سورة النساء - الآية [29]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

ومع النداء العشرين في الآية التاسعة والعشرين من سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29].

القراءات الواردة في الآية

القراءات: قرأ عاصم و حمزة و الكسائي و خلف العاشر : (تجارة)، بنصب التاء. على أن (كان) ناقصة، واسمها ضمير يعود على الأموال، و(تجارة) خبرها، فالتقدير: إلا أن تكون الأموال تجارة.

وقرأ الباقون: (تجارة) برفع التاء على أن (كان) تامة تكتفي بمرفوعها، والتقدير: إلا أن تحدث أو تقع تجارة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، قال المسلمون: إن الله نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالنا فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكيف للناس؟ فأنزل الله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ [النور:61].. الآية.

إن هذه الآية المباركة فيها بيان لبعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس إثر بيان تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة، وفي الآية إشارة إلى كمال العناية بالحكم المذكور.

معاني مفردات الآية وبعض صور أكل المال بالباطل

معاني المفردات:

قول الله عز وجل: لا تَأْكُلُوا [النساء:29]، الأكل مجاز في الانتفاع بالشيء انتفاعاً تاماً لا يعود معه إلى الغير، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها إلى أربابها.

قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في قالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيل على الربا.

ومن أكل الأموال بالباطل: أكل مال اليتيم: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً [النساء:10]، وكذلك الرشوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش )، والحديث رواه الترمذي و أبو داود و ابن ماجه والإمام أحمد في المسند.

ومن أكل أموال الناس بالباطل: احتكار الضرورات لإغلائها، وبيع ما ليس يباع كالعرض والذمة والخلق والدين والضمير.

قوله تعالى: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، هذا استثناء منقطع، كأنه سبحانه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في الأموال، لكن المتاجرة المشروعة كعقد المضاربة والمشاركة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، وهذا الاستثناء كما في قوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، وكقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدخان:56].

والتجارة في اللغة: المعاوضة، ومنه الأجر الذي يعطيه الباري سبحانه للعبد عوضاً عن الأعمال الصالحة التي هي بعض من فعله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10]، وقال تعالى: يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29].

قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل.

قال ابن عطية رحمه الله تعالى: وأجمع المتأولون أن القصد هو: النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضاً.

وقال الزمخشري عن الحسن : إن المعنى هو: لا تقتلوا إخوانكم.

ففي الإجماع الذي نقله ابن عطية رحمه الله فيه نظر.

قال أبو حيان : وعلى هذا المعنى أضاف القتل إلى أنفسهم؛ لأنهم كنفس واحدة أو من جنس واحد.

قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29]، أي: فيما أمركم به أو نهاكم عنه، وما نهاكم عما يضركم إلا رحمة بكم.

وقيل: بل المعنى: أنه سبحانه أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم، (وكان بكم) يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم (رحيماً)؛ حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة.

النهي عن قتل النفس وأكل المال بالباطل

إن هذه الآية المباركة تضمنت أمرين عظيمين ونهت عنهما، وأحدهما أعظم من الآخر: النهي عن قتل النفس، والنهي عن أكل المال بالباطل.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )، رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال عليه الصلاة والسلام: ( كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخذ سكيناً ونحر بها يده فما رق الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة )، رواه الشيخان من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه الشيخان.

القراءات: قرأ عاصم و حمزة و الكسائي و خلف العاشر : (تجارة)، بنصب التاء. على أن (كان) ناقصة، واسمها ضمير يعود على الأموال، و(تجارة) خبرها، فالتقدير: إلا أن تكون الأموال تجارة.

وقرأ الباقون: (تجارة) برفع التاء على أن (كان) تامة تكتفي بمرفوعها، والتقدير: إلا أن تحدث أو تقع تجارة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، قال المسلمون: إن الله نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالنا فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكيف للناس؟ فأنزل الله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ [النور:61].. الآية.

إن هذه الآية المباركة فيها بيان لبعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس إثر بيان تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة، وفي الآية إشارة إلى كمال العناية بالحكم المذكور.

معاني المفردات:

قول الله عز وجل: لا تَأْكُلُوا [النساء:29]، الأكل مجاز في الانتفاع بالشيء انتفاعاً تاماً لا يعود معه إلى الغير، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها إلى أربابها.

قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في قالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيل على الربا.

ومن أكل الأموال بالباطل: أكل مال اليتيم: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً [النساء:10]، وكذلك الرشوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش )، والحديث رواه الترمذي و أبو داود و ابن ماجه والإمام أحمد في المسند.

ومن أكل أموال الناس بالباطل: احتكار الضرورات لإغلائها، وبيع ما ليس يباع كالعرض والذمة والخلق والدين والضمير.

قوله تعالى: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، هذا استثناء منقطع، كأنه سبحانه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في الأموال، لكن المتاجرة المشروعة كعقد المضاربة والمشاركة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، وهذا الاستثناء كما في قوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، وكقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدخان:56].

والتجارة في اللغة: المعاوضة، ومنه الأجر الذي يعطيه الباري سبحانه للعبد عوضاً عن الأعمال الصالحة التي هي بعض من فعله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10]، وقال تعالى: يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29].

قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل.

قال ابن عطية رحمه الله تعالى: وأجمع المتأولون أن القصد هو: النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضاً.

وقال الزمخشري عن الحسن : إن المعنى هو: لا تقتلوا إخوانكم.

ففي الإجماع الذي نقله ابن عطية رحمه الله فيه نظر.

قال أبو حيان : وعلى هذا المعنى أضاف القتل إلى أنفسهم؛ لأنهم كنفس واحدة أو من جنس واحد.

قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29]، أي: فيما أمركم به أو نهاكم عنه، وما نهاكم عما يضركم إلا رحمة بكم.

وقيل: بل المعنى: أنه سبحانه أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم، (وكان بكم) يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم (رحيماً)؛ حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة.