سورة الحديد - الآية [28]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الرابع والسبعين في الآية الثامنة والعشرين من سورة الحديد، وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد:28].

سبب نزول الآية

سبب نزول هذه الآية المباركة كما روى الإمام الطبراني عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام، فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به، فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلاً: ائذن لنا أيها الملك فنأتي هذا النبي فنسلم عليه، ونساعد هؤلاء في البحر فإنا أعلم بالبحر منهم، فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدة الحال استأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: يا نبي الله! إن لنا أموالاً وإنا نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا وواسينا المسلمين بها، فأذن لهم عليه الصلاة والسلام فانصروا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله فيه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [القصص:52-54]، فكانت هي النفقة التي واسوا بها المسلمين. فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54]، فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين! أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28]، فجعل لهم أجرهم وزادهم نوراً ومغفرة: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الحديد:28] إلى أن قال: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد:29]، أي: ليعلم أهل الكتاب: أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:29].

وكان سعيد بن جبير رحمه الله يقرأ هذه الآية: (لكيلا يعلم أهل الكتاب) ما كان يقرؤها (لئلا).

معاني مفردات الآية

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحديد:28]. أي: خافوه واجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بحفظ الأدب معه جل جلاله، ولا تأمنوا مكره، وتابعوا رسوله صلى الله عليه وسلم لتسلموا، وحافظوا على ذلك لئلا تهلكوا.

قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الحديد:28] محمد صلى الله عليه وسلم، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ [الحديد:28] الكفل: هو النصيب والحظ، ومنه قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، أي: نصيب منها، لكن من باب التنويع في التعبير، وأصل (الكفل) الأجر المضاعف، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يرى أن هذه الكلمة في الأصل حبشية معربة.

قول الله عز وجل: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28]. والذين يؤتون كفلين قد بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر، ورجل كانت له أَمة فأدبها وأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده )، فقوله عليه الصلاة والسلام: (رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر) لا تتوافر هذه الصفة إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم يؤمنون بالكتاب كله، يؤمنون بجميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، ما كان منها أولاً وما كان منها آخراً.

وقال بعض أهل التفسير: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28]. أي: أجر الدنيا بالعيشة الطيبة، وأجر الآخرة بجنة الخلد. قاله ابن زيد .

وقيل: إن أحد الأجرين على اجتناب المعاصي، والأجر الآخر على فعل الطاعات.

وقيل: إن أحدهما أجر القيام بحقوق الله، والثاني: أجر القيام بحقوق العباد.

قوله تعالى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28] قيل: المراد بالنور هنا الإيمان، يجعل الإيمان في قلوبكم، وقيل: بل المراد النور الذي على الصراط، ويشهد لهذا قول ربنا: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد:12]، وقيل: المعنى: يجعل لكم سبيلاً واضحاً في الدين تهتدون به.

قول الله عز وجل: وَيَغْفِرْ لَكُمْ[الحديد:28] أي: جزاء على امتثالكم ما أمرتم به يغفر لكم ما فرط من ذنوبكم.

قوله تعالى: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد:28] ذو مغفرة ورحمة.

اختصاص المؤمنين بنزول الآية عليهم دون أهل الكتاب

فيمن نزلت هذه الآية قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: التحقيق أن هذه الآية في المؤمنين من هذه الأمة وسياقها واضح في ذلك.

ولا يشكل عليكم كيف يقول ربنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الحديد:28] إذ لا يوصف العبد بأنه مؤمن إلا إذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، نقول: هذه الآية كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136]، وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، المعنى: اثبت على تقوى الله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ [النساء:136]، أي: اثبتوا على الإيمان بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله.

قال الشيخ رحمه الله: وأما من زعم من أهل العلم أنها في أهل الكتاب فقد غلط، وما وعد الله به المؤمنين من هذه الأمة أعظم مما وعد به مؤمني أهل الكتاب وإتيانهم أجرهم مرتين.

مضاعفة الأجر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم

إن أجر هذه الأمة أعظم وأكبر وأفضل من أجر الأمم التي كانت قبلنا، ويبين ذلك ما رواه الإمام البخاري والإمام أحمد من حديث ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط -لكل عامل قيراط- ألا فعملت اليهود - عملوا من صلاة الصبح إلى نصف النهار- ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ألا فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ) انظروا من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط، ومن نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قال: ( ألا فأنتم الذين عملتم ) أي: من صلاة العصر إلى غروب الشمس قال: ( فغضبت النصارى واليهود، وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً، فقال الله جل وعز: هل ظلمتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء ). ونحمد الله على نعمته.

سبب نزول هذه الآية المباركة كما روى الإمام الطبراني عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام، فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به، فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلاً: ائذن لنا أيها الملك فنأتي هذا النبي فنسلم عليه، ونساعد هؤلاء في البحر فإنا أعلم بالبحر منهم، فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدة الحال استأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: يا نبي الله! إن لنا أموالاً وإنا نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا وواسينا المسلمين بها، فأذن لهم عليه الصلاة والسلام فانصروا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله فيه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [القصص:52-54]، فكانت هي النفقة التي واسوا بها المسلمين. فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54]، فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين! أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28]، فجعل لهم أجرهم وزادهم نوراً ومغفرة: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الحديد:28] إلى أن قال: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد:29]، أي: ليعلم أهل الكتاب: أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:29].

وكان سعيد بن جبير رحمه الله يقرأ هذه الآية: (لكيلا يعلم أهل الكتاب) ما كان يقرؤها (لئلا).