دور الشباب


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأهبطه إلى هذه الأرض للاستخلاف فيها، وتحقيق العبودية له سبحانه وتعالى فيها، وقد مر في خلقه بتسعة أطوار بينها في كتابه بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[المؤمنون:12-16].

وقد جعل له خمسة أعمار:

العمر الأول: عمر الذر، الذي ابتدأ عندما مسح الله ظهر آدم ببطن نعمان، فأخرج منه ذرية، فقال آدم: ( أي رب! من هؤلاء؟ قال: خلقٌ من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره ثانية فأخرج منه ذرية، فقال آدم: أي رب! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم من نار وبعمل أهل النار يعملون، ثم جمعهم فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا )، فهذا العمر ابتدأ فيه خلق الإنسان حين أخرج من ظهر آدم وخوطب بهذا الخطاب الرباني، وناداه ربه سبحانه وتعالى كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان.

ثم بعد ذلك أعيد الإنسان إلى الأصلاب، واستمر هذا العمر إلى أن يخرج الإنسان من الأرحام.

وعمره الثاني: ببقائه فوق هذه الأرض مدة حياته، وهو عمر التكليف.

والعمر الثالث: بقاؤه في بطن الأرض، في البرزخ بعد الدفن.

والعمر الرابع: بقاؤه فوق الساهرة في المحشر، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[الحج:47].

والعمر الخامس: بقاؤه السرمدي الأبدي في جنة أو في نار، وهذا العمر الخامس هو عمر الجزاء المرتب على عمر العمل.

ثم إن قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ[المؤمنون:14]، المقصود بهذه المرحلة من مراحل خلق الإنسان: تناميه منذ ميلاده، يبدأ بالضعف ثم بعده إلى القوة، ثم بعدها إلى الضعف والشيبة، وهذا التدرج هو المشار إليه بقوله: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[المؤمنون:14].

قابلية الإنسان للخير والشر

هذا العمر الذي يبتدئ بالضعف، يبتدئ كذلك بالقابلية، فالإنسان فيه قابل للخير والشر، وقد ألهمه الله سبحانه وتعالى مصالحه الدنيوية، وفطره الفطرة السليمة التي تقتضي منه العبودية، فالإنسان مفطور على العبودية، لا يمكن أن ينطلق من مبدأه الصحيح، فيقول: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[النازعات:24]، كما قال فرعون، بل لا بد إذا ولد الإنسان أن يبحث عن رب يعبده، فإن هدي لعبادة ربه سبحانه وتعالى عبده، وإلا بحث عن معبودٍ آخر يعبده من دونه نسأل الله الهداية والتوفيق، وإذا خالف الإنسان الفطرة وزايل ما كان عليه من الأصل، فحينئذٍ سيخرج من هذا التصور السليم الصحيح، وسيبحث لنفسه عن مكانةٍ لا يستحقها في هذا العالم.

ثم من تمام فطرته كذلك أنه في الأصل مفطور على تنزيه الإله عن العوارض البشرية، وعن الإيمان بعلوه فوق خلقه، فهذا فرعون رغم انتكاسته ورجوع فطرته، مع ذلك يقول: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ[غافر:36] أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا[غافر:37]، فلم يبحث عنه في السلفي، وإنما بحث عنه في العلوي، وقد بقي معه ذلك من الفطرة.

الاستفادة من الغير

ثم إن مرحلة النشأة هي التي يقبل فيها الإنسان الاستفادة من غيره، فهي التي يكون فيها الإنسان مقلداً باحثاً عن نمو وتطور، وقد جعله الله سبحانه وتعالى مؤلفاً من ثلاثة عناصر هي: العقل الذي شُرّف به على سائر الحيوانات، والبدن الذي هو من تراب، والروح التي هي نفخة الغيب غيبية من أمر الله، وباجتماعها يأتلف هذا الإنسان ويختلط، وقد رتب الدين على هذه العناصر الثلاثة، فالدين ثلاثة عناصر: هي الإيمان الذي هو لمصلحة العقل، والإسلام الذي هو لمصلحة البدن، والإحسان الذي هو لمصلحة الروح، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل أن هذه العناصر الثلاثة هي الدين: قال: (هو جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

قابلية النمو والزيادة

ثم إن هذه الفترة الأولى من حياة الإنسان يكون فيها قابلاً للنمو في هذه العناصر الثلاثة، فبدنه قابل للنمو والزيادة بزيادة الضخامة والقوة، وزيادة المهارة التي يكتسبها، وعقله قابل للنمو والزيادة بزيادة العلم، وروحه قابلة كذلك للنمو بزيادة الخلق وزيادة الصلة بالله سبحانه وتعالى وإحسان العبادة له، فإذا استطاع الإنسان أن يتربى تربية صحيحة في بداية نشأته كان باقي عمره تبعاً لذلك، وإذا بدأ على غير ذلك فإما أن يبدأ بالميل والانحراف، وحينئذٍ سيهتم ببعض الجوانب على حساب بعض، فإن اهتم بتربية بدنه وأهمل عقله وروحه كان كالحيوان البهيمي، وإن اهتم بتربية عقله فقط كان كالفلاسفة الذين أوتوا ذكاء ولم يُعطوا زكاء، وإن اهتم بتربية الروح فقط كان كالسحرة والكهان.

فلا بد إذاً من العناية بهذه العناصر الثلاثة في بداية النشأة والتربية، فإذا تكاملت العناصر أصبح الإنسان شاباً.

هذا العمر الذي يبتدئ بالضعف، يبتدئ كذلك بالقابلية، فالإنسان فيه قابل للخير والشر، وقد ألهمه الله سبحانه وتعالى مصالحه الدنيوية، وفطره الفطرة السليمة التي تقتضي منه العبودية، فالإنسان مفطور على العبودية، لا يمكن أن ينطلق من مبدأه الصحيح، فيقول: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[النازعات:24]، كما قال فرعون، بل لا بد إذا ولد الإنسان أن يبحث عن رب يعبده، فإن هدي لعبادة ربه سبحانه وتعالى عبده، وإلا بحث عن معبودٍ آخر يعبده من دونه نسأل الله الهداية والتوفيق، وإذا خالف الإنسان الفطرة وزايل ما كان عليه من الأصل، فحينئذٍ سيخرج من هذا التصور السليم الصحيح، وسيبحث لنفسه عن مكانةٍ لا يستحقها في هذا العالم.

ثم من تمام فطرته كذلك أنه في الأصل مفطور على تنزيه الإله عن العوارض البشرية، وعن الإيمان بعلوه فوق خلقه، فهذا فرعون رغم انتكاسته ورجوع فطرته، مع ذلك يقول: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ[غافر:36] أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا[غافر:37]، فلم يبحث عنه في السلفي، وإنما بحث عنه في العلوي، وقد بقي معه ذلك من الفطرة.

ثم إن مرحلة النشأة هي التي يقبل فيها الإنسان الاستفادة من غيره، فهي التي يكون فيها الإنسان مقلداً باحثاً عن نمو وتطور، وقد جعله الله سبحانه وتعالى مؤلفاً من ثلاثة عناصر هي: العقل الذي شُرّف به على سائر الحيوانات، والبدن الذي هو من تراب، والروح التي هي نفخة الغيب غيبية من أمر الله، وباجتماعها يأتلف هذا الإنسان ويختلط، وقد رتب الدين على هذه العناصر الثلاثة، فالدين ثلاثة عناصر: هي الإيمان الذي هو لمصلحة العقل، والإسلام الذي هو لمصلحة البدن، والإحسان الذي هو لمصلحة الروح، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل أن هذه العناصر الثلاثة هي الدين: قال: (هو جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

ثم إن هذه الفترة الأولى من حياة الإنسان يكون فيها قابلاً للنمو في هذه العناصر الثلاثة، فبدنه قابل للنمو والزيادة بزيادة الضخامة والقوة، وزيادة المهارة التي يكتسبها، وعقله قابل للنمو والزيادة بزيادة العلم، وروحه قابلة كذلك للنمو بزيادة الخلق وزيادة الصلة بالله سبحانه وتعالى وإحسان العبادة له، فإذا استطاع الإنسان أن يتربى تربية صحيحة في بداية نشأته كان باقي عمره تبعاً لذلك، وإذا بدأ على غير ذلك فإما أن يبدأ بالميل والانحراف، وحينئذٍ سيهتم ببعض الجوانب على حساب بعض، فإن اهتم بتربية بدنه وأهمل عقله وروحه كان كالحيوان البهيمي، وإن اهتم بتربية عقله فقط كان كالفلاسفة الذين أوتوا ذكاء ولم يُعطوا زكاء، وإن اهتم بتربية الروح فقط كان كالسحرة والكهان.

فلا بد إذاً من العناية بهذه العناصر الثلاثة في بداية النشأة والتربية، فإذا تكاملت العناصر أصبح الإنسان شاباً.

هذه المرحلة من مراحل العمر مرحلة خطرة؛ لأن قوة الإنسان فيها وطاقته في أوجها، ولا يمكن أن تستمر على ذلك، بل لا بد أن تبدأ في النقص عندما يصل الإنسان إلى مرحلة الكمال، فإن كل مخلوق لا بد إذا وصل إلى الذروة في كماله أن يبدأ في الانحطاط؛ ولذلك فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3]، بكى، فقيل: وما يبكيك؟ قال: ما كمل شيء إلا نقص، وقد أُنزلت هذه الآية في يوم جمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة، ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم إلا اثنين وثمانين يوماً؛ وبهذا فهم عمر رضي الله عنه أن الدين قد بدأ في النقص، وأول نقص ظهر فيهم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.

وكذلك كل شيءٍ من أمر الدنيا، وقد أخرج البخاري في الصحيح أن القصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تسبقها راحلة، فجاء أعرابي على قعود له أحمر فسابقها فسبقها أو فغلبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)، فكل أمور الدنيا إلى اتضاع مهما بلغت في الارتفاع.

الحاجة إلى التعقل والاستغلال الحسن لطاقة الشباب

على الإنسان أن يحرص على فترة شبابه لاستغلالها في ما لا يمكن أن يعود إليه بعد مزايلته كما قال الحكيم:

ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

فلذلك يحتاج الشباب إلى التعقل في بداية هذه المرحلة ليعلموا أن لديهم فيها طاقة ستزايلهم وستفارقهم، وإذا لم يستغلوها فيما ينفع فستذهب محسوبة عليهم وتذهب هدراً، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أؤتمن على أمر غالٍ ثمنه مربح إذا لم يستغله كان سفيهاً، ومن هنا كان علينا أن نهتم بالعناية بهذه المرحلة، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى العناية بها في قوله: ( لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه فيما عمل به)، فسؤالان هنا يتعلقان بالعمر، أحدهما مختص بالشباب: عن شبابه فيما أبلاه، فالشباب لا بد أن يعقبه البلى والتغير؛ ولذلك قال الماوردي رحمه الله:

