خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/912"> الشيخ أسامة سليمان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/912?sub=63504"> العدة شرح العمدة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
العدة شرح العمدة [37]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
لا زلنا مع كتاب الصيام باب صيام التطوع من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب صيام التطوع.
والعلماء يسمون هذا تعريف بالإضافة صيام التطوع.
يقول المصنف رحمه الله: [ أفضل الصيام ] أي: أفضل صيام التطوع [ صيام داود عليه السلام: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ] والحديث في ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يتقرب إليه العبد بالواجبات والفروض، ثم إن شاء زاد وتطوع (وما تقرب إليّ عبدي بأحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) والمعنى: فبي يسمع، أي: أن الله سبحانه وتعالى يُسخّر هذه الجوارح في طاعته، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]، وقال أيضاً: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] فإذا أحب الله العبد سخّر الجوارح لطاعته، ولذلك قال: أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
قال رحمه الله: [ لأن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام. فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك) ] كان عبد الله بن عمرو بن العاص من أزهد الصحابة في العبادات، فقد كان يقوم الليل كله ويصوم الدهر كله، حتى قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، ويبدو أنه لم يكن راغباً في الزواج، فلما أدخلوها عليه وهو في عبادته ظل أياماً متوالية لم يقترب من زوجته لأنه كان منشغلاً بعبادته، فلما جاء أبوه يسأل عن حاله بعد أيام، وهو يريد أن يطمئن هل ترك القيام في الليل وتفرّغ في بعض الوقت لزوجته؟ قالت له: نعم الرجل من رجل، لكننا منذ أن وطئنا بيته لم يفتّش لنا كنفاً ولم يقرب لنا فراشاً، فهي لا تزال بكر كما هي، وهذا ما يدل على انشغاله بالعبادة رحمه الله تعالى ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأفضل الصيام صيام نبي الله داود، والبعض يتباهى ويقول: أنا أصوم بفضل الله شهوراً متصلة رجب وشعبان ورمضان، فهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان، أما ما يرد في بعض الأحاديث: (أنه كان يصوم شعبان كله) فالمعنى غالبه، أي: غالب شعبان، (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك)، وقال: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم) وقالت عائشة : (كان يصوم في شعبان حتى نقول: إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: إنه لا يصوم) وهذا لا يتأتى إلا بصيام يوم وإفطار يوم، فأفضل الصيام صيام داود عليه السلام، فلما تقدم العمر بـعبد الله بن عمرو بن العاص وعجز عن ذلك قال: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفضل صيام التطوع أن تصوم يوماً وأن تفطر يوماً، لتجمع بين حالتي الشكر والصبر، ففي الصوم صابر، وفي الفطر شاكر، فيدور الحال بين الشكر والصبر.
قال: [ وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم ].
هنا إشكال علمي يحتاج إلى أن نجيب عنه وهو: النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان أكثر من المحرم، مع أنه كان يقول: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فكيف ذلك؟ وللإجابة على هذا الإشكال قال الإمام النووي في شرح مسلم معلقاً على هذا الإشكال العلمي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان يقضي بعض الأيام التي فاتته من النوافل في حال الجهاد والأعذار، فيجمعها في شعبان، فيترتب على ذلك أن شعبان يكون أكثر صياماً من شهر الله المحرم.
كذلك أيضاً فإن صيام شعبان بمثابة نافلة التطوع للإقدام على الفريضة، فحال شعبان مع رمضان كحال سنة الظهر مع الظهر، للاستعداد لدخول الفريضة، فالنافلة سياج وحماية وحفظ للفريضة، لذلك حينما يصاب الإنسان بفتور أو بكسل ولم يكن يصلي النوافل فإن ذلك يجرح في الفريضة، لكن إذا كان يكثر من النوافل فإن الفتور أو الكسل يجرح النافلة ويحافظ على الفريضة، ولذلك كانت النافلة حفاظاً على الفريضة من الجرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى).
أي: أن النفس لها إقبال وإدبار، فلا يمكن أن تكون على مرتبة واحدة بحيث أنها في كل يوم تستطيع أن تقرأ عشرة أجزاء، وتقوم ثلث الليل أو أكثر، فهذا لن يكون، لذلك فإن ابن مسعود بكى في مرض موته، وقال: إن مرض الموت جائني في حال الفتور، وكنت أحب أن يأتيني في حال النشاط، فالنفس لها إقبال، فحينما تجد من نفسك نشاطاً فاستغل ذلك النشاط في عبادة الله، وحينما تجد فتوراً فلا يكن بحيث يجرح الفريضة، فإذا وجدت نشاطاً فاقرأ خمسة أجزاء مثلاً فإن كان في اليوم التالي فيه فتور فاقرأ ثلاثة، وإن كان في اليوم الثالث فيه فتور فاقرأ جزأين وهكذا، فإذا وجدت من نفسك نشاطاً فاغتنم فيه طاعة.
يقول: [ لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) ]، والمحرم من الأشهر الحرم، قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36] فهي ثلاثة أشهر متوالية ورجب الفرد، أما المتوالية فهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.. ولا بد أن نعرف هذه الأشهر لأنك تسمع العجب ولا الصيام في رجب.
قال خطيب على المنبر ويؤسفني هذا، وهو يحمل مؤهلاً علمياً: إن رمضان من أشهر الله الحرم، فراجعه طالب علم فقال: شهر رمضان يقع بين شهرين من الأشهر الحرم، فأراد أن يصوّب فأخطأ.
قال رحمه الله: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله فيها من عشر ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) ].
والمعنى أن هذه الأيام العشر هي من الأيام التي يُشرع فيها التطوع، والتطوع منه صيام وصلاة، واليوم العاشر من ذي الحجة يحرم صيامه؛ لأنه يوم العيد فيحرم صيامه.
والعلماء قسموا الصيام إلى خمسة أقسام: صيام واجب، وصيام محرم، وصيام مكروه، وصيام مباح، وصيام مندوب.. فالصيام يدور على الأحكام التكليفية الخمسة، فيكون واجباً مثل صيام رمضان، والنذر وقضاء صيام واجب.
والصيام المندوب هو صيام التطوع كصيام أيام ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وكصيام يوم عرفة، وكصيام ثلاثة أيام من كل شهر عربي، وكصيام يوم وإفطار يوم، وكصيام الإثنين والخميس.
أما الصيام المحرم كصيام العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى فإنه يحرم صيامهما، وصيام أيام التشريق لغير الحاج، وصيام المرأة بغير إذن زوجها، فهل رأيتم امرأة تقول لزوجها: هل تأذن لي في صيام الغد، فإن أذن لها صامت وإن لم يأذن لها لا تصوم؟ فلا يجوز للمرأة أن تصوم صيام التطوع إلا بإذن زوجها.
سئل ابن القيم رحمه الله: أيهما أفضل عند الله سبحانه: ليلة القدر أم يوم عرفة؟ فقال: أفضل أيام الأسبوع الجمعة، وأفضل أيام السنة عرفة، وأفضل ليالي رمضان ليلة القدر، والله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار.
قال رحمه الله: [ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة)، حديث غريب، وروى أبو داود بإسناده عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء).
ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله.
يشير هذا الحديث إلى مشروعية صيام الأيام الست من شوال، وهذا فيه حجة على المالكية القائلين بعدم استحباب صيامها، بزعمهم أن الحديث خبر آحاد يخالف عمل أهل المدينة، وهناك قاعدة أصولية عند المالكية: وهي إذا عارض عمل أهل المدينة خبر الآحاد رُد خبر الآحاد بعمل أهل المدينة، وهذه قاعدة أصولية، وخبر الآحاد هو الذي لا يرقى إلى التواتر، وهو الذي رواه راو أو راويان أو ثلاثة وهو الغريب والعزيز والمشهور، وهذه الثلاثة الأقسام من أقسام الآحاد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) والنص واضح، فـ (من) هنا للتبعيض، أي: من أول شوال أو من وسطه أو من آخره، فلا يشترط التتابع، لكن الأولى والأفضل هو التتابع.
قال رحمه الله: [ لما روى أبو أيوب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) رواه مسلم .
صيام يوم عاشوراء كفارة سنة، وصيام يوم عرفة كفارة سنتين، لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده) ].
