تفسير سورة نوح [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

الغرض من الإتيان بلفظ الجمع في قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحاً)

يقول الله عز وجل -بسم الله الرحمن الرحيم-: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ[نوح:1]، (إنا): الله جل جلاله يعظم نفسه، كما مضى معنا في خواتيم سورة المعارج قول ربنا جل جلاله: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ[المعارج:40-41]، فربنا جل جلاله يتحدث عن نفسه بضمير العظمة، وهو أعظم من كل عظيم.

(أَرْسَلْنَا نُوحاً)، (نوحاً): اسم أعجمي مشتق من مادة: النوح، يعني كان كثير البكاء من خشية الله عز وجل.

المراد بقوم الرجل والحكمة من إرسال كل نبي إلى قومه

إِلَى قَوْمِهِ[نوح:1]، (إلى قومه) أي: عشيرته وجماعته وقرابته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة )، فما أرسل الله عز وجل نبياً إلا وهو من قومه، كما قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ[إبراهيم:4].

ولأن الإنسان إذا كان من القوم أنفسهم كان ذلك أدعى للقبول؛ لأنه ليس بمتهم عندهم، وهو نشأ بين ظهرانيهم وترعرع في أرضهم، يعرفون مبتدأه وأوله وسيرته وتاريخه، بخلاف ما لو أن إنساناً غريباً طرأ على قوم فإنهم يتشككون في أمره ويستريبون في خبره، فالله عز وجل أرسل نوحاً إلى قومه.

وبين ربنا جل جلاله أنه أرسل رسلاً إلى كل قوم، كما قال سبحانه: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ[فاطر:24]، وقال: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[الرعد:7].

فحوى رسالة نوح عليه السلام

كان فحوى رسالة نوح أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[نوح:1]، يا نوح! أنذر هؤلاء الناس الذين أشركوا بالله عز وجل ما لم ينزل به سلطاناً، وأسرفوا على أنفسهم، من قبل أن تحل بهم عقوبة الله عز وجل، ومضى معنا الكلام مراراً في أن كلمة العذاب في أصل اللغة معناها: الحبس، ومنه سمي الماء العذب عذباً؛ لأنه حبس حتى صفا.

و(أَلِيمٌ)، أي: مؤلم، فعيل بمعنى: مفعل، كنذير بمعنى: منذر، وسميع بمعنى: مسمع.

وهذا العذاب الأليم في الدنيا يكون بتنغيص العيش وتكدير الصفو، أو بنزول العقوبة، سواء كانت عقوبة بالغرق، أو عقوبة بالخسف، أو عقوبة بالمسخ، أو عقوبة بالقذف، أو عقوبة بالصيحة.. فهذه كلها عقوبات، أنزلها الله عز وجل بالقوم المكذبين.

استجابة نوح في إنفاذ ما أمر الله به من إنذار قومه

ونوح عليه السلام لم يتأخر في إنفاذ أمر الله عز وجل، مثلما فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أنزل الله عليه قوله: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[الشعراء:214]، ما تأخر عليه الصلاة والسلام، وقام على الصفا ونادى: ( يا بني عبد مناف ! يا بني كعب بن لؤي ! يا بني مخزوم! يا بني تيم! إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تملكوا بها العرب والعجم )، والله عز وجل قال له: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ[الحج:49].

فهنا نوح عليه السلام ما تأخر، قام في قومه: قَالَ يَا قَوْمِ[نوح:2]، ونلاحظ النداء: (يَا قَوْمِ)، يتحبب إليهم عليه الصلاة والسلام، قال: يا أيها الناس! ولم يقل: يا بني آدم! وإنما: (يَا قَوْمِ)؛ من أجل أن يعطف قلوبهم عليه، ويرخوا أسماعهم إلى ما يقول، إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ[نوح:2]، أي: منذر، وبين ربنا جل جلاله أنه بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء:165].

و(مبين) إما أن تكون من: (أبان) المتعدي، أي: أبين لكم عن الله عز وجل، وإما أن تكون من (بان) اللازم، ومعنى (مبين) أي: نذير واضح، ليس في حياتي لبس ولا غموض، ولا في شخصيتي ما يثير ريبتكم، وكلاهما صحيح، فهو عليه الصلاة والسلام رجل واضح، لا يسأل الناس أجراً، ولا يطلب منهم منفعة دنيوية، فسيرته ناصعة، وصفحته بيضاء، وفي الوقت نفسه هو يبلغ عن الله البلاغ المبين.

يقول الله عز وجل -بسم الله الرحمن الرحيم-: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ[نوح:1]، (إنا): الله جل جلاله يعظم نفسه، كما مضى معنا في خواتيم سورة المعارج قول ربنا جل جلاله: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ[المعارج:40-41]، فربنا جل جلاله يتحدث عن نفسه بضمير العظمة، وهو أعظم من كل عظيم.

(أَرْسَلْنَا نُوحاً)، (نوحاً): اسم أعجمي مشتق من مادة: النوح، يعني كان كثير البكاء من خشية الله عز وجل.

إِلَى قَوْمِهِ[نوح:1]، (إلى قومه) أي: عشيرته وجماعته وقرابته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة )، فما أرسل الله عز وجل نبياً إلا وهو من قومه، كما قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ[إبراهيم:4].

ولأن الإنسان إذا كان من القوم أنفسهم كان ذلك أدعى للقبول؛ لأنه ليس بمتهم عندهم، وهو نشأ بين ظهرانيهم وترعرع في أرضهم، يعرفون مبتدأه وأوله وسيرته وتاريخه، بخلاف ما لو أن إنساناً غريباً طرأ على قوم فإنهم يتشككون في أمره ويستريبون في خبره، فالله عز وجل أرسل نوحاً إلى قومه.

وبين ربنا جل جلاله أنه أرسل رسلاً إلى كل قوم، كما قال سبحانه: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ[فاطر:24]، وقال: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[الرعد:7].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث 2766 استماع
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع 2661 استماع
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول 2648 استماع
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] 2530 استماع
تفسير سورة يس [8] 2519 استماع
تفسير سورة يس [4] 2471 استماع
تفسير سورة يس [6] 2464 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] 2232 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع 2208 استماع
مقدمة في تفسير القرآن الكريم [1] 2165 استماع