أقبل على صلواتك الخمس كم مصبح وعساه لا يمسي

واستقبل اليوم الجديد بتوبة تمحو ذنوب صحيفة الأمس

فليفعلن بوجهك الغض البلى فعل الظلام بصورة الشمس

فكما تشرق الشمس صافية مشرقة ينتابها البلى فتغرب مكسوفة ليس فيها أشعة، فكذلك حال الوجه في بداية نظارته وشبابه، ثم يعود إلى التغير بالهرم أو إلى الموت؛ لهذا كان لزاماً علينا أن نحرص على استغلال هذه الطاقة، قبل فوات الأوان، واستغلالها إنما يتم بمعرفة الإنسان أنه لم يترك سدى، ولا هو بمهمل، بل قد جعله الله سبحانه وتعالى بين نوعين من أنواع الخلائق، نوع أسمى منه وهم الملائكة، كلفهم الله بالتكاليف ولم يسلط عليهم الشهوات، ونوع أدنى منه وهو الحيوان البهيمي، لم يكلفه الله بالتكاليف، وسلط عليه الشهوات، والإنسان بين هذين النوعين، فقد كلفه الله بالتكاليف وسلط عليه الشهوات، فإن هو أدى التكاليف ولم يتبع الشهوات التحق بالصنف الأسمى وهم الملائكة، وإن هو ضيع التكاليف واتبع الشهوات، التحق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[الفرقان:44]، فاحتاج الإنسان إذاً إلى التعقل والتدبر ما دامت هذه القوة معه؛ لئلا تضيع هدراً.

وحاجة الإنسان في هذا ليست مختصة بشخصه، بل هي عامة شاملة، فالطاقة التي جعلها الله فيه ليست مملوكة له، وإنما هي حق مشترك لهذه الأمة، فقد كلف الله البشرية كلها بالاستخلاف في الأرض واستغلالها واستعمارها، فقد استعمرنا الله في هذه الأرض لنغير ما فيها من الخيرات، ولنحقق فيها الحكمة التي من أجلها خلقت، وهي العبودية لله سبحانه وتعالى وحده، والتقيد بأوامر ونواهيه، والقيام بالمصالح في هذه الأرض والقيام بالعدل فيها والقسط، فهذه المهمة النبيلة إذا عرفنا أنها أعظم تكليف لنا، وعرفنا أننا في سفر، قد جئنا غرباء إلى هذه الأرض لسنا من أهلها، وأن التأشيرة محددة في علم الله، مجهولة بالنسبة إلينا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[لقمان:34]، ونحن نعلم أن الألطاف الإلهية محيطة بنا من كل جانب، ومنها أن الأمل أطول من الأجل، فأمل الإنسان طويل يخطط على كثير من المشاريع ويظن أنه سينجزها، ولا يزال مستمرا ًفي الأمد حتى يقطع في ذلك الأجل، فيأتي الموت فيحول دون بقية المشاريع، وقد قال أحد الحكماء قديماً:

ذهب الزمان فلا زمان جمانا وكأنما ما قد كان لم يك كانا

يا من لشيخ قد تطاول عهده أفنى ثلاث عمائم ألوانا

سوداء حالكة وسحق مفوف وأجد ثوباً بعد ذلك هجانا

والموت يأتي بعد ذلك كله وكأنما يعنى بذاك سوانا

معرفة الحقوق والواجبات التي على الشباب لأمتهم

إن هذه المدة على الإنسان فيها حقوق كبيرة لأمته، ومن هنا فإنما يستغلها بداية بمعرفته لمهمته، ثم معرفته لحقوق أمته ثانياً، ثم بعلو همته عن السفساف ثالثاً حتى لا يكون كالحيوان البهيمي.

إن الإنسان إذا شعر بأن عليه حقوقاً عظيمة لله، وأن عليه حقوقاً قد رتبها الله عليه لأمته، وأن الطاقة التي معه ليست ملكاً له، وأن عليه أن يسعى لإعلاء كلمة الله في هذه الأرض، وأن يبذل الجهد في ذلك، وهو يعلم أن جهده سيزايله ويفارقه، فلا بد أن تعلو همته وأن يستغل الوقت ويبادر؛ ولهذا قال علال بن عبد الله الفاسي رحمه الله:

أبعد بلوغ خمسة عشر ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب

ولي نظر عالٍ ونفس أبية مقاماً على هام المجرة تطلب

وعندي آمال أريد بلوغها تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب

ولي أمة منكودة الحظ لم تجد سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب

على أمرها أنفقت دهري تحسراً فما طاب لي طعم ولا لذ مشرب

ولا راق لي نوم وإن نمت ساعة فإني على جمر الغضا أتقلب