العدة شرح العمدة [18]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين..

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل اللقاء مع الفقه الحنبلي من كتاب العدَّة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي ، ولكن قبل أن نعيش مع موضوعنا هذه الليلة دفع لي بعض الإخوة مقالاً في كتاب موجود لرجل معروف بردته قبل ذلك، وقد أصدر الأزهر فتوى بردته واستتابته واسم الكتاب (حقيقة الحجاب وحجية الحديث)، يتطاول فيه على الحجاب الشرعي، وعلى الآيات القرآنية التي جاءت في ذكر آية الحجاب، ولا أدري ماذا يريد؟ هل يريد للنساء أن يخرجن عاريات؟ فإن الفطرة السليمة السوية تقبل الحجاب، أما صاحب الفطرة التي فيها دخن فإنه يحب لزوجته أو لابنته أن تسير عارية الذراعين أو الفخذين أو الصدر وينظر إليها الرجال، إن كان يحب ذلك فهذه دياثة؛ فليراجع الأوراق.

وليست بجديدة هذه الهجمة الشرسة على الحجاب الذي فرضه الله عز وجل.

ثانياً: ذكر في مجلة حمراء -وما أكثر المجلات الحمراء في هذا الزمن الذي وسِّد فيه الأمر إلى غير أهله- أن معظم الباعة الذين يجلسون بجوار مسجد العزيز يلبسون ثياباً بيضاء قصيرة، ويطلقون اللحى؛ كأنه يستهزئ من هذا السمت، وذكرت المجلة أن الباعة يمولون الإرهاب.

الله أكبر! وهؤلاء أناس لا عقول لهم، هل انتهت أزمة الأمة؟! يا عباد الله! نسأل الله لكم العافية.

ثالثاً: والتقط صورة لأخت منتقبة، وهذا السمت يزعجهم.. ويقلقهم.. ويمرض قلوبهم، فهم يريدون للنساء العري والإباحية والاختلاط.

ولو أنه ذهب والتقط صورة على (الكرنيش) لشاب يحضن فتاة ويقبلها لكان ذلك يعجبهم. وأبناؤهم هم الذين يفعلون هذا، لا شك في ذلك ولا مراء ولا جدال، فالمسألة -إخوتي الكرام- مسألة مزايدة، فهم يقولون: الحقوا يا ناس! الإرهاب من عند مسجد العزيز وفي الشوارع، فهم يظهرون غير ما يبطنون، وينتسبون إلى اللادين، ليس عندهم دين ألبتة، بل علمانية لها تصور في الشريعة وفي العقيدة كما بينا، تصور العلمانية في الشريعة أن هناك فرقاً بين الدين والدنيا، والدين لا يدخل في الأحكام الدنيوية، وهذا اسمه فصل الدين عن الدولة، يعني: الدين مساجد.. عبادة.. تماتم.. تسبيحات، إنما الأحكام والمعاملات ليس لها دخل بالدين.

إذاً: العلمانية العفنة في أقبح صورها هي: فصل الدين عن الدولة، أما في مجال العقيدة فهؤلاء يؤمنون بكل محسوس، فما أحسوه آمنوا به، وما لم يحسوه لم يؤمنوا به؛ فهذه العلمانية في أبسط صورها، وهي بدعة أوروبية مستوردة.

وهذه المجلات الهابطة الداعرة يتسلط فيها أصحابها بجهل أو بأسلوب متعمد على شرع الله عز وجل وعلى دين الله تبارك وتعالى وهم أبواق تردد ما يملى عليها.

طبعاً! مجلة في هذا الحجم وبهذه الطبعة الفاخرة تكلف آلاف الجنيهات، وأنا أنصح بعدم شراء هذه المجلات الحمراء، لا تقل: أشتريها لأعرف ما بها، أنت الآن تدعمها، إنما اجعلها كالزبالة، لا تلتفت إليها، من أجل أن تطبع ثم ترد، حتى تتوقف عن الطباعة، أما أن يطبع منها -مثلاً- عشرة آلاف نسخة وتباع؛ فهذا تصريح بالاستمرارية.

فأنا ضد اقتناء مثل هذه المجلات الحمراء أبداً بحال، وهؤلاء معروفون عندنا، تاريخهم القديم معروف بحربهم على الثوابت الإسلامية.

أما الحجاب الشرعي فقد اتفق عليه علماء الأمة قاطبة، وأنا لن أرد عليه، وإنما سأحيله إلى مفتي الديار حينما قال: الحجاب من ثوابت الإسلام، فهو الآن في حرب مع المفتي، فإنه يناقض قول مفتي الديار الذي عين مفتياً للديار، أنت يا عبد الله أيها القزم! يا من يطعن في الحجاب، لا قيمة لطعنك هذا.

بعض الناس إن لم يكن له ذكر ويكون نكرة، فيريد أن يذكر ويشتهر، فيطعن في الثوابت؛ لأجل أن نهتم به، هذا هو الغرض، يأتي إلى أمر مجمع عليه ولا نزاع فيه بين علماء الأمة فيدخل في هذا الموضوع، ونقول:

وما ضر الورود وما علاها إذا المزكوم لم يطعم شذاها

وحينما تقول: إن السيف أمضى من العصا ظلمت السيف.

قال الشاعر:

ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

أي: أنك إذا قارنت بين السيف والعصا ظلمت السيف، فلا تلتفت إلى العصا، فإن من الظلم أن يقارن السيف بالعصا.

ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

أي: لو أن كل كلب عوى ألقمته إلى فمه حجراً؛ أصبحت الحجارة لها ثمن؛ فدعهم ينبحون ولا جدوى لنباحهم، قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8]، وأمر التدافع بين أصحاب دعوة الحق وأصحاب الدعوات الباطلة سنة كونية أبدية سرمدية إلى قيام الساعة، لا بد من الصراع بين الحق والباطل، ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، قال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55].

فإخواني الذين دفعوا لي هذه المجلة الذي ساءني رؤيتها، الحقيقة لا أريد أن أنظر إليها.

قيل: إن عاصمة العراق بغداد كانت عاصمة الدولة العباسية، وكانت قد اتخذت عاصمة قبلها تسمى: (سامراء)، وكانت محطمة، فكانون يطلقون عليها (ساء من رأى)، أي: أنها أساءت من رآها، فلما جملوها سموها (سر من رأى)، فسميت: (سامراء)، فهذه المجلة (ساء من رأى)، أي: تسيء من رآها؛ فلا داعٍ -أخي في الله!- أن تعتني بمثل هذه الأمور أبداً.

أيها الإخوة الكرام! كنا توقفنا في باب الإمامة عند قوله: [ولا تصح إمامة المرأة بالرجال].

وهذا أمر لا خلاف فيه؛ لأن الله قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، فالمرأة لا يجوز لها أن تؤم الرجل، ولذلك لو تتبعت الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة؛ لوجدت أن كثيراً منها يختلف فيها الذكور عن الإناث، فليس للمرأة أن تؤذن، ولا أن تخطب الجمعة، ولا أن تصلي بالرجال، ولا أن تعتلي منصب القضاء، بل إن بول الجارية يغسل، وبول الذكر ينضح وذلك قبل الفطام، لحديث أم قيس في البخاري : (بول الصبي ينضح وبول الجارية يغسل).

وفي العقيقة للذكر شاتان، وللأنثى شاة واحدة.

وفي الميراث: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].

وفي الشهادة: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282].

وفي الدية: أجمع العلماء على أن دية الذكر مثلي دية الأنثى، فهذه أحكام شرعية، وربنا عز وجل قال في آل عمران: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، فهذا حكم مجمع عليه.

قال رحمه الله: [ولا تصح إمامة من به سلس البول) لأنه أخل بشرط من شروط الصلاة وهو الطهارة، فإن صاحب سلس البول مريض، وكذا من به انفلات الريح والمستحاضة، وهؤلاء أهل أعذار، وأهل الأعذار لا يجوز لهم إمامة الصحيح أو السليم المعافى؛ لذلك لما سألني أحد الإخوة: عن حكم إمامة الرجل الكسيح يعني: المشلول، قلت: لا يجوز له أن يكون إماماً، إلا إذا اعتلاه مرض يرجى برؤه، وفرق بين هذا وهذا؛ لأن الذي يؤم الناس ينبغي أن يكون صحيحاً معافى، فالذي به سلس بول، وهو انفلات الماء لضعف المثانة حيث أنها لا تتحكم في البول؛ فيقطر منه البول بعد الوضوء، فهذا مريض بسلس البول.

وهناك أناس -عافانا الله وإياكم- عندهم انفلات ريح أو سلس بول، فهم من أهل الأعذار، فمن كان به سلس بول فإنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي حتى وإن خرج منه البول بعد ذلك؛ شريطة أن يتحفظ على فرجه حتى يعزل بين البول وبين ملابسه بحافظة، هذا كلام العلماء، لكن من به مرض سلس البول لا يجوز له أن يكون إماماً.

قال رحمه الله: [ ولا تصح إمامة الأمي الذي لا يحسن الفاتحة، أو يخل بحرف منها إلا بمثله]

يعني: مريض سلس البول لا يتقدم فيؤم الناس، وكذا الألتغ الذي يقلب الحروف لا ينبغي أن يؤم غيره.

كذلك الأمي الذي لا يجيد قراءة الفاتحة، ويخل بحرف من حروفها، كمن قرأ: (الذين) ولم يخرج مخرج الذال؛ فيكون قد أخل بحرف من الحروف، فعلى المصلي أن يتقن قراءة الفاتحة قراءة صحيحة، واللحن الخفي لا يخل في القراءة بخلاف اللحن الجلي، كأن يقرأ قول الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ [الفاتحة:7]، برفع: (أنعمتُ)، أي: أنه نسب النعمة إلى نفسه، فإذا قال: (أنعمتُ)؛ بطلت الصلاة، فهذا مثل لحركة بطلت بها الصلاة، فلا بد أن يجيد الإمام قراءة الفاتحة ولا يلحن في قراءة حرف واحد من حروفها.

وكذا في قوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وهناك من يثبت ياء، فيقول: (مالكي يوم الدين)، فأثبت ياء بحركتين، فأبطل بذلك الفاتحة.

ولا يصح أن يسكن لفظ (مالكَ) أو يفتح؛ لأن (مالك) لفظ مكسور، إن وقف سكن، وإن وصل كسر، فهذا لحن أيضاً في حروف الفاتحة.

فعلى الإمام أن يجلس بين يدي قارئ للقرآن يصحح له الفاتحة ويقرأها قراءة صحيحة مائة بالمائة، ولا يكون إماماً إلا وهو يجيد قراءة الفاتحة.. إلخ.

ثم قال: إن لحن الإمام في الفاتحة لحناً جلياً يراد بأنه إذا أقرَّ على هذا الخطأ بطلت الصلاة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة.

ثم قال: [ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم] لأن المتيمم العادم للماء كالمتوضئ القادر على الماء، والدليل أن عمرو بن العاص رضي الله عنه صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل وهو متيمم، فقد أصابته جنابة فتيمم، وأم الناس وهم متوضئون، وبعد الصلاة علموا أنه على جنابة وصلى بهم متيمماً، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو ! صليت بهم جنباً، قال: نعم يا رسول الله! تذكرت قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، والجو كان بارداً برداً شديداً، وفي هذه الحالة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من صلى خلف عمرو أن يعيد الصلاة إقراراً منه على ائتمام المتوضئ بالمتيمم.

قال رحمه الله: [ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لما روى جابر أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة، متفق عليه.

وروى الأثرم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضاً ثم سلم].

صلاة الخوف في الحرب لها صور متعددة:

منها: أن الإمام يصلي ركعتين بطائفة، وركعتين بطائفة أخرى، يصلي ركعتين بالطائفة الأولى فرضاً بالنسبة له والطائفة الثانية يصلي بهم ركعتين نفلاً وهم مفترضون.

والصورة الصحيحة: أن يصلي ركعتين، يصلي ركعة بطائفة ثم يقوم وتقوم معه الطائفة الأولى، ثم يظل قائماً إلى أن تأتي الطائفة الأولى بركعة وهو قائم، ثم يسلمون ويتقدمون وترجع الأخرى، وتأتي معه بركعة التي قام فيها، ثم يصلي ركعة ويجلس للتشهد، فتقوم الطائفة الثانية تأتي بالركعة وهو جالس للتشهد، ويجلسون ويتشهدون ويسلمون.

نأتي بطائفتين والإمام أمامهم، ثم يصلي بطائفة والطائفة الثانية في الأمام تحرس، والإمام في الخلف هو والطائفة الأولى، فطائفة تحرس وطائفة تصلي، وبالنسبة للطائفة التي تصلي مع الإمام في الخلف تسمى الطائفة الأولى، يصلي بهم الإمام ركعة كاملة، ثم يقوم ليأتي بالركعة وهم معه، ويظل قائماً، وهم يأتون بركعة بمفردهم حتى ينتهوا من الركعتين، ثم يتقدمون.

ثم بعد أن ينتهوا ينفصلوا عن الإمام ويتقدموا للحراسة بدلاً من الطائفة الثانية، وتعود الطائفة الثانية مع الإمام الواقف تأتي معه بركعة، ثم يجلس هو للتشهد، ثم تقوم الطائفة الثانية وتأتي بركعة ثانية ثم تجلس معه للتشهد، ولا تسلم حتى يسلم الإمام.

فأحد صور صلاة الخوف: أن يصلي الإمام ركعتين مفترضاً وركعتين متنفلاً.

ثم قال رحمه الله: [ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضاً ثم سلم، والثانية منهما تقع نافلة، وقد أم بها مفترضين، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال؛ فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض، وعنه: لا يجوز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه) متفق عليه]، يعني: رواية عن أحمد أنه لا يجوز، والرواية الأخرى يجوز، والراجح وخلاصة القول: أنه يجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل، وهذا مذهب الشافعي وهو الراجح، وأدلته أقوى وأوضح، لحديث معاذ ، وحديث صلاة الخوف.

قال رحمه الله: [ وإذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام] أي: يقف بجواره تماماً، أن تكون القدم ملاصقة لقدم الإمام لحديث ابن عباس في البخاري؛ وكثير من الناس يعتقد أنه إذا صلى مع الإمام فينبغي أن يتراجع قليلاً، وحديث ابن عباس في البخاري هو: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عن يساره، فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه)، أي: إذا صلى المأموم بجوار الإمام منفرداً فينبغي أن يقف عن يمين الإمام، وابن عباس وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فجذبه النبي صلى الله عليه وسلم من أذنه وفتلها، وجعله عن يمينه، وفي هذا جواز أن يعدل الإمام وقفة المأموم.

قال رحمه الله: [فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح] وهذه المسألة مهمة جداً، فإن بعض الناس في مسجد العزيز في يوم الجمعة يصلون أمام الإمام لغير ضرورة، وأنا أحذر من هذا الصنيع، إذا وقف المأموم أمام الإمام لم تصح الصلاة، إلا لضرورة، وهي ضيق المكان، أما إذا كان المكان واسعاً أو توجد شوارع حول المسجد؛ فلا يجوز للمأموم -لأنه تابع- أن يتقدم على الإمام، فضلاً عن أن البعض يصلي في أماكن ليس فيها اتصال صفوف، فيقف لوحده في حجرة في المسجد أو خارجه ويتابع إمام المسجد في الصلاة، وهذا لا يصح، لأنه لا بد من اتصال الصفوف وأن يرى كل صف الذي قبله، وهذه من الأمور المهمة التي نفرط فيها كثيراً.

وهنا ثلاث حالات:

الأولى: إذا كان المأموم واحداً، ووقف عن يسار الإمام، قال: لم تصح، والصحيح أنها تصح؛ لأن ابن عباس لما وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم جذبه، وما أمره أن يعيد ما صلى عن يساره، هذا هو الكلام المعتبر، لكن إن وقف وحده خلف الإمام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، فإن كان بمفرده لا بد أن يكون بجواره، أما إن اكتمل الصف وهو عاجز عن أن يقف مع آخر؛ فيسقط عنه الأمر، فلو دخلت المسجد فوجدت أن الصف قد اكتمل قف بمفردك خلف الصف وصلاتك صحيحة، وهذا هو القول الراجح.

أما من قال بجذب واحد من الصف الممتلئ فليس معه دليل فضلاً عن الخلل الذي أحدثه في الصف الأول.. وهو فرجة.

ثانياً: يتسبب في أن يرجع رجلاً من الصف الأول إلى الصف الثاني، وهو جاء مبكراً يريد الصف الأول وأجره، فيُرَدُّ إلى الصف الثاني.

أما أصول الفقه وأقوال الفقهاء فتؤيد ما قلناه من أن المكلف لا يكلف إلا ما في طاقته، إذ لا تكليف إلا بمقدور، فلو أن شخصاً مصاباً بكسور لا يلزم بالقيام في الصلاة على أساس أن القيام ركن فيها.

وفي مسألتنا هذه وهي إتيان الفرد لصلاة الجماعة مع اكتمال الصف، فينفرد بسبب عدم القدرة على الدخول في الصف، والحديث في البخاري حجة.. وكذا حديث أنس مع الطفل اليتيم والمرأة، يقول أنس : (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وبجواري غلام يتيم، ووقف من خلفنا أم سليم بمفردها)، فـأم سليم وقفت خلف الصف لوحدها كما في الحديث، فدل ذلك على أن صلاة المرأة منفردة خلف الصف تصح وصلاة الرجل منفرداً خلف الصف يصح كذلك، وأم سليم لم تجد من يقف بجوارها؛ فهي لا تكلف إلا قدر استطاعتها، وابن حجر يعلق على ذلك قائلاً: والدليل على هذه القضية حديث أنس . وليس من المعقول ولا من المنقول أن تكلفني ما فوق طاقتي.

وهل على من أتى ولم يجد فرجة في الصف السابق أن ينتظر حتى يأتي شخص آخر معه في الصف، وإلا فعليه أن ينتظر؟ وإن لم يأت أحد فماذا يعمل؟ وجذب أحد المصلين إلى الصف الثاني ليس عليه دليل.

وإذا دخل اثنان معاً المسجد وفي الصف السابق فرجة لواحد فقط، فيسد أحدهما الفرجة والثاني يقف بمفرده في الصف، فإما أن يقف الاثنان في الصف الثاني ويدعا الفرجة دون أن تسد وهذا لا يصح، وصلاة أحدهما تبطل؛ لأنه إذا رأى المأموم فرجة وتركها، ووقف منفرداً بطلت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يقف بمفرده خلف الصف وفي الصف السابق فرجة فأمره بإعادة الصلاة؛ لأنه وجد فرجة ولم يسدها بل أنشأ صفاً جديداً، هذا فقه الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله).

وإذا تيسر له أن يقف بجوار الإمام فهذا هو الأولى إذا كان سيتخطى الرقاب مسافة طويلة، فهذا عاجز وليس عليه حرج، بل يسقط للعجز.

حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، وأمره أن يعيد صلاته.

إذاً: المواضع المنهي عن الوقوف للمأموم: عن يسار الإمام أو أمامه أو منفرداً خلف الصف.

قال رحمه الله: [إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه؛ لما روى أنس أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا، فصلى ركعتين)، وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه] أي: الجماعة يقفون خلف الإمام، والملحوظ في بعض المساجد أن المسافة بين الإمام وبين الصف الأول تتسع لصف آخر، ولا بد من تقارب الصفوف بحيث تكون المسافة بين الصف والصف لا تتسع إلا لصف واحد، بحيث حينما أسجد أسجد عند أقدام من في الصف السابق، وحينما يسجد من في الصف الأول يسجد عند قدمي الإمام، أما هذه المسافات الواسعة فلا تجوز بحال أبداً؛ فلننتبه لمثل هذه الملاحظات.

قال رحمه الله: [وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فيقفون خلفه)، ولما وقف جابر وجبار عن يمينه وشماله؛ أخرهما بيده إلى خلفه.

فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح ] أي: لو أن رجلين وقفا عن يمين الإمام صحت صلاتهما، والأولى أن يقفوا خلفه، وأريد أن أستطرد على كلام الشيخ فأقول سؤالاً وهو: كيف يرتب الصف خلف الإمام؟

والجواب: إذا كانوا اثنين فينبغي للمأموم الأول أن يقف خلف الإمام مباشرة، والمأموم الثاني يقف عن يمين المأموم الأول، ثم إذا جاء ثالث فإنه يقف عن يسار المأموم الأول الذي خلف الإمام؛ حتى يوسط الإمام، بحيث يكون واحد عن اليمين وآخر عن الشمال، وهذا هو المعتبر من أقوال الفقهاء.

ولو كنت إماماً لاثنين فوقف واحد عن يميني والآخر عن يساري وجعلوني في الوسط، فإن الصلاة صحيحة بهذه الصفة.

قال المصنف رحمه الله: [ لما روي أن (ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود - أي: أن علقمة عن يمينه والأسود عن يساره- فلما فرغوا قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل) رواه أبو داود .

فإن وقفوا قدامه لم تصح -يعني: إن وقفت الجماعة أمام الإمام لا تصح- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فإن الإمام متبوع، أما لو تقدم عليه المأموم أصبح تابعاً؛ فلذلك وجب نهي من يتقدم على الإمام ممن يصلون خارج المسجد.

قال رحمه الله: [لأنهم يرونه فيقتدون به، بخلاف ما لو كانوا قدامه، ولأنه أخطأ موقفه؛ فلم تصح صلاته، كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام.

وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطاً- أي: فلا يجوز على إمامة النساء أن تتقدم الصف، وإنما تصلي وسط الصف- لما روى سعيد بن منصور أن أم سلمة أمت النساء؛ فقامت وسطهن، وروي عن إبراهيم قال: تؤم المرأة النساء في رمضان، وتقوم معهن في الصف، يركعن بركوعها، ويسجدن بسجودها؛ ولأن المرأة يستحب لها التستر فلهذا يستحب لها ترك التجافي، وكونها في وسط الصف أستر لها؛ فاستحب لها ذلك كالعريان, وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم] أي: لو أن أناساً عراة وإمامهم عار، فإنه يقف وسط الصف، شأنه شأن المرأة.

قال رحمه الله: [فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء] وأنبه على ظاهرة خطيرة في مساجدنا وهي أن الصف الأول للرجال، وبعد الرجال الصبيان ثم النساء، وهذا الكلام غير صحيح أبداً، والدليل على ذلك عدة أحاديث عند البخاري ، منها: أن الغلمان الصغار كانوا يقفون مع الرجال في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن يخصص صفاً للصغار، فهذا كلام غير صحيح؛ لأنه ثبت أن غلاماً يتيماً صلى بجوار أنس بن مالك ، فلو كان الأمر كذلك -ولا يجوز للصغير أن يقف بجانب الكبير- لما أوقف أنس ذلك الصغير بجانبه.

وحديث آخر عند البخاري عن ابن عباس يقول: (كنت غلاماً لم أناهز الحلم -أي: لم أحتلم- فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في منى في حجة الوداع إلى غير جدار، فقمت في الصفوف).

وأكثر من سبعة أحاديث أوردها البخاري مستدلاً على أن الغلام يقف في الصف، ولا نقيم صفاً لهم، إنما الصف الأول هو الذي ينبغي أن يكون فيه أولو الأحلام والنهى والحفظة؛ بحيث إذا اعترض الإمام شيء استخلف من الصف الأول من يقوم مقامه، وبعد ذلك فإن الغلمان يدخلون بين الصفوف، وهذا كلام الألباني رحمه الله، قال الألباني : الغلام لما يقف بجوار الكبير فسيتعلم منه كيف يصلي، أما عندما نعمل لهم صفاً مستقلاً خلف صف الرجال فسيلعب الأطفال بدلاً من أن يتعلموا الصلاة، وذكر الإمام البخاري في باب الأذان في أكثر من حديث يستدل به على أن الغلمان يصلون مع الرجال داخل الصفوف وهو: (تقدم الرجال ثم الصبيان) وهذا كلام مرجوح، قال رحمه الله: [ثم الخناثى ثم النساء؛ والأصل في ذلك ما روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (ألا أحدثكم بصلاة رسول الله! أقام الصلاة فصف الرجال، ثم صف خلفهم الغلمان)]، وهذا حديث ضعيف، رواه أبو داود .

أنا أستدل بما عند البخاري ، والمذهب يستدل بحديث ضعيف، احذر أن تأخذ بهذا الحديث الضعيف الذي فيه أنه رصَّ الرجال ثم الغلمان، أنا أحيلك إلى البخاري في تحقيق هذه المسألة الهامة.

والخنثى: هو الرجل الذي جمع بين الذكورة والأنوثة.

قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة] والمذهب على أن من أدرك الإمام ولو في التشهد؛ فقد أدرك الجماعة، وهذا هو الصحيح، والعلامة ابن حجر في فتح الباري جاء بهذا الكلام في أكثر من حديث؛ لأن البعض يقول: إدراك الجماعة بإدراك ركعة، وهذا غير صحيح، مثال ذلك: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة في التشهد ودخلت معه؛ فقد أدركت الجمعة بإدراك التشهد، فتصليها ظهراً، لكن سقطت عنك الجمعة.

مثال آخر: سافرت مائتين وخمسين كيلو، فجئت أصلي فأدركت الإمام وهو في التشهد الأخير، فدخلت معه، فيلزمني أن آتي بأربع ركعات؛ لأنني صليت خلف مقيم.

فإدراكي التشهد يلزمني أن أصلي أربعاً، مع أنني مسافر، قال الفقهاء: إذا أدرك المسافر الإمام المقيم وهو في التشهد الأخير فعليه الائتمام به ويصلي أربعاً، فمن أدرك التشهد فقد أدرك الجماعة، والحديث في البخاري وقد علق عليه ابن حجر تعليقاً وافياً، قال: إن من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، والمفروض أن يحسب الثلث داخل في الوقت وثنتين خارج الوقت، لكن من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يعطيهم أجراً كاملاً.

