن القاسم بن خلاد: (العقل دليل الخير، والعلم مصباح العقل، وهو جلاء القلب من صدى الجهل) (11) . - آداب طلب العلم: 1 - النظر فيمن يؤخذ عنه العلم: وهذا يعني أنَّ تعلُّمَ العلم الشرعي: هو تديُّن وعبادة وتقرب إلى الله، لهذا يجب الاحتياط في أخذه، وحسن تلقيه من أهله؛ فعن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ!) (12) . 2 - ضرورة التخصص في العلم: قال ـ تعالى ـ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .
وقال ـ سبحانه ـ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلُّم» (13) .
وقال أيضاً ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» (14) وهم أهل العلم. 3 - ضرورة الإخلاص في طلب العلم: وهو أمر لا يتمارى فيه اثنان، ولا يتناطح فيه عنزان؛ فكل عمل خلا من الإخلاص فَقَدَ قيمته؛ فالإخلاص أساس اليقين، ومن تيقن أمراً دام على السير في نطاقه قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] . 4 - الابتعاد عن تعلُّم العلم المذموم: ولا يخلو أمر من ثنائية تخالفه، أو تضاده؛ فما من شيء في الكون إلا وفيه النافع والضار؛ فالعلم علمان: علم نافع، وعلم ضار.
ومن العلم الضار أن يتعلم الإنسان ما يضره أو يضر غيره، أو ما لا ينفع مطلقاً، لهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتبس علماً من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» (15) . 5 - ضرورة بذل الجهد في طلب العلم: ومن المسلّم به أن الله ـ عز وجل ـ بنى حياة الإنسان على الأخذ ثم العطاء، فلا نيل دون جهد؛ فالجنة تُنال بالعمل، والنار تتجنب بالعمل، وتحقيق النجاح في الدنيا والفوز في الأخرى يتحقق بالعمل، وخصوصاً العلم؛ فلا يعقل أن يكتسب الإنسان علماً دون أن يبذل جهداً مقابل الحصول عليه، وهذا ما أكده أحد الصحابة الأجلاء فيما أخرجه مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «لاَ يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الجِسْمِ» (1) . 6 - تجنب الخصال المبعدة عن التعلم: والعلم مطلوب، وبذل النفس والمال والعاطفة من أجل الحصول عليه أمور أساسية، ولكن هناك خصلتان تمنعان من توفره والحصول عليه، خصلتان يجب تجنبهما، وهما: الحياء في طلبه، والاستكبار عن أخذه، وفي ذلك يقول التابعي الجليل مجاهد بن جبر: «لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ» (2) .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها ـ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ! لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ» (3) . - خطورة رفع العلم وآثاره: قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا» (4) .
وقال النبي الأمين: «بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، يَزُولُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الجهل» (5) . وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً؛ فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (6) . وفي رواية البخاري عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعاً، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ» (7) . وإن كنا لا ننكر وجود الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة فإن ما أصبحنا نشاهده اليوم من اتِّباع العامة للسفهاء، وهجر العلماء لَخَيْر دليل على أننا أضحينا أقرب إلى وقوع الآفة التي حذرنا منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن حديث نبينا واقع لا محالة فينا. ولعل من الآثار السلبية الواضحة لغياب العلم ورفعه ما يلي: 1 - حصول خلل في العقيدة: إن غياب العلم برفعه أو بتغييبه عن واقع الأمة يُسهِّل على الشر والجهل العمل بسرعة من أجل الانتشار والتأثير، وأخطر تأثير يتسلط على الإنسانية بسبب غياب العلم: الجهل والتجهيل؛ حيث يحصل للناس نسيان الحقائق ثم تركها؛ فالابتعاد عنها، ثم استبدالها بما يضاد العلم والمعرفة.
وأهم ما اكتسبه الإنسان بالعلم: العلم بالله وعبادته وتوحيده؛ فإذا غاب العلم حصل ابتعاد الناس عن توحيد الله وعبادته كما أمر، ثم يخلق الناس لأنفسهم؛ بسبب الجهل وغياب العلم آلهة تعبد، وهذا ما أكده ابن عباس حبر الأمة فيما أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ...
» (8) . 2 - الاستخفاف بالعلم والعلماء: وهذا أمر خطير؛ لأنه بحصوله يفقد الناس أطباءهم الروحيين، ويحصل الضلال المبين، وقد حذر الفقيه الجليل الإمام ابن حزم الظاهري من حدوث هذا الأمر؛ فقال منكراً على أهل زمانه استخفافهم بالعلماء: «صار الناس في زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم ليرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويُزهى على من هو دونه، فذهب العلم وهلك الناس» (9) . ولن نذهب بعيداً، وننكر حدوث هذا الأمر، فكم استمعنا عبر الفضائيات إلى من يسب العلماء! وكم قرأنا من مقالات تطعن في علم بعضهم، وتسفِّه فكر الآخر؛ وهذا كله مع الأسف الشديد من قلة العلم وغياب فقه العلم. 3 - جرأة الفساق على العلم: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أمام الدجال سنين خَدَّاعة يُكَذَّبُ فيها الصادق، ويُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضة.
قيل: وما الروبيضة؟ قال: الفُوَيْسق يتكلم في أمر العامة» (10) . الرُّوَيْبِضة: أي الفاسق، وفي رواية التافه الذي يتكلم في أمور الدين وهو جاهل لأيسر قضاياه، وأمثال هؤلاء كثيرون في زمننا، بل وفي كل الأزمنة التي مرت بالمسلمين، ولكنهم سيظهرون بكثرة في زمننا لغياب العلماء، وابتعادهم عن واجبهم ومسؤوليتهم، وترك الحبل على الغارب لمن لا يحسن الكلام؛ فكيف بالفتوى وإصدار الأحكام؟ 4 - ولاية الدين من غير أهله: وهذا يعني الترامي ـ إن صح التعبير ـ على العلم الشرعي من غير أهله وذويه، أو تولية غير أهله له؛ حيث يتقدم للفتوى من لا يدريها، ويُقدّم لها من لا يستحقها، كما يُقدمون لتعليم الناس، فيحتلون بذلك مناصب هم أبعد ما يكونون عنها، وهذا أمر حذّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بقوله: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله!» (1) . فتولي أمر الفتوى وأمر الدين من غير أهله وذويه يطعن الأمة في عمقها، ويسبب تشتتها وتمزقها؛ إذ الدين هو موحدها وجامع كلمتها، وبتوليه من غير أهله تحصل كارثة في الأمة؛ إذ يمكن قبول أي ارتماء على أي مهنة أو حرفة إلا الارتماء على العلوم الشرعية وأمور الدين. 5 - كثرة المعارف وقلة العمل: حيث روي عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فقال: «ذاك عند ذهاب العلم، قلت: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك، زياد! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوَ ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟» (2) . - وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عليه، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ.
ثُمَّ أُمِرَ بَهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ...
» (3) . والعلم أيضاً مطلوب؛ لأنه طريق العمل؛ فلا عمل دون علم، والله لا يُعبَد بالجهل، وهو القائل: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132] .
والعلم إذا لم يكن ثمرة في القلب، والجوارح، والمعاملات؛ فكأنه لم يكن. وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف البحر ليصلُّون على معلم الناس الخير» (4) . 6 - اتِّباع أهل الكتاب: وقد حذر الشارع المسلمين من عداوة أهل الكتاب لأهل الإيمان من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن لنا في القرآن أن عداوتهم لن تنقطع، ولن يرضوا عن حالنا إلا إذا أبعدونا عن ديننا، أو نتبع ملتهم، فقال ـ سبحانه ـ: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] .
وقال أيضاً: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] . كما أخبر الرسول الكريم بأن من سنن الله في خلقه، وفي هذه الأمة اتباع أهل الكتاب في كل ما نحلوه وفعلوه، فقال: «لتتبعُنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه» (5) . فالأمة مطالبة اليوم بالحذر، وبالاحتياط فيما تأخذ وتتبع؛ فالإسلام لا يعادي الأخذ من الآخر ولا الاستفادة من تجارب الأمم وحضارتهم، ولكنه يعادي التقليد الأعمى، والتلقي السالب الذي يسلب المرء من كرامته وشخصيته وهويته؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- محذراً من التقليد كيفما كان: «لا تكونوا إمَّعة تقولون: إنْ أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» (6) .
