عقيدة الولاء والبراء [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله أحمده حمداً دائماً بلا فترة، وأشكره على نعمه التي لا تحصى كثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ندخرها نجاة من عذاب الفترة، وسلاماً من العدو في العسرة واليسرة، نحمده على نعماه، ونصلي على عبده ورسوله محمد الذي اختاره واجتباه، وأحبه وارتضاه، وعظمه وكرمه، ورفعه على من سواه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه. أما بعد: فقد روى أبو داود في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده). هذا الحديث رواه أيضاً ابن ماجة والنسائي عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله عنه فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ فقال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد : فأخرج كتاباً، وقال أحمد : كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)، وزاد في روايته: (من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). هذا الخبر رواه قيس بن عباد ، وهو مخضرم، قال: (انطلقت أنا والأشتر ) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي ، المعروف بـالأشتر ، أدرك الجاهلية، وكان من أصحاب علي رضي الله عنه من تابعي أهل الكوفة، وشهد مع علي الجمل وصفين ومشاهده كلها، وولاه علي مصر، فلما كان بالقلزم شرب شربة عسل فمات. وقال العجلي في الأشتر : كوفي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. قوله: (إلى علي ) يعني: انصرف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: هل أوصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم (شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا) يعني: فهو عندي ليس عند غيري، قال مسدد : (فأخرج كتاباً) أي: أخرج علي كتاباً، وكان في هذا الكتاب ما خصه النبي صلى الله عليه وسلم به، وفي لفظ: (من قراب سيفه، فإذا فيه) يعني في هذا الكتاب، وهو الذي عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه (المسلمون تتكافأ دماؤهم) وفي لفظ: (المؤمنون تكافأ دماؤهم) بحذف إحدى التاءين. والتكافؤ: التماثل والتساوي، قال في شرح السنة: يريد به أن دماء المسلمين متساوية في القصاص، يقاد الشريف منهم بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، والمرأة بالرجل، وإن كان المقتول شريفاً أو عالماً والقاتل وضيعاً أو جاهلاً، ولا يقتل به غير قاتله، وهذا على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية، كانوا لا يرضون في دم الشريف من دم قاتله الوضيع حتى يقتلوا عدة من قبيلة القاتل. قوله: (ويسعى بذمتهم) الذمة: هي الأمان، ومنه سمي المعاهد ذمياً؛ لأنه أمن على ماله ودمه بالجزية، (أدناهم) أي: أقلهم، فدخل كل وضيع بالنص، ودخل كل شريف بالفحوى، فإذا كان هذا في حق أدنى المسلمين منزلة فكيف بأشرفهم فمن باب الأولى أن تراعى ذمته. و(أدناهم) قيل: أقلهم عدداً وهو الواحد، أو أقلهم رتبة وهو العبد، والمعنى: إذا أعطى أدنى رجل من المسلمين أماناً فليس للباقين إخفاره، أو ليس لهم نقض عهده وأمانه، فلو أن واحداً من المسلمين أمن كافراً، حرم على عامة المسلمين دمه، وإن كان هذا المجير أدناهم وأقل المسلمين منزلة، مثل أن يكون عبداً، أو امرأة، أو عتيقاً، أو أجيراً تابعاً، أو نحو ذلك، فلا تخفر ذمته. وفي الجامع الصغير: (فيجير على أمتي أدناهم)، أي: أقلهم منزلة يكون ممن يجير. وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ذمة المسلمين واحدة)، فإذا أمن واحد من المسلمين كافراً وأجاره؛ لزم باقي المسلمين أن يراعوا هذا العهد، وهذه الذمة، فلا يعتدي على هذا الذي أمنه أي واحد من المسلمين، حتى ولو كان وضيعاً أو عبداً أو حتى امرأة، ففي الحديث: (إن ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وروى الشيخان عن أم هانئ رضي الله عنها في عام الفتح قالت: (قلت: يا رسول الله! زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فلان بن هبيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ). ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ويجير عليهم أقصاهم) أي: إذا وجه الإمام سرية فأجاروا أحداً أجاره أيضاً الإمام. قوله: (ويرد سراياهم على قعدتهم) أو (يرد متسريهم على قاعدهم) القعيدة: هي الجيوش التي تخرج وتمضي في دار الحرب، فيبعثون سراياهم إلى العدو، فما غنمت يرد منه على القاعدين حصتهم؛ لأنهم كانوا ردءاً لهم، مثلاً: خرج الجيش الإسلامي خارج ديار الإسلام للحرب في ديار المشركين، فسرية جلست تكون ردءاً وحماية ووقاية للذين خرجوا، والأخرى خرجت لقتال الأعداء، فإذا غنم هؤلاء المجاهدون فيرد من الغنيمة على الذين كانوا ردءاً لهم؛ لأنهم خرجوا معهم، وكانوا يحمونهم. قال صلى الله عليه وسلم: (وهم يد على من سواهم) أي: أن المؤمنين يد واحدة على من سواهم من غير المؤمنين، وهذا كأنه دليل لما قبله من الأحكام؛ لأن المؤمنين يد على من سواهم، فهم متعاونون متناصرون، مجتمعون يداً واحدة على غيرهم من أرباب الملل والأديان، فلا يسع أحداً منهم أن يتقاعد ويتخاذل عن نصرة أخيه المسلم. ثم يمضي النبي صلى الله عليه وسلم في بيان هذا المعنى وتأكيده فيقول: (يرد مشدهم على مضعفهم) المشد: هو الذي دوابه شديدة قوية، والمضعف: هو الذي دوابه ضعاف، بمعنى: أن القوي من الغزاة يساعد الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة، كإنسان كان قوياً في جهاده وفي حربه، فإذا غنم غنيمة فإنه يرد منها على الضعيف الذي يضعف عما يستطيعه هو، فإذا كان الأقوياء والضعفاء في القتال لهم الغنيمة، فيصيرون كلهم فيها شركاء على السوية. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ومتسريهم على قاعدهم المتسري: هو الذي خرج من الجيش الذي مضى في السرية إلى قصد قتال العدو، وهم طائفة من الجيش يوجهون في الغزو، ويشترط في القاعد أن يكون قاعداً في الجيش الخارج للقتال، لا أن يكون مقيماً في دار الإسلام، بل يكون خرج معهم، لكنهم انقسموا إلى فريقين: فريق ذهب لقتال الأعداء، وفريق مكث يحميهم ويكون ردءاً لهم، وأيضاً هم يشتركون في الغنيمة. ثم قال: (ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (لعن الله من آوى محدثاً)، والمقصود بالحدث: الخيانة والجرم. قوله: (فعلى نفسه) أي: من جنى جناية كان مأخوذاً بها، ولا يؤخذ بجريمة غيره، (أو آوى محدثاً) أي: ضمه وحماه، وآوى الجاني من قتله، وحال بينه وبين أن يقام عليه الحد من القصاص أو غيره، فالإيواء: هو التقرير عليه والرضا به.