وهذا الحديث الذي وقع فيه صاحب كتاب (عمر أمة الإسلام)، وهو أن اليهود عملوا من الفجر إلى الظهر، والنصارى من الظهر إلى العصر، والمسلمين عملوا من العصر إلى المغرب، فصاحب العمل أعطى من عمل من الفجر إلى الظهر أجراً، وأعطى الذي عمل من الظهر إلى العصر أجراً، وأعطى الذي عمل من العصر إلى المغرب أجرين، فاعترض الأولان، وقالوا: كيف يأخذ ضعفينا وقد عمل أقل منا، أي: أن اليهود عملوا أطول وقتاً منا، لكن الله أعطى الأمة الإسلامية مثل ما أعطى الأمتين معاً، فلما اعترضوا قال لهم: ذلك فضلي أوتيه من أشاء، هل ظلمتكم؟ قالوا: لا.

والإمام البخاري يأتي بهذا الحديث، وصاحب كتاب (عمر أمة الإسلام) قال: إن عمر أمة الإسلام تساوي عمر أمة اليهود والنصارى مجتمعتين.

قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة؛ لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، ولأنه إذا أدرك جزءاً من الصلاة فدخل مع الإمام؛ لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها، وهو كونه مأموماً فيدرك فضل الجماعة.

ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، وإلا فلا]، وهذه المسألة فيها خلاف، ورأي الجمهور أن من أدرك الإمام راكعاً؛ فقد أدرك الركعة، وحد الإدراك أن يدرك معه تسبيحة واحدة مطمئناً؛ لحديث أبي بكرة : لما جاء متأخراً، فكبر خلف الإمام وركع، وسار وهو راكع حتى وصل الصف وأدرك الركعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)؛ وصاحب تحفة الأحوذي وغيره قالوا بعدم اعتمادها ركعة إلا بإدراك الفاتحة، لكن قول الجمهور أرجح، وأدلته كالشمس واضحة في رابعة النهار.

قال: [لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أدركتم السجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة)، رواه أبو داود ] أي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن إدراك الركوع إدراك للصلاة.

ودليلنا أيضاً: ما عليه جمهور العلماء عدا الأحناف: أن من أدرك الإمام راكعاً في صلاة الجمعة في الركعة الثانية فقد أدرك ركعة فليصل جمعة، ومن أدركه ساجداً فلم يدرك فليصل ظهراً، فجعلوا إدراك الركوع يوم الجمعة إدراك الجمعة؛ فيصلي ركعتين، وهذا قول جمهور العلماء، ولا خلاف بينهم في هذا القول.

أيها الإخوة الكرام! هذه ورقة تخرج علينا كل سنة، ويوزعها من لهم أغراض:

فتاة تبلغ من العمر ست عشرة سنة، مريضة جداً، والأطباء عجزوا عن علاجها، والورقة توزع في القرى، وتدخل على السفهاء والجهلاء، وفي ليلة القدر بكت، ونامت في منامها، فجاءتها السيدة زينب وأيقظتها وأعطتها شربة ماء، ولما استيقظت من نومها وجدت نفسها شفيت تماماً بإذن الله، ووجدت قطعة قماش مكتوب عليها: أن تنشر هذه الرسالة وتوزعها على اثني عشر شخصاً.

وصلت الرسالة إلى عميد بحري ووزعها؛ فحصل على ترقية خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى تاجر فأهملها؛ فخسر كل ثروته خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فوزعها؛ فحصل على ترقية وحلت كل مشاكله خلال اثني عشر يوماً.

أرجو منك يا أخي المسلم أن تقوم بنشرها وتوزيعها على اثني عشر فرداً، والرجاء عدم الإهمال.

ملحوظة:

قم بنشر هذه الرسالة وفقنا الله وإياكم لخير الأمة.

إمضاء الفتاة.

أهذا خير الأمة يا عبد الله! أنا لا أدري ماذا أقول في هذه السفاهة؟!

وهذا لا يحتاج إلى تعليق حقيقة، لكن أردت أن أبين إلى متى الاستخفاف بعقول الناس، وربما يقول قائل: يا شيخ! هذا كلام معروف، لكن ثق وتأكد أن هناك من يصورها وهم طبقة من المثقفين.

الرد على القصة التي فيها التوسل بالإمام الغزالي

مات في البلدة -وهو العمدة- فقام أحد الناس على القبر فقال: الرسول صلى الله عليه وسلم قابل موسى عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج، فقال موسى له: يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- أنت تقول: علماء أمتك أنبياء بني إسرائيل! قال: موسى! نعم، قال موسى: كيف ذلك يا محمد؟! فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لموسى: قل: يا يا شيخ محمد يا غزالي ! فسيجيبك في علم الغيب، فنادى موسى وقال: يا شيخ محمد يا غزالي ! فقال: نعم يا موسى! وبجواره أساتذة وعلماء ودكاترة في الجامعة، ولم يقل له أحد: يا مخرف اسكت! ماذا تقول يا رجل؟

فمعنى ذلك: أن الناس خلقوا قبل أن يوجدوا على الأرض، وهذه نظرية ابن عربي ، فإنه يرى أننا قبل أن نكون خلقاً على الأرض كنا خلقاً في السماء، يعني: الأشباح خلقت قبل أن توجد، فموسى عليه السلام نادى على الشيخ الغزالي باسمه فرد عليه في الملأ الأعلى في علم الغيب. وهذا كثير جداً، وحدث عنه ولا حرج.

وأنا كنت بعيداً في آخر الدفن، ولو كنت قريباً لحدث ما لا يحسبوه، لقلت له: يكفي يا مخرف! ممكن يحدث عواقب وأنا أعرف هذا، لكن تعجبت ممن بجواره، وهو رئيس قسم في أصول الدين بجانبه، ولم يعلق عليه، فهل يقبل هذا الكلام؟ وأذكر لكم فيما أذكر أن الشيخ عبد اللطيف مشتهري رئيس الجمعية الشرعية السابق، جاءه رجل فقال له: يا شيخ! هل إسماعيل عليه السلام دفن في الحجر؟ -بعض الناس يقول هذا الكلام- ولا دليل عليه، قال له: لماذا؟ قال: خطيب الجمعة اليوم قال لنا: إن إسماعيل دفن في الحجر، قال الشيخ: أنتم سكتم؟ قال: المسجد كله لم يتكلم أحد، فقال: خلاص، كأنه يقول: يا بهائم أنا مالي، نسأل الله العافية.

والشاهد من الكلام: أنه ليس أي كلام يقال يؤخذ، لو سمع الناس الخطيب أو غيره قال كلاماً أخطأ فيه فالمفروض عليهم تنبيهه وردُّ كلامه، لأن هذا دين فلا بد من قول كلمة الحق، ومع ذلك رواد المسجد كله ساكت على كلام لا يغني ولا يسمن من جوع.

يا عبد الله! الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس وينام في حجره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنام علي حتى غربت الشمس فقام، وقال: يا رسول الله! أنا لم أصل العصر، فأمر الشمس فعادت فقام وصلى ثم غربت بعد ذلك، وهذا الحديث في صحيح البخاري .

ذكر بعض قصص الوضاعين للأحاديث النبوية

وللأسف فإن هناك من يفتري على البخاري وينسب إليه الأحاديث كشخص في جامعة القاهرة علق حديثاً في ورقة طولها عشرة أمتار وكتب في آخره رواه البخاري ، وهو ليس بحديث؛ فقلت له: يا ضلالي! حرام عليك، البخاري ما ذكر هذا الحديث.

وأغلب القصاصين يذكرون قصصاً واهية، كما في قصة أحدهم أنه جلس في الحرم يقول: حدثني أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين ، فنظر أحدهما إلى الآخر: هل حدثنا هذا الرجل، فقال أحمد بن حنبل : يا هذا! أنا ابن حنبل وهذا ابن معين ، ما حدثناك! قال: ألستما عاقلان؟! أليس في العالم كله إلا ابن حنبل وابن معين ! أنا سمعت من ابن حنبل آخر وابن معين آخر، فهذا معناه أنه يكذب.

كذلك نوح بن أبي مريم وضع أربعة آلاف حديثاً من عنده في فضل القرآن الكريم، وفضل بعض سور القرآن، فقيل له: لم فعلت ذلك يا نوح ! قال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن؛ فأردت أن أرغبهم في قراءته، وكان الدافع لذلك هو زيادة الأجر في قراءة سورة معينة أو آية من كتاب الله لم يرد بذلك الشرع المطهر، فهذا وضع هذه الأحاديث بدافع أن يحبب الناس في قراءة القرآن الكريم؛ لذلك فإن حركة الوضع في السنة حركة مقصودة، فمنها: إسرائيليات.. وأحاديث ضعيفة، ولذلك تجد المتعصبين -كالأحناف- أرادوا أن يقدحوا في المذهب الشافعي فإذا ببعضهم يضع حديثاً قال فيه: قال صلى الله عليه وسلم: سيولد في أمتي رجل هو أضر عليها من إبليس اسمه محمد بن إدريس ، والذي وضع هذا الحديث أراد أن يقدح في المذهب الشافعي؛ فوضع هذا الحديث، وحدث ولا حرج.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2696 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2619 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2594 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2517 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2474 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2373 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2336 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2332 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2301 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2236 استماع