وعن حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: قلت لإسحاق بن راهويه: ما معنى قوله: «إمَّعة» ؟ قال: تقول: إن ضل الناس ضللتُ، وإن اهتدوا اهتديت» (7) . - دور العلماء ومكانتهم في الأمة: - لماذا إذن كل هذا التخوف والعلم موجود، والعلماء منتشرون في كل مكان، والكتب مطبوعة، والفضائيات منتشرة؟ من الطَبَعي أن يحصل التخوف؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعاً، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ» (8) .
وروي عن عطاء في تفسير قوله ـ تعالى ـ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41] .
قال أطرافها: موت علمائها وفقهائها» (9) . فالعلماء هم ورثة الأنبياء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العلماء ورثة الأنبياء.
إن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (10) .
وقال الحسن: «مثل العلماء مثل النجوم إذا بدت اهتدوا بها، وموت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار» (11) . قال سهل بن عبد الله التستري: «من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء ـ عليهم السلام ـ فلينظر إلى مجالس العلماء» (12) . - العالم الرباني والصفات المطلوبة: والمطلوب اليوم لإنقاذ البشرية وإرجاع الناس إلى جادة الطرق وأحسن السبل: توفر الأمة على علماء ربانيين، ينظرون إلى المجتمع نظرة مستقبلية؛ سواء تعلق الأمر بالمستقبل الدنيوي أم الأخروي. ومما أُثِرَ عن حَبْر الأمة عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تفسير قوله ـ تعالى ـ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] قال: «حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ.
وَيُقَالُ الرَّبَّانِي: الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ» (1) . ولنا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع جلسائه خير أنموذج نتعلم منه، ونستقي منه صفات العالم الرباني؛ حيث كان -صلى الله عليه وسلم- كما حدَّث علي بن أبي طالب جواباً على سؤال ولده الحسن قائلاً: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دائم البِشْر، سهل الخُلُق، لين الجانب، ليس بفظ سيئ الخلق، ولا غليظ ولا سخاب، ولا فاحش، ولا عياب، ولا مزَّاح، يتغافل عما لا يشتهي، لا يُيئس منه راجيه، ولا يخيب فيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً، ولا يعيّره ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو.
وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه، وسألته حتى إن كان أصحابه ليستحلبونه في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب حاجة فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام» (2) . كما تحدث السلف الصالح عن صفات خاصة للعلماء، فقالوا: هو من تمثل صفات خمس، وهي (3) : 1 - الخشية لقوله ـ تعالى ـ: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] . 2 - الخشوع لقوله ـ تعالى ـ: {وَإنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 199] . 3 - التواضع لقوله ـ تعالى ـ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد مَلَك، فإذا تواضع قيل: للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل: للملك ضع حكمته!» (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إلاَّ عِزاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» (5) . وروي عن عمر الفاروق قال: «تعلَّموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، وليتواضع لكم من يتعلم منكم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم!» (6) . 4 - حسن الخُلُق: الخُلُق الحسن هو رسالة الإسلام، لقول الرسول الكريم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (7) .
وقد سأل أحدهم أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عائشة ـ رضي الله عنها ـ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بلى! قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآنَ..» (8) . ومن أهم الأخلاق الحسنة المطلوبة في العالم قبل غيره باعتباره ممثلاً لنبي الإسلام: ليونة الخطاب مع تجنب الغلظة: وتتمثل الليونة في الخطاب التعليمي، ومحاولة إيصاله إلى القلوب بالتي هي أحسن، وليس بالتي هي أخشن.
قال ـ تعالى ـ مخاطباً موسى لما بعثه إلى فرعون: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 17 - 19] .
وفي آية أخرى يقول ـ سبحانه ـ: {اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44] .
وزاد القرآن الكريم بياناً لهذا الخلق وأهميته حين جعله من صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأثره في علاقته بمن دعاهم؛ حيث قال ـ تعالى ـ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] . 5 - إيثار الآخرة على الدنيا: إذا قُبل اشتغال عامة الناس بالدنيا وتكالبهم عليها؛ فهذا الأمر ليس مقبولاً من أناس يوجهون الناس ويعلمونهم، ويحذرونهم من فتن الدنيا وشهواتها، فإذا غُلب عامة الناس لجهلهم؛ فكيف يُغلب العالم بعلمه، لكن الحقيقة أن للشيطان مداخل لكل إنسان؛ فهو يعرف كيف يصل الى كل القلوب، وإلى قلب العالم بشتى الطرق والوسائل؛ حيث لا يترك طريقاً، أو وسيلة إلا واستعملها معه للوصول إلى قلبه وإغوائه، ولعل ما يؤثر في العالِم، ويسيطر على فؤاده ما يعيشه اليوم من قِصَر اليد، وقلة النفقة، مما يضطره الى مد عينيه إلى ما في يد غيره، أو انتظار من يعينه ويقدم له المساعدة والصلة. وقد حذر المولى ـ عز وجل ـ من وقوع ذلك وبين على لسان العلماء أن الثواب المنتظر عنده أوْلى وأهم من ثواب الدنيا، وعطائها فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80] . - حق الناس على العلماء: يمثل العلماء في مجتمع اليوم دور الطبيب الروحي أمام دور أطباء الأبدان؛ فوجودهم أمان للأرواح، ومحقق لسلامتها من الأسقام القاتلة والموجعة؛ فكم من قتيل لإبليس يبرأ بسماعه حديثاً واحداً من أحاديث نبينا الأمين -صلى الله عليه وسلم-، أو آية من كتاب الله الحكيم، فيرجع معافى مرتاح النفس! وصدق الله العظيم القائل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] . فدور العلماء اليوم هو حماية العلم من الرويبضات والمتطفلين عليه، حتى لا يشوهوه باقتحامهم لمجال لا علاقة لهم به، ثم الدفاع عنه أمام المنتحلين، وتصحيح مساره أمام المغالين والمتشددين؛ حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (1) .
ومن أهم ما ينبغي لعالِم اليوم، ويعتبر من أجلّ أعماله: 1 - تحبيبه اللهَ للناس: وهو ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلماً أمته في قوله: «إنّ أحبّ عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس» (2) . 2 - فتح باب التوبة أمام الناس: وهذا من أهم أدوار العالم؛ فالناس قد أصابتهم حُمّى الماديات، وغاب عنهم ضميرهم الحي الذي يوقظ فيهم حُبّ الآخَر والعمل الخيّر، ولكن سرعان ما يعودون إذا سمعوا كلمة طيبة مؤثرة من قلب صادق، وهذا ما حدثنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الصحيح الذي رواه عنه أبو سعيد الْخُدْرِي في قصة ذلك الرجل من بني إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، وهو حديث مشهور. فكم من سائل عن التوبة بعد طول معصية لو وجد من يرشده ويوجهه لأسرع بالرجوع والإنابة؟ وكم من عاصٍ طال بُعْده عن الله، وكثرت معاصيه له، ولكن يد الله ممدودة له ولأمثاله، يبحث عمن يوصله إليه ولن يجد أعظم وأفضل من كلمة العالِم وموعظته، مما يجعل مسؤولية العالِم أعقد وأصعب، ويتطلب منه عدم التقوقع في بيته، أو الانزواء في ركن من أركان صومعته، بل يجب عليه الخروج للناس، ومعرفة مشاكلهم، والتواضع لهم والإنصات لشكاويهم، ويكفيه دافعاً لكل هذا ومشجعاً حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الموجّه لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ومن خلاله للأمة كلها: «لأن يُهدَى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم» (3) . 3 - حمل العلم وتبليغه: فليس من المطلوب من كل الناس أن يتعلموا العلم، ويتخصصوا في كل مجالاته؛ فهذا عمل صعب وغير مستطاع لكل أحد، نعم! على المسلم أن يتعلم المعلوم من الدين بالضرورة، ولكن يبقى الكثير من العلم يحتاج إلى أهله ومتقنيه، وخاصة ما يستجد على الناس من القضايا والنوازل، وما يتطلب شرحه وتفسيره الكثير من العلوم والمعارف.
وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلّغها عني؛ فرُبّ حامل فقهٍ غيرِ فقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (4) . فالفقيه بناء على الفهم السليم من الحديث: هو صاحب البصيرة في دينه الذي خلص إلى معاني النصوص، كما يستطيع أن يخلص إلى الأحكام والعبر والفوائد التي تحويها النصوص. فحمل العلم وإيصاله إلى طالبيه عبر الكتابة والتعليم والموعظة والخطابة والتأليف، وعبر كل الوسائل المستحدثة والنافعة أمر أساسي ومطلوب ديني، يؤجَر عليه صاحبه في الدنيا والآخرة، ألم يقل ـ سبحانه ـ في محكم التنزيل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .
لماذا النفير إذن؟ إنه من أجل الإنذار والتبليغ والتحذير، وهذا دور العلماء الذي استُقي من دور الأنبياء والرسل، وفي هذا من الخير ما لا يعلمه إلا الله، كما أخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر؛ فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة، وما دام العلم باقياً في الأرض فالناس في هدى» (5) . وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف البحر ليصلُّون على معلم الناس الخير» (6) . ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ؟ (7) .
فما هو العلم النافع إن لم يكن ما خلفه الإنسان من ميراث ينفع الناس، سواء كان من مؤلفات الرجال أم من مؤلفات الكتب؟ 4 - تبليغ العلم عند السؤال: وهذه من المهام السامية للعلماء، وهي تكليف لا تشريف؛ حيث يوصي الحق ـ سبحانه ـ عباده بسؤال أهل العلم بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] .
كما أوصى الشارع من عَلِمَ علماً، ووفقه الله لتعلم العلم بعدم كتمه، وبإنفاقه لأهله؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- محذراً: «من سُئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار» (8) . 5 - الشفقة على الناس واعتبارهم من الأهل: حيث إن نظرة العالم إلى الناس ليست كنظرة غيرهم، فالعالِم ينظر إلى الناس باعتبار العلم الذي حباه الله به؛ فنظرته إلى العاصي هي نظرة شفقة من عصيانه لربه، وتفكير كبير في كيفية الوصول إلى قلبه وحسن دعوته، ونظرته إلى الجاهل هي كيفية الوصول إلى إخراجه من جهله بنور العلم، ونظرته إلى الملتزم بهذا الدين هي في كيفية تحصينه من التعمق فيه والوقوع في التنطع، وكل هذا يندرج في نصوص عامة مثل قوله ـ تعالى ـ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: 10] .
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (1) .
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» (2) .
والوالد يرغب في إنقاذ بنيه من النار. 6 - إنزال الناس منازلهم: فالناس معادن، وهم مختلفون بطبائعهم وشخوصهم؛ فمنهم العزيز في قومه، ومنهم غير ذلك، وكل نفس تحب أن تُعامل بحسب ما يلزمها ويصلحها، وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يوماً بقوله لهم: «أنزِلُوا الناس منازلهم!» (3) . 7 - محادثتهم على قدر عقولهم: وهو المنهج الأسلم؛ فالناس يتفاوتون في الفهم، كما يتفاوتون في القدرة على التلقي والأخذ؛ لهذا وجب تحديثهم على قدر ما يفهمون ويستوعبون؛ فعن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» (4) .
وقَالَ عَلِي: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!» (5) .
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ونكلمهم على قدر عقولهم» (6) .
ومما ورد في الأثر: «كِلْ لكل عبد بمعيار عقله، وزِنْ له بميزان فهمه، حتى تسلم منه وينتفع بك، وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار» (7) . - حق العلماء على الناس: 1 - مجالستهم وحسن الاستماع إليهم: وهذه علاقة خاصة؛ لأن مجالسة العلماء هي مجالسة أناس يحملون تراث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويبلغون عن الله دينه الذي ارتضاه لعباده؛ لهذا فأثناء مجالستهم يجب استشعار هذا البعد الديني والتربوي؛ فعن شهر بن حوشب قال: مما أُثر عن لقمان الحكيم قوله لابنه: «إذا رأيتَ قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً زادوك غيّاً أو عيّاً، ولعل الله يطلع عليهم بعذاب، فيصيبك معهم» (8) . 2 - حسن تقديرهم واحترامهم: وهذا أصل في التعليم وأدب التلقي؛ فإذا غاب الاحترام بين الآخذ والمعطي غاب كل شيء، ولنا في سلفنا الصالح خير موجّه لهذا، بل إن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حدثونا أنهم كانوا إذا جلسوا إلى رسول الله يستمعون إليه كأن الطير على رؤوسهم، كما يحدثنا الصحابي الجليل زيد بن ثابت أنه صلى يوماً على جنازة، فقُرِّبت إليه بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه، فقال زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! فقال ابن عباس: هكذا أُمِرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء» (9) . - الاحتياط من مس لحومهم بسوء: من الآفات التي أضيفت إلى ما ينخر الأمة اليوم في كيانها: جرأة الفساق والعوام والتافهين على العلماء، وجعلهم لقمة سائغة تلوكها ألسنتهم دون وجه حق، ودون وازع من الشرع.
ولم يفقه هؤلاء ومن يلوذ بهم أن «لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] » (10) . - الجرأة على الفتوى وخطرها: من الأمراض التي يقع فيها أبناء الأمة وقد وقعوا فيها كثيراً منذ صدر الإسلام؛ بسبب رفع العلم وقلته: الجرأة عل الفتوى. وهو موضوع خطير؛ إذ تعد الفتوى من أخطر ما أوقف العلماء، وأحرجهم، بينما تجرأ عليها السفهاء؛ فبدؤوا يقدمون للناس الفتاوى على الهواء وفوق الأرض وتحت أديم السماء، ولكثرة الجهل، وحاجة الناس إلى الدواء الشرعي يصدِّق هؤلاء لقلة علمهم، وحسن نيتهم؛ فيسعون لتطبيق تلك الفتاوى على أنفسهم، وعلى غيرهم، ولم ينتبهوا إلى خطورة ما يفعلون، وإلى خطر هؤلاء المفتين المتجرئين. وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفتوى وبين خطرها فقال: «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه» (11) . كما روى ابن وهب المالكي قال: سمعت مالكاً يقول: «لم يكن من أمر الناس، ولا مَنْ مضى من سلفنا، ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسناً، فينبغي هذا، ولا نرى هذا..» (12) . فأين من يتجرأ اليوم على الفتوى من هذا الأدب الجمّ مع العلم؟ وأين هو من شروط الإمام أحمد الذي قال: «ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالماً بوجوه القرآن، عالماً بالأسانيد الصحيحة، عالماً بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وضعف تمييزهم لصحيحها من سقيمها» (1) . وكان ابن أبي جمرة عبد الله بن سعد يشكو، وهو في القرن السابع مما نشكو منه اليوم؛ فقال في كتابه (بهجة النفوس) : «كان العلم أولاً في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الأوراق والكتب، وبقيت مفاتحه في صدور الرجال، ثم الآن كثرت الكتب والأسفار وقلَّت المفاتيح، وإن وجد مفتاح فقلّ أن يكون مستقيماً إلا النادر، وقد ظهر اليوم في زماننا هذا، وتفاحش قوم يقرؤون علوم النحو والأصول والمنطق وعلم الكلام ونحوها، ثم يدعون بها الرئاسة، ويريدون أن يفتوا في دين الله بتلك العلوم، حتى إن بعضهم يدعي الاجتهاد على زعمه، ويخطّئ من تقدم من الفضلاء وأئمة الدين لقلة فهمه لِمَا قالوا، وسوء ظنه بهم» (2) . هذا كلام قيل قبل قرون خلت؛ فكيف لو شاهد صاحب القول ما يحصل في زمننا؛ بحيث يوجد أقوام يفتون دون علم لما سبق ذكره، فلا هم في العير ولا هم في النفير، لا يفقهون نحواً ولا صرفاً، ولا منطقاً ولا أصولاً، بل لماذا الذهاب بعيداً إلى دقائق العلوم؛ فهم لا يفقهون نصاً لغوياً واحداً، بل ولا يعرفون ولا يميزون بين كلام الله وكلام رسوله، بَلْهَ أنهم لا يحفطونه ولا يفهمونه. وقد وقعت كوارث في الأمة؛ بسبب الجرأة على الفتيا، وكذا محاولة فهم نصوص الشرع دون آلياته ودون العلم الواسع به، ومن ذلك ما سطره التاريخ عن فهم الخوارج، وكثير من الطوائف الدينية التي ظهرت في صدر الإسلام، وبنت عقيدتها وعملها على النص الشرعي وفهمها له. وهذا واحد من النصوص التي تبين لنا سوء فهمهم للنصوص، وقلة علمهم وكثرة جهلهم، ورجوع بعضهم إلى الحق بعد أن ظهر لهم بحسن الفهم والإقناع من علماء عصرهم. فعن ابن عباس قال: لما اعتزلت الحرورية قلت لعلي: يا أمير المؤمنين! أبرد عني الصلاة، لعلِّي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم، قال: إني أتخوَّفهم عليك، قال: قلت: كلاَّ، إن شاء الله، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، ثم دخلت عليهم، وهم قائلون في نحر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أرَ قوماً قطُّ أشدَّ اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن إبل، ووجوههم مقلبة من آثار السجود، قال: فدخلت، فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس! ما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل الوحي وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه! وقال بعضهم: لتحدثُنَّه، قال: قلت: أخبروني.
ما تنقمون على ابن عم رسول الله وختنه، وأول من آمن به وأصحاب رسول الله معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثاً، قلت: وما هن؟ قالوا: أُولاهن: أنه حَكَّم الرجال في دين الله، وقد قال الله ـ عز وجل ـ: {إنِ الْحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ} [يوسف: 67] قال: قلت: وماذا؟ قال: قالوا: قاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنم، لئن كانوا كفاراً لقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: وماذا؟ قال: قالوا: ومحا نفسه عن أمير المؤمنين، فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أمير الكافرين.
فقال: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا: نعم! قال: قلت: أما قولكم: إنه حكَّم الرجال في دين الله فإنه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 95] .
وقال في المرأة وزوجها: {وَإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أنشدكم الله! أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم أحقُّ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ فقالوا: اللهم في حقن دمائهم، وصلاح ذات بينهم، قال: أَخَرَجْتُ من هذه؟ قالوا: اللهم نعم! قال: وأما قولكم: إنه قاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنم، أَتَسْبُونَ أُمَّكم، ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وخرجتم من الإسلام؛ إن الله ـ عز وجل ـ يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ؛ فأنتم تترددون بين ضالَّتين، فاختاروا أيهما شئتم.
أَخَرَجْتُ من هذه؟ قالوا: اللهم نعم! قال: وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم، فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله! فقالوا: والله! لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال: والله! إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب يا علي: محمد بن عبد الله؛ فرسول الله كان أفضلَ من عليّ.
أَخَرَجْتُ من هذه، قالوا: اللهم نعم! فرجع منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف فقُتلوا» (3) . - خلاصة: إن المتأمل في ما ذُكر من نصوص ليظهر له بكل جلاء: أن الأمة اليوم محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى علماء مخلصين ثقات، ينفرون إلى العلم للتفقه فيه، من أجل إنذار الأمة مما يمكن أن يصيبها؛ بسبب غياب العلم، فيحصل الحذر، وتحصل النجاة من العلل والأسقام الروحية، فتنطفئ الكثير من الفتن التي تحدق بالأمة؛ بسبب هذا الغياب. فما أحوج الأمة اليوم الى العلم الصحيح، وإلى العلماء الأكفاء، وإلى الوقوف ضد الرويبضة، وما أكثرهم في واقعنا وزمننا! (*) أستاذ الفقه والتفسير بجامعة شعيب الدكالي، الجديدة، المغرب. (1) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب 31 رقم: 7478. (2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 44 رقم: 12. (3) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 44. (4) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة ص، باب 1 رقم: 4774. (1) جامع بيان العلم: 2/ 240. (2) جامع بيان العلم وفضله: 2/ 240. (3) صحيح البخاري، رقم الحديث: 1343، والمستدرك للحاكم، رقم: 5326. (4) صحيح البخاري، كتاب العلم، 97. (5) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 20 رقم الحديث 79، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب 5، رقم الحديث: 6093. (6) صحيح مسلم، رقم الحديث: 4867. (7) صحيح مسلم: كتاب الوصية، رقم الحديث: 3084، سنن الترمذي، رقم: 1378 وقال: حسن صحيح. (8) سنن ابن ماجه: 3065. (9) جامع بيان العلم وفضله: 2/ 238. (10) كتاب الاعتصام: 2/ 340. (11) الفقيه والمتفقه: 2/ 71. (12) صحيح مسلم، المقدمة، باب 5 رقم: 26. (13) أخرجه البخاري معلقاً في صحيحه باب 10 كتاب العلم. (14) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب 10. (15) سنن أبي داود، رقم الحديث: 3406، وسنن ابن ماجه، رقم الحديث: 3716. (1) صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب 31 رقم: 1421. (2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 50. (3) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 50. (4) صحيح مسلم، رقم الحديث: 6956. (5) صحيح البخاري، الفتن، باب 5 رقم: 7066. (6) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 34 رقم: 100، وصحيح مسلم، رقم الحديث: 6971. (7) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب، باب 7 رقم: 7307. (8) صحيح البخاري، تفسير سورة نوح، باب 10، رقم: 4920. (9) جامع بيان العلم وفضله: 2/ 440. (10) مسند أحمد، رقم (12820) . (1) المستدرك للحاكم: 8571/279، وصححه الذهبي. (2) أخرجه ابن ماجه في صحيحه 3288/4120 باب 26 ذهاب العلم والقرآن، وانظر كتاب المشكاة، رقم الحديث: 245/2779، وكتاب تخريج العلم لأبي خيثمة: 121/52، وكتاب تخريج اقتضاء العلم: 189/89) . (3) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب 43 رقم: 5032. (4) أخرجه الدارمي في سننه، 1/117. (5) صحيح البخاري، رقم الحديث: 3197. (6) سنن الترمذي وقال: حسن غريب: 4/ 367، رقم: 2007. (7) السنة للخلال ج: 3/ 560، رقم: 944. (8) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب، باب 7 رقم: 7307. (9) نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف: 1/ 39. (10) الترمذي كتاب العلم، رقم (2606) ، وأبو داود كتاب العلم، رقم (3157) ، وابن ماجه المقدمة، رقم (219) ، وأحمد، رقم (20723) . (11) نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف: 1/ 38. (12) نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف: 1/37. (1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 10 رقم: 10. (2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 22/158، وابن سعد في طبقاته: 1/ 424. (3) إحياء علوم الدين: 1/92. (4) أخرجه الطبراني في الكبير: 868/12/12939، وهو صحيح لغيره. (5) صحيح مسلم، كتاب البر، باب 19 رقم: 6757. (6) إحياء علوم الدين للغزالي: 1/ 91. (7) مجمع الزوائد 9/ 15، وسنن البيهقي: 10/191/20571، ونوادر الأصول: 2/312/4/343، ورواه أحمد في المسند: 2/ 381/8939 بلفظ: صالح الأخلاق، وكذا الحاكم في المستدرك: 2/670/4221، وذكره صاحب كشف الخفاء: 1/244/638. (8) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب 18 رقم: 1773. (1) الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع الديلمي الهمذاني: 5/537/9018، والتمهيد لابن عبد البر: 1/28، وفيض القدير: 6/396، وميزان الاعتدال:1/167، وسنن البيهقي: 10/209/20700. (2) المستدرك للحاكم: 1/114/164. (3) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب 102 رقم: 2642، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب 4 رقم: 6376. (4) صحيح ابن ماجه: 194/236،.ج 1/96. (5) أخرجه أحمد في مسنده، رقم: 12684. (6) أخرجه الترمذي في كتاب العلم، رقم: 2695، والطبراني في معجمه الكبير رقم: 8/ 234. (7) صحيح مسلم، كتاب الوصية، رقم: 3084، وسنن الترمذي، رقم: 1378، وقال: حسن صحيح. (8) صحيح ابن ماجه: 214/264. (1) صحيح البخاري، كتاب الايمان، باب 7 رقم الحديث: 13. (2) صحيح ابن ماجه، رقم: 313. (3) مقدمة صحيح مسلم: 1/6، والعجلوني في كشف الخفاء: 1/226، وفيض القدير نقلاً عن أبي داود: 5 / 427. (4) صحيح مسلم، 14، المقدمة باب 3. (5) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 49 رقم: 127. (6) فيض القدير: 3/ 378، وضعفه ابن حجر، وكشف الخفاء: 1/ 226. (7) إحياء علوم الدين: 1/ 71. (8) أخرجه الدارمي في سننه ج: 1/ 117. (9) إحياء علوم الدين: 1/ 63، وفيض القدير: 2/ 222، وسير أعلام النبلاء: 2/ 437. (10) التبيان في آداب حملة القرآن: 1/ 16. (11) سنن ابن ماجه 1/20، رقم: 53. (12) إعلام الموقعين: 1/ 39. (1) إعلام الموقعين: 1/ 44. (2) بهجة النفوس لابن أبي جمرة. (3) المستدرك للحاكم في المستدرك: 2/ 164/2656، كتاب قتال اهل البغي وهو آخر الجهاد.
وقال الذهبي: على شرط مسلم وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1/ 318 ـ 319، وذكره عبد الرزاق في مصنفه: 10/157، 10/160، وابن ابي شيبة: 7/ 551/ 37873، ونقله السيوطي: 2/ 527، عن ابي نعيم والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