من فضائل سورة (الكافرون) أنها براءة من الشرك؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ينام أن يختم أذكار النوم بقراءة هذه السورة، قال: (فإنها براءة من الشرك)، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وعظيم لطفه بخلقه، أن جعل هذه الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات السماوية، وجعلها سبحانه وتعالى كاملة صافية نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك، وكتب تبارك اسمه وتعالى جده السعادة في الدارين لأتباع الرسالة، الذين قدروها حق قدرها، وقاموا بها على وفق ما أراد الله، وعلى هدي نبي الله صلى الله عليه وسلم، وسماهم أولياء الله وحزبه، وكتب عز وجل الشقاء والذلة على من حاد عن هذه الشريعة، وتنكب الصراط المستقيم، وسماهم أولياء الشيطان وجنده، وأصل هذه الرسالة وأصل الأصول في دين الإسلام هو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. هذه الكلمة الطيبة التي يقول فيها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: لأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، وأسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد. حقيقة هذه الكلمة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له محبة وخضوعاً، والعمل به ظاهراً وباطناً، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وتنال الالتزام بهذا كله وتنال هذا التوحيد بالحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده، والطريق إلى ذلك هو تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذه الكلمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها -أو بجل ذلك- قد غابت عن حس الناس اليوم إلا من رحم الله، ومن هذه المفاهيم الأساسية التي ترتبط بهذه الكلمة: مفهوم الولاء والبراء.

