العدة شرح العمدة [66]


الحلقة مفرغة

تعريف الصلح وفيما يكون

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلح ].

الصلح: هو عقد يحصل به فض النزاع.

والصلح يكون في الأمور المالية وفي غيرها، يقول الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128] أي: الزوجة إذا خافت من زوجها نشوزاً وترفعاً عليها، وعدم إنفاق عليها واستهتاراً بها، وتطاولاً عليها نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] فمطلق الصلح هنا خير، وقال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] أي: بين الزوج وزوجته فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].

وقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

وقال: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فهذا كله في الصلح.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة، لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين) والإصلاح بين الناس مهم في خلق المسلم.

الصلح بإسقاط بعض الدين

قال: [ باب الصلح.

ومن أسقط بعض دينه، أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز ].

فلو أنك مدين لي بألف جنيه، وقلت لك: أسقطت عنك خمسمائة لوجه الله، فأنا لي الحرية في إسقاط ما أشاء من مالي، أما إن قال المدين: لن أعطيك الألف حتى تسقط النصف، فهذا ليس له ولا يجوز.

قال: [ ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك ].

أي إن كنت أنت مديناً لي بعمارة، فقلت لك: نصف العمارة لك والنصف الآخر لي فهذا يجوز، إلا أن أشترط أن يكون ذلك شرطاً في الإبراء أو الهبة.

قال: [ وذلك لأن الإنسان لا يُمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه ].

فليس هناك أحد يمنعني من استيفاء حقي كاملاً، إلا أن يشفع أحد الناس وأنا أقبل الشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم شفع في حالتين: شفع في دين جابر بن عبد الله بن حرام -بعد موت أبيه- عند الدائنين أن يسقطوا حقه، أو أن يستوفوه من أصل معين.

وشفع عند كعب بن مالك لـابن أبي حدرد -والحديث في البخاري في كتاب الصلاة- عندما ارتفعت أصواتهما في المسجد، فـكعب بن مالك يقول: وفني حقي، قال: ليس معي الآن، قال: جاء الوقت وأنت مدين، وارتفعت أصواتهما، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر كعباً أن يضع الشطر، ثم قال: يا ابن أبي حدرد قم وفه.

قال: [ ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز للقاضي فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولو قال للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته لم يصح ].

أي: أنت عليك لي ألف جنيه، فقلت لك: أنا سأضع لك خمسمائة ولكن أعطني خمسمائة الآن، ففي المذهب لا يجوز، لكن الراجح أنه يجوز.

قال: [ ولا تصح بلفظ الصلح؛ لأن معنى: صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز لما ذكرناه، ولأنه ربا ].

كأن المدين يقول: بعني الألف بخمسمائة، وهذا هو عين الربا، فالمدين لا يحق له أن يشترط للوفاء أن يعطيه أقل من حقه، لكن الدائن حر في ماله.

قال: [ أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي، يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً، مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين، لم يجز لأنه ربا، وهو بيع بعض ماله بماله؛ ولأن بيع الحلول غير جائز ].

هذا الكلام أيضاً مرجوح، فالتصالح على دين مؤجل بمبلغ معجّل في المذهب لا يجوز، لكن الراجح إن طلبها الدائن جاز؛ لأن هذا ملك الدائن، فلا نصادر حريته في ذلك.

قال: [ ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق -أي: الفضة- بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس، وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان، فهذا صرف يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر الشروط ].

أي أنك لو أخذت مني الآن (100) جرام ذهباً فلا بد أن تعطيني إما (100) جرام ذهباً، أو ما يعادلها فضة، ويشترط التقابض لكن لا يشترط المماثلة لاختلاف الجنس، طالما اختلف الجنس فهنا نشترط التقابض في مجلس العقد ولا نشترط التماثل.

الصلح في الإقرار والإنكار

قال: [ ومن كان له على غيره حق لا يعلمه المدّعى عليه فصالحه على شيء جاز ].

أي عندما تأتي تتقاضى من بعض خصومك قد تجد منهم من ينكر، ففي هذه الحالة أنتما مدع ومدّعى عليه، فالمدّعي هو الدائن، والمدّعى عليه المدين، فإن صالحه عليه جاز، وإذا صالح على البعض لم يجز البعض الآخر.

[ فإن كان أحدهما يعلم كذبه في نفسه فالصلح باطل ].

أي: أن الصلح هنا في شكله الظاهر يسري، لكنه بالنسبة لأحدهما باطل؛ لأنه يعلم أنه كذّاب.

قال: [ وهذا هو الصلح على الإنكار ].

فالصلح ينقسم إلى قسمين: صلح على إقرار وصلح على إنكار.

[ وهو أن يدعي على إنسان عيناً في يده أو ديناً في ذمته لمعاملة، أو جناية، أو إتلاف، أو غصب، أو تفريط في وديعة، أو مضاربة ونحو ذلك، فينكره ويصالحه بمال، فيصح إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع إليه المال افتداء ليمينه ودفعاً للخصومة عن نفسه، والمدعي يعتقد صحتها، فيأخذه عوضاً عن حقه الثابت له؛ لأنه صلح يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار ].

والمعنى: أنه يجوز الصلح مع الإنكار لو أقره أحد الخصمين ويسري في حقهما، إلا أن يكون أحدهما كاذباً، فيكون الصلح في حقه باطلاً مع سريانه ظاهراً.

ثم قال: [ ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ].

والمعنى: أنت مدين لي وأنا دائن لك، فلا المدين يعرف ولا الدائن يعرف. الطرفان يعترفان بأن لأحدهما حق، لكنهما اختلفا في قيمته، فاصطلحا على مبلغ معيّن، فأحدهما قال: أنا أقر بما تقول واتفقا على المبلغ جاز ذلك.

قال: [ ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، فإذا اتفقا عليه جاز كما لو اتفقا على أن يتبارأا].

أي: هذا يبرئ هذا، وهذا يبرئه يجوز.

صفة عقد الصلح وشروط المصلح

وأما عقد الصلح في الفقه فهو عقد يقطع الخصومة بين الخصمين، والإصلاح فيه خير كثير كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين بني عمرو بن عوف لما اختلفوا وتراشقوا بالحجارة وأصلح بين زوج وزوجته، والإصلاح بين الناس أفضل من التهجد، وأفضل من الاعتكاف، وأفضل من السنن؛ لما فيه من خير عظيم.

ويشترط فيمن يصلح بين الناس أن يكون عالماً بالأصول الشرعية، فلا يصلح في المحرمات والمخالفات الشرعية.

فمثلاً إن أعطيتك 100 جرام ذهباً وأخذت منك 1000 جرام فضة، فطالما كان التقابض في مجلس العقد فهذا جائز؛ لأنك قبلت وأنا قبلت فتقابضنا فضة بذهب أو ذهباً بفضة: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) حسب الاتفاق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلح ].

الصلح: هو عقد يحصل به فض النزاع.

والصلح يكون في الأمور المالية وفي غيرها، يقول الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128] أي: الزوجة إذا خافت من زوجها نشوزاً وترفعاً عليها، وعدم إنفاق عليها واستهتاراً بها، وتطاولاً عليها نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] فمطلق الصلح هنا خير، وقال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] أي: بين الزوج وزوجته فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].

وقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

وقال: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فهذا كله في الصلح.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة، لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين) والإصلاح بين الناس مهم في خلق المسلم.

قال: [ باب الصلح.

ومن أسقط بعض دينه، أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز ].

فلو أنك مدين لي بألف جنيه، وقلت لك: أسقطت عنك خمسمائة لوجه الله، فأنا لي الحرية في إسقاط ما أشاء من مالي، أما إن قال المدين: لن أعطيك الألف حتى تسقط النصف، فهذا ليس له ولا يجوز.

قال: [ ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك ].

أي إن كنت أنت مديناً لي بعمارة، فقلت لك: نصف العمارة لك والنصف الآخر لي فهذا يجوز، إلا أن أشترط أن يكون ذلك شرطاً في الإبراء أو الهبة.

قال: [ وذلك لأن الإنسان لا يُمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه ].

فليس هناك أحد يمنعني من استيفاء حقي كاملاً، إلا أن يشفع أحد الناس وأنا أقبل الشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم شفع في حالتين: شفع في دين جابر بن عبد الله بن حرام -بعد موت أبيه- عند الدائنين أن يسقطوا حقه، أو أن يستوفوه من أصل معين.

وشفع عند كعب بن مالك لـابن أبي حدرد -والحديث في البخاري في كتاب الصلاة- عندما ارتفعت أصواتهما في المسجد، فـكعب بن مالك يقول: وفني حقي، قال: ليس معي الآن، قال: جاء الوقت وأنت مدين، وارتفعت أصواتهما، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر كعباً أن يضع الشطر، ثم قال: يا ابن أبي حدرد قم وفه.

قال: [ ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز للقاضي فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولو قال للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته لم يصح ].

أي: أنت عليك لي ألف جنيه، فقلت لك: أنا سأضع لك خمسمائة ولكن أعطني خمسمائة الآن، ففي المذهب لا يجوز، لكن الراجح أنه يجوز.

قال: [ ولا تصح بلفظ الصلح؛ لأن معنى: صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز لما ذكرناه، ولأنه ربا ].

كأن المدين يقول: بعني الألف بخمسمائة، وهذا هو عين الربا، فالمدين لا يحق له أن يشترط للوفاء أن يعطيه أقل من حقه، لكن الدائن حر في ماله.

قال: [ أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي، يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً، مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين، لم يجز لأنه ربا، وهو بيع بعض ماله بماله؛ ولأن بيع الحلول غير جائز ].

هذا الكلام أيضاً مرجوح، فالتصالح على دين مؤجل بمبلغ معجّل في المذهب لا يجوز، لكن الراجح إن طلبها الدائن جاز؛ لأن هذا ملك الدائن، فلا نصادر حريته في ذلك.

قال: [ ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق -أي: الفضة- بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس، وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان، فهذا صرف يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر الشروط ].

أي أنك لو أخذت مني الآن (100) جرام ذهباً فلا بد أن تعطيني إما (100) جرام ذهباً، أو ما يعادلها فضة، ويشترط التقابض لكن لا يشترط المماثلة لاختلاف الجنس، طالما اختلف الجنس فهنا نشترط التقابض في مجلس العقد ولا نشترط التماثل.