خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1800"> الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1800?sub=65208"> الروض المربع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الروض المربع - كتاب الصلاة [71]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد ذكرنا مسائل صلاة الجماعة وحكمها، وذكرنا أن المسائل المتعلقة بها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من حيث وجوب صلاة الجماعة على المقيم.
والثاني: من حيث وجوب صلاة الجماعة في السفر.
والثالث: من حيث وجوب الصلاة جماعة في المسجد سفراً وحضراً. هذه ثلاثة أقسام.
أقوال أهل العلم في حكم صلاة الجماعة
وعلى هذا فصلاة الجماعة واجبة، ويجب تحصيلها حال أداء العبادة، فإن كان هناك جماعة وإلا صلى وحده، كما لو قام الرجل وخشي فوات صلاة الفجر، فأمر أهله أن يصلوا معه فوجد معهم العذر فصلى وحده فلا حرج.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو سفراً)، وهذا دليل على أن صلاة الجماعة لا تسقط حضراً ولا سفراً، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع صلاة الجماعة في حضره ولا في سفره، فقد صلى بأصحابه في السفر في حج وغزو، وكل الذين ذكروا قصره عليه الصلاة والسلام في السفر إنما ذكروه حينما صلى بأصحابه جماعة، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: كل الآيات الواردة في صلاة الخوف صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه جماعةً، مع أن الأمر لو نظر إليه من حيث هو؛ لقلنا: إنه صلى وحده خشية العدو، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه قبالة العدو وقبالة القبلة، والمؤلف قال: (للصلوات الخمس المؤداة)، وأما المقضية أو المنذورة فإنهم لا يوجبون ذلك، هذا مذهب الحنابلة في المشهور عندهم، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن صلاة الجماعة واجبة في المؤداة وفي المقضية، وذكرنا دليل ذلك كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة حينما قال صلى الله عليه وسلم: ( من يكلأ لنا الليل؟ فقال
قال المؤلف رحمه الله: (وجوب عين)، هذا هو مذهب الحنابلة، أن صلاة الجماعة واجبة وجوب عين، واعلم أنهم اتفقوا على أن صلاة الجماعة مشروعة، وأنه إذا اتفق أهل بلد على ألا يصلوها في المساجد؛ قوتلوا حتى يفعلوها، وقلنا: قوتلوا ولم نقل: يقتلوا؛ لأن هناك فرقاً بينهما (فيقاتلوا) يعني: يبين لهم وجوبها حتى لو أدى ذلك إلى مقاتلتهم وليس إلى قتلهم، فالمقاتلة ممانعة، وأما القتل فهو فناء، وهذا فرق كبير، لأنهم تركوا شعيرة من شعائر أهل الإسلام.
وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية : أن الأئمة اتفقوا على أن من ترك صلاة الجماعة مطلقاً؛ فإنه آثم، هذا من حيث مشروعيتها في الجملة.
وأما مشروعيتها في حق المكلف، فذهب الحنابلة إلى أنها واجبة وجوب عين على المكلف، وقلنا: إن هذا القول أظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العتمة، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبواً )، و( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )، فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هم أن يحرق على قوم، دليل على أنهم تركوا واجباً، ولا عقوبة إلا بذنب، فدل ذلك على أن ترك الجماعة ذنب يستحق معه العقاب.
وهذا الحديث تكلموا فيه من حيث الوجوب وعدم الوجوب، فقد قال بعضهم: إن هذا ليس فيه دلالة على الوجوب، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك صلاة الجماعة حين قال: ( ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أنطلق ) والجواب عن هذا: أولاً:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم أنطلق برجال معهم حزم ) فصلاة الجماعة قد أديت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها أخرت الصلاة، وهذا يدل على أن ترك الصلاة جماعةً في المسجد لحاجة أخف من ترك الجماعة مطلقاً.
والدليل الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم آمر بالصلاة فتقام )، فهذا دليل على وجوب إقامتها.
والثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أنطلق )، لإثبات وجود الترك حتى تحصل العقوبة، فكيف نعرف أن فلاناً لم يصل إلا بعد أن تقام الصلاة فينظر هل صلى أو لم يصل؟ فهذا دليل على وجوبها في الجملة.
واعلم أن القول بالوجوب العيني هو مذهب الحنابلة وأكثر الحنفية.
والقول الثاني في المسألة: أنها فرض كفاية، وهو مذهب الشافعية في المشهور عندهم، ومعنى فرض كفاية: أنه إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، فإذا أقيمت الصلاة جماعة؛ صارت في حق الباقين مستحبة على القاعدة في فرض الكفاية.
ويشكل على هذا أن ابن مسعود قال: ولو أنكم تخلفتم عن الصلاة كما يتخلف هذا المنافق -ومن المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من كانوا أحياناً يتركون الصلاة- لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم.
وذهب المالكية رحمهم الله إلى أنها سنة، واعلم أن المالكية حينما يطلقون على الشيء أنه سنة، فالمقصود به السنة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بها أمر إيجاب، وهذا يخطئ فيه كثير ممن ينقلون كلام المالكية، فالمالكية أحياناً يقولون عن السنة المؤكدة بأنها واجبة، ولهذا يرون أنها تجبر بدم في الحج، وعليها العقوبة، وتجبر بسجود السهو في الصلاة وغير ذلك.
إذاً أكثر الحنفية على أن صلاة الجماعة فرض عين على كل أحد، ومذهب الشافعية فرض كفائي، ومذهب مالك بأنها سنة، ويقصدون بالسنة كما في مراقي السعود وغيره أن السنة هي التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها، وظاهر كلامهم أن الأمر فيها أمر إيجاب، ولكنها ثبتت بدليل ظني كما يقولون، وليست بدليل قطعي، ولا سبيل الإلزام فيها قطعي أيضاً، فإذا كان سبيل الإلزام فيها ظنياً، فإنهم يقولون: إنها سنة.
إذاً من الخطأ حينما ننقل عن المالكية أنها سنة، ونقصد بالسنة أنها هي التطوع والمستحب؛ لأن المالكية يسمون المستحب نفلاً وندباً، ويسمون ما يتقرب به العبد مما هو سنة مطلقة تطوعاً، مثل الصلاة، حين تكثر من الصلاة يسمونه تطوعاً، وأما الندب والنافلة فهي ما أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمراً غير إلزام.
وقد فهم البعلي في الاختيارات عن ابن تيمية أنه يقول بأنها شرط، ونقل ذلك عن ابن عقيل من الحنابلة، والصحيح أنه لا يعرف عن ابن تيمية أنه قال بأنها شرط، وإنما ذكر ذلك استطراداً.
وأما قول البعض: إن صلاة الجماعة سنة، وهو قول جمهور أهل العلم، فهذا بهذا الإطلاق خطأ، بل إننا نستطيع أن نقول: إن جمهور أهل العلم على أنها واجبة في الجملة، فالحنابلة فرض عين وأكثر الحنفية، و مالك واجبة وجوباً ظنياً، والشافعية فرض كفاية.
مناقشة من قال بشرطية صلاة الجماعة
قول المؤلف رحمه الله: (لا شرطاً) هذا رد على من قال: إن صلاة الجماعة شرط، وهي رواية عن الإمام أحمد نقلها ابن أبي موسى في كتابه الإرشاد، ونقلت عن ابن عقيل ، ونسبها البعلي إلى ابن تيمية ، وفي هذه النسبة غلط، فإن المعروف عن ابن تيمية أنه قرر ورجح الوجوب العيني.
وأما دليل من اشترط الجماعة في الصلاة وهو مذهب ابن حزم فهو حديث ابن عباس : ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر )، فهذا الحديث لا يصح مرفوعاً، والصواب أنه من قول ابن عباس ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح صلاة الفذ فقال: ( صلاة الرجل في جماعة تعدل صلاته وحده بخمس أو بسبع وعشرين درجة )، فقوله: (وحده) دليل على أن له فضلاً، وأن صلاته صحيحة، ولو كانت صلاة الفذ باطلة لما قورنت بأفضلية غيرها.
قال المؤلف رحمه الله: (فتصح صلاة المنفرد بلا عذر)، دليل ذلك ما جاء عند أبي داود من حديث أبي سعيد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما سلم إذا برجل قد صلى وحده لم يصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يتصدق على هذا؟ )، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح صلاته ابتداء، فدل على أن صلاة الفذ صحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: (وفي صلاته فضل)، إشارة إلى أن صلاة الفذ صحيحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل جماعة تفضل على صلاته وحده )، فقوله: (تفضل على)، دليل على أن فيها فضلاً، وقال صلى الله عليه وسلم: ( وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده )، فهذا دليل على أن صلاته وحده فيها تزكية وفضل.
واعلم أن المرء إذا توضأ في بيته، وكان حريصاً على الصلاة، فخرج فوجد الناس قد صلوا، فإنه يكتب له أجر الجماعة، لما جاء عند أبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة )، وهذا في حق من كان خرج من غير تفريط ولا إهمال، فيكون انشغاله إما انشغالاً مشروعاً غير مقصود، مثل أن يكون ذهل، كأن يقرأ كتاباً فذهل عن الوقت، أو ما علم بالوقت فتأخر، فخرج وتوضأ في بيته، فله أجر هذه الجماعة، ولم يقل: فله الفضل؛ ذلك لأن الجماعة لها فضل ولها أجر؛ ففضلها سبع وعشرون درجة، أو خمس وعشرون درجة، وأجرها الأجر الذي يكتب لها، ولهذا صارت الصلاة في المسجد لها أجر غير الفضل، فالجماعة حائزة على الفضل ولو خارج المسجد، لكن في المسجد لها أجر آخر، ولهذا قال: ( كتب له أجر الجماعة ).
ومما يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت : ( صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة )، فدل ذلك على أن الصلاة المكتوبة في المسجد لها أجر خاص.
إذاً: الأجر شيء والفضل شيء آخر، بدليل آن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: ( لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، فهذا في الفضل، وقال في حديث أبي ثعلبة الخشني : ( للعامل منهم أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسول الله! منا أو منهم؟ قال: بل منكم، تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعواناً ) يعني: في الذين جاءوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الأجر شيء والفضل شيء آخر، والله أعلم.
وأحياناً يستطيع الإنسان أن يجد الفرق هذا بتأمله بالسنة، فلا يجد ذلك أحياناً بعد بحث إلا إشارات لطيفة عند شراح الحديث، وهذا يدل على قوله صلى الله عليه وسلم : (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها )، فربما يوفق الإنسان بتأمله بالسنة ما لا يوفق من لم يتأمل هذه السنة مثل القرآن، فيفتح الله على عبده بتدبره القرآن بمعان ربما غفل عنها الكثير من الخلق، فصلاة الجماعة أفضل بسبع وعشرين درجة، لحديث ابن عمر المتفق عليه.
العدد الذي تنعقد به صلاة الجماعة
ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود من حديث أبي سعيد : ( ألا رجل يتصدق على هذا )، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد للرجل الجماعة، وهذا أصح شيء في أن الاثنين جماعة، وأما حديث: ( الاثنان فما فوق جماعة )، فهو ضعيف، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
مكان وقوف الإمام في صلاة الجماعة
والصحيح أنه إذا كان واحد كان عن يمين الإمام، وإذا كانوا ثلاثة تقدم، كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ( حينما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء
وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( قوموا فأصلي لكم، فقمت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا )، فهذا يدل على أنهم إذا كانوا ثلاثة؛ فإنه يؤمهم إمامهم ويتقدم، وأما ما جاء في حديث ابن مسعود فإنه منسوخ.
انعقاد صلاة الجماعة بالأنثى والصبي
قال المؤلف رحمه الله: (في غير جمعة وعيد)، لأن الجمعة اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة إلى أنها لا بد فيها من أربعين وكذلك العيد، فاشترطوا العدد في الجمعة والعيد، وهذا له دليله، والذي يظهر -والله أعلم- وهو اختيار ابن تيمية : أن الجمعة تحصل باثنين غير الإمام والخطيب، فرجح ابن تيمية أن الجمعة تحصل باثنين غير الخطيب إذا كانوا مستوطنين بلداً، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (لا بصبي في فرض)؛ الحنابلة يرون أن الصبي لا تصح إمامته، فلا يصح ائتمامه في الفرض، وقولهم: (في فرض)؛ لأنه صح الائتمام بصبي لم يبلغ في غير الفرض، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس حينما قام عن يساره، فأخذ بشحمة أذنه حتى أقامه عن يمينه، والذي يظهر -والله أعلم- أن كل ما ثبت في النفل جاز في الفرض، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وهذا مذهب الشافعية، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله في أحكام الائتمام والإمامة.
لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
وكنا تحدثنا سابقاً عن القسم الأول والثاني، وهو حكم صلاة الجماعة في الحضر والسفر، وقلنا: إن مذهب الحنابلة أن صلاة الجماعة تجب على الأحرار القادرين ولو في سفر، وكذلك القدرة في كل شيء بحسبه، فليست القدرة هنا إلا حال العجز عن الجماعة في حال أداء العبادة، ومما يدل على ذلك أن الحسن البصري ذكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا جاءوا إلى المسجد فوجدوا الناس قد صلوا؛ صلوا فرادى، وهذا -كما يظهر- على مجيء الرجل ولم يجد جماعة؛ فصلى وحده، فهذا الذي يظهر، والله أعلم!
وعلى هذا فصلاة الجماعة واجبة، ويجب تحصيلها حال أداء العبادة، فإن كان هناك جماعة وإلا صلى وحده، كما لو قام الرجل وخشي فوات صلاة الفجر، فأمر أهله أن يصلوا معه فوجد معهم العذر فصلى وحده فلا حرج.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو سفراً)، وهذا دليل على أن صلاة الجماعة لا تسقط حضراً ولا سفراً، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع صلاة الجماعة في حضره ولا في سفره، فقد صلى بأصحابه في السفر في حج وغزو، وكل الذين ذكروا قصره عليه الصلاة والسلام في السفر إنما ذكروه حينما صلى بأصحابه جماعة، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: كل الآيات الواردة في صلاة الخوف صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه جماعةً، مع أن الأمر لو نظر إليه من حيث هو؛ لقلنا: إنه صلى وحده خشية العدو، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه قبالة العدو وقبالة القبلة، والمؤلف قال: (للصلوات الخمس المؤداة)، وأما المقضية أو المنذورة فإنهم لا يوجبون ذلك، هذا مذهب الحنابلة في المشهور عندهم، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن صلاة الجماعة واجبة في المؤداة وفي المقضية، وذكرنا دليل ذلك كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة حينما قال صلى الله عليه وسلم: ( من يكلأ لنا الليل؟ فقال
قال المؤلف رحمه الله: (وجوب عين)، هذا هو مذهب الحنابلة، أن صلاة الجماعة واجبة وجوب عين، واعلم أنهم اتفقوا على أن صلاة الجماعة مشروعة، وأنه إذا اتفق أهل بلد على ألا يصلوها في المساجد؛ قوتلوا حتى يفعلوها، وقلنا: قوتلوا ولم نقل: يقتلوا؛ لأن هناك فرقاً بينهما (فيقاتلوا) يعني: يبين لهم وجوبها حتى لو أدى ذلك إلى مقاتلتهم وليس إلى قتلهم، فالمقاتلة ممانعة، وأما القتل فهو فناء، وهذا فرق كبير، لأنهم تركوا شعيرة من شعائر أهل الإسلام.
وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية : أن الأئمة اتفقوا على أن من ترك صلاة الجماعة مطلقاً؛ فإنه آثم، هذا من حيث مشروعيتها في الجملة.
وأما مشروعيتها في حق المكلف، فذهب الحنابلة إلى أنها واجبة وجوب عين على المكلف، وقلنا: إن هذا القول أظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العتمة، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبواً )، و( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )، فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هم أن يحرق على قوم، دليل على أنهم تركوا واجباً، ولا عقوبة إلا بذنب، فدل ذلك على أن ترك الجماعة ذنب يستحق معه العقاب.
وهذا الحديث تكلموا فيه من حيث الوجوب وعدم الوجوب، فقد قال بعضهم: إن هذا ليس فيه دلالة على الوجوب، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك صلاة الجماعة حين قال: ( ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أنطلق ) والجواب عن هذا: أولاً:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم أنطلق برجال معهم حزم ) فصلاة الجماعة قد أديت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها أخرت الصلاة، وهذا يدل على أن ترك الصلاة جماعةً في المسجد لحاجة أخف من ترك الجماعة مطلقاً.
والدليل الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم آمر بالصلاة فتقام )، فهذا دليل على وجوب إقامتها.
والثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أنطلق )، لإثبات وجود الترك حتى تحصل العقوبة، فكيف نعرف أن فلاناً لم يصل إلا بعد أن تقام الصلاة فينظر هل صلى أو لم يصل؟ فهذا دليل على وجوبها في الجملة.
واعلم أن القول بالوجوب العيني هو مذهب الحنابلة وأكثر الحنفية.
والقول الثاني في المسألة: أنها فرض كفاية، وهو مذهب الشافعية في المشهور عندهم، ومعنى فرض كفاية: أنه إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، فإذا أقيمت الصلاة جماعة؛ صارت في حق الباقين مستحبة على القاعدة في فرض الكفاية.
ويشكل على هذا أن ابن مسعود قال: ولو أنكم تخلفتم عن الصلاة كما يتخلف هذا المنافق -ومن المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من كانوا أحياناً يتركون الصلاة- لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم.
وذهب المالكية رحمهم الله إلى أنها سنة، واعلم أن المالكية حينما يطلقون على الشيء أنه سنة، فالمقصود به السنة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بها أمر إيجاب، وهذا يخطئ فيه كثير ممن ينقلون كلام المالكية، فالمالكية أحياناً يقولون عن السنة المؤكدة بأنها واجبة، ولهذا يرون أنها تجبر بدم في الحج، وعليها العقوبة، وتجبر بسجود السهو في الصلاة وغير ذلك.
إذاً أكثر الحنفية على أن صلاة الجماعة فرض عين على كل أحد، ومذهب الشافعية فرض كفائي، ومذهب مالك بأنها سنة، ويقصدون بالسنة كما في مراقي السعود وغيره أن السنة هي التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها، وظاهر كلامهم أن الأمر فيها أمر إيجاب، ولكنها ثبتت بدليل ظني كما يقولون، وليست بدليل قطعي، ولا سبيل الإلزام فيها قطعي أيضاً، فإذا كان سبيل الإلزام فيها ظنياً، فإنهم يقولون: إنها سنة.
إذاً من الخطأ حينما ننقل عن المالكية أنها سنة، ونقصد بالسنة أنها هي التطوع والمستحب؛ لأن المالكية يسمون المستحب نفلاً وندباً، ويسمون ما يتقرب به العبد مما هو سنة مطلقة تطوعاً، مثل الصلاة، حين تكثر من الصلاة يسمونه تطوعاً، وأما الندب والنافلة فهي ما أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمراً غير إلزام.
وقد فهم البعلي في الاختيارات عن ابن تيمية أنه يقول بأنها شرط، ونقل ذلك عن ابن عقيل من الحنابلة، والصحيح أنه لا يعرف عن ابن تيمية أنه قال بأنها شرط، وإنما ذكر ذلك استطراداً.
وأما قول البعض: إن صلاة الجماعة سنة، وهو قول جمهور أهل العلم، فهذا بهذا الإطلاق خطأ، بل إننا نستطيع أن نقول: إن جمهور أهل العلم على أنها واجبة في الجملة، فالحنابلة فرض عين وأكثر الحنفية، و مالك واجبة وجوباً ظنياً، والشافعية فرض كفاية.