حال الأمة الإسلامية مع مبدأ الولاء والبراء

لقد تغير لدى كثير من المسلمين في هذا الزمان مفهوم الولاء والبراء، وبعد عهدهم عن فهمه، ونوع هذا الجهل والتفريط في حق هذه الحقيقة لا يغير من هذه الحقيقة الناصعة شيئاً؛ لأن الولاء والبراء هما الصورة الفعلية التطبيقية الواقعية لعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو مفهوم ضخم في حفظ المسلم لمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحقون الولاء، والبراء ممن يستحقون البراء، هذه القضية ليست تندرج -كما يحسب بعض الناس- في القضايا الجزئية أو الثانوية، ولكنها قضية إيمان وكفر، كما قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:23-24]، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: إنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم -أي: حكم الولاء والبراء- بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده. أي: أنه لا يوجد حكم في القرآن بعد التوحيد وتحريم الشرك الذي هو ضد التوحيد، لا يوجد حكم أوضح وأقوى وأكثر أدلة من هذا الحكم، الذي هو موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين. لقد قامت الأمة الإسلامية بقيادة البشرية دهراً طويلاً، حيث نشأت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة وأخرجت بالفعل الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ثم ما الذي حدث بعد ذلك؟ لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء، بعد أن تركت الجهاد، وأخذت بأذناب البقر، حينما اشتغلوا بالزرع بمتاهات أمور الدنيا، وتراجعت بعد أن زهدت في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ثم تبعت الأمم الأخرى وصارت في ذيلها بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون، ثم تبلبلت الأفكار بعد أن خلطت نبعها الصافي بالفلسفات الجاهلية والهرطقة البشرية، ثم دخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين، واطمأنت إليهم، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها؛ فخسرت الدنيا والآخرة، وموالاة الكفار هي منبع هذا الفساد والخسارة، كما قال الله عز وجل: إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال:73] يعني: إلا تراعوا حدود الولاء والبراء، تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73].

بعض مظاهر التفريط في مبدأ الولاء والبراء

من مظاهر الفساد الذي عاث في الأمة وغرقت فيه بعد أن تخلت عن مفهوم الولاء والبراء الأساسي لعقيدة التوحيد أن وقع كثير من المسلمين في محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض، ورميها بالقشور والجمود، وعدم موافقة العقل والتقدم الحضاري. ومن هذه المظاهر أيضاً: استيراد القوانين الكافرة شرقية كانت أو غريبة، وإحلالها محل شريعة الله الغراء، وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بالتعفن والرجعية والتخلف والتطرف. ومن مظاهر هذا أيضاً: التشكيك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطعن في دواوينها الكريمة، والحط من قدر أولئك الرجال الأعلام الذين خدموا هذه السنة حتى وصلت إلينا. ومن ذلك أيضاً: أن قامت دعوات جاهلية جديدة تعتبر ردة في حياة المسلمين، مثل الدعوة إلى القومية العربية، أو الشورانية، أو الهندية، أو أي نوع من هذه القوميات الجاهلية التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها منتنة. ومن ذلك أيضاً: إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم، وسموم الغزو الفكري في المناهج الإعلامية والتربوية بكل أصنافها. أمام هذه الصور الكثيرة يحار المسلم حينما يتأمل في واقع المسلمين، وحينما ينظر في منابع الإسلام الصافية فيتساءل: لمن يكون ولاء المسلم؟ ولمن يكون عداؤه؟ ممن يتبرأ؟ ما حكم من يقع ويتورط في موالاة الكفار واتخاذهم أخداناً وأصحاباً ورفاقاً؟ وما حكم الإسلام في هذه المناهج الكفرية التي يروج لها المستغفلون أو الحاقدون ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وما هم إلا دعاة على أبواب جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فحصل مسخ في تصورات المسلمين، حتى صار بعضهم يظن أن من أقر بتوحيد الربوبية وبأن هناك إلهاً، وأن مجرد الإيمان بوجود الله يكفي، ويسمون ذلك إيماناً، حتى إن أحدهم ترجم كتاباً ألفه بعض علماء العلوم الطبيعية وسماه: العلم يدعو إلى الإيمان؛ وأصل الكتاب: الإنسان لا يقوم وحده، وما في الكتاب إلا إثبات توحيد الربوبية، فكل عالم -مثلاً- في التشريح أو في النباتات أو في أي علم من العلوم الطبيعية، يحكي كيف توصل إلى معرفة وجود الله سبحانه وتعالى عن طريق آيات الله الكونية، وهذا اكتشاف للحقائق، الله سبحانه وتعالى وضعها في الآفاق وفي أنفسنا لنستدل بها على قدرته، ولنتدرج منها إلى الوصول إلى توحيد العبادة، فكما لا يخلق إلا الله إذاً لا يُعبد إلا الله، كما لا يرزق إلا الله إذاً لا يُعبد إلا الله سبحانه وتعالى وحده، فكثير من الناس يظن أن اليهودي أو النصراني لأنه مؤمن بوجود الله؛ فإنه بذلك يطلق عليه لفظ الإيمان. نقول: الله سبحانه وتعالى مع وجود جزئيات من الإيمان عند الكفار ومع ذلك قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:29]؛ مع أنهم قد يؤمنون باليوم الآخر، قد يؤمنون بالبعث والنشور، لكن الإيمان عبارة عن حقيقة كلية تتركب من أجزاء، وهذه الأجزاء مترابطة فيما بينها ومتشابكة بحيث لا ينفك أحدها عن الآخر، فإذا زال أحدها زال الجميع، ومن أجل ذلك يقول الله عز وجل: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123]، مع أنه أتاهم رسول واحد، لكن الكفر برسول واحد يصح أن يطلق على من يتلفظ به أنه كافر بجميع الرسل، وكذلك النصارى لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم صاروا كالكافرين كفراً كلياً؛ لأنهم أيضاً لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فمن انهدم عنده جزء من هذه الحقيقة الكلية انهدمت حقيقة الإيمان كلها؛ ولذلك قال الله عز وجل: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]. فالإنسان لا بد أن يفهم من لا إله إلا الله أنه: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فالمفهوم الذي يشيع عند كثير من المسلمين أن التوحيد إنما هو توحيد الربوبية، هذا التوحيد كان موجوداً عند مشركي مكة، فقد كانوا يؤمنون بوجود الله؛ لكن كانوا يشركون معه غيره في العبادة. فكون (لا إله إلا لله) فيها ولاء وبراء، وكون (لا إله إلا الله) معناها: توحيد الألوهية والعبادة، هذه معان كادت أن لا تخطر على كثير من الناس إلا من رحم الله. فالإنسان لا يستقيم له إسلام، ولا يصح له إسلام، ولو قال بالتوحيد ونفى الشرك عن نفسه، إلا بعداوة المشركين وموالاة المؤمنين، يقول الله سبحانه وتعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، فأصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعادة؛ كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة ونحو ذلك.

لقد تغير لدى كثير من المسلمين في هذا الزمان مفهوم الولاء والبراء، وبعد عهدهم عن فهمه، ونوع هذا الجهل والتفريط في حق هذه الحقيقة لا يغير من هذه الحقيقة الناصعة شيئاً؛ لأن الولاء والبراء هما الصورة الفعلية التطبيقية الواقعية لعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو مفهوم ضخم في حفظ المسلم لمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحقون الولاء، والبراء ممن يستحقون البراء، هذه القضية ليست تندرج -كما يحسب بعض الناس- في القضايا الجزئية أو الثانوية، ولكنها قضية إيمان وكفر، كما قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:23-24]، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: إنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم -أي: حكم الولاء والبراء- بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده. أي: أنه لا يوجد حكم في القرآن بعد التوحيد وتحريم الشرك الذي هو ضد التوحيد، لا يوجد حكم أوضح وأقوى وأكثر أدلة من هذا الحكم، الذي هو موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين. لقد قامت الأمة الإسلامية بقيادة البشرية دهراً طويلاً، حيث نشأت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة وأخرجت بالفعل الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ثم ما الذي حدث بعد ذلك؟ لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء، بعد أن تركت الجهاد، وأخذت بأذناب البقر، حينما اشتغلوا بالزرع بمتاهات أمور الدنيا، وتراجعت بعد أن زهدت في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ثم تبعت الأمم الأخرى وصارت في ذيلها بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون، ثم تبلبلت الأفكار بعد أن خلطت نبعها الصافي بالفلسفات الجاهلية والهرطقة البشرية، ثم دخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين، واطمأنت إليهم، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها؛ فخسرت الدنيا والآخرة، وموالاة الكفار هي منبع هذا الفساد والخسارة، كما قال الله عز وجل: إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال:73] يعني: إلا تراعوا حدود الولاء والبراء، تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73].

من مظاهر الفساد الذي عاث في الأمة وغرقت فيه بعد أن تخلت عن مفهوم الولاء والبراء الأساسي لعقيدة التوحيد أن وقع كثير من المسلمين في محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض، ورميها بالقشور والجمود، وعدم موافقة العقل والتقدم الحضاري. ومن هذه المظاهر أيضاً: استيراد القوانين الكافرة شرقية كانت أو غريبة، وإحلالها محل شريعة الله الغراء، وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بالتعفن والرجعية والتخلف والتطرف. ومن مظاهر هذا أيضاً: التشكيك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطعن في دواوينها الكريمة، والحط من قدر أولئك الرجال الأعلام الذين خدموا هذه السنة حتى وصلت إلينا. ومن ذلك أيضاً: أن قامت دعوات جاهلية جديدة تعتبر ردة في حياة المسلمين، مثل الدعوة إلى القومية العربية، أو الشورانية، أو الهندية، أو أي نوع من هذه القوميات الجاهلية التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها منتنة. ومن ذلك أيضاً: إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم، وسموم الغزو الفكري في المناهج الإعلامية والتربوية بكل أصنافها. أمام هذه الصور الكثيرة يحار المسلم حينما يتأمل في واقع المسلمين، وحينما ينظر في منابع الإسلام الصافية فيتساءل: لمن يكون ولاء المسلم؟ ولمن يكون عداؤه؟ ممن يتبرأ؟ ما حكم من يقع ويتورط في موالاة الكفار واتخاذهم أخداناً وأصحاباً ورفاقاً؟ وما حكم الإسلام في هذه المناهج الكفرية التي يروج لها المستغفلون أو الحاقدون ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وما هم إلا دعاة على أبواب جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فحصل مسخ في تصورات المسلمين، حتى صار بعضهم يظن أن من أقر بتوحيد الربوبية وبأن هناك إلهاً، وأن مجرد الإيمان بوجود الله يكفي، ويسمون ذلك إيماناً، حتى إن أحدهم ترجم كتاباً ألفه بعض علماء العلوم الطبيعية وسماه: العلم يدعو إلى الإيمان؛ وأصل الكتاب: الإنسان لا يقوم وحده، وما في الكتاب إلا إثبات توحيد الربوبية، فكل عالم -مثلاً- في التشريح أو في النباتات أو في أي علم من العلوم الطبيعية، يحكي كيف توصل إلى معرفة وجود الله سبحانه وتعالى عن طريق آيات الله الكونية، وهذا اكتشاف للحقائق، الله سبحانه وتعالى وضعها في الآفاق وفي أنفسنا لنستدل بها على قدرته، ولنتدرج منها إلى الوصول إلى توحيد العبادة، فكما لا يخلق إلا الله إذاً لا يُعبد إلا الله، كما لا يرزق إلا الله إذاً لا يُعبد إلا الله سبحانه وتعالى وحده، فكثير من الناس يظن أن اليهودي أو النصراني لأنه مؤمن بوجود الله؛ فإنه بذلك يطلق عليه لفظ الإيمان. نقول: الله سبحانه وتعالى مع وجود جزئيات من الإيمان عند الكفار ومع ذلك قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:29]؛ مع أنهم قد يؤمنون باليوم الآخر، قد يؤمنون بالبعث والنشور، لكن الإيمان عبارة عن حقيقة كلية تتركب من أجزاء، وهذه الأجزاء مترابطة فيما بينها ومتشابكة بحيث لا ينفك أحدها عن الآخر، فإذا زال أحدها زال الجميع، ومن أجل ذلك يقول الله عز وجل: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123]، مع أنه أتاهم رسول واحد، لكن الكفر برسول واحد يصح أن يطلق على من يتلفظ به أنه كافر بجميع الرسل، وكذلك النصارى لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم صاروا كالكافرين كفراً كلياً؛ لأنهم أيضاً لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فمن انهدم عنده جزء من هذه الحقيقة الكلية انهدمت حقيقة الإيمان كلها؛ ولذلك قال الله عز وجل: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]. فالإنسان لا بد أن يفهم من لا إله إلا الله أنه: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فالمفهوم الذي يشيع عند كثير من المسلمين أن التوحيد إنما هو توحيد الربوبية، هذا التوحيد كان موجوداً عند مشركي مكة، فقد كانوا يؤمنون بوجود الله؛ لكن كانوا يشركون معه غيره في العبادة. فكون (لا إله إلا لله) فيها ولاء وبراء، وكون (لا إله إلا الله) معناها: توحيد الألوهية والعبادة، هذه معان كادت أن لا تخطر على كثير من الناس إلا من رحم الله. فالإنسان لا يستقيم له إسلام، ولا يصح له إسلام، ولو قال بالتوحيد ونفى الشرك عن نفسه، إلا بعداوة المشركين وموالاة المؤمنين، يقول الله سبحانه وتعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، فأصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعادة؛ كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة ونحو ذلك.

