العدة شرح العمدة [7]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله: كتاب الصلاة:

روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له).

والصلوات الخمس واجبة على كل: مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء.

قوله: حديث عبادة بن الصامت ، هذا الحديث عمدة في أمرين هامين: الأمر الأول: أن الصلوات المفروضة على المسلم خمس.

قالت الأحناف: الوتر واجب، وهذا قول مرجوح، لأن حديث عبادة قال: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، هذا نص في أن الواجب خمس صلوات، ولو أن رجلاً نذر أن يصلي لله ركعتين، فإنه يصبح في حقه واجب، إذاً: هذا خرق لهذا الحديث، الواجب بحق الإسلام، لكن ليس معنى ذلك أن يكون هناك واجبات أخرى قد يفرضها الإنسان على نفسه، وقد تكون عارضة كصلاة الكسوف عند من قال بوجوبها، وكصلاة الاستسقاء عند من قال بوجوبها، لكنها ليست في اليوم والليلة وإنما هي عارضة، والحديث يتحدث عن الواجب في اليوم والليلة في حق المسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) وكتب بمعنى: فرض، وهي من صيغ الوجوب، وكلمة كتب المراد بها: الكتابة القدرية الكونية، وهناك كتابة شرعية دينية، وعدم التفرقة بين الشرع الديني والقدر الكوني يوقع في ضلال بعيد.

فقوله تبارك وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فهذه كتابة شرعية دينية، فهناك فرق بين الشرع الديني والقدر الكوني.

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، وهذه كتابة قدرية كونية وليست شرعية دينية، وقد أجاد شيخ الإسلام رحمه الله في بيان الفرق بين الكوني القدري والشرعي الديني في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ووضع باباً كاملاً في الفرق بين الأمر الشرعي الديني، والأمر الكوني القدري.

وقوله في الحديث: (كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن -أي: على الصلوات الخمس- كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن وضيعهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، ولعل هذا دليل الجمهور في أن تارك الصلاة تكاسلاً وليس جاحداً تحت مشيئة الله، خلافاً للحنابلة الذين جاءوا بأدلة تبين أن تارك الصلاة تكاسلاً كافر كفراً يخرج من الملة، يعني: إن تركها تكاسلاً يكفر، فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، والجمهور رأيهم: أنه يكفر كفراً عملياً، ودليلهم هذا الحديث .. حديث عبادة : (ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد ولا برهان وأمره إلى الله).

والحنابلة قالوا: هذا الحديث مخصوص بأحاديث أخرى بيّنت أن تارك الصلاة كافر، منها حديث: (إن آخر من يخرج من النار أناس تعرفهم الملائكة بآثار سجودهم)، إذاً الذي لا يصلي لا يخرج من النار؛ لأن الحديث فيه: آخر من يخرج من النار تعرفهم الملائكة بآثار السجود، فالذي لا يصلي كيف تعرفه الملائكة وهو لا يصلي، فلن يخرج من النار.

واستدلوا أيضاً على كفر تارك الصلاة بحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وقول الصحابة: كنا لا نعد من الأوامر الشرعية أمراً يعد تركه كفراً إلا الصلاة، فيا تارك الصلاة هل تريد أن تكون مختلفاً في أمرك؟ وقد اتفق الفريقان على أن تارك الصلاة يستتاب ثلاثاً، فإن أصر على تركها يقتل، ولكن الحنابلة يقولون: يقتل ردة، والجمهور يقولون: يقتل حداً كالزاني المتزوج يرجم حداً، ومعنى أنه يقتل حداً: أنه يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.

لكن لو جئنا برجل لا يصلي وقلنا له: صل وإلا قتلناك بعد ثلاث، فقال: اقتلوني ولن أصلي، فهذا جاحد لأننا لا نتصور أن يقال له: ستقتل ويختار القتل على الصلاة وهو مقر بها.

ومن أدلة كفر تارك الصلاة: قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43]، إذاً: تارك الصلاة في سقر، والذي قال عن القرآن: إن هو إلا سحر يؤثر يعني: من جحد القرآن فهو في سقر أيضاً، فكأن تارك الصلاة مع الذي قال: إن القرآن سحر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يحافظ عليهن حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، قال ابن القيم رحمه الله: فمن شغله ماله حشر مع قارون ، ومن شغلته وزارته حشر مع هامان، ومن شغله ملكه حشر مع فرعون، ومن شغلته تجارته حشر مع أبي بن خلف ، وهؤلاء أئمة الكفر.

والمسألة خلافية لا أريد أن أقطع فيها بقول، ولكن أدلة الحنابلة واضحة وضوح الشمس، ولقد أقسم الشيخ ابن عثيمين وهو يجلس في حجر الكعبة يلقي درسه أن تارك الصلاة كافر، لكن بعد إقامة الحجة.

وهناك فرق بين تكفير المعين وتكفير الفعل، فنقول: تارك الصلاة كافر لكن لا نستطيع أن نقول: فلان كافر، فهناك فرق بين تكفير الصفة وتكفير المعين؛ لأن تكفير المعين له ضوابط شرعية عند أهل السنة.

يعني: هل هناك فرق بين أن تصف الفعل، والرسول عليه الصلاة والسلام: لعن الله النامصة بصفتها، لكني لا أستطيع أن أرى امرأة نامصة وأقول: فلانة ملعونة، هذا لا يجوز؛ لأن اللعن معناه: الطرد من رحمة الله، وهي ربما تتوب غداً، وربما يكون لها حسنات ماحية، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة .

إذاً: تكفير المعين احذر أن تقع فيه، أما الحكم على الصفة فهذا أمر معلوم عند العلماء، تقول: كل متبرجة ملعونة، هذا كلام عام لكن لا تستطيع أن تقول: فلانة ملعونة.

والحكم بكفر المعين هو لأهل العلم بعد إقامة الحجة ونفي الشبهة، لأن الحكم بالكفر حكم بالإعدام، كأنك تحكم عليه بالخلود في النار، ولا يرث ولا يورث، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

ومع ذلك فلا يعامل تارك الصلاة معاملة الكافر، فهذا لا يجوز، وإنما ينظر في حاله فإن هجرته ارتدع وصلى، إذاً: أهجره، إن وصلته صلى إذاً صله، فأحياناً الهجر يكون بالزجر، أو الزجر بالهجر كما يقول ابن حجر .

لكن أن تأخذ حكماً بكفر تارك الصلاة وتقطع به، ثم لا تؤاكله ولا تشاربه ولا تلقي عليه السلام وربما يزداد في غيه، فلا داع أن نعامل تارك الصلاة أو العاصي معاملة الكفار، فهذا غير مطلوب.

فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ.

ثم قال: يقول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

وقال في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، متفق عليه.

ولأن الكافر لا يصح أن يؤديها ولا يلزمه أن يقضيها أشبه المجنون فإنها لا تجب عليه ولا على الصبي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن -وذكر منهم- الصبي حتى يحتلم)، والكلام هنا في وجوب الصلاة على الصبي، وأنها ليست واجبة، ولكن إن صلى تقبل منه، إذاً: البلوغ شرط وجوب.

وهناك فرق بين شرط الوجوب وشرط الصحة، فشرط الوجوب معناه: أنها تجب في سن معين، أما شرط الصحة فمعناه: أنها تصح منه إن فعلها، والصبي يبلغ بثلاث علامات: إما أن ينبت شعر العانة، وإما أن يحتلم، وإما أن يبلغ خمس عشرة سنة، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع)، فمعناه: إن صلى الصبي وهو ابن سبع سنين فصلاته صحيحة، وإن تركها فليس عليه شيء، إذاً: البلوغ شرط وجوب، وهناك فرق بين شرط الوجوب وشرط الصحة.

ثم قال: الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ؛ لأن العقل مناط التكليف، فالتكليف لا يكون إلا لعاقل، فإن ذهب العقل ذهب التكليف، ولذلك لا تكليف على المجنون؛ لأنه فقد عقله، ولا تكليف على الناسي؛ لأنه فقد العقل بالنسيان، وفقد الذاكرة، ولا تكليف على النائم؛ لأن النوم ليس معه إرادة، فلا بد أن يكون مختاراً مريداً عاقلاً.

ثم قال: على كل مسلم عاقل بالغ إلا الحائض والنفساء.