أي: أن صيام يوم عرفة يكفّر سنة ماضية وسنة قادمة، ومعلوم أن السنة القادمة لم يقع فيها ذنوب، فما معنى تكفير الذنوب في السنة القادمة؟
يقول الحافظ ابن حجر : إذا ارتكب المسلم صغيرة في السنة القادمة تصير مغفورة بسبب صيامه لعرفة، وليس معنى هذا أنه طالما صام عرفة تجرأ على الصغائر، وإنما إذا هفا وضعف في معصية وكان قد صام عرفة فالسنة القادمة تكفر الصغائر التي تقع، والكبائر ليس لها تكفير، إنما لا بد لها من توبة واستغفار وندم وعزم وإقلاع.
ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو أفضل أيام السنة كما هو معلوم، ولذلك يباهي الله عز وجل بحجاج بيته الملائكة، فيقول: (أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم)، ويوم عرفة هو يوم تسع ذي الحجة، ومن العجب في زمن الإحن والمحن أن اقترح بعض الناس لحل مشكلة زحام عرفة، فقال: أقترح أن نعدد أيام عرفة، فيكن في شوال يوم عرفة وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، لأن هذه أشهر الحج الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، ونقسّم الحجاج إلى ثلاثة أقسام: حجاج أفريقيا -مثلاً- يقفون في شوال، وحجاج آسيا في ذي القعدة، وحجاج أوروبا في ذي الحجة، فالعقل يضل حينما يعطي لنفسه حرية الاجتهاد بدون قيد شرعي، والمشكلة الغريبة والعجيبة أنه قد كتب كاتب فقال في ذلك: اقتراح جدير بالدراسة.
وفي تسميته عرفة وردت الآثار التي لا نعرف صحتها أن حواء وآدم حينما أهبطا من الجنة، فإن آدم أُهبط في مكان وحواء أُهبطت في مكان وتعارفا على عرفة فسمي عرفة، وهذا من كلام أهل الكتاب وليس عندنا ما يصدق ولا يكذّب.
قال رحمه الله: [ وقال في صيام عاشوراء: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) ].
وعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو اليوم الذي نجا الله فيه موسى من الغرق، وأغرق فيه فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه في أول الأمر، فلما فُرض رمضان أصبح صيام عاشوراء على الندب والتخيير، من شاء صام ومن شاء أفطر، وحينما فرض صيام عاشوراء صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، فصامه الصحابة وصوّموا أطفالهم الصغار، وكانوا يصنعون لهم العرائس حتى ينشغلوا بها إلى أن يؤذن، وفي هذا مشروعية تعويد الصبي على الطاعة وعلى العبادة.
وفي يوم عاشوراء ترى العجب العجاب من الروافض الذين يشقون الجيوب ويضربون رؤوسهم بالحجارة، وتسيل منهم الدماء إلى غير ذلك من خرافاتهم، وإني أحذّر فإن الرافضة الآن يكثّفون الجهود لنشر فكرهم الخبيث، فلا بد من تحصينات الشباب من دعاة التقريب أو من يقولون بالتقريب، وأنه لا فرق بين أهل السنة والشيعة فكلنا سواء! وهذا كلام خطير وخبيث، فالشيعة فرق متعددة وكفى أن تعلم أن الفرقة المعتدلة فيهم هي الإثنا عشرية، والتي قالت: بعقيدة البداء، ومعنى البدا هو أن الله بدا له أن يفعل بعد أن كان لا يعلم، وهذا اتهام لله بعدم العلم، وكذا عقيدة الرجعة والتقية، وحدّث ولا حرج عن منهجهم الفاسد وعن خللهم الاعتقادي، وعن طعنهم في أصحاب رسول الله لا سيما أبو بكر وعمر ، والسيوطي له كتاب طيب اسمه: إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويقصد بذلك الشيعة الروافض، وكذلك يسبون الصدّيقة بنت الصديق رضي الله عنها فضلاً عما يحرّفون في القرآن وفي الأحاديث ويطعنون في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلنحذر ونحذّر من هذا أيها الإخوة الكرام.
وأهل الكتاب لهم طعن وتشويش وشبهات، والروافض لهم طعن وتشويش وشبهات، ومن الفرق الضالة ليل نهار الخوارج والأشاعرة ونسأل الله العافية، والاستشراق فضلاً عن العلمانية وما أدراك ما العلمانية، فقد فُتحت لها الأبواب ليل نهار، فهي تهجم على السنة، وعلى القرآن، وعلى الثوابت الشرعية، فهي فتنة، فاثبت على الحق ولو كنت وحدك، وافهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فلا تحيد عن الطريق أبداً، وإياك أن تغتر بكثرة الناس، فإن الكثرة دائماً فيها الضلال، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] فلا يكن همنا التجميع كبعض الجماعات الضالة، كالحزبية والصوفية والبوذية والشيعية، وكلها في سلة واحدة، والمهم عندهم الكثرة، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه! فإذا اختلفنا في العبادة هل يعذر بعضنا بعضاً؟ أو اختلفنا في الطواف حول القبور هل يعذر بعضنا بعضاً؟ فهذا كلام يحتاج إلى ضابط، فهناك أمور لا يجب أن أعذرك فيها كأمور العقيدة، فمثلاً أنت تطوف بقبر وأنا أُنكر عليك، قلت لي: وليعذر بعضنا بعضاً، فهنا لا عذر، فالأمر يحتاج إلى تحقيق وضبط.
فإياك أن تحيد عن منهج السلف، والسلفية منهج وليست جماعة حزبية لها كذا وكذا ومسئول وتنظيم، ولكن السلفية فكر ومنهج فهم القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، أما تكوين جماعات وتحزيب المجتمع إلى فرق فهذا من أخطر المسائل التي تؤدي إلى تمزّق الوحدة.
قال رحمه الله: [ ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه، ليتقوى على الدعاء ].
المفروض في الفقيه أن يكون موزوناً في الألفاظ، فقوله: لا يستحب، معنى ذلك أنه لو صام يوم عرفة لا يحرم عليه.
والحجاج لا يصومون ذلك اليوم، حتى يتقووا على العبادة والطاعة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يدعو وهو على الدابة فسقط منه خطام الناقة، فأخذه أسامة بن زيد لأنه عرف أن يدي النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعتان عالياً يبتهل إلى الله بالدعاء في يوم عرفة، وهو أفضل يوم طلعت فيه شمس العام، ولذلك يسن للحاج فيه أن يبتهل بالدعاء والذكر والاستغفار والطاعة والبكاء والخشية، والإنابة وغسل الذنوب، وأن ينعزل مع نفسه، فإذا ذهبت إلى عرفة سترى ما لا يمكن أن يصدّق، فيا من قطعت المسافات وكلّفت نفسك آلاف الجنيهات، وعقدوا لك المؤتمرات قبل سفرك سيارة في رحيلك، وسيارات مع عودتك، وأعلام بيضاء وكتابة على الجدران الحاج ذهب .. الحاج جاء.
نظر ابن عمر إلى الحجيج في زمنه فوجدهم كثر، فقال: الركب كثير والحاج قليل .. أي: عدد كبير جداً من كل أنحاء الدنيا، لكن من الذي يقبل الله منه؟ هل يقبل من جاهل لا يعرف العقيدة ولا الوضوء ولا يعرف كيف يطوف بالبيت؟!
إني أجد أموراً غريبة، فمنذ نحو أسبوعين اتصل بي أحد الإخوة المعتمرين وقال: يا شيخ أنا الآن في المسجد الحرام لا أدري ماذا أفعل بجوار الكعبة، قل لي كيف أطوف وكيف أصنع؟ قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أرأيتم إلى العبء الملقى على أعتاقكم، أن تعلموا الناس الشرع، فهذا الدين مسئولية وأمانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وقال أيضاً: (نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلّغ أوعى من سامع) وديننا دين البلاغ، وأمتنا أمة الدعوة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] وعندما نكون أمة دعوة لا نخشى على أحد، فلا نخشى على الشباب من الانحراف، فشبابنا اليوم عندهم فراغ فيدخل على شبكة النت وعلى موقع الرافضة، أو موقع التنصير ويسمع الشبهات، وهو لا يملك الحجج، وسلاحنا هو أن نحصّن الشباب الذي سيقع فريسة لمخطط خبيث رصد له بلايين الدولارات لأجل هذا العمل الخبيث، فلنحذر ولنكن على يقظة.
وأطمئنكم أن الإسلام كلما ازدادت عليه المؤامرات علا وارتفع بإذن الله، والذي نفسي بيده لو أن هناك ديناً يتحمل هذه الضربات فليس إلا الإسلام، فكلما ازداد طعناً فيه ازداد رفعة وعلواً؛ لأنه دين الله سبحانه، يحفظه بنا أو بغيرنا، قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
قال رحمه الله: [ لما روي عن أم الفضل بنت الحارث : (أن أناساً تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه النبي صلى الله عليه وسلم) ].
والصحابة اختلفوا هل هو صائم هذا اليوم أم لا؟ فقطعاً للخلاف أرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فرفع القدح وشرب صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
قال رحمه الله: [ وقال ابن عمر : (حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه -يعني: يوم عرفة- ومع
عبارة (ولا أنهى عنه) يخرج الحكم من الحرمة إلى الكراهة، فالحكم هو كراهية الصيام في يوم عرفة للحاج، لأنه قال: لا أصمه ولا أنهى عن صيامه، وهذا قول ابن عمر وله حكم الرفع.
قال رحمه الله: [ وروى أبو داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة)، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي يستجاب فيه الدعاء ]، وهذا ضعيف.
وسيعدد المؤلف صيام التطوع، وفي حديث البخاري الذي أريد أن يكون وصية لنا جميعاً في كتاب التهجد.
قال رحمه الله: [ ويستحب صيام الأيام البيض، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام) رواه البخاري ، وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها ذلك مثل صيام الدهر) ].
هذا النص جاء مطلقاً وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صم ثلاثة أيام)، وجاء القيد في نص آخر، والمطلق يحمل على المقيد.
قال رحمه الله: [ ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام البيض لما روى أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا
أي: أنك إذا صمت فصم هذه الأيام، ولو صام أياماً أخرى من الشهر فإنه يجزئه ذلك، لكن يستحب أن تكون أيام البيض فهي على وجه الندب والاستحباب.
وشبابنا في زمن التبرج والاختلاط والقنوات المفتوحة وظهور الفتن لا يحصنه إلا الصيام، ولا سيما أن الصيام من أفضل العبادات عند الله سبحانه.
قال: [ ويستحب صيام الإثنين والخميس؛ لما روى أبو داود بإسناده عن أسامة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)، وفي لفظ: (فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وفي رواية حينما سئل عن صيام يوم الإثنين قال: (ذاك يوم ولدت فيه) ] صلى الله عليه وسلم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم اليوم الذي ولد فيه، واحتفى بذلك لا كما يحتفي الجهلة بدق الطبول وبرفع الأعلام وبالاختلاط بين النساء والرجال، وببيع الحلوى، وهذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [ والصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه مخير فيه قبل الشروع، فكان مخيراً بعده قياساً لما بعد الشروع على ما قبله، ولا يلزمه قضاؤه إذا أفطر لأنه غير واجب، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا: نعم أفطر، وإن قالوا: لا، قال: فإني صائم) ]، وذلك قبل الظهيرة.
أي: أنه لم يبيت النية من الليل، وفي هذا جواز صيام التطوع دون تبييت النية بالليل؛ لأنه كان يأتي قبل الظهر، فيسأل أهله: هل عندكم طعام؟ فتقول عائشة : لا، فعدم تبييت النية نص مطلق، وهو قوله: هل عندكم طعام؟ فتقول: لا.
والمتطوع مخير قبل أن يصوم، فبعد أن يصوم هو أيضاً مخير، وليس هناك تطوع ينبغي أن يتمه المتطوع إلا نافلة الحج، ونافلة الصلاة إذا شرع فيهما فلا بد أن يتمهما، وماعدا ذلك فالمتطوع أمير نفسه، والدليل على ذلك حديث سلمان حينما زار أبا الدرداء فوجده صائماً، وأفطر أبو الدرداء في ذلك اليوم، وبوب البخاري على ذلك باباً فقال: يجوز للصائم المتطوع أن يفطر إذا نزل به ضيف، وهذا دون أدنى شك.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه: هل عندكم طعام؟ فقلن: لا، فقال: إني صائم، يدل على خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله.