تفسير سورة يس [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

العهد الذي عهده الله لبني آدم

يقول الله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60].

هذا توبيخ وتقريع من ربنا جل جلاله للكفار والفجار الذين فارقوا الصراط المستقيم، وأطاعوا الشيطان الرجيم، يقول الله عز وجل لهم: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ، العهد هو الوصية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي لما سأله: ( هل بقي علي شيء من بر أبوي بعد موتهما؟ فقال: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( وإنفاذ عهدهما )، أي: وصيتهما.

أي: ألم أوصكم؟ ألم آمركم يا بني آدم على ألسنة رسلي ألا تعبدوا الشيطان؟ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ))، أي: لا تطيعوا الشيطان، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))، فعداوته ظاهرة، وقد بدأت منذ أن خلق الله أباكم عليه السلام، وأمر إبليس بالسجود له فأبى، ووسوس لأبينا وأمنا حتى أخرجهما من الجنة كما قال الله عز وجل: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[البقرة:36]، وقال سبحانه: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]، وقال سبحانه: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[البقرة:36]، فعداوة الشيطان لابن آدم ظاهرة؛ كما قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

إذاً قوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس:60] أي: ألم آمركم وأوصكم، يَا بَنِي آدَمَ[يس:60]، يا من تتذكرون تاريخ الشيطان مع أبيكم، ألا تعبدوا هذا الشيطان الرجيم؛ لأن عداوته لكم ظاهرة مفضوحة، وقد تقدم معنا أن كلمة: (الشيطان) مشتقة من شطن إذا بعد، تقول العرب: بئر شطون إذا كان قعرها بعيداً، وسمي الشيطان شيطاناً؛ لأنه بعيد من رحمة الله عز وجل، وقيل: بل سمي شيطاناً من شاط إذا احترق.

قال تعالى: وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:61]، أي: وقد عهدت إليكم على ألسنة رسلي أن تعبدوني، وأن تطيعوني، وأن تلتزموا أمري وتجتنبوا نهيي؛ لأن هذا هو الصراط المستقيم، والطريق الواضح البين، الذي يوصلكم إلى رضوان الله عز وجل.

معنى (الجبل) في قوله تعالى: (ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً)

ثم يقول سبحانه: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً[يس:62]، هذا الشيطان، هذا اللئيم، هذا العدو المبين، كان سبباً في ضلال خلق كثير. و(الجبل) الخلق، ومنه قول الله عز وجل: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ [الشعراء:184]، يقال: جبل الله الناس أي: خلقهم.

وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ))، هذه قراءة عاصم ونافع ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : ولقد أضل منكم جبلاً، (جبلاً) بضمتين، وقرأ عبد الله بن عامر و أبو عمرو بن العلاء البصري : ولقد أضل منكم جبلاً، بضم فسكون، وكلها بمعنى واحد وهو الخلق، ولقد أضل منكم خلقاً كثيراً.

تربص الشيطان ببني آدم

وهذا المعنى مذكور في قول الله عز وجل في سورة الأعراف، لما قال الله عز وجل: اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:18]، هذا الخبيث توعد، وقال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]، أي: على صراطك المستقيم، ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]، وفي سورة الإسراء قال تعالى: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:62]، لأَحْتَنِكَنَّ))، لأجرنهم من الحنك، صنيع الإنسان بالدابة، الشيطان يتوعد آدم الذي طرد من رحمة الله بسببه، سيكون سبباً في غواية ذريته، لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:62].

وفي سورة الحجر: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40]، وهذا الوعيد وللأسف، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، أكثر الناس أتباع لإبليس، يطيعونه ويتبعون خطواته ويسلكون دروبه ويسلكون سلوكهP بل بعض الناس -والعياذ بالله- تفوق على إبليس، كما قال القائل:

وكنت من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

أي أن إبليس نفسه صار تابعاً له.

فالله عز وجل يذكرنا بهذا العهد الذي قطعه علينا ونحن في صلب أبينا آدم، حين أخرجنا ونثرنا بين يديه كالذر، وأخذ علينا الميثاق: قال تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا[الأعراف:172]، ثم ما تركنا جل جلاله لذلك العهد القديم؛ بل أرسل رسله تترى، رسولاً إثر رسول، يذكروننا، ويبشروننا، وينذروننا، ويأمروننا وينهوننا، قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، لكن للأسف إبليس استولى على جملة الخلق.

وقوله تعالى: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:62]، أي: أما كانت عندكم عقول حين اتبعتم هذا الشيطان، هذا العدو المبين؟! فالعاقل لا يتبع عدوه أبداً؛ بل يجانب طريقه ويفارق سبيله، وهذا كله تقريع وتوبيخ يوم القيامة.

يقول الله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60].

هذا توبيخ وتقريع من ربنا جل جلاله للكفار والفجار الذين فارقوا الصراط المستقيم، وأطاعوا الشيطان الرجيم، يقول الله عز وجل لهم: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ، العهد هو الوصية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي لما سأله: ( هل بقي علي شيء من بر أبوي بعد موتهما؟ فقال: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( وإنفاذ عهدهما )، أي: وصيتهما.

أي: ألم أوصكم؟ ألم آمركم يا بني آدم على ألسنة رسلي ألا تعبدوا الشيطان؟ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ))، أي: لا تطيعوا الشيطان، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))، فعداوته ظاهرة، وقد بدأت منذ أن خلق الله أباكم عليه السلام، وأمر إبليس بالسجود له فأبى، ووسوس لأبينا وأمنا حتى أخرجهما من الجنة كما قال الله عز وجل: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[البقرة:36]، وقال سبحانه: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]، وقال سبحانه: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[البقرة:36]، فعداوة الشيطان لابن آدم ظاهرة؛ كما قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

إذاً قوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس:60] أي: ألم آمركم وأوصكم، يَا بَنِي آدَمَ[يس:60]، يا من تتذكرون تاريخ الشيطان مع أبيكم، ألا تعبدوا هذا الشيطان الرجيم؛ لأن عداوته لكم ظاهرة مفضوحة، وقد تقدم معنا أن كلمة: (الشيطان) مشتقة من شطن إذا بعد، تقول العرب: بئر شطون إذا كان قعرها بعيداً، وسمي الشيطان شيطاناً؛ لأنه بعيد من رحمة الله عز وجل، وقيل: بل سمي شيطاناً من شاط إذا احترق.

قال تعالى: وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:61]، أي: وقد عهدت إليكم على ألسنة رسلي أن تعبدوني، وأن تطيعوني، وأن تلتزموا أمري وتجتنبوا نهيي؛ لأن هذا هو الصراط المستقيم، والطريق الواضح البين، الذي يوصلكم إلى رضوان الله عز وجل.

ثم يقول سبحانه: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً[يس:62]، هذا الشيطان، هذا اللئيم، هذا العدو المبين، كان سبباً في ضلال خلق كثير. و(الجبل) الخلق، ومنه قول الله عز وجل: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ [الشعراء:184]، يقال: جبل الله الناس أي: خلقهم.

وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ))، هذه قراءة عاصم ونافع ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : ولقد أضل منكم جبلاً، (جبلاً) بضمتين، وقرأ عبد الله بن عامر و أبو عمرو بن العلاء البصري : ولقد أضل منكم جبلاً، بضم فسكون، وكلها بمعنى واحد وهو الخلق، ولقد أضل منكم خلقاً كثيراً.

وهذا المعنى مذكور في قول الله عز وجل في سورة الأعراف، لما قال الله عز وجل: اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:18]، هذا الخبيث توعد، وقال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]، أي: على صراطك المستقيم، ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]، وفي سورة الإسراء قال تعالى: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:62]، لأَحْتَنِكَنَّ))، لأجرنهم من الحنك، صنيع الإنسان بالدابة، الشيطان يتوعد آدم الذي طرد من رحمة الله بسببه، سيكون سبباً في غواية ذريته، لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:62].

وفي سورة الحجر: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40]، وهذا الوعيد وللأسف، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، أكثر الناس أتباع لإبليس، يطيعونه ويتبعون خطواته ويسلكون دروبه ويسلكون سلوكهP بل بعض الناس -والعياذ بالله- تفوق على إبليس، كما قال القائل:

وكنت من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

أي أن إبليس نفسه صار تابعاً له.

فالله عز وجل يذكرنا بهذا العهد الذي قطعه علينا ونحن في صلب أبينا آدم، حين أخرجنا ونثرنا بين يديه كالذر، وأخذ علينا الميثاق: قال تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا[الأعراف:172]، ثم ما تركنا جل جلاله لذلك العهد القديم؛ بل أرسل رسله تترى، رسولاً إثر رسول، يذكروننا، ويبشروننا، وينذروننا، ويأمروننا وينهوننا، قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، لكن للأسف إبليس استولى على جملة الخلق.

وقوله تعالى: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:62]، أي: أما كانت عندكم عقول حين اتبعتم هذا الشيطان، هذا العدو المبين؟! فالعاقل لا يتبع عدوه أبداً؛ بل يجانب طريقه ويفارق سبيله، وهذا كله تقريع وتوبيخ يوم القيامة.