تفسير سورة النور - الآيات [23-26]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:23-26].

فهذه الآيات المباركات جاءت في ختام الحديث عن قصة الإفك، التي ابتلى الله بها عبده ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وعباده الصالحين من أمثال عائشة و أبي بكر و أم رومان و صفوان بن المعطل رضوان الله عليهم أجمعين.

وقد بين ربنا جل جلاله فيما مضى من الآيات أن هذا حديث مختلق، مؤتفك، مكذوب، وأن عائشة رضي الله عنها بريئة مما قال أهل الإفك.

جزاء من يرمي المحصنات

قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، وقد بين ربنا جل جلاله فيما مضى جزاء من يرمي محصنة في الدنيا، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[النور:4].

وهاهنا يبين جل جلاله ما أعد الله لهم من العذاب في الآخرة، قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وهذا محمول على ما لو أنهم لم يتوبوا، يعني: من قذف ثم لم يتب، فإنه يجمع له بين عذاب الدنيا والآخرة، أما من تاب فإن الله عز وجل يتوب على من تاب، وقال بعض أهل التفسير: هذه الآية مخصوصة بأهل النفاق، من أمثال عبد الله بن أبي ابن سلول ، فإنه لعنه الله قد رمى أم المؤمنين ومعها صفوان ، وهو مستحل لذلك؛ من أجل أن ينفس عن مكنون صدره، وما يحمله من حقد تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غرو أن يجمع الله له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وقال القرطبي رحمه الله: لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا ، في الدنيا بما يكون لهم من جلد الظهور، ورد الشهادة، والوصم بالفسق، والاستيحاش من إعراض المؤمنين، فإن المؤمنين يعرضون عنهم، ولا يلتفتون إليهم من باب الزجر والتأديب، لكن يبقى الإشكال في قول ربنا: وَالآخِرَةِ ؛ ولذلك الأقرب والعلم -عند الله تعالى- أن يقال: بأن هذا محمول على من لم يتب.

معنى الرمي في قوله تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات)

يقول سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ[النور:4]، تقدم معنا في معنى الرمي أنه يطلق على الرمي بالمحسوس، كالرمي بالحجر، ويطلق على التهمة، ومنه قول القائل:

رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني

رماني بأمر، أي: قذفني وأساء إلي.

والرمي في هذه الآية كسابقتها مقصود به الرمي بفاحشة توجب حداً، أو نفي النسب، فالرمي هنا مقصود به خصوص القذف.

معاني الإحصان في القرآن الكريم

قوله: الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، تقدم معنا الكلام أن الإحصان في القرآن أطلق على ثلاثة معان:

المعنى الأول: العفة، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ[النور:4]، بدليل قوله تعالى بعدها: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[النور:4]، والسياق يدل على أن المراد بالإحصان هنا ما كان ضد الفاحشة، وهو العفة.

المعنى الثاني: الزواج، ومنه قول الله عز وجل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ[النساء:23]، إلى أن قال: والمحصنات من المؤمنات، بمعنى المتزوجات.

المعنى الثالث: الحرية، ومنه قول الله عز وجل: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ[النساء:25]، أي: نصف ما على الحرائر من العذاب، فالأمة إذا زنت أو العبد إذا زنى فإنه يجلد خمسين جلدة.

المراد بالغفلة في قوله تعالى: (المحصنات الغافلات)

قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ[النور:23]، (الغافلات)، أي: غافلات عن الفاحشة، لا يفكرن فيها ولا تخطر لهن على بال، وهذا على سبيل المدح، ومنه قول القائل:

ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها

لم يقصد بالبله هنا التخلف العقلي، أو عدم الحضور الذهني، وإنما قصد بالبله هنا ليس عندها ما يكون عند كثير من النساء، من المكر والدهاء وعظم الكيد وما إلى ذلك، ومنه قول الآخر:

عهدت بها هنداً وهند غريرة عن الفحش بلهاء العشاء نئوم

رداح الضحى ميالة بخترية لها منطق يسبي الحليم رخيم

عهدت بها هنداً وهند غريرة، لا يقصد هنا ذمها، وإنما يقصد مدحها.

فقول ربنا جل جلاله: الْغَافِلاتِ، أي: غافلات عن الفاحشة، لا يفكرن فيها، ولا يلتفتن إليها.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا[النور:23].

واللعن: الطرد من رحمة الله عز وجل، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ[النور:23]، والحديث الذي رواه الإمام الطبراني : عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة )، والقذف من كبائر الذنوب؛ بنص حديث أبي هريرة في الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).

وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، أما العذاب العظيم في الدنيا فبجلد ظهورهم بمحضر من المؤمنين، كما قال ربنا: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، وفي هذا مهانة لهم وإذلال؛ من أجل أن يتعلموا كف ألسنتهم، ومنع شرهم عن المؤمنين والمؤمنات، وقد أجمع أهل العلم على أن حكم الرجال كحكم الإناث، فقول ربنا جل جلاله: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا[النور:23]، هي في نفس معنى: إن الذين يرمون المحصنين الغافلين المؤمنين، فقذف الرجال كقذف النساء ولا فرق.

