سورة الحج - الآية [77]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين. أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء السادس والخمسين في الآية السابعة والسبعين من سورة الحج، وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].

معاني مفردات الآية

قوله تعالى: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، المراد بالركوع والسجود الصلوات، وتخصيص الركوع والسجود بالذكر من بين أعمال الصلاة؛ لأنهما أعظم أركان الصلاة، إذ بهما إظهار الخضوع والعبودية. وتخصيص الصلاة بالذكر قبل الأمر ببقية العبادات المشمولة بقوله: وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77]، تنبيه على أن الصلاة عماد الدين كما قال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى.

وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77]، أي: ذلوا لربكم واخضعوا له بالطاعة، والمراد بالعبادة: ما أمر الله الناس أن يتعبدوا به مثل الصيام والحج.

وقوله: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77] أمر بإسداء الخير إلى الناس من الزكاة، وحسن المعاملة كصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر مكارم الأخلاق، وهذا مجمل بينته وبينت مراتبه أدلة أخرى.

وقيل: المراد بالخير هنا المندوبات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: صلة الرحم ومكارم الأخلاق.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، أي: لتفلحوا بذلك فتدركوا به طلباتكم عند ربكم.

المعنى الإجمالي للآية

هذا النداء يأمر فيه ربنا تبارك وتعالى عباده بأن يركعوا ويسجدوا له، وأن يؤدوا الصلاة ويذلوا بين يديه، ويسارعوا إلى طاعته، ثم بعد هذا التخصيص تعميم بالعبادة وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77] بكل أنواع العبادة التي طلبها منكم مما يحبه ويرضاه من أقوال وأعمال ظاهرة وخفية.

ثم عطف على ذلك الأمر بفعل الخير، وأول مراتب فعل الخير: الكف عن الشر، وهذا كله على رجاء منكم للفلاح عند ربكم بأن تفوزوا بمأمولكم.

بعض طرق وأبواب الخير

إن طرق الخير كثيرة، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله. قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق. قلت: يا رسول الله! أريت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك ).

ومن أبواب الخير: صلاة الضحى، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ).

ومن أبواب الخير: نظافة بيوت الله عز وجل، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها: الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها: النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ).

ومن أعظم أبواب الخير: ذكر الله تعالى، فإن ناساً قالوا: ( يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال عليه الصلاة والسلام: أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؛ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )، رواه مسلم .

ومن أبواب الخير: إدخال السرور على المسلم بالتبسم في وجهه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق )، رواه مسلم .

ومن أبواب الخير: إسداء المعروف للمسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها، أو يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )، متفق عليه.

ومن أبواب الخير: السعي إلى بيوت الله تعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح )، متفق عليه.

ومن أبواب الخير: إماطة الأذى عن الطريق، والإحسان إلى خلق الله تعالى، ولو كانوا من البهائم، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بهذا هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له) وفي رواية: (فشكر الله له فغفر له). وعلى رواية النصب: (فشكر الله له)، أي: شكر الكلب الله عز وجل بصنيع هذا الرجل.

وفي الحديث: (قالوا: يا رسول الله! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: في كل كبد رطبة أجر )، متفق عليه.

ومن أبواب الخير: كف الأذى عن المسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي المسلمين ).

وفي رواية لـمسلم : ( مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة ).

ومن أبواب الخير: صلاة الجمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة والجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا )، رواه مسلم .

وكذلك الوضوء الشرعي من أبواب الخير العظيمة: فعن أبي هريرة ضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب )، رواه مسلم .

وكذلك (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).

ومن أبواب الخير: الغرس والزرع، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة )، وفي رواية لـمسلم : ( فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة ).

ومن أبواب الخير الصدقة ولو كانت قليلة، ففي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ).

ومن أبواب الخير: حمد الله تعالى وشكره جل جلاله، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها )، رواه مسلم .

قوله تعالى: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، المراد بالركوع والسجود الصلوات، وتخصيص الركوع والسجود بالذكر من بين أعمال الصلاة؛ لأنهما أعظم أركان الصلاة، إذ بهما إظهار الخضوع والعبودية. وتخصيص الصلاة بالذكر قبل الأمر ببقية العبادات المشمولة بقوله: وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77]، تنبيه على أن الصلاة عماد الدين كما قال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى.

وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77]، أي: ذلوا لربكم واخضعوا له بالطاعة، والمراد بالعبادة: ما أمر الله الناس أن يتعبدوا به مثل الصيام والحج.

وقوله: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77] أمر بإسداء الخير إلى الناس من الزكاة، وحسن المعاملة كصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر مكارم الأخلاق، وهذا مجمل بينته وبينت مراتبه أدلة أخرى.

وقيل: المراد بالخير هنا المندوبات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: صلة الرحم ومكارم الأخلاق.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، أي: لتفلحوا بذلك فتدركوا به طلباتكم عند ربكم.