شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

والحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, عدد خلقه ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار, وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار, وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام حول ذكر ابن أبي زيد رحمه الله قوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[البقرة:255], وعرفنا بأن الشيخ رحمه الله دائماً يضمن كلامه آيات من القرآن, أو ألفاظاً من القرآن؛ لأنها أوقع في القلوب وأدل على المعاني من الكلام المجرد.

وكما سبق معنا أنه قد أتى بأربع جمل من آية الكرسي, وهي قوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ[البقرة:255], بمعنى: أن خلقه لا يعلمون إلا ما شاء الله أن يعلمهم إياه؛ من أمور الدنيا أو الآخرة.

وقوله جل جلاله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ[البقرة:255], عرفنا بأن الكرسي مخلوق من مخلوقات الله العظيمة, وأننا نؤمن به مثلما نؤمن بالعرش, ومثلما نؤمن بسائر ما أخبر به ربنا جل جلاله عن غيبه المكنون, فهذا كله من علم الغيب الذي نؤمن به على ظاهره, ونكل الكيفية إلى ربنا جل جلاله.

وقوله جل جلاله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا[البقرة:255], أي: لا يثقله حفظهما جل جلاله؛ بل كل شيء عند الله هين, وكل شيء عند الله يسير, لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[البقرة:255], اسمان عظيمان من أسماء ربنا جل جلاله, دالان على صفتين عظيمتين: صفة العلو وصفة العظمة, وعرفنا بأن هذا الاسم الكريم (العلي) دال على ثلاثة أنواع من العلو, وهي: علو الذات، وعلو القدر, وعلو القهر، قال تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[الأنعام:18].

وهذا الاسم (العلي) في القرآن تارة يأتي مقترناً بالكبير, كما في قول الله عز وجل: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا[النساء:34], وكما في قول الله عز وجل: قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[سبأ:23].

وتارة يأتي مقترناً بالعظيم كما في هذه الآية وكما في أول سورة الشورى, وتارة يأتي مقترناً بالحكيم كما في خواتيم سورة الشورى: إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ[الشورى:51].

معنى اسم الله (العالم)

ثم قال رحمه الله: [العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير].

قوله: (العالم) معناه: أن الله عز وجل قد أحاط بكل شيئاً علماً, فهو عالم الغيب والشهادة, وهو عالم بالموجودات والمعدومات, والممكنات والمستحيلات, وهو عالم بما كان وما يكون, ولذلك ربنا جل جلاله أخبرنا عن غيبيات ما حضرناها ولا شهدناها, كما في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ[آل عمران:44]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ[يوسف:102]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ[القصص:44]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً[القصص:46].

يعني: أن هذه الحوادث كلها ما شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما كان ليعلم بها لولا أن علمه الله عز وجل إياها؛ ولذلك ربنا جل جلاله يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم لما بدأ اليهود يعاندون ويكابرون قال له: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ[الأعراف:163], فاليهود كانوا يخفون مثل هذه الأخبار التي أنزل الله بهم المثلات والعقوبات من خلالها, والقرآن الكريم يفضحهم, والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان حاضراً لكن علمه الله سبحانه.

وكذلك القرآن الكريم يخبرنا بما يكون في مستقبل الأيام, كما في قوله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ[النمل:82], وهذه الدابة من الأشياء التي تكون بين يدي الساعة, كما سيأتي معنا الكلام إن شاء الله.

فالقرآن الكريم يخبرنا عنها, وهي لم تقع بعد.

ويقول ربنا جل جلاله: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ[لقمان:34], ويقول: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ[فصلت:47], وغير ذلك من الآيات الدالة على علم الله المحيط بكل شيء.

وفي القرآن مواضع قد يفهمها الناس على غير وجهها, كما في قول الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ[البقرة:143].

هنا قد يفهم بعض الناس من ظاهر هذه الآية أن الله عز وجل حول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام من أجل أن يعلم من الذي يثبت على دين الإسلام, ومن هو راسخ القدم ثابت القلب, ومن الذي سينحرف ويزيغ وتقع الشبهة في قلبه, وينحرف عن الصراط المستقيم، وهذا المعنى غير صحيح.

وقبل أن أذكر المعنى الصحيح ينبغي أن يستقر عندنا يقيناً أن الله عز وجل علم كل شيء, وكتب كل شيء, كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ), فالله عز وجل كتب الأرزاق والأخلاق والآجال والأعمال, وعلم جل جلاله من هم المؤمنون ومن هم الكفار, ومن سيسكن الجنة ومن سيدخل النار.

أقسام علم الله وآثاره

إن علم الله عز وجل علمان: علم يتعلق بالخلق، وعلم يتعلق بالجزاء, أو يمكن أن نعبر بعبارة أخرى قالها بعض أهل العلم: علم ابتداء وعلم ظهور, فقول الله عز وجل: إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ[البقرة:143], أي علماً يتعلق بالجزاء.

أو نقول: إلا لنعلم علم ظهور, أي: علماً يظهره الله للخلق, أما علم الابتداء فالله عز وجل علم ما كان وما يكون.

مثال أوضح من هذا: قول الله عز وجل في غزوة أحد: وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ[آل عمران:140-141].

هذا أيضاً علم ظهور؛ فقبل أن تقع موقعة أحد علم الله عز وجل ما سيئول إليه أمرها, وأنه سيقتل من المسلمين كذا, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيصاب في جبهته, وستكسر رباعيته, وستجحش ركبتاه، وسيقع في حفرة حفرها أبو عامر الفاسق الذي كان يسمى بالراهب ونحو ذلك.

ومن آثار هذا العلم: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تبدأ المعركة رأى في منامه كأن بقراً تذبح, وكأن في سيفه ثلمة, وأنه أدخل يده في درع حصينة, قالوا: فما أولتها يا رسول الله؟ قال: أما البقر فنفر من أصحابي يقتلون, وأما الثلمة التي في سيفي فرجل من أهل بيتي يقتل, وأما الدرع الحصينة فهي المدينة ).

فرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم هي من آثار علم الله؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي؛ لأن الشيطان لا يعبث بالأنبياء في منامهم مثلما يعبث بغيرهم؛ ولذلك نقول: قوله جل جلاله: وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا[آل عمران:140], أي: علم ظهور وليس علم ابتداء, أو علماً يترتب عليه الجزاء.

ومثله أيضاً قول الله عز وجل في سورة العنكبوت: أَلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[العنكبوت:1-3], هذا أيضاً علم ظهور وليس علم ابتداء.

ولذلك من آثار هذا العلم أيضاً: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: (كان في يوم أحد رجل يهد الناس بسيفه هداً, يضرب ذات اليمين وذات الشمال, حتى قال قائلنا: ما أغنى عنا أحد غناء فلان -يعني: لا يوجد أحد عمل الشيء الذي عمله فلان هذا-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار, قال الصحابة: حتى كدنا نشك -يعني: الصحابة دخلهم شيء من الشك, إذا كان هذا الذي يجاهد في الله حق جهاده ويقاتل قتال الأبطال في النار, فمن يكون في الجنة؟- فقام رجل من الصحابة وتبع هذا الرجل ثم جاء بعدما وضعت الحرب أوزارها، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول الله، قال له: وما ذاك؟ قال: يا رسول الله! ذاك الرجل الذي شهدت له بأنه من أهل النار -وكان اسمه قزمان- تبعته حتى أدركته جراحات عديدة فأتيته فقلت له: هنيئاً لك الجنة! فقال: ما قاتلت من أجل جنة ولا نار, ولكنني قاتلت حمية لقومي, ولما أثقلته جراحاته- يعني لما اشتد عليه الألم- جعل ذبابة سيفه في صدره واتكأ عليها حتى خرجت من ظهره, فنحر نفسه), يعني: مات منتحراً, ثم هو ليس صاحب معتقد سليم, وإنما عقيدته فاسدة, ما عنده اعتقاد في جنة ولا نار, وإنما قاتل حمية وشجاعة.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار, وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة, وإنما الأعمال بالخواتيم ).

ولذلك قال علماؤنا رحمهم الله: كان الله محباً لـعمر وهو يعبد الصنم, وكان مبغضاً لإبليس وهو يسجد لله؛ لأنه جل جلاله يعلم الخواتيم, يعني: أن عمر رضي الله عنه يعبد الصنم, ويريد أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويشرب الخمر ويعذب المسلمين, والله يحبه باعتبار المآل؛ لأن عمر رضي الله عنه فيما بعد سيصير من خيار عباد الله, وإبليس يسجد ويعبد والله عز وجل يبغضه؛ لأنه يعلم مآله أنه سيصير شيطاناً رجيماً.

وهذا تفسير قول ربنا: فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:99], مهما كنت على طاعة واستقامة، فكن على خوف ووجل, فالإنسان لا يدري ما يختم الله له به.

وكذلك لو كان الإنسان على انحراف وعلى ضلال؛ فإنه يأمل في رحمة الله عز وجل, وأن يختم له بالحسنى, ويجتهد في ذلك ما استطاع.

وعند قول المؤلف رحمه الله: (العالم الخبير), قلنا بأن الله عز وجل سمى نفسه بثلاثة أسماء مشتقة من العلم، وهي:

العالم والعليم والعلام قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[سبأ:48], وصف نفسه بأنه عالم وأنه عليم وأنه علام, وسمى نفسه بهذه الأسماء.

وقول المؤلف: (الخبير), الخبرة هي أدق العلم.

ثم قال رحمه الله: [العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير].

قوله: (العالم) معناه: أن الله عز وجل قد أحاط بكل شيئاً علماً, فهو عالم الغيب والشهادة, وهو عالم بالموجودات والمعدومات, والممكنات والمستحيلات, وهو عالم بما كان وما يكون, ولذلك ربنا جل جلاله أخبرنا عن غيبيات ما حضرناها ولا شهدناها, كما في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ[آل عمران:44]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ[يوسف:102]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ[القصص:44]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً[القصص:46].

يعني: أن هذه الحوادث كلها ما شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما كان ليعلم بها لولا أن علمه الله عز وجل إياها؛ ولذلك ربنا جل جلاله يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم لما بدأ اليهود يعاندون ويكابرون قال له: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ[الأعراف:163], فاليهود كانوا يخفون مثل هذه الأخبار التي أنزل الله بهم المثلات والعقوبات من خلالها, والقرآن الكريم يفضحهم, والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان حاضراً لكن علمه الله سبحانه.

وكذلك القرآن الكريم يخبرنا بما يكون في مستقبل الأيام, كما في قوله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ[النمل:82], وهذه الدابة من الأشياء التي تكون بين يدي الساعة, كما سيأتي معنا الكلام إن شاء الله.

فالقرآن الكريم يخبرنا عنها, وهي لم تقع بعد.

ويقول ربنا جل جلاله: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ[لقمان:34], ويقول: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ[فصلت:47], وغير ذلك من الآيات الدالة على علم الله المحيط بكل شيء.

وفي القرآن مواضع قد يفهمها الناس على غير وجهها, كما في قول الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ[البقرة:143].

هنا قد يفهم بعض الناس من ظاهر هذه الآية أن الله عز وجل حول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام من أجل أن يعلم من الذي يثبت على دين الإسلام, ومن هو راسخ القدم ثابت القلب, ومن الذي سينحرف ويزيغ وتقع الشبهة في قلبه, وينحرف عن الصراط المستقيم، وهذا المعنى غير صحيح.

وقبل أن أذكر المعنى الصحيح ينبغي أن يستقر عندنا يقيناً أن الله عز وجل علم كل شيء, وكتب كل شيء, كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ), فالله عز وجل كتب الأرزاق والأخلاق والآجال والأعمال, وعلم جل جلاله من هم المؤمنون ومن هم الكفار, ومن سيسكن الجنة ومن سيدخل النار.