وقال بعضهم: بأن المحصنات هنا وصف للفروج، في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ[النور:4]، أي: يرمون الفروج المحصنات.

وبعضهم قالوا: وصف للأنفس، أي: والذين يرمون الأنفس المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، وهذا ما يسميه الأصوليون: الإلحاق بنفي الفارق، أي: لا فرق بين قذف مؤمن وقذف مؤمنة.

قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، وقد بين ربنا جل جلاله فيما مضى جزاء من يرمي محصنة في الدنيا، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[النور:4].

وهاهنا يبين جل جلاله ما أعد الله لهم من العذاب في الآخرة، قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وهذا محمول على ما لو أنهم لم يتوبوا، يعني: من قذف ثم لم يتب، فإنه يجمع له بين عذاب الدنيا والآخرة، أما من تاب فإن الله عز وجل يتوب على من تاب، وقال بعض أهل التفسير: هذه الآية مخصوصة بأهل النفاق، من أمثال عبد الله بن أبي ابن سلول ، فإنه لعنه الله قد رمى أم المؤمنين ومعها صفوان ، وهو مستحل لذلك؛ من أجل أن ينفس عن مكنون صدره، وما يحمله من حقد تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غرو أن يجمع الله له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وقال القرطبي رحمه الله: لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا ، في الدنيا بما يكون لهم من جلد الظهور، ورد الشهادة، والوصم بالفسق، والاستيحاش من إعراض المؤمنين، فإن المؤمنين يعرضون عنهم، ولا يلتفتون إليهم من باب الزجر والتأديب، لكن يبقى الإشكال في قول ربنا: وَالآخِرَةِ ؛ ولذلك الأقرب والعلم -عند الله تعالى- أن يقال: بأن هذا محمول على من لم يتب.

يقول سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ[النور:4]، تقدم معنا في معنى الرمي أنه يطلق على الرمي بالمحسوس، كالرمي بالحجر، ويطلق على التهمة، ومنه قول القائل:

رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني

رماني بأمر، أي: قذفني وأساء إلي.

والرمي في هذه الآية كسابقتها مقصود به الرمي بفاحشة توجب حداً، أو نفي النسب، فالرمي هنا مقصود به خصوص القذف.

قوله: الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، تقدم معنا الكلام أن الإحصان في القرآن أطلق على ثلاثة معان:

المعنى الأول: العفة، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ[النور:4]، بدليل قوله تعالى بعدها: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[النور:4]، والسياق يدل على أن المراد بالإحصان هنا ما كان ضد الفاحشة، وهو العفة.

المعنى الثاني: الزواج، ومنه قول الله عز وجل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ[النساء:23]، إلى أن قال: والمحصنات من المؤمنات، بمعنى المتزوجات.

المعنى الثالث: الحرية، ومنه قول الله عز وجل: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ[النساء:25]، أي: نصف ما على الحرائر من العذاب، فالأمة إذا زنت أو العبد إذا زنى فإنه يجلد خمسين جلدة.

قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ[النور:23]، (الغافلات)، أي: غافلات عن الفاحشة، لا يفكرن فيها ولا تخطر لهن على بال، وهذا على سبيل المدح، ومنه قول القائل:

ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها

لم يقصد بالبله هنا التخلف العقلي، أو عدم الحضور الذهني، وإنما قصد بالبله هنا ليس عندها ما يكون عند كثير من النساء، من المكر والدهاء وعظم الكيد وما إلى ذلك، ومنه قول الآخر:

عهدت بها هنداً وهند غريرة عن الفحش بلهاء العشاء نئوم

رداح الضحى ميالة بخترية لها منطق يسبي الحليم رخيم

عهدت بها هنداً وهند غريرة، لا يقصد هنا ذمها، وإنما يقصد مدحها.

فقول ربنا جل جلاله: الْغَافِلاتِ، أي: غافلات عن الفاحشة، لا يفكرن فيها، ولا يلتفتن إليها.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا[النور:23].

واللعن: الطرد من رحمة الله عز وجل، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ[النور:23]، والحديث الذي رواه الإمام الطبراني : عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة )، والقذف من كبائر الذنوب؛ بنص حديث أبي هريرة في الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).

وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، أما العذاب العظيم في الدنيا فبجلد ظهورهم بمحضر من المؤمنين، كما قال ربنا: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، وفي هذا مهانة لهم وإذلال؛ من أجل أن يتعلموا كف ألسنتهم، ومنع شرهم عن المؤمنين والمؤمنات، وقد أجمع أهل العلم على أن حكم الرجال كحكم الإناث، فقول ربنا جل جلاله: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا[النور:23]، هي في نفس معنى: إن الذين يرمون المحصنين الغافلين المؤمنين، فقذف الرجال كقذف النساء ولا فرق.

وقال بعضهم: بأن المحصنات هنا وصف للفروج، في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ[النور:4]، أي: يرمون الفروج المحصنات.

وبعضهم قالوا: وصف للأنفس، أي: والذين يرمون الأنفس المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، وهذا ما يسميه الأصوليون: الإلحاق بنفي الفارق، أي: لا فرق بين قذف مؤمن وقذف مؤمنة.