الولاء والبراء من أعظم لوازم ومقتضيات كلمة لا إله إلا الله، قال الله عز وجل: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28]، ويقول عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32]. ويقول عز وجل مبيناً حقيقة أعداء الله من اليهود والنصارى ومن عداهم من المشركين: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، معلوم أن الإنسان أحياناً يكون إنساناً فاسداً، أو مستغرقاً في الشهوات والفساد وهو يعلم أن هذا فساد؛ لكن تجد الفاسد يحب أن يفسد غيره، فيكونون سواء في هذا الفساد، فتجده فاسداً في نفسه، ومفسداً لغيره حريصاً على إفساده، فهذا من مرض القلب، فالله سبحانه وتعالى الذي يطلع على قلوب هؤلاء الكفار، يخبر عما في قلوبهم فيقول: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]. أما الأحاديث فمنها: ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه وقال له: أن تنصح لكل مسلم، وتبرأ من كل كافر)، كان جرير ممن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة خاصة على النصح لكل مسلم، وعلى أن يبرأ من كل كافر، حتى كان الرجل إذا أراد جرير أن يشتري منه شيئاً، أو باع له سلعة بسعر، وهو يرى أن السعر يستحق أكثر من ذلك، فيراجعه ويعطيه السعر الأغلى عملاً بهذا الحديث، حتى لو كان هو المشتري، فيزيد البائع لو علم أن السلعة تستحق أكثر من الثمن الذي طلبه البائع. وروى ابن أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله). وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك). إذاً هذه الأمور من أعظم ما تحصل به مرتبة ولاية الله سبحانه وتعالى: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً). قول ابن عباس رضي الله عنهما: (ووالى في الله) هذا بيان للازم المحبة في الله؛ لأنه بدأ بقوله: من أحب في الله وأبغض في الله، والتطبيق العملي للحب القلبي أن يوالي في الله وأن يعادي في الله سبحانه وتعالى، فهذا فيه إشارة إلى أن مجرد الحب لا يكفي؛ بل لا بد مع ذلك الحب القلبي من الموالاة باطناً وظاهراً؛ لأن هذه هي لوازم المحبة، وهي النصرة والإكرام والاحترام وأن يكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً. وقوله: (وعادى في الله) هذا أيضاً لازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه، أي: إظهار العداوة بالفعل والجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطناً وظاهراً، وهذا إشارة من ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنه لا يكفي مجرد البغض؛ بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه، كما قال الله عز وجل: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]. فالولاء في الله: هو محبة الله، ونصرة دينه، ومحبة أوليائه ونصرتهم، والبراء هو بغض أعداء الله ومجاهدتهم، وعلى ذلك جاءت تسمية الشارع الحكيم للفريق الأول: بأولياء الله، وسمى الفريق الثاني: أولياء الشيطان، فقال عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، وقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ [النساء:76]. إن أعداء الله تعالى يريدون بكل ما أوتوا من قوة أن يقضوا على هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام، فنجد الملحدين واليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من أعداء الله يريدون تغيير عقيدة المسلمين وتجريد شخصيتهم؛ حتى ينفذ مخططهم في جعلهم حميراً للشعب المختار؛ لأن اليهود يعتقدون أن كل الأمم عندهم عبارة عن حمير خلقوا ليستخدمهم اليهود كالحمير؛ لأنهم شعب الله المختار -زعموا- كما نصت على ذلك بروتوكولات حكماء صهيون. لقد طارت الدعوات الملحدة والمشبوهة لتقضي على هذا الأصل الأصيل، فنادى قوم بالأخوة وبالإنسانية والمساواة، وأن الدين لله، والوطن ليس لله، ويعبرون عنه بقولهم: الدين لله والوطن للجميع، والله يقول: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:189]. هذه الأدلة التي أسلفناها من الكتاب والسنة توضح أن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي: ألا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويوالي المؤمنين بأي مكان حلوا، ويعادي الكافرين ولو كانوا أقرب قريب.

جاء في لسان العرب: يقول ابن الأعرابي : الموالاة: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه، فيقال: قد والاه، ووالى فلان فلاناً إذا أحبه. والمولى: اسم يطلق على معان كثيرة، منها الرب والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتِق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والنزيل، والصهر، والعبد، والمعتَق، والمنعم عليه. ويلاحظ في كل هذه المعاني أنها تقوم على النصرة والمحبة والولاية في النسب والنصرة والعتق. والموالاة: من والى القوم موالاة، قال الشافعي في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فـعلي مولاه): يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11]. والموالاة: ضد المعاداة، والولي: ضد العدو، يقول الله عز وجل حاكياً عن إبراهيم عليه السلام: يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [مريم:45]. قال ثعلب : كل من عبد شيئاً من دون الله فقد اتخذه ولياً، وقال عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] أي: وليهم في نصرهم على عدوهم، وإظهار دينهم على دين مخالفيهم، وقيل: يتولى ثوابهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم. والولي: القرب والدنو، والموالاة: المتابعة، والتولي يكون بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتباع، كقوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا [محمد:38] يعني: تعرضوا، يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ [محمد:38]، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] يعني: يتبعهم وينصرهم. أما البراء: فيقال: برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:1] أي: إعذار وإنذار، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه لما دعاه عمر إلى العمل إلى أن يواليه فأبى أبو هريرة ، فقال عمر : إن يوسف قد سأل العمل -أي: لما قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55] فقال أبو هريرة : إن يوسف مني بريء، وأنا منه براء، يعني: أنا بريء عن أن أكون مساوياً له في الحكم، وأن أقاس به، يعني: أنا أقل من أن أقاس بيوسف عليه السلام، فمعنى البراءة هنا: أنا بريء عن مساواته في الحكم وأن أقاس به، ولم يرد براءة الولاية والمحبة؛ لأنه مأمور بالإيمان به. والولاء بالمعنى الاصطلاحي: هو النصرة والمحبة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً، كما قال عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، فموالاة الكفار تعني: التقرب إليهم، وإظهار الود لهم بالأقوال والأفعال والنوايا. أما البراء بالمعنى الاصطلاحي: فهو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار والإعذار، يقول شيخ الإسلام : الولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد، والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي: يقرب منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)، يعني: لأقرب رجل إلى الميت. فإذا كان ولي الله هو الموافق والمتابع له حين يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه؛ كان المعادي لوليه معادياً له، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1]، فمن عادى أولياء الله فقد عادى الله، ومن عادى الله فقد حاربه الله، كما جاء في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة).

العداوة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بدأت يوم أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، من يومها قال الله عز وجل: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، وقال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن:2]، فتكرر ذكر قصة آدم وإبليس في القرآن في سور كثيرة، في سورة البقرة والأعراف وغيرهما.

وقد حذر الله عز وجل من اتباع إبليس اللعين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208]، وقال عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف:27]، وقال عز وجل كاشفاً مخططه: لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، وقال الله عز وجل أيضاً في سورة يس: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس:59] * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60] * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:61]، فأي معصية أو شرك في الوجود إنما هو طاعة لإبليس؛ لأنه هو الذي يزينه وجنوده لعباد الله سبحانه وتعالى، فيوقعهم في الشرك وفي المعاصي، فيقول الله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس:60].

وما زلنا نقرأ في كتب التفاسير، وكتب التوحيد أن هذا هو تفسير عبادة الشيطان، وما كان الإنسان يتخيل أنه فعلاً يوجد أناس يعبدون الشيطان حقيقة، حتى أخبرني ممن هو من أهل الخبرة أخ حديث عهد بأمريكا، فيحكي أنه يوجد في بعض البلاد في أمريكا فئة تعبد الشيطان، ويسمون أنفسهم: (ديفن)، و(ستيفر)، أي: عباد الشيطان، فهذا الأمر حقيقة، ويذكر هذا الأخ الفاضل أن معهم معابد مخصوصة ولها سقوف يعبدون فيها الشيطان، ويأتي بعض المغفلين -للأسف- من أبناء المسلمين أو المحسوبين على المسلمين يسمعون تلك الأغاني الأمريكية الساخرة ويرددونها، مع أن فيها مقاطع من عبادة الشيطان! فهم مثل البغباوات، يرددون ولا يفقهون ما يقولون، وهو فسق على فسق، وزيادة في الكفر، فأولئك يعبدون الشيطان حقيقة، وهناك معابد لعبادة الشيطان، ولا يستخفون بذلك، وهذا من أعجب ما نسمعه في هذه الأزمان!

استمرار العداوة مع الشيطان إلى يوم القيامة

العداوة قائمة منذ اليوم الأول بين آدم وبين إبليس، فهذه الحرب وهذه العداوة قائمة لا تنقطع أبداً، وأي نوع من الأعداء يمكن أن تكسبه بمعاهدة أو بإحسان إليه، أو بأي شيء: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، إلا الشيطان فإنه لا يجدي معه إلا أن تتخذه عدواً: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6] لا يجري معه أي شيء آخر، ولا يصلح معه أي حيلة ولا معاهدة ولا إحسان ولا أي شيء، سوى أن تتخذه عدواً كما قال الله عز وجل. أما أشباه إبليس وحزبه فيقول الله في شأنهم: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، وقال عز وجل أيضاً في شأنهم: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] إلى آخر الآيات، وقال في المؤمنين: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]. فالحرب والعداوة والتميز في الخصائص أمر قائم ومستمر بين الحزبين، حزب الرحمن وحزب الشيطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. أولياء الشيطان بماذا أجابوا المرسلين؟ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]، وقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [المائدة:104]، وقال: وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46]، أما المؤمنون: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. ويقول ابن القيم : كل من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته، ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده، ومكن الجهل من نفسه، والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر من صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه؛ فهو ولي الشيطان. انتهى كلامه. إن الحقائق والأدلة المسبقة تبين أن المؤمنين الذين هم أولياء الله لا يلتقون مع أعدائهم في منتصف الطريق بين الكفر والإسلام، أو أن يحيدوا يميناً وشمالاً؛ بل يقولون كما قال إمامهم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، هذه هي الغاية الوحيدة التي يمكن أن يتلاقى المؤمنون أولياء الله مع غيرهم بأن يتنازلوا هم ويتراجعوا عن شركهم وكفرهم، ويحققوا معنى لا إله إلا الله، كما ذكرنا.

براءة إبليس من أوليائه يوم القيامة

أما المشهد الأخير الذي يحكيه الله سبحانه الله وتعالى، وهو يقع بين الشيطان وعباده، فهو خطبة إبليس حينما يقف خطيباً يوم القيامة: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22]، هذا الشرك لم يكن إلا مجرد أن دعاهم فاستجابوا له، كما جاء على لسانه، وكما يقولون: الأشياء تعود لأصلها، فأشباه إبليس يعودون إلى أصلهم وهو إبليس، والذي هو عدو آدم، وأولياء الرحمن وأتباع رسله يعودون إلى آدم.

العداوة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان مستمرة إلى يوم القيامة

والعداوة قائمة منذ اليوم الأول بين آدم وبين إبليس، فهذه الحرب وهذه العداوة قائمة لا تنقطع أبداً، وأي نوع من الأعداء يمكن أن تكسبه بمعاهدة أو بإحسان إليه، أو بأي شيء: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، إلا الشيطان فإنه لا يجدي معه إلا أن تتخذه عدواً: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6] لا يجري معه أي شيء آخر، لا يصلح مع الشيطان أي حيلة ولا معاهدة ولا إحسان ولا أي شيء، سوى أن تتخذه عدواً كما قال الله عز وجل.

أما أشباه إبليس وحزبه فيقول الله في شأنهم: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، وقال عز وجل أيضاً في شأنهم: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] إلى آخر الآيات، وقال في المؤمنين: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257].

فالحرب والعداوة والتميز في الخصائص أمر قائم ومستمر بين الحزبين، حزب الرحمن وحزب الشيطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

أولياء الشيطان بماذا أجابوا المرسلين؟ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [المائدة:104]، وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46]، أما المؤمنون: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51].

ويقول ابن القيم : كل من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته، ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده، ومكن الجهل من نفسه، والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر من صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه؛ فهو ولي الشيطان. انتهى كلام ابن القيم .

فبهذه الحقائق وهذه الأدلة نعلم أن المؤمنين الذين هم أولياء الله لا يلتقون مع أعدائهم في منتصف الطريق، بين الكفر والإسلام، أو أن نحيد يميناً وشمالاً؛ بل يقولون كما قال إمامهم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، هذه هي الغاية الوحيدة التي يمكن أن يتلاقى المؤمنون أولياء الله مع غيرهم، أن يتنازلوا هم ويتراجعوا عن شركهم وكفرهم، ويحققوا معنى لا إله إلا الله، كما ذكرنا.

العداوة قائمة منذ اليوم الأول بين آدم وبين إبليس، فهذه الحرب وهذه العداوة قائمة لا تنقطع أبداً، وأي نوع من الأعداء يمكن أن تكسبه بمعاهدة أو بإحسان إليه، أو بأي شيء: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، إلا الشيطان فإنه لا يجدي معه إلا أن تتخذه عدواً: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6] لا يجري معه أي شيء آخر، ولا يصلح معه أي حيلة ولا معاهدة ولا إحسان ولا أي شيء، سوى أن تتخذه عدواً كما قال الله عز وجل. أما أشباه إبليس وحزبه فيقول الله في شأنهم: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، وقال عز وجل أيضاً في شأنهم: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] إلى آخر الآيات، وقال في المؤمنين: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]. فالحرب والعداوة والتميز في الخصائص أمر قائم ومستمر بين الحزبين، حزب الرحمن وحزب الشيطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. أولياء الشيطان بماذا أجابوا المرسلين؟ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]، وقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [المائدة:104]، وقال: وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46]، أما المؤمنون: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]. ويقول ابن القيم : كل من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته، ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده، ومكن الجهل من نفسه، والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر من صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه؛ فهو ولي الشيطان. انتهى كلامه. إن الحقائق والأدلة المسبقة تبين أن المؤمنين الذين هم أولياء الله لا يلتقون مع أعدائهم في منتصف الطريق بين الكفر والإسلام، أو أن يحيدوا يميناً وشمالاً؛ بل يقولون كما قال إمامهم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، هذه هي الغاية الوحيدة التي يمكن أن يتلاقى المؤمنون أولياء الله مع غيرهم بأن يتنازلوا هم ويتراجعوا عن شركهم وكفرهم، ويحققوا معنى لا إله إلا الله، كما ذكرنا.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
عقيدة الولاء والبراء [4] 2191 استماع
عقيدة الولاء والبراء [2] 1637 استماع
عقيدة الولاء والبراء [3] 727 استماع