خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/37"> الشيخ علي بن عبد الخالق القرني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/37?sub=63647"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الجهاد في سبيل الله تعالى
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عُمياً، وآذناً صُماً، وقلوباً غُلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعــد:
عباد الله! في زمن الفتن والمحن، إن أردنا أن ندفع عنا غائلة أعدائنا فالشرط قائم .. شرط وحيد واضعه رب العالمين: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7] خطاب للأمة في مجموعها، لا بد أن يكون نصر الله في ثنايا حياتنا .. في سياستنا، واقتصادنا، وتعليمنا، وإعلامنا .. في معاهدنا، وجامعاتنا، وبيوتنا، ومساجدنا، ومنتدياتنا، وأسواقنا؛ ننصر الله بالاستجابة لأوامر الله .. ننصر الله بالاستجابة لداعي الجهاد على كافة الأصعدة .. جهاد النفس عن نوازع الهوى، وجهاد أعداء الله، وأصحاب الهوى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] .
الخفض والرفع بيد الله .. العز والذل بيد الله، والنصر والهزيمة بيد الله، وقد جعل الله لذلك طريقاً .. جعل الله للنصر طريقاً، وجعل الله للخلاص طريقاً، فما هو؟
إنه الجهاد في سبيل الله .. الجهاد طريق إلى الخلاص والحياة بعز.
لا إله إلا الله! كيف صوَّرَه المولى على هيئة مبايعة حقيقتها أن الله اشترى أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء، والثمن هو الجنة، والطريق هو الجهاد، والنهاية هي النصر أو الاستشهاد .. بيعة معقودة بعنق كل مؤمن، وسنة جارية لا تستقيم الحياة بدونها، لا بد للحق أن يكافح، ولا بد لكلمة الله أن تعلو، ولا بد للمقدسات أن تُحفظ وتُصان، مادام في الأرض أعداء للحق وأنصار للشيطان، الجهاد بيعة معقودة بعنق كل مؤمن: (من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) .
أمتي! في زمن الفتنة يجب أن يكون حديث الشباب، والشيوخ، والنساء، والأطفال، عن الجهاد، وعن العدة والاستعداد.
يا أمتي وجب الجهاد فدعي التشدق والصياحْ |
ودعي التقاعس ليس ينصر من تقاعس واستراحْ |
ما عاد يجدينا البكاء على الأقارب والنواحْ |
لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماحْ |
إنا نتوق لألسن بُكْمٍ على أيدٍ فصاحْ |
يا عباد الله! يا مسلمون! كثير من الناس اليوم يعيشون حياتهم ولا يعنيهم منها إلا طعام يشبِع، وشراب يروِي، ولباس يُتَزَيَّن به، ورفاهية ينعمون بها، تراهم يسعون في الأرض ويجدُّون، وماء وجوههم في سبيلها يريقون، لا يفكرون فيما وراء ذلك من عزة نفس، أو علو همة، فكأنهم لا يعقلون.
أولئك الصنف من الناس عن كرائم الغايات مُبْعدون، وفي سبل الشهوات يعمهون، إذا ما دعا الداعي للجهاد -ومواقف الجهاد تقتضي أن يتنازل الإنسان على رفاهيته، وأن يتخلى عن كثير من ضرورات حياته- إذا ما دعا الداعي هؤلاء نكص كل منهم على عقبيه، ورضي بأن يكون مع الخوالف، وحق عليه قول الله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
ولا إله إلا الله! ما أكثر هذا الصنف بين المسلمين! وهو سبب الذل، والمهانة، والهزيمة، والعار، والهوان.
لكنَّ هناك صنفاً آخر -وإن عزَّ وقلَّ- لا يرضى إلا بالحياة العزيزة الكريمة .. يرفض العيش في ظل الاستعباد .. يرفض انتقاص الكرامة.
هذا الصنف إذا ما أذن مؤذن الجهاد: يا خيل الله اركبي! جعل الدنيا بما فيها من زينة وبهجة خلف ظهره، وحمل السلاح، وضحى في سبيل الله بكل غالٍ ونفيس، إنه يُضحي بأسرته؛ وأسرة الإنسان أعز ما عنده، ويُضحي بأمواله؛ والمال عند الكثير شقيق الروح، ويُضحي بالمسكن؛ والمسكن على القلوب عزيز، كل ذلك في سبيل من فراغ؟
في سبيل الله جل وعلا.
يحمل الإيمان في قلبه كالجبال، قبل أن يحمل السلاح، أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
أيها المسلمون: حيرتنا الأحداث المتلاحقة، ولا ندري عم نتكلم وبم نتكلم، وقد تكلمنا ثم تكلمنا، لكن حسبنا أن نقف قليلاً مع سيرة فارس الإسلام .. مع سيرة ليث المشاهد وسيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، ليكون لنا نموذجاً في المحن والحوادث، وقدوة في زمن الحيرة، وأسوة في زمن رخص دماء المسلمين، في زمن لم يعد فيه لدم المسلم ثمن، بل قيمته شهوة حاكم، أو جرة قلم .. قيمته حلم طاغية بالامبراطوريات .. قيمته رغبة في التسلط وتلذذ بمناظر دماء المسلمين وهي تراق، مأساةٌ أن تذهب الشعوب الإسلامية ضحية أطماع المغامرين.
ما أحرانا أن نرجع إلى سيرة خالد ، فنعم القدوة خالد ، فهو من اقتدى بقائدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
يأيها الشاب من هذه الأمة في هذا الزمن! بمثل خالد فتأسَّ، وبصحبه فاقتدِ، وعلى سيرته فاعكف؛ فإنها النور والسرور في حوالك الظلام وزمن الحيرة وانطفاء النور.
كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ |
عبَّاد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ |
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ |
إنه خالد بن الوليد ، مَن أبوه؟
أبوه كافر، صنم من الأصنام، لكن الله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها.
أخرج الله من صلب الوليد المجرم الكافر خالداً الذي طبع على كل جسده بطابع الشهداء، ومات على فراشه، فلا نامت أعين الجبناء!
إنه أبو سليمان ، الذي نازل في أكثر من مائة معركة، فما هزم في واحدة منها، لأن شعار قتاله (لا إله إلا الله).
إنه شارب السم .. إنه المتوكل على الله، يُعرض عليه سم في قارورة كما ذكر ذلك الذهبي في سيره، يقول له مشرك وثني: إن كنتم أيها المسلمون تزعمون أنكم تتوكلون على الله فيكرمكم، فاشرب هذا السم يا خالد ولا تمت .. أو كما قال، فقال خالد بلسان الواثق من ربه: باسم الله توكلت على الله، ثم شرب القارورة كلها، فلم يصبه إلا العافية، وما زاده ذلك إلا عزة وكرامة.
من هو خالد ؟
إنه من احتبس كل شيء في حياته لله .. دروعه وعتاده وماله في سبيل الله.
فيا من جعل الدنيا أكبر همه، قد جعلها خالد تحت قدميه، فرفع الله ذكره في العالمين.
ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على خالد
كيف يزكي دروعاً وسلاحاً وسيوفاً قد جعلها وقفاً في سبيل الله؟!
يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال مَن هو باذلُهْ |
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائلُهْ |
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {وأما
ها هو خالد ذلك المظلوم الذي ظلمه التاريخ والمؤرخون، سكتوا عن خالد وذكروا نابليون ، وهتلر ، ولينين ، واستالين ، أعداء الإنسانية، وقتلة البشرية، الذين دمروا المدن، وقتلوا الآمنين، وسفكوا دماء النساء والأطفال والرجال والمسلمين.
سكتوا عن خالد وظلموه وهضموا حقه لكن لن يظلمه رب العالمين .. سيوفيه حسابه، ويحفظ أجره ومثوبته: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
يقول خالد أتيت المدينة لأسْلِم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلت حيياً خجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قام وحياني، وهش وبش في وجهي وعانقني. عانقه صلى الله عليه وسلم معانقة الأبطال، وحياه محيا الشجعان، لأنه سوف يكون سيفاً في يده صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك اللحظة أعطاه صلى الله عليه وسلم حقه في الإسلام .. احترمه وقدره، وأنزله منزلته؛ لأن الله أخرجه حياً من ظهر ميت كافر عنيد.
بطولات خالد يوم معركة مؤتة
موقف خالد يوم فتح مكة
إنكِ لو شهدتِ يوم الخندمةْ |
إذ فر صفوان وفر عكرمة |
والمسلمون خلفنا في غمغمةْ |
يلاحقونا بالسيوف المسلمة |
لم تنطقي باللوم أدنى كلمةْ |
بطولات خالد في قتال المرتدين
لما سمع أبو بكر أن مسيلمة ادعى النبوة في اليمامة وقف على المنبر، وأخذ راية لا إله إلا الله، وقال: آدَّعَى مسيلمة النبوة؟! والله لأزلين وساوس الشيطان من رأسه بـأبي سليمان خالد بن الوليد ، قم يا خالد خذ الراية وقاتله حتى تقطع دابره من الأرض.
وخرج في جيش من أهل بدر ، وغيرهم من الصحابة، فلما تلاقى الجمعان، كان جيش بني حنيفة كثيفاً جداً، كالجبال يمور موراً، فلما رآهم الصحابة قال بعضهم: فلنلتجئ إلى سلمى وأجا -جبلين في حائل - فدمعت عينا خالد ، وقال: إنما ننتصر عليهم بهذا الدين: [[ لا إلى سلمى وإلى أجا ، ولكن إلى الله الملتجا ]].
لا إله إلا الله! ما أعظم اليقين! ثم تكفن، ولبس جيشه أكفانه، ولسان حالهم يقول: فإما حياة بعز وإلا ممات وشهادةْ.
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا |
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
لما رأى بنو حنيفة خالداً أصابهم الهلع والرعب في قلوبهم، وأنزل الله الهزيمة بهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، وقتل الله مسيلمة الكذاب، وانتهت هذه الأسطورة؛ لأن من كان مع الله كان الله معه، ومن قاتل بالله كان النصر في حوزته: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
خالد يوم اليرموك
الله أكبر! شفاء عقب فرس خالد بربع مليون جندي.
لبس أكفانه، وقال: موعود الله أتى، وخرج وصفَّ جيشه، فخرج له قائد من قادات الروم يقال له جرجة عليه السلاح والرماح، فلما خرج على فرسه لقيه خالد فقال جرجة : يا خالد ! اصدقني في هذا اليوم ولا تكذبني، لماذا خرجتم؟ قال: خرجنا لندعو الناس إلى (لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، قال له جرجة : فمن أطاعكم؟ قال: من كان منا وكان أفضل منا، قال: كيف يكون أفضل منكم؟! قال: لأننا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وآياته فصدقناه، ومن آمن الآن لم يره، فيؤمن بالغيب، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأخذه خالد إلى خيمته، وأنزله فيها، وقال: اغتسل وتوضأ وصلِّ ركعتين، واخرج معنا، علَّ الله أن يرزقك الشهادة، فتوضأ بعد أن اغتسل وصلى ركعتين وخرج، فقاتل حتى استشهد، فقال خالد : رحمك الله! عَمِلت قليلاً وأجرت كثيراً.
ولما رأى الروم هذا الموقف ذُهلوا! وأخرجوا له ابن قوقل وهو فاجر من الفجار، فلما رآه خالد أراد أن يدعوه كما دعا جرجة إلى الإسلام فعرض عليه الإسلام ولكن الله طبع على قلبه، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه، فلما علم أن لا حل معه، قال ابن قوقل : يا خالد لماذا جئتم؟
قال: نحن قوم نشرب الدم، وسمعنا أن أحسن الدماء وألذها دماء الروم، فجئنا اليوم نشرب دماءكم، فأوقع الله الرعب في قلوبهم، وبدأت المعركة، وتنتهي بالنصر، وجاءوا بالشهداء، وجلس خالد يستقبل الشهداء، يُحملون على أكتاف الرجال، وجاء صديقه عكرمة ، فوضع وهو مقتول بين يديه في آخر رمق، وفي آخر سكرة، وهو ينظر إلى خالد .. دموعه تسيل على خديه، ودموع خالد تسيل على خديه، ويؤتى بثلاثة من الشهداء في آخر رمق من الحياة، فيصيح خالد عليَّ بالماء؛ ليشربوا فقُدِّم لهم ماء بارد في شدة حرارة الصيف، وقد انتهوا من المعركة، فأعطى خالد الماء لـعكرمة ، فرفض أن يشرب وأشار إلى أخيه أن يشرب قبله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] أعطى خالد زميل عكرمة الماء، فأشار إلى زميله، وأشار الزميل إلى زميله، فعاد الماء إلى عكرمة ، فإذا هو قد مات، وعاد إلى الثاني، فالثالث، فالرابع، فإذا هم قد ماتوا، فجهش خالد بالبكاء، ورمى بالكوب مليئاً بالماء البارد، وقال: [[ يا رب! اسقهم من جنتك فإنهم تركوا الماء البارد لمرضاتك ]].
وأثناء معركة اليرموك مات أبو بكر رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه، فكان أول مرسوم اتخذه عمر في خلافته الجديدة أن يعزل خالد بن الوليد ويولي أبا عبيدة ، ويأتي الأمر أبا عبيدة ، فيُخفي كتاب عمر ، ولا يخبر خالداً ، ولما انتهت المعركة، قام أبو عبيدة وأخبر خالداً ، فقال خالد : [[ولِمَ لا تخبرني؟ والله ما قاتلتُ بالأمس لـعمر ، ولن أقاتل اليوم لـعمر ، ولكني أقاتل لله رب العالمين]] يقاتل لله وهو قائد، ويقاتل لله بعد أن يعزل وهو جندي، لأن من أراد بعمله وجه الله آجره الله، ورفع الله مثوبته، لا يهمه منصب ولا قيادة، ومن أراد بعمله الدنيا، فما له عند الله من خلاق.
ليت أبا سليمان وأمثال أبي سليمان يعلمون أننا اليوم قست قلوبنا بالشهوات .. أصابتنا العطالة، والبطالة، والتهور، والكسل عن أفرض فرائض الإسلام، وعن أكبر أركان الإسلام، وعن ذروة سنام الإسلام، نسكن الفلل، ونجلس على الفرش الوثيرة، ونركب السيارات .. أقوياء في الدنيا .. شجعان للدرهم والريال .. أذكياء في أعمالنا ووظائفنا، وفيما يجلب لنا العيش في هذا الدنيا؛ لكننا مع الله لم نقم بواجبنا، وصحابة رسول الله في جوع وشدة وعطش ولكنهم في جهاد، يقومون الليل ويصومون النهار، ويتلون كتاب الله، ويجاهدون في سبيل الله.
يا رب فابعث لنا مِن مثلِهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه |
يا أمة الإسلام هبوا واعملوا فالوقت راحْ |
<< الكفر جمع شمله فلم النزاع والانبطاحْ |
<< يا ألف مليون وأين هُمُ إذا دعت الجراح |
إنهم أسود على بعضهم، نعاج مع أعدائهم.
يا أحفاد خالد ! يا أبناء الكرام! يا أبناء من أنار بالإسلام المعمورة! يا أحفاد من بنى منائر الحق! مَن غير أجدادكم رفع (لا إله إلا الله)؟ مَن غير أجدادكم سجد لله؟ سلوا المحيطات والبراري والقفار والبحار عن أجدادكم:
سلوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحْمَدِيَّا |
أنتم كَهُمْ، ومَن يشابه أبَهُ فما ظلم.
فلنعد عودة صادقة لهذا الدين، ولنتحمس لهذا الدين .. كيف لا يكون ذلك وآباؤنا هم الذين رفعوا راية الله، لكن قَدْ يَخْلُفُ النارَ رمادٌ، فنعوذ بالله أن نكون الرماد، ونعوذ بالله من شر خلف بعد خير سلف، ونعوذ بالله أن نضل أو نزل أو نظن أن غيرنا سبقونا إلى المجد والكرامة.
اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: {أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقبض زكاة الناس وصدقاتهم، فقبضتها حتى انتهيت إلى
كيف يزكي دروعاً وسلاحاً وسيوفاً قد جعلها وقفاً في سبيل الله؟!
يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال مَن هو باذلُهْ |
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائلُهْ |
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {وأما
ها هو خالد ذلك المظلوم الذي ظلمه التاريخ والمؤرخون، سكتوا عن خالد وذكروا نابليون ، وهتلر ، ولينين ، واستالين ، أعداء الإنسانية، وقتلة البشرية، الذين دمروا المدن، وقتلوا الآمنين، وسفكوا دماء النساء والأطفال والرجال والمسلمين.
سكتوا عن خالد وظلموه وهضموا حقه لكن لن يظلمه رب العالمين .. سيوفيه حسابه، ويحفظ أجره ومثوبته: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
يقول خالد أتيت المدينة لأسْلِم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلت حيياً خجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قام وحياني، وهش وبش في وجهي وعانقني. عانقه صلى الله عليه وسلم معانقة الأبطال، وحياه محيا الشجعان، لأنه سوف يكون سيفاً في يده صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك اللحظة أعطاه صلى الله عليه وسلم حقه في الإسلام .. احترمه وقدره، وأنزله منزلته؛ لأن الله أخرجه حياً من ظهر ميت كافر عنيد.
وتأتي معركة مؤتة بين المسلمين والكفار، قريباً من معان في أرض الأردن ، ويحضرها خالد مع جنود الله .. مع الذين يشهدون أن لا إله إلا الله بحق، كانوا ثلاثة آلاف من المسلمين، والروم ما يقارب مائتي ألف .. مائتا ألف كافر يقابلون ثلاثة آلاف، قُتِل قواد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة؛ زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، فنادى المسلمون بعضُهم بعضاً: أين أبو سليمان ليأخذ الراية؟ فأخذ الراية بيساره، ونزل في أرض المعركة نزول الأبطال، وقال للمسلمين: احموا ظهري وناولوني السيوف؛ ناولوه السيف الأول -كما يقول ابن جرير - فأخذ يضرب به من صباح النهار في صدور أعداء الله وفي نحور الفجرة المعارضين لدين الله حتى تكسر .. ناولوه السيف الثاني، والثالث، والرابع، حتى كسر تسعة أسياف في يديه وهو يضرب أعداء الله، وقتل عدداً كثيراً من الكفار، وما ثبت في يده إلا صفيحة يمانية، كان يضرب بها في صدور الأعداء، وانتهت المعركة بالنصر لعباد الله الموحدين، استقبله صلى الله عليه وسلم وحياه وعانقه، ودعا له بالأجر والمثوبة.