أرشيف المقالات

لماذا ينهزم المسلمون ؟ و كيف ينتصرون ؟ (2-2) - عبد المنعم منيب

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .

كانت الحلقة الأولى من هذا المقال بمثابة توطئة ومقدمات كي نتوصل بها للاجابة عن السؤال الأساسي لهذا المقال وهو:
لماذا ينهزم المسلمون الآن ولايحققون النصر الذي حققه أسلافهم العظام؟
و كي نجيب على هذا السؤال لابد أن نفككه أولا..
وأهم تفكيك في البداية هو أن نعرف أن الصراع الحالي الذي ينهزم فيه المسلمون هو صراع سياسي بالأساس ، لأن الصراعات العسكرية وكل مايتعلق بالإستراتيجية العليا والإستراتيجية الشاملة فإن الصواب فيها أن يديرها ويقودها القائد السياسي الاستراتيجي لا العسكري وحده أو الدعوي وحده..
إذا فهزائمنا يقف خلفها عجز أو إخفاق لقادتنا السياسيين فلماذا يخفق سياسيونا في إحراز النصر ويفشلون حتى الآن؟
دعونا نرجع للوراء..
نرجع للتاريخ فنأخذ منه زادا يعيننا على فهم مشكلتنا الحالية..
فإذا فهمنا المشكلة بحقيقتها فسوف نتمكن من معرفة حلها الصحيح.
في البداية شارك العرب في حكم الدولة العربية الإسلامية منذ حكم الخلفاء الراشدين وحتى نهاية الدولة الأموية (132هـ) وحينئذ كان العرب هم أغلبية المواطنين المسلمين في الدولة وعندما أراد العباسيون الإطاحة بالأمويين استعانوا بعدد ضخم من الفرس حديثي العهد بالإسلام كي يمكنهم ضرب الأمويين وركيزتهم الاجتماعية وهي العرب، ومن هنا صار كثير من القادة والوزراء هم من الفرس وإن قاسمهم عدد من العرب العديد من المناصب ومع مرور وقت قصير انفرد الفرس بالمناصب خاصة بعد انتصار الخليفة المأمون بن هارون الرشيد بقواته وقادته الفرس على أخيه الأمين الذي كانت قواته وقادتها من العرب ()، وبعد سنوات قليلة ضاق الخلفاء العباسيون بطموحات ومؤامرات الفرس فأقصوهم عن الحكم والجيش والسياسة وأحلوا محلهم عسكريين محترفين أشبه بالمرتزقة، وهم عجم (من الأتراك غالبا) حديثو عهد بالإسلام من قبائل على أطراف الدولة والهدف هو ألا يكونوا ذوي طموحات للاستيلاء على الحكم أو الاستئثار به أو المشاركة في المؤامرات السياسية ضد الخليفة ، لكن بعد فترة قصيرة انغمس هؤلاء الغرباء في المؤامرات حتى حجروا على الخليفة العباسي نفسه وصار يملك ولا يحكم لكن الملاحظة المهمة هي أن هؤلاء الحكام الجدد صاروا نخبة منعزلة عن مجتمع المواطنين فهم من عرق غريب ويعيشون في طبقة اجتماعية مختلفة ولاعمل لهم سوى الحكم والسياسة والحرب وتعاقبت الحقب من أول أتراك حكموا منذ عهد المعتصم (تولى الخلافة سنة218 هـ  - 833 م) ، وحتى المماليك الذين أقرهم العثمانيون في الحكم في مصر و الشام حتى الحملة الفرنسية بالقرن الـ 19 الميلادي، وأيا كانت أجناسهم "ترك أو سلاجقة أو أكراد أو شركس أو صقالبة أو فرس أو غيرهم" فهم نخبة منعزلة عن المجتمع وإرتضي الشعب لها أن تختص هي بالحكم والسياسة والحرب والإستراتيجية الشاملة ونجد إقرارا من العلماء بهذا، ونجد أن احتجاجات الشعب عليهم اتسمت بالمطلبية في معظمها كالإضرابات أوالمظاهرات أوبيانات الاحتجاج على المظالم وكانت شكاوى الاحتجاج تقدم للنخبة الحاكمة على لسان العلماء وبذا انقسم المجتمع والدولة إلى مواطنين مدنين لايحملون سلاحا ولايمتطون خيلا ولايشاركون في لعبة الحكم والسياسة ولايعلمون شيئا عن خباياها وقواعدها بينما القسم الأخر هم الحكام أرباب السيف والحكم وحرص أرباب الحكم على عزل المواطنين بل والخلفاء العباسيين أنفسهم عن السيف والحكم والسياسة فلا دخل لهم بها ومنعوهم من تعلم قواعد الحرب والفروسية وحمل السلاح  ليأمنوا بعدم قدرتهم على التدخل في شئون الحكم.
وظل الوضع هكذا حتى بعد استلام العثمانيين للخلافة من العباسيين مع الفارق أن الخليفة العثماني هو الذي تولي الحكم بدلا من السلطان التركي او الكردي او الشركسي واستمر في عزل الشعب وقادته الذين هم علماء الدين عن السياسة والحرب ، واستمر في منعهم من المشاركة في الحكم أو حمل السلاح مع استعانته بنخبة العسكر القديمة من المماليك ومن شابههم في مختلف الولايات العربية الأخرى.
ويوضح هذا الموقف بشكل جلي واقعة حدثت مع نابليون بونابرت في مصر، إذ دخل عليه العلامة الأزهري الشيخ محمد السادات فكلمه برهة ثم خرج، فقال بونابرت لرفيقه الجنرال كليبر: "الشيخ السادات هذا هو زعيم الثوار المصريين".
 فقال له كليبر: "و لماذا تتركه اقبض عليه وأعدمه فورا".
 فرد عليه نابليون قائلا : "لا..
أنا أفضل أن يكون خصمي هو شيخ بعمامة كهذا بدلا من أن يكون زعيمهم يركب حصانا ويحمل سيفا مثل مراد بك".
ومن هنا نفهم كيف أن الشعب صار لايفهم من لعبة الحكم والسياسة سوى الاحتجاجات المطلبية والتوسل للحاكم القائم لتقليل المظالم فان استجاب لهم فبها ونعمة وإن رفض فلا حيلة لهم، لأنهم لايفهمون بقية خبايا لعبة الحكم والسياسة لا المحلية ولا الإقليمية ولا الدولية.
و عندما جاء محمد على لحكم مصر حرص على استمرار عزل غالبية الشعب عن الحكم والجيش ، وعندما اضطر لإدخال المواطنين المصريين للجيش لحاجته لتكبيره وعدم قدرته على استيراد مماليك جدد فان هؤلاء المصريين هم من فجروا ثورة عرابي ضد أبناء محمد على وهنا تسلم الاحتلال الانجليزي الحكم ليتولى الانجليز المحتلون عزل الشعب مرة أخرى عن الحكم والجيش، ولكن الانجليز كان لعزلهم الشعب هدف آخر غير مجرد السيطرة على الحكم، إذ كانت سيطرتهم المرجوة سيطرة بأهداف جديدة وهذه الأهداف عمل عليها الاحتلال الغربي في كل الأقطار الإسلامية التي احتلها ، وهي خلق شريحة إجتماعية جديدة هي من أهل البلد وتنتمي شكلا الى الثقافة السائدة في البلد وهي الثقافة الاسلامية ولكنها في حقيقة الأمر تربت على الفكر الأوروبي ودانت لمفاهيمه وطريقته في التفكير واعتنقت مواقفه من العقيدة والتاريخ العربي والاسلامي ، فهذه الشريحة الاجتماعية التي أعدها الاحتلال لتولي مناصب الحكم والسياسية وما يتبعه من أجهزة مسيطرة في الفن والثقافة والأمن والتعليم والاعلام هي أبناء البلاد العربية والاسلامية لكنها تربت على المناهج الأوروبية في الفكر و العلم فصارت تفكر كالأوروبي وتتخذ مواقفها وفقا للمعايير الأوروبية في الفكر والفن والأمن والثقافة والتعليم، ومن هنا أصبح القادة والساسة والمفكرون يأتون من هذه الشريحة الاجتماعية الجديدة التي صارت هي النخبة ويحكمون بالمعايير الأوروبية وكأن الاحتلال الأوروبي لم يخرج من عالمنا الاسلامي بينما مظهرهم وشكلهم وأسماؤهم هي أشكال وأسماء محلية ، ثم جاءت الصحوة الاسلامية وكشفت هذا التغير الفكري والاجتماعي في كتابات ومحاضرات عديدة تحت عنوان الغزو الفكري.
و خطت الصحوة لنفسها مناهج للعمل السياسي والاجتماعي من منطلق خبراتها الذاتية التي كانت ومازالت معزولة عن تجربة الحكم والسياسة فجاءت مناهج الصحوة ضعيفة للغاية في مجالات السياسة والاستراتيجية ومن هنا عجز قادة الصحوة عن الارتفاع الى مستوى التحديات السياسية والاستراتيجية التي تواجهها الأمة الاسلامية وصاروا يقارعون هذه التحديات بمستوى ضحل وكأن حامل عصا يتصدى بها لطائرة شبحية من طائرات الجيل الخامس ، فكل قادة الصحوة يتغنون بانجازات نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي بينما لا أحد منهم يتأسى بنور الدين وصلاح الدين فيكتسب خبرات السياسة والحكم والاستراتيجية التي قد تمكنهم من ابتداع استراتيجة شاملة مناسبة تتيح للأمة الإنتصار على التحديات الراهنة.
و الخلاصة أننا معزولون عن خبرات الحكم والسياسة والاستراتيجية وممنوعون عن ممارستها منذ القرن الثالث الهجري وحتى الآن (القرن الخامس عشر هجريا) ثم مع هذا وضعنا مناهج للتغيير الاسلامي من منطلق خبراتنا الذاتية  القاصرة في العديد من جوانبها ونتمسك بهذه المناهج بكل جمود وتعصب ، فصرنا بين قيدين:
قيد عزلنا تاريخيا عن خبرات السياسة والحكم والاستراتيجية
و قيد مناهج بشرية قاصرة  في التغيير الاسلامي والحركة الدعوية قيدنا بها أنفسنا واعتبرنا الجمود عليها هو ثبات على المبادئ.
و لا حل لنا الا باكتساب خبرات معاصرة في السياسة والحكم والإستراتيجية بشكل عميق وفي إطار التزام كامل بالكتاب وصحيح السنة وفقه السلف الصالح لنرتكز على ذلك كله في مواجهة التحديات المعاصرة التي توقع بنا الهزيمة في كل موطن.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