سورة الصف - الآيات [2-3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثاني والثمانين في الآيتين الثانية والثالثة من سورة الصف، وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

سبب نزول الآيات

سبب نزول هذه الآية المباركة، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن ناساً من المؤمنين كانوا قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا لو أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أحب الأعمال إليه: إيمان به، ثم جهاد في سبيله، فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فخاطبهم الله عز وجل بهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2]).

وقال آخرون: نزلت هذه الآية في توبيخ جماعة من الناس، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول: فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله عز وجل على افتخارهم بما لم يفعلوا كذباً. يعني: كان الواحد منهم يذكر بأنه في القتال قد فعل كذا وكذا من الطعن والضرب والقتل والجرح، وهو لم يفعل شيئاً من ذلك، فالله عز وجل عاتبهم.

معاني مفردات الآيات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا [الصف:2] ناداهم بوصف الإيمان تعريضاً بأن الإيمان من شأنه أن ينزع المؤمن عن أن يخالف فعله قوله في الوعد بالخير.

لِمَ [الصف:2] اللام لام التعليل، أي: لأي سبب، ولأي علة تقولون ما لا تفعلون.

تَقُولُونَ [الصف:2] القول هنا: إما أن يكون وعداً وعدوه، أو أن يكون خبراً أخبروا به عن أنفسهم لم يطابق الواقع.

كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3] (كبر) الكبر: مستعار للشدة، (كبر مقتاً) المقت: البغض الشديد، كبر ممقوتاً قولكم ما لا تفعلون.

نظائر هاتين الآيتين في القرآن الكريم

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2] هذه الآية نظيرها في القرآن قول ربنا جل جلاله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77].. إلى أن قال سبحانه: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78]، ونظيرها قول الله عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]؛ ولذلك قال إبراهيم النخعي رحمه الله: يمنعني من وعظ الناس ثلاث آيات من القرآن: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2].

ذم مخالفة الظاهر للباطن

هذه الآية كما يقول صاحب الظلال رحمه الله: ترسم الجانب الأصيل في شخصية المسلم، الجانب الذي يقوم على الصدق وعلى الاستقامة، وعلى أن يوافق الظاهر الباطن، والسر العلانية، والمظهر الجوهر.

لا أن يكون للإنسان كلام ثم يخالف الفعل القول، ولا أن يكون له مظهر يخالفه المخبر، يقول الله عز وجل في وصف حال هؤلاء: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].

وقال الله عز وجل عن المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4]، أي: كلامهم جميل ولكنهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، ويظهرون ما لا يبطنون.

فالمنافق يخالف مدخله مخرجه، ومظهره مخبره، وسره علانيته، أما المؤمن فإنه صادق ظاهراً وباطناً، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان )، وفي الحديث الآخر: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ).

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: ( أن رجلاً يلقى في النار يوم القيامة فتندلق أقتابه -أي: أمعاؤه- فيدور في النار كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع عليه أهل النار، يقولون له: يا فلان! أما كنت تأمرنا وتنهانا؟ يقول: نعم، كنت آمركم بالمعروف ولا أفعله، وأنهاكم عن المنكر وأفعله ).

الرد على شبهة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة مخالفته

هذه الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2] يفهمها بعض الناس فهماً خاطئاً، يظن أنه لا ينبغي أن يتكلم ولا أن يأمر بمعروف ولا أن ينهى عن منكر إلا إذا فعل المعروف كله وانتهى عن المنكر كله، وهذا فهم خاطئ بلا شك؛ لأنه لا يوجد أحد من الناس يزعم لنفسه أنه يعمل المعروف كله أو أنه ينتهي عن المنكر كله ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي فعل المعروف كله وانتهى عن المنكر كله، أما من عداه من الناس فهم ما بين ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله.

والله عز وجل عاب أمرين اثنين:

الأمر الأول: فعل المنكر.

والثاني: ترك التناهي عن المنكر.

فلو أن إنساناً لم يفعل المنكر ولم ينه عن المنكر فهو ملوم، ولو أن إنساناً فعل المنكر ونهى عن المنكر فهو ملوم، والسالم من اللوم من ترك المنكر ونهى عن المنكر.

إذ لا بد من الأمرين معاً: إنكار المنكر والنهي عنه، ولا يعني ذلك أنه يترك النهي عن المنكر، إلى أن ينتهي عن المنكر بل كما قال القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا: حق على أهل الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً.

سبب نزول هذه الآية المباركة، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن ناساً من المؤمنين كانوا قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا لو أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أحب الأعمال إليه: إيمان به، ثم جهاد في سبيله، فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فخاطبهم الله عز وجل بهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2]).

وقال آخرون: نزلت هذه الآية في توبيخ جماعة من الناس، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول: فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله عز وجل على افتخارهم بما لم يفعلوا كذباً. يعني: كان الواحد منهم يذكر بأنه في القتال قد فعل كذا وكذا من الطعن والضرب والقتل والجرح، وهو لم يفعل شيئاً من ذلك، فالله عز وجل عاتبهم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2636 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2574 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2535 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2522 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2343 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2309 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2303 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2293 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2228 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2186 استماع