أرشيف المقالات

اللف والنشر في القرآن الكريم

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
اللف والنشر في القرآن الكريم
 
مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ الْبَلَاغِيَّةِ اللَّفُّ وَالنَّشْرُ: وَهُوَ أَنْ يُذْكَرَ شَيْئَانِ أَوْ أَشْيَاءُ، إِمَّا تَفْصِيلًا بِالنَّصِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ إِجْمَالًا بِأَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ ثُمَّ يُذْكَرَ أَشْيَاءُ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ وَيُفَوِّضُ إِلَى عَقْلِ السَّامِعِ رَدَّ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.
 
أَقْسَامُ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ:
اللَّفُّ وَالنَّشْرُ ينقسم إلى قِسْمَينِ:
الأَوْلُ: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُرتَّبُ.
الثَّانِي: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ غيرُ الْمُرتَّبِ.
 
أولًا: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُرتَّبُ:
مِثَالُهُ:
قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.[1]
فقوله تَعَالَى: ﴿ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾، راجعٌ إلى اللَّيْلِ، أَيْ: لِتَسْكُنُواْ فِي اللَّيْلِ، وقوله: ﴿ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ راجع إلى وَالنَّهَارِ، أَيْ: وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ فِي النَّهَارِ، ففي الآية لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرتَّبٌ.
 
وَمِثَالُهُ أيضًا قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.[2]
 
فَالَّذِينَ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَاصِبٌ هُمْ: عَادٌ، وَالَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ هُمْ: ثَمُودُ، وَالَّذِي خَسَفَ بِهِ الْأَرْضَ: قَارُونُ، وَالَّذِينَ أَغْرَقَهُمْ اللَّهُ: فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَمَنْ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا.
فَفِي الآيات لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرتَّبٌ كما ذكرنا.
 
ثانيًا: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ غَيرُ الْمُرتَّبِ:
مِثَالُهُ:
قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.[3]
فِي الْآيَتَين لَفٌّ وَنَشْرٌ غيرُ مُرتَّبٍ، فقد ذَكَرَ فِي اللَّفِّ الِابْيِضَاضَ قَبْلَ الِاسْوِدَادِ، وَذَكَرَ فِي النَّشْرِ حُكْمَ مَنِ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ قَبْلَ حُكْمِ مَنِ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ.
 
وَمِثَالُهُ أيضًا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا ﴾.[4]
فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غيرُ مُرتَّبٍ، فقد ذَكَرَ فِي اللَّفِّ اللَّيْلَ قبل النَّهَارِ، فقال: ﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾، وَذَكَرَ فِي النَّشْرِ ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ يُرِيدُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَعَاشِ فِي النَّهَارِ، ثم قَالَ: ﴿ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ﴾، والمرادُ الحسابُ المتعلقُ بما في ضمنِ السنينَ من الأشهرِ والليالي والأيامِ، يعني منازل القمر.



[1] سُورَةُ الْقَصَصِ: الآية/ 73.


[2] سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الآية/ 36 : 40.


[3] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 106، 107.


[4] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 12.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