خطب ومحاضرات
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [17]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
اسم الله الأعظم: (الله)
فقد تقدم معنا الكلام عن اسم الله الأعظم جل جلاله، وعرفنا أن هذا الاسم الأعظم قد قال بعض أهل العلم فيه بأنه مخفي بين أسماء الله الحسنى, كما أخفيت ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, وساعة الإجابة في يوم الجمعة, والصلاة الوسطى.
وبعض أهل العلم اجتهد في تتبع الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين اسم الله الأعظم؛ وهي كالتالي:
الحديث الأول: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: ( سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفؤاً أحد, فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى ).
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا رجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الحنان المنان, بديع السموات والأرض, يا حي يا قيوم! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد سأل الله باسمه الأعظم ).
الحديث الثالث: حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اسم الله الأعظم في البقرة وآل عمران وطه ), فلو أن الإنسان في دعائه جمع بين هذه الأسماء كلها فقال: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفؤاً أحد, يا حنان يا منان, يا بديع السموات والأرض! يا حي يا قيوم! فيكون قد أدرك اسم الله الأعظم, والله تعالى أعلم.
ثم عرفنا بأن أسماء الله عز وجل توقيفية لا يجوز للعبد أن يخترع لله اسماً باجتهاده, بل يقتصر على ما ورد في الكتاب, أو ثبت في صحيح السنة, وقد اجتهد أهل العلم في استنباطها, كالحافظ ابن حجر وغيره, فاستنبط بعضهم من القرآن واحداً وثمانين اسماً, ومن السنة ثمانية عشر اسماً, تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً, من أحصاها دخل الجنة ).
ومضى معنا الكلام عن أربعة وعشرين اسماً.
ومضى معنا الكلام عن الاسم الأعظم وهو: (الله), وذكرنا بأن الرازي وكذلك ابن القيم و الطحاوي أبو جعفر رحمهم الله قالوا بأن الاسم الأعظم هو الله؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع؛ ولأن المشركين كانوا مقرين به؛ قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ[لقمان:25]؛ وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ[الزخرف:87] وقال تعالى: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ[المؤمنون:84-85].
ولأن الأسماء كلها تضاف إلى هذا الاسم قال تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الأعراف:180]؛ وقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[البقرة:235]؛ وقال عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة:196].
ولأن هذا الاسم يمكن أن تدخل عليه الألف واللام مع حرف النداء (يا), فلا يقال: يا الرحمن! ولا يقال: يا الرحيم! ولا يقال: يا التواب! لكن يقال: يا ألله! فالألف واللام ثابتة, ومع ذلك يدخل عليها حرف النداء (يا).
اسما الله: (الآخر والأحد)
ثم تكلمنا عن اسم الله (الآخر), وأنه جل جلاله باق بلا انتهاء, ليس بعده شيء, وعن اسمه (الأحد) وأنه أبلغ من الواحد, فهو أحد في ذاته, أحد في أسمائه, أحد في صفاته, وأن اشتراك المخلوقات مع الله عز وجل في بعض الأسماء لا ينافي هذه الأحدية.
أسماء يشترك فيها الخالق والمخلوق
وهناك مثال لأسماء يشترك فيها الخالق مع المخلوق مثل اسم: السميع والبصير, وكما قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[الإنسان:2], والله عز وجل قال: إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا[النساء:58], وكذلك الرءوف والرحيم, فالله عز وجل قال عن نبيه عليه الصلاة والسلام: بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة:128], وقال: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ[غافر:35], وسمى نفسه المتكبر الجبار جل جلاله, ولكن شتان بين مسمى ومسمى, وشتان بين اسم واسم.
فالله حي وأنت حي, لكن حياتك ناقصة, ويعتريها النوم والمرض والموت, أما الله جل جلاله فحياته أبدية سرمدية.
اسما الله: (الأعلى والأكرم)
ومن أسمائه: الأعلى؛ قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى[الأعلى:1], وأنه جل جلاله له العلو المطلق, فسمى نفسه العلي, وسمى نفسه الأعلى, وتقدم معنا بأن العلو على ثلاثة أنواع: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.
ومن أسمائه: (الأكرم)؛ فلا أكرم من الله عز وجل, فسمى الله نفسه الكريم وسمى نفسه الأكرم؛ قال تعالى: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ[الانفطار:6]؛ وقال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق:3]؛ فكرمه جل جلاله ظاهر في كونه.
أسماء الله: (الإله والأول والبارئ والباطن)
ومن أسمائه: (الإله), وهو بمعنى: المألوه، أي: المعبود جل جلاله.
ومن أسمائه: (الأول) أي: ليس قبله شيء, وليس لأوليته ابتداء جل جلاله, ولم يسبقه عدم.
ومن أسمائه: (البارئ) كما قال تعالى: هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ[الحشر:24]؛ وقال تعالى: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ[البقرة:54], من البرء وهو الخلق, فالله عز وجل هو البارئ بمعنى: الخالق.
ومن أسمائه: (الباطن) بالنون ودليله قول الله عز وجل: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ[الحديد:3], وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأنت الباطن فليس دونك شيء ).
والله جل جلاله باطن بمعنى أنه خفي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار, وهو باطن بمعنى: أنه مطلع على بواطن الأمور, يعلم السر وأخفى.
أسماء الله: (البر والبصير والتواب)
ومن أسمائه: (البر)، قال تعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ[الطور:28], وكل أنواع البر ثابتة له سبحانه وتعالى, ومن بره بعباده أنه ينعم عليهم, فيطعمهم ويسقيهم ويعافيهم ويهديهم, ثم إذا عصوه وتمردوا عليه فإنه لا يعاجلهم بالعقوبة؛ بل يمهلهم سبحانه وتعالى.
ومن أسمائه: البصير, فهو بصير بكل المبصرات؛ قال تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى[طه:6], لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ومن أسمائه: التواب؛ فهو تواب على عباده من وجهين: يوفقهم للتوبة أولاً, ثم يقبل منهم التوبة إذا حصلت، قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[التوبة:118]؛ فمعنى قوله: (تاب عليهم) أي: وفقهم للتوبة, ومعنى قوله: (ليتوبوا) أي: من أجل أن تحصل منهم التوبة.
اسما الله: (الجبار والجميل)
ومن أسمائه: (الجبار), فهو جبار من الجبر؛ لأنه يجبر الكسر, حسياً كان أو معنوياً؛ ولذلك كان بعض الصالحين يناجي ربه في سجوده يقول:
يا من ألوذ به في ما أؤمله ومن أعوذ به فيما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره
فالله عز وجل يجبر الكسر, ثم إنه جبار بمعنى أنه يجبر الخلق على ما يريد؛ قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ[الإنسان:30]؛ وقال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40]؛ فهو سبحانه وتعالى جبار.
ومن أسمائه: الجميل؛ وهذا الاسم ثابت بالسنة؛ قال تعالى: ( إن الله جميل يحب الجمال )؛ فهو جميل في ذاته وأسمائه وصفاته, ويحب من خلقه أن يكونوا على هذه الصفة؛ فيكون الواحد منهم جميلاً في خلقته, وفي نظافة ثوبه, وفي طيب ريحه, وفي ترجيله لشعره, وفي قصه أظافره ونحو ذلك.
ثم يكون الواحد جميلاً في أخلاقه وصفاته, وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اهدني لأحسن الأخلاق, لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت ).
أسماء الله: (الحافظ والحسيب والحفيظ)
ومن أسمائه: (الحافظ)؛ قال الله عز وجل: فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[يوسف:64], ومن حفظه للعباد أنه يوكل بهم ملائكة يحفظونهم.
ومن حفظه للعباد أنه يصرف عنهم همزات الشياطين, فإذا قرأت آية الكرسي لا يزال عليك من الله حافظاً حتى تصبح, ومن حفظه كذلك أنه يحفظ عليك أعمالك وأقوالك؛ قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18].
ومن أسمائه: (الحسيب الكافي) جل جلاله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ[الأنفال:64], وقال عز وجل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ[آل عمران:160].
ومن أسمائه: (الحفيظ) وهو في معنى الحافظ.
أسماء الله: (الحق والحكم والحكيم)
ومن أسمائه: (الحق) فوجوده حق، وأسماؤه حق, وأحكامه حق, وقضاؤه حق, وأخباره حق, فالحق متعلق بذاته وبأسمائه وبصفاته وبأحكامه وبوعده ووعيده, وبأخباره جل جلاله, فكلها حق.
ومن أسمائه: (الحكم), وهذا ثابت بالسنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله هو الحكم ), وهذا الحديث سبب وروده: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت كنيته أبا الحكم ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما ذاك؟ فقال: يا رسول الله! إن قومي إذا اختلفوا أتوني فحكمت بينهم فرضوا, قال عليه الصلاة والسلام: ما أحسن هذا! -يعني: أثنى عليه- ثم قال له: ألك أولاد؟ قال: نعم، قال: ما أسماؤهم؟ قال: عبد الله ومسلم وشريح، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريح, قال: فأنت أبو شريح, ثم قال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم ).
وذكرنا بأن حكم الله عز وجل نوعان: حكم كوني قدري, وحكم ديني شرعي.
فالحكم الكوني القدري: كونه خلقنا في هذه الأشكال, أو في هذه الألوان, فمنا الطويل ومنا القصير, ومنا النحيف ومنا البدين, ومنا الأحمر ومنا الأسود, على اختلاف في خلقتنا؛ فهذا حكم قدري, والله عز وجل لا يحاسبنا عليه.
وأما الحكم الشرعي فهو في قوله جل جلاله: هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116].
ومن أسمائه: الحكيم سبحانه وتعالى, وهذا الاسم في القرآن يتكرر كثيراً مقروناً بالعليم, فهو حكيم بمعنى أن أقواله وأفعاله وأحكامه لا تصدر إلا عن حكمة بالغة, ومنزهة عن العبث؛ قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا[المؤمنون:115]؛ وقال عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ[الأنبياء:16].
اسما الله: (الحليم والحميد)
ومن أسمائه جل جلاله: (الحليم)، بمعنى أنه موصوف بالحلم, فرحمته تسبق غضبه, ولا يعاجل العبد بالعقوبة, فالإنسان الذي يكفر بالله فإن الله عز وجل يسمعه ويراه, والإنسان الذي يعصي الله عز وجل فالله مطلع عليه، ومع ذلك فهو سبحانه وتعالى يحلم عليه؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حملت العرش ثمانية, أربعة يقولون: سبحانك على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون: سبحانك على عفوك بعد مقدرتك ).
فالله عز وجل يحلم على العبد مع كونه عالماً بحاله, ويعفو عن العبد مع كونه قادراً على عقوبته.
ومن أسمائه (الحميد), قال الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267], فهو سبحانه حميد على وزن: فعيل, بمعنى: فاعل وبمعنى: مفعول, فهو حميد يحمد للعبد عمله الصالح, ويجزيه عليه, وحميد بمعنى أنه محمود من عباده الصالحين من إنسه وجنه وملائكته، قال تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ[البقرة:30].
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الإكثار من كلمة: الحمد لله إذا أصبحنا, فقال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور), وقال: (الحمد لله الذي رد علي روحي, وعافاني في جسدي, وأذن لي بذكره).
وكذلك علمنا إذا طعمنا طعاماً, أو شربنا شراباً أن نقول: الحمد لله, وكما قال ابن عباس : (الحمد لله) كلمة كل شاكر؛ قالها آدم حين عطس, وقالها نوح؛ كما أمره الله تعالى بقوله: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[المؤمنون:28], وقالها داود وسليمان عليهما السلام، كما قال تعالى عنهما: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ[النمل:15]؛ وقالها: محمد صلى الله عليه وسلم، حين أمره الله تعالى بقوله: وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ[الإسراء:111], وقالها إبراهيم عليه السلام، كما أخبر الله تعالى عنه: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ[إبراهيم:39], وقالها أهل الجنة، كما قال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ[فاطر:34], وكما قال ربنا عز وجل: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[يونس:10].
فعلينا أن نعود ألسنتنا على كلمة: الحمد لله, في السراء والضراء, وفي الصحة والسقم؛ فقد جاء في الحديث: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابته نعمة قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, وإذا أصابه بلاء قال: الحمد لله على كل حال ).
اسما الله: (الحي والحيي)
ومن أسمائه جل جلاله: الحي؛ فهو حي، وحياته كاملة سرمدية أبدية, وليس لحياته بداية ولا نهاية.
ومن أسمائه: (الحيي)؛ وهذا ثابت بالسنة, والحديث في سنن أبي داود ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل حيي ستير, يحب الحياء والستر, فإذا اغتسل أحدكم فليستتر )؛ فعلى الإنسان ألا يغتسل أمام الناس, وإنما يستتر عنهم.
ومعنى الحياء: هو انقباض النفس عن مواقعة القبيح, والقبيح نوعان: قبيح شرعي, وقبيح عرفي, فالإنسان الحيي لا يواقع القبيح عرفياً كان أو شرعياً.
والحيي من أسماء ربنا جل جلاله ونحن نثبت لربنا صفة الحياء على ما يليق بجلاله, مثلما نقول في غيرها من الصفات, فلا نجحد ما وصف الله به نفسه, ولا نشبه صفات ربنا بصفات خلقه, بل هو سبحانه له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى.
فنقول: صفة الحياء ثابتة لربنا على ما يليق بجلاله, لا نكيف ولا نمثل, ولا نجحد ولا نعطل, هذا هو الذي يقال في هذه الصفة.
وقد بين ربنا جل جلاله أنه لا يستحي من الحق؛ فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ[الأحزاب:53], وسبب نزول الآية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها أولم, فجاء بعض الصحابة فأطالوا المكث -أي: جلسوا جلسة طويلة-, وكانت الحجرة ضيقة, فجلست زينب رضي الله عنها ووجهها إلى الحائط, والرسول صلى الله عليه وسلم دخل وخرج ثم دخل وخرج؛ فهو يستحي أن يقول لهم: انصرفوا, فأنزل الله عز وجل هذه الآية فقال: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ[الأحزاب:53], -أي: جلوسكم الطويل- فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ[الأحزاب:53]), عليه الصلاة والسلام, كان من صفاته الحياء, (وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها, وكان إذا كره شيئاً عُرف ذلك في وجهه عليه الصلاة والسلام).
يعني: (كان إذا سر تهلل وجهه كأنه مذهبة), (وكان إذا غضب عليه الصلاة والسلام كأنما تفقأ في وجهه حب الرمان) أي: يحمر وجهه ويتضايق, لكنه (ما كان يواجه أحداً بشيء يكرهه).
حتى ورد أن إنساناً دخل عليه بثياب لا تليق, يعني: كأنها ثياب ما ينبغي أن يلبسها الرجل, فتركه النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرج؛ فقال لأصحابه: ( لو قلتم له يغير هذا ), أي: يغير هذا الثوب, وهذا الحياء من نبينا صلى الله عليه وسلم صفة مدح وكمال.
ولما مر عليه الصلاة والسلام برجل يعظ أخاه في الحياء فقال له: ( دعه؛ فإن الحياء من الإيمان, وإن الحياء لا يأتي إلا بخير ).
اللهم ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين والحمد لله رب العالمين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [21] | 2668 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [19] | 2496 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [8] | 2487 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [10] | 2356 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [12] | 2276 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [23] | 2244 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [1] | 2207 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [2] | 2115 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [16] | 2021 استماع |
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [3] | 2018 استماع |