خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [232]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، تتم كل يوم خميس، هذا الخميس هو الخامس عشر من شهر محرم عام (1421هـ).
نبتدئ لقاء هذا اليوم بما جرت العادة به من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد سبق في اللقاء السابق أن تكلمنا على آيات الظهار فلنسأل الآن: ما هو الظهار؟
هو أن يشبِّة الرجل زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً مثل أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي، أو: كظهر أختي، أو: كظهر عمتي، أو: خالتي.
حكمه: أنه منكر من القول وزور.
كفارته: إذا أراد الإنسان أن يعود إلى هذه المرأة التي ظاهر منها: أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل أن يمس امرأته، فإن مسها أثناء الشهرين أعاد من جديد، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين أطعم ستين مسكيناً، هذا الظهار وهذا حكمه.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله.)
الجواب: قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل. جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم.
وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [المجادلة:5] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله.
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال: كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ.
تفسير قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعاً...)
تفسير قوله تعالى: (أحصاه الله ونسوه...)
ولست بالأكثر منهم حصـى وإنما العزة للكاثر |
يعني: أنهم في الجاهلية إذا أرادوا أن يعدوا قومهم عدوهم بالحصى، فيأخذ حصى بعدد القوم ثم يضعه في كيس أو إناء حتى إذا شاء أن يستعيد العدد وإذا هو موجود، الحصى موجود، فأصل (أحصاه الله) يعني: ضبطه وهو مأخوذ من الحصى لأن الناس في الجاهلية إنما يحصون الأعداد بالحصى، (أحصاه الله ونسوه) بماذا أحصاه؟ أحصاه عز وجل بعلمه وأحصاه بواسطة رسله الذين يكتبون، كما قال عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] يعني: نسمع السر والنجوى والرسل حاضرة يكتبون.
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6] هذه الجملة تأكيد لما سبق من حيث المعنى، يعني أن الله شهيد على كل شيء سواء كان فعلاً أو قولاً أو إضماراً في القلب، كل ذلك فالله شهيد عليه، والمقصود من هذا: بيان إحاطة علم الله عز وجل، ثم التحذير من المخالفة، لأن الإنسان إذا علم بأن الله على كل شيء شهيد ماذا يحصل؟ يحذر ويكف عن المعاصي ويقوم بالواجبات، اقرءوا القرآن وأنتم تعرفون معناه، ليس المراد مجرد الإخبار بأن الله شهيد على كل شيء، هذا المراد لا شك لكن ليس هو المراد فقط، المراد أن تحذر من أن يشهد الله عليك بشيء لا يرضاه عز وجل، انتبه لهذه النقطة، فأكثر الناس يقرءون ولا يفهمون، لا بد أن نفهم وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6] وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:64] وما أشبه ذلك المقصود منها ماذا؟ أن نعرف هذه الصفة لله عز وجل فقط، أم أن نتعبد لله بمقتضاها؟ الجواب: الثاني مع الأول، يا أخي! إذا عرفت أن الله بكل شيء عليم هل تخالف الله؟ لا تخالفه لا في السر ولا في العلانية، إذا علمت بأنه على كل شيء شهيد، وأنه سينبئك بما عملت، ستخشى، والله! ستخشى، لأنك سوف تلاقي ربك عن قريب يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] الفاء تدل على قرب الشيء، تفيد الترتيب والتعقيب، فملاقيه عن قرب، وما أقرب الآخرة من الدنيا، أحسن ما خلفت وراءك من الزمن كأنه لحظة، المستقبل كذلك سيمر بك كأنه لحظة، وإذا بك على الباب قد لاقيت ربك، احذر يا أخي! لا تغرنك الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، الدنيا زائلة، كم من إنسان خطف شبابه وهو في غاية ما يكون من الفرح والمرح وفارق الدنيا، وكم من كهل قد استوى على الدنيا وحاز من الأموال والجاه والشرف ما لم يجز عليه أمثاله؛ وإذا هو يدس في التراب، أليست هذه هي الحقيقة؟
ثم ما وراء ذلك؟ وراء ذلك اليوم الموعود الشاهد والمشهود، الأهوال والأفزاع يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً [المزمل:17-18] اللهم أحي قلوبنا بالموعظة يا رب العالمين.
إخواني! الدنيا ليست دار قرار، ما هي دار القرار؟ الآخرة، ولهذا قال مؤمن آل فرعون: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] أكثر الناس الآن جعلوا الدنيا هي القرار ونسوا الآخرة، ولهذا قال في نفس الآية: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6] لما مر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوم يعدون التسبيح بالحصى قال لهم: [مهلاً! ما من عمل صالح تعملونه إلا وقد أحصاه الله -لا حاجة لأن تضعوا الحصى- لكن أحصوا أعمالكم السيئة لتتوبوا منها] وهذا من فقهه رضي الله عنه. أنت لا تحصي أنك سبحت ثمانين أو ألف أو ألفين أو صليت على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لا، هذا معلوم مكتوب لا يضيع، لكن أحصِ العمل السيئ ماذا عملت من العمل السيئ حتى تتوب إلى الله وترجع منه؟ نعم الذكر المحدود بعدد حدده مثل: التسبيح خلف الصلوات، (من قال: سبحان الله، مائة مرة ...) (إني لأستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة) وما أشبه ذلك. المحدد حدده.. غير المحدد لا تحدد، لا يضيع شيء، إنك إذا حددت ثم فخرت وقلت: إني صليت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مليون مرة، المعنى أنك مننت على الرسول، أو قلت: إني ذكرت الله ألف مرة، المعنى أنك مننت على الله. لا تحدد إلا ما حدده الشرع والباقي أطلقه، اذكر الله ذكراً كثيرا، صل على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وكل شيء محصى.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ في الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية والمخلوقات العظيمة.
ثم قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5] (الذين يحادون الله ورسوله) أي: يخالفون الله ورسوله فيفعلون ما نهى الله عنه ورسوله أو يتركون ما أمر الله به ورسوله، أو يجمعون بين هذا وهذا، وسميت المخالفة محادة لأن هذا المخالف كان في جهة وكانت الشريعة في جهة، وبينهما حد، وتسمى مشاقة أيضاً، كما قال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:4] قال: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5] (كبتوا) بمعنى: أذلوا وأهينوا كما جاء في آخر السورة: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ [المجادلة:20] وما من إنسان يحاد الله ورسوله إلا أذله الله عز وجل، ويكون إذلاله بقدر ما حصل منه من المحادة، جزاءً وفاقاً، ثم هذا الذل هل يكون في الدنيا أم في الآخرة أم فيهما؟
الجواب: قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل. جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم.
وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [المجادلة:5] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله.
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال: كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3032 استماع |