تفسير سورة النور [27-31]


الحلقة مفرغة

بعد ذكر أحكام الزناة وما أمر الله به من جلدهم مائة جلدة، وتغريب عام إن كانوا أبكاراً، وبالرجم حتى الموت إن كانوا محصنين رجالاً ونساء، وبعد أن أصدر حكمه جل جلاله على القذفة بثمانين جلدة ، وأن يحضر عذاب الجميع طائفة من المؤمنين، وبعد ذكر حكم اللعان فيما إذا وقع الاتهام من الرجل لزوجته وليس هناك شهود، فيلاعنها وتلاعنه، ويدرأ اللعانُ الحدَّ عن الرجل وعن المرأة، ثم ذكر بعد سلسلة من الآيات في تقريع الله لمن قذف السيدة عائشة أم المؤمنين، ثم تأتي هذه الآيات التي يعلم الله فيها المسلمين ويؤدبهم بآداب المنازل ودخولها: فكيف يستأنسون؟ وكيف يُسَلِّمون؟ وكيف يكونون بشراً لهم خلق وحضارة، ولهم نبل، فلا يكونون كالحيوانات يدخل هذا على هذا، فقد يجد في الدار زوجته أو أمه أو أخته وهي على حالة لا تريد أن يراها عليها ابنها ولا أخوها ولا أي قريب لها، فقال جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27].

قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:27] الخطاب للمؤمنين، وعلى عادة كتاب الله أن فروع الشريعة يخاطب بها المؤمنون، لأن الأصل وهو من الإيمان قد تم، وبعد الأصول تأتي الفروع، فإذا كان الخطاب في الأصول هو في الدعوة للتوحيد وللإيمان بالله ورسله وكتابه فإنه يقال: يا أيها الناس، لكن الخطاب هنا للمؤمنين بعد أن آمنوا بنبيهم، وامتثلوا ما أمر به من أركان الإسلام: من شهادة، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج.

وهنا يعلمهم الله الآداب والرقائق، ويعلمهم كيف يتصلون ويتعاشرون ويتآخون ويتعارفون، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27] أي: إذا دخلتم بيوتاً -جمع بيت ومسكن- ليست ببيوت لكم فلا تدخلوها بلا إذن ولا استئذان ولا سلام ولا كلام؛ فهذا ليس من آداب المسلمين، وليس ذلك خلقاً لائقاً بهم، ولا يعرف هذا الخلق إلا اليهود ورعاع الناس، فتجد الرجل منهم يدخل على بيت الرجل وعلى عياله، حاضراً كان أو غائباً بلا استئذان ولا سلام، ولا يفعل هذا مؤمن، ولا يفعله ذوو خلق، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النور:27].

ومعناه: إذا كانت البيوت بيوتكم فلا حاجة إلى الاستئذان، وإن كان هذا بالغالب الأعم، ولكن مع ذلك أمروا إذا دخلوا بيوتهم أن يقولوا كلمة تشعر بدخولهم، كالتكبير والنحنحة أو كلمة تشعر بدخوله؛ لأنه قد تكون في البيت أمه أو أخته أو ابنته على حالة لا يليق بالأب أن يراها ولا بالولد ولا بالأخ، أيريد أن يرى الولد أمه عريانة؟ أيريد أن يرى الأخ أخته عريانة؟ أيليق ذلك في دين المسلمين وفي أخلاقهم؟! إذاً: الأذن والاستئذان لا بد منه.

بل أكثر من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حتى في بيته كان إذا غاب في غزاة أو معركة أو سفر أو حج أو عمرة، ورجع في تلك الليلة فإنه لا يدخل البيت، بل يبقى في ضاحية البلدة، ويأمر من معه ألا يطرقوا نساءهم ليلاً، ويقول: ليعلموا ذلك ولكي لا تتخونوهن.

وقد يخطر بالبال أنه جاء مفتشاً ليرى ماذا صنعت، فإذا حصل سوء الظن بين الزوج والزوجة شقيت الحياة وما سعدت.

وكان يقول (حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة).

فقوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27] أي: تستأذنوا، ثم بعد الإذن تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ وبّين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه مرة طارق يريد الدخول للبيت دون سلام، وإذا بالنبي يأمر خادمه أن يقول له: استأنس أولاً، قل: أأدخل؟ ثم بعد أن يؤذن لك قل: السلام عليكم، فعمل ذلك فأذن له، ودخل وقال: السلام عليكم.

استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة

واستأذن صلى الله عليه وسلم مرة على سعد فقال (السلام عليكم، فلم يسمع جواباً ثم ثانية، ثم ثالثة فرجع) .

وإذا بـسعد خرج مسرعاً، وقال: يا رسول الله! سمعت سلامك، وأجبتك خفيةً ولم أسمعك؛ لأنني أريد أن تبلغني سلامك مرة وثانية وثالثة، لعل ذلك يدخل علي البركة واليمن والسلام والأمن، وإذا به يأذن له ويدخل بيته معززاً مكرماً.

استئذان أبي موسى الأشعري على عمر

استأذن أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنه ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع، فإذا بـعمر -وكان منشغلاً بأمور المسلمين- يقول لمن حضر: ألم أسمع صوت أبي موسى ؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين! قال: وما باله؟ قالوا: سلم مرات ثم رجع، فأرسل عليه فقال له: لم ذهبت؟ قال: استأذنتك بالدخول وسلمت ثلاث مرات فلم تأذن لي، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من استأذن ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع).

فإذا بـعمر يقول له: لتأتيني بشاهدي عدل وإلا أوجعتك ضرباً، وكان عمر شديداً فيما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بـأبي موسى يذهب منزعجاً إلى المهاجرين والأنصار ويقول لهم: لقد لقيت اليوم بلاءً من أمير المؤمنين: استأذنته ثلاثاً فلم يأذن فذهبت، ثم أرسل خلفي، فقال: لم ذهبت؟ فقلت له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استأذن ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع).

فقال لي: إما أن تأتي بشاهدي عدل أو جلدتك، فقال له جماعة -وكلهم كانوا قد سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم-: والله لا يقوم معك إلا أصغرنا، فذهب شابان وقد سمعا هذا الحديث، فقالا: يا أمير المؤمنين! نحن نشهد، والأنصار يشهدون والمهاجرون يشهدون، حينئذٍ انبسط عمر له، وأظهر بشره له وترحيبه وأدخله.

فقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27].

أي: حتى تسأذنوا، وفي قراءة: (تستأذنوا) هكذا، ولكنها ليست سبعية، وتستأنسوا من الأنس، وهذه كلمه يقولها أهل مكة، آنسكم فلانٌ وأنستم فلاناً، أي: رأيتموه ورآكم وسلمتم عليه وسلم عليكم، ووقع الأذن بينكم زائرين ومزورين، وعندما يحصل الأذن يحصل الأنس والتأنس والمؤانسة.

ثم قال: وَتُسَلِّمُوا [النور:27].

أي: بعد أن تقول: أنا فلان، أألج: أأدخل؟ فإن قيل: نعم، فادخل وقل: السلام عليكم.

ذكر بعض آداب الاستئذان

طرق النبي صلى الله عليه وسلم مرة طارق، فقال من؟ وإذا بالرجل يقول: أنا، وإذا بالنبي عليه الصلاة السلام يعيد عليه كلمة أنا أنا، أي: كره قوله: أنا، صلى الله عليه وسلم.

فكان ينبغي له أن يقول: أنا فلان، فيجب أن يعرف بنفسه، وقد يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان دون إنسان، ولا لوم ولا عتاب في ذلك، إذ أصبح من الواجب والأدب الاتصال والمعاشرة والمصادقة.

ومرة طرق طارق عليه الباب، وإذا به عليه الصلاة السلام ينتبه والرجل ينظر من شق الباب، وعندما علم الطارق أن النبي صلى الله عليه وسلم يراه ابتعد برأسه، فقال: (لو بقيت في مكانك لجئت بما يفقأ عينك، وهل جعل الإذن إلا للنظر؟).

لماذا الاستئذان؟ لكي لا يرى الإنسان عورة البيت ومن فيه، فإذا استمر هكذا يسرق النظر فإنه يكون بذلك قد خان وخرج عن العهد، وتلصص على أعراض المسلمين، فكيف بأعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكون فاعل ذلك مغفلاً من أمثال هؤلاء الذين قذفوا عن غفلة، وإما أن يكون منافقاً، بل قال النبي عليه الصلاة السلام: (من رأى إنساناً يسترق النظر لداخل بيته ففقأ عينيه فلا جناح عليه).

فقد أهدر تلك العين بفقئها، وهذا مذهب الظاهرية والكثير من السلف.

قال تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ [النور:27].

أي: هذا الفعل منكم والاستئناس والاستئذان والسلام خير لكم؛ لدوام المحبة والأخوة، ولصيانة الأعراض.

قوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27] أي: لعلكم تتذكرون فيما يجب أن تقوموا به من آداب ورقائق في دوام الأخوة بين هؤلاء المسلمين، فقد آخى الله بينهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

فلو جاء هذا الزائر فدخل ولم يستأذن فقد يطرد، وقد يضرب، وقد تفقأ عينه كذلك، وقد يتهم باللصوصية، وبأنه جاء للفاحشة، وقد يتعرض للرصاص، والفقهاء يعتبرون من دخل البيت بلا إذن صائلاً، والصائل يقتل.

وما جعلت الأبواب إلا لذلك، وما جعلت الستور إلا لذلك، وهذا أدب الله الذي أدب به المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27].

تتذكرون أن هذا في صالحكم، وتتذكرون أن هذا من آداب نبيكم وآداب دينكم، والآداب التي أعلنها الله وأمركم بها في كتابه.

واستأذن صلى الله عليه وسلم مرة على سعد فقال (السلام عليكم، فلم يسمع جواباً ثم ثانية، ثم ثالثة فرجع) .

وإذا بـسعد خرج مسرعاً، وقال: يا رسول الله! سمعت سلامك، وأجبتك خفيةً ولم أسمعك؛ لأنني أريد أن تبلغني سلامك مرة وثانية وثالثة، لعل ذلك يدخل علي البركة واليمن والسلام والأمن، وإذا به يأذن له ويدخل بيته معززاً مكرماً.

استأذن أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنه ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع، فإذا بـعمر -وكان منشغلاً بأمور المسلمين- يقول لمن حضر: ألم أسمع صوت أبي موسى ؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين! قال: وما باله؟ قالوا: سلم مرات ثم رجع، فأرسل عليه فقال له: لم ذهبت؟ قال: استأذنتك بالدخول وسلمت ثلاث مرات فلم تأذن لي، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من استأذن ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع).

فإذا بـعمر يقول له: لتأتيني بشاهدي عدل وإلا أوجعتك ضرباً، وكان عمر شديداً فيما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بـأبي موسى يذهب منزعجاً إلى المهاجرين والأنصار ويقول لهم: لقد لقيت اليوم بلاءً من أمير المؤمنين: استأذنته ثلاثاً فلم يأذن فذهبت، ثم أرسل خلفي، فقال: لم ذهبت؟ فقلت له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استأذن ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع).

فقال لي: إما أن تأتي بشاهدي عدل أو جلدتك، فقال له جماعة -وكلهم كانوا قد سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم-: والله لا يقوم معك إلا أصغرنا، فذهب شابان وقد سمعا هذا الحديث، فقالا: يا أمير المؤمنين! نحن نشهد، والأنصار يشهدون والمهاجرون يشهدون، حينئذٍ انبسط عمر له، وأظهر بشره له وترحيبه وأدخله.

فقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27].

أي: حتى تسأذنوا، وفي قراءة: (تستأذنوا) هكذا، ولكنها ليست سبعية، وتستأنسوا من الأنس، وهذه كلمه يقولها أهل مكة، آنسكم فلانٌ وأنستم فلاناً، أي: رأيتموه ورآكم وسلمتم عليه وسلم عليكم، ووقع الأذن بينكم زائرين ومزورين، وعندما يحصل الأذن يحصل الأنس والتأنس والمؤانسة.

ثم قال: وَتُسَلِّمُوا [النور:27].

أي: بعد أن تقول: أنا فلان، أألج: أأدخل؟ فإن قيل: نعم، فادخل وقل: السلام عليكم.

طرق النبي صلى الله عليه وسلم مرة طارق، فقال من؟ وإذا بالرجل يقول: أنا، وإذا بالنبي عليه الصلاة السلام يعيد عليه كلمة أنا أنا، أي: كره قوله: أنا، صلى الله عليه وسلم.

فكان ينبغي له أن يقول: أنا فلان، فيجب أن يعرف بنفسه، وقد يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان دون إنسان، ولا لوم ولا عتاب في ذلك، إذ أصبح من الواجب والأدب الاتصال والمعاشرة والمصادقة.

ومرة طرق طارق عليه الباب، وإذا به عليه الصلاة السلام ينتبه والرجل ينظر من شق الباب، وعندما علم الطارق أن النبي صلى الله عليه وسلم يراه ابتعد برأسه، فقال: (لو بقيت في مكانك لجئت بما يفقأ عينك، وهل جعل الإذن إلا للنظر؟).

لماذا الاستئذان؟ لكي لا يرى الإنسان عورة البيت ومن فيه، فإذا استمر هكذا يسرق النظر فإنه يكون بذلك قد خان وخرج عن العهد، وتلصص على أعراض المسلمين، فكيف بأعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكون فاعل ذلك مغفلاً من أمثال هؤلاء الذين قذفوا عن غفلة، وإما أن يكون منافقاً، بل قال النبي عليه الصلاة السلام: (من رأى إنساناً يسترق النظر لداخل بيته ففقأ عينيه فلا جناح عليه).

فقد أهدر تلك العين بفقئها، وهذا مذهب الظاهرية والكثير من السلف.

قال تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ [النور:27].

أي: هذا الفعل منكم والاستئناس والاستئذان والسلام خير لكم؛ لدوام المحبة والأخوة، ولصيانة الأعراض.

قوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27] أي: لعلكم تتذكرون فيما يجب أن تقوموا به من آداب ورقائق في دوام الأخوة بين هؤلاء المسلمين، فقد آخى الله بينهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

فلو جاء هذا الزائر فدخل ولم يستأذن فقد يطرد، وقد يضرب، وقد تفقأ عينه كذلك، وقد يتهم باللصوصية، وبأنه جاء للفاحشة، وقد يتعرض للرصاص، والفقهاء يعتبرون من دخل البيت بلا إذن صائلاً، والصائل يقتل.

وما جعلت الأبواب إلا لذلك، وما جعلت الستور إلا لذلك، وهذا أدب الله الذي أدب به المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27].

تتذكرون أن هذا في صالحكم، وتتذكرون أن هذا من آداب نبيكم وآداب دينكم، والآداب التي أعلنها الله وأمركم بها في كتابه.

قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ [النور:28].

إذا أردت دخول بيت غيرك فاطرق الباب، فإن لم يجب أحد صحت بالصوت: أنا فلان، فإن لم يجب سلمت، فإن لم يجبك أحد فمعناه: أنه لا أحد في البيت، فإياك أن تدخل بيتاً وأصحابه ليسوا فيه فيكون هذا مما يفسد الأخوة، ومما يؤدي بالفاعل إلى التهمة، وقد يكون في البيت نساء، فلا يليق أن يفتح من بالباب الباب للرجال.

فإذا كان البيت لا رجل فيه فلا ينبغي ولا يجوز بحال من الأحوال أن يدخله أجنبي، ولذلك لا تجيب المرأة التي في البيت، وإذا دخل فإنه يكون قد دخل في مكان غير مكانه، وتسور حرمة ليست حرمته، وفضح عرضاً ليس عرضه، فينتقل الأمر من فقء العين إلى الاتهام بالفاحشة، وإلى السرقة واللصوصية، وقد يكون الرجل في البيت ولم يرد الفتح له، فالأمر أمره والشأن شأنه.

وقد يخرج له في هذه الحالة ويقتله، وقد يضربه، لذلك قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا [النور:28] أي: لا تدخلوا هذا البيت حتى يؤذن لكم، فإذا لم يكن في البيت من يأذن فلا تدخلوا، قال تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور:28] أي: إذا لم يأذن لكم من في البيت وقيل لك: ارجع فارجع ولا تغضب، هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28] أي: أطهر لقلوبكم ولنفوسكم، وأزكى لأخوتكم، فقد يكون للرجل مانع من الموانع، أو سبب من الأسباب، فقد يقوله وقد لا يجد مصلحة في قوله.

فلا تدخل ولا تغضب فالحرم حرمه، والمكان مكانه، وقد يكون له عذر وأنت تلومه، ولكل صاحب بيت الحق في ذلك، وأما في هذه الأيام فإنك تجد الأجراس التي تكون في البيوت وهي نوع من الاستئناس والاستئذان، فإذا فتح الباب فهذا إذن، وقل: السلام عليكم، فإن قيل لك: ادخل فهو إذن بالدخول، وإن لم يقل لك ذلك فمعناه: أنه لم يأذن، وقد لا يستطيع أن يخرج حتى يقول لك: ارجع؛ فقد يكون له مانع من الموانع أو سبب من الأسباب، والمؤمن يقبل عذر إخوانه المؤمنين.

قال تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:28] أي: والله عليم بأعمالكم، وبمن يتخلق بأخلاق المؤمنين منكم، فامتثلوا لما تؤمرون به، فهو عليم بالصالح من أعمالكم، وبالطالح منها، ولذلك اعلموا وتيقنوا أنه يعلم السر وأخفى.

فما أمركم به من أمر فامتثلوه وقوموا به، فلا يأمركم إلا بما يعود عليكم بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ولا ينهاكم إلا عما يضركم في الدنيا والآخرة، فامتثلوا واسمعوا وأطيعوا، فهو عليم بكم، وعليم بمطيعكم، عليم بمسيئكم وعاصيكم.




استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النور [31] 2641 استماع
تفسير سورة النور [1-2] 2518 استماع
تفسير سورة النور [58-61] 2110 استماع
تفسير سورة النور [55-57] 2087 استماع
تفسير سورة النور [62-64] 2006 استماع
تفسير سورة النور [51-54] 1953 استماع
تفسير سورة النور [40-43] 1892 استماع
تفسير سورة النور [32] 1875 استماع
تفسير سورة النور [44-50] 1714 استماع
تفسير سورة النور [3-5] 1704 استماع