ثم قال: فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر بالإجماع، وحكمه حكم المرتدين، وإن كان متهاوناً بها وهو مقر بوجوبها دعي إليها، ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك، فإن صلى وإلا قتل بالسيف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، قال: يستتاب وإلا قتل بالسيف؛ لأن القتل في الإسلام يكون بالسيف، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القتل صبراً، وعن القتل بأي وسيلة أخرى، كالخنق فهو وسيلة غير شرعية، والرمي بالرصاص وسيلة غير شرعية، والقتل بالجوع وسيلة غير شرعية.

كيفية قضاء الصلوات الفائتة

السؤال: رجل ترك الصلاة لمدة خمسة أيام ثم عاد إلى الصلاة من نحو ثلاثة أيام، فكيف يؤدي ما فاته؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا على قولين: القول الأول: لا قضاء للفائتة، وإنما عليه أن يكثر من النوافل.

والقول الثاني: عليه أن يقضي.

والراجح أنه يقضي إذا كانت الفائتة غير متعددة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الفجر بعد شروق الشمس، وقضى العصر بعد غروب الشمس في يوم الأحزاب، فثبت أنه صلى قضاءً، صلى الفجر بعد الشروق، وهذا يسمى قضاء، وصلى العصر بعد الغروب يوم الأحزاب، وهذا مشروعية القضاء.

لكن إذا تعددت الفروض، ترك الصلاة شهراً أو تركها سنة، فإن الراجح من أقوال العلماء أنه لا يقضي وإنما يكثر من النوافل.

أما إذا ترك صلاة واحدة فقط فيقضيها حينما يذكرها؛ لحديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، ولا يتركها إلى الفرض الثاني.

حكم من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس

السؤال: فاتتني صلاة العصر وقد أقيمت صلاة المغرب فأيهما أصلي أولاً؟

الجواب: لا بد أن يصلي العصر للحفاظ على الترتيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته العصر في يوم الأحزاب بعد غروب الشمس صلى العصر ثم المغرب، قال ابن حجر في الفتح معلقاً: وفي هذا مشروعية الترتيب في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم المغرب بعد غروب الشمس.

حكم من ترك صلاة واحدة متعمداً

السؤال: هل ترك صلاة واحدة كترك الصلوات جميعاً؟

الجواب: إن ترك الصلاة لنوم أو لنسيان فهذا معذور، ولكن إن أصر على تركها فهذه مسألة خطيرة جداً، لذلك قال العلماء: لا ينظر في أمر تارك الصلاة إلا بعد أن يترك أكثر من فرض، لكن شيخ الإسلام يقول: لو أن رجلاً نام وقد عزم النية على أن لا يستيقظ، بأن ضبط المنبه على الساعة الثامنة، أو قال لأهله: أيقظوني الساعة الثامنة، فهو على خطر عظيم، وأنا لا أقطع بكفره، ولكن مسألة التكفير نحن نتورع فيها، وأرجو من إخواني أن يتورعوا فيها، وأن لا يطلقوا لألسنتهم العنان في التكفير أبداً، فتارك الصلاة مرتكب لكبيرة، وهذا بلا أدنى خلاف، وتارك الفجر متعمداً مرتكب لكبيرة، بل من أكبر الكبائر وليس كبيرة فقط.

حكم صلاة الرجل في بيته جماعة

السؤال: ما حكم صلاة الرجل بالأسرة في المنزل؟

الجواب: ليس هناك صلاة للرجال في البيت إلا النافلة، صلاة البيت للنساء، أما الرجال في المساجد: (ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، وإن كان الحديث فيه كلام، لكن لا بد أن تعلم أن المساجد جعلت للصلاة، وحديث ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الذي لم يجد من يقوده إلى المسجد، ربما تعترضه هوام، وربما يصطدم بشجرة في الطريق، وربما يقع في حفرة، فلم يرخص له النبي في ترك الجماعة، بل قال له: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب).

يا مبصر! النبي لم يرخص لأعمى في ترك الجماعة، فهل تريد منا أن نرخص لك أن تصلي في بيتك، والله يقول: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43]، كلمة يدعون هنا بمعنى: ينادى عليهم بالصلاة، حي على الصلاة، فالذي صلى في بيته وترك الجماعة لم يستجب للمؤذن.

وخير دليل استدل به شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله: أن الله عز وجل رخص للمقاتلين في سبيله أن يصلوا إلى غير قبلة، فيصلون إلى جهة العدو، أو رجالاً أو ركