سورة الأحزاب - الآية [41]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الحادي والستين في الآية الحادية والأربعين من سورة الأحزاب قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:41-43].‏

معاني مفردات الآية

قول الله عز وجل: اذْكُرُوا اللَّهَ [الأحزاب:41]، المراد ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان.

وقوله: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41]، يعم أغلب الأوقات والأحوال، اذكروا الله في حال الرخاء والشدة، في حال العسر واليسر، في حال الصحة والسقم، في حال الغنى والفقر، في الصبح والمساء، بكرة وعشياً، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41].

وقوله: وَسَبِّحُوهُ [الأحزاب:42] ، أي: نزهوه جل جلاله عما لا يليق به من أوصاف النقص ونعوت النقص.

وقوله: بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:42]، البكرة: أول النهار، والأصيل: العشي، وهو الوقت الذي بعد العصر.

وقد ذكر ربنا جل جلاله هذين الوقتين ليعما جميع الأوقات، وإنما خصهما بالذكر لشرفهما، ولكونهما وقتين لتعاقب الملائكة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ).

قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب:43]، صلاة ربنا جل جلاله علينا رحمته إيانا، وقال أبو العالية رحمه الله: المعنى: يثني عليكم. وقيل: يترأف بكم.

فقوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب:43] أي: يرحمكم ويرأف بكم ويثني عليكم.

وقوله: وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43]، كذلك يصلون عليكم، وصلاة الملائكة: الاستغفار كما قال الله عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ [الشورى:5].

وقوله: لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]، أي: ليديم إخراجكم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن الجهل بالله تعالى إلى معرفته، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن النار إلى الجنة، لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:43].

المعنى الإجمالي للآيات

في هذه الآيات المباركة يخاطب الله عز وجل المؤمنين الذين صدقوا بالله ورسوله يقول لهم: اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكراً كثيراً بالليل والنهار، في البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والسر والعلانية وعلى كل حال، فلا تخل قلوبكم وأبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم.

وصلوا له بكرة وعشياً. بكرة: صلاة الصبح. وعشياً: صلاة العصر. وإن ربكم جل جلاله الذي تذكرونه وتسبحونه بالليل والنهار هو كذلك يصلي عليكم ومعه ملائكته الكرام، يثني عليكم ويرفع أقداركم، وملائكته يدعون لكم، وبذلك يخرجكم من الضلال إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان.

وهذه الآيات في معناها قول ربنا جل جلاله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وقول ربنا جل جلاله: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، وقول ربنا جل جلاله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، وقوله في الثناء على أولي الألباب: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، وقوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].

كيفية ذكر الله عز وجل

هاهنا مباحث:

المبحث الأول: كيف يكون ذكر الله؟

الجواب: ذكر الله يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح.

أما ذكر الله بالقلب فمعناه: التفكر في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأفعاله التي بهرت العقول، وأحكامه الصادرة عن حكمة تامة.

وأما ذكر الله باللسان فإنه يكون بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، وقراءة القرآن، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودراسة العلوم الشرعية وتدريسها.

ثم ذكر الله بالجوارح بفعل ما يحبه الله ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم مما يراد به وجه الله. يعني: من سمع الأذان فخرج إلى المسجد فهو ذاكر لله عز وجل، من دخل عليه شهر رمضان فشرع في الصيام فهو ذاكر لله عز وجل؛ لأنه فعل ما يحبه الله ويرضاه.

فوائد ذكر الله عز وجل

ذكر الله تعالى له فوائده عظيمة فهو: يرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويزيل الهم، ويجلب السرور، ويقوي القلب والبدن، وينور القلب والوجه، ويجلب الرزق، ويكسب المهابة والحلاوة، ويورث محبة الله التي هي روح الإسلام، ويورث حياة القلب وذكر الله للعبد، وهو قوت القلب وروحه، ويجلو صدأه، ويحط الخطايا، ويرفع الدرجات، ويحدث الأنس، ويزيل الوحشة، وينجي من عذاب الله، ويوجب تنزل السكينة وحفوف الملائكة بالذاكر، وغشيان الرحمة، ويشغل عن الكلام الضار، ويسعد الذاكر ويسعد به جليسه، ويؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ويصلوا علي إلا كان عليهم ترة -أي: حسرة- يوم القيامة ).

آداب ذكر الله عز وجل

أيها الإخوة الكرام! ذكر الله عز وجل ينبغي أن يكون في وقار، وأدب، وخفض صوت، واستحضار لعظمة الله عز وجل، فلا يكون ذكر الله عز وجل مع طبل ولا زمر ولا رقص ولا تقطيعات متلاحقة، فمثل هذا مما لا ينبغي.

قال الإمام القاضي عياض المالكي رحمه الله في ترجمة الإمام مالك : قال التنيسي : كنا عند مالك وأصحابه من حوله، فقال رجل من أهل نصيبين: عندنا أقوام يأكلون كثيراً، ثم يأخذون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون. فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا. قال: أمجانين هم؟ قال: لا. هم قوم مشايخ يأكلون ثم يقومون ويرقصون دوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه. فضحك مالك رحمه الله ثم قام فدخل منزله. فقال أصحاب مالك للرجل: لقد كنت يا هذا شؤماً على صاحبنا، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم.

يعني: الإمام مالك رحمه الله يضحك أن يكون أقوام يتعبدون الله عز وجل بهذه الصفة التي ما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أصحابه رضوان الله عليهم، وقد قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وقال سبحانه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23].

ومما شاع عند بعض المسلمين أنهم إذا سمعوا آيات القرآن فإنهم يصيحون ويطربون، وهذا خلاف الهدي الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك من ابتدعوا الذكر في أيامنا هذه بالآلات الموسيقية، فتجد الواحد منهم يمسك بعوده ويذكر الله عز وجل بزعمه، ولا شك أن الأمرين متنافيان تماماً.

فضل ذكر الله عز وجل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة ).

ومعلوم أن ذكر الله عز وجل لا تتناهى أنواعه، فلو أن الإنسان قال: ( سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر )، ولو أنه قال: ( سبحان الله مائة مرة كتبت له ألف حسنة أو محيت عنه ألف خطيئة )، ولو أنه قال: ( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر فذلك أحب إليه مما طلعت عليه الشمس وغربت) ، ولو أنه قال: لا حول ولا قوة إلا بالله فقد أتى كنزاً من كنوز الجنة، ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم )، ولو أن امرأً قال: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي، ولم يأت أحد مثل ما أتى به أو خيراً منه إلا رجل قال مثلما قال أو زاد، ولو أنه قالهن عشر مرات فكأنما أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل )، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودبر الصلوات المكتوبات: ( من سبح الله ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ).

قول الله عز وجل: اذْكُرُوا اللَّهَ [الأحزاب:41]، المراد ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان.

وقوله: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41]، يعم أغلب الأوقات والأحوال، اذكروا الله في حال الرخاء والشدة، في حال العسر واليسر، في حال الصحة والسقم، في حال الغنى والفقر، في الصبح والمساء، بكرة وعشياً، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41].

وقوله: وَسَبِّحُوهُ [الأحزاب:42] ، أي: نزهوه جل جلاله عما لا يليق به من أوصاف النقص ونعوت النقص.

وقوله: بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:42]، البكرة: أول النهار، والأصيل: العشي، وهو الوقت الذي بعد العصر.

وقد ذكر ربنا جل جلاله هذين الوقتين ليعما جميع الأوقات، وإنما خصهما بالذكر لشرفهما، ولكونهما وقتين لتعاقب الملائكة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ).

قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب:43]، صلاة ربنا جل جلاله علينا رحمته إيانا، وقال أبو العالية رحمه الله: المعنى: يثني عليكم. وقيل: يترأف بكم.

فقوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب:43] أي: يرحمكم ويرأف بكم ويثني عليكم.

وقوله: وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43]، كذلك يصلون عليكم، وصلاة الملائكة: الاستغفار كما قال الله عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ [الشورى:5].

وقوله: لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]، أي: ليديم إخراجكم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن الجهل بالله تعالى إلى معرفته، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن النار إلى الجنة، لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:43].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2639 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2578 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2538 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2524 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2348 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2313 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2306 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2296 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2231 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2190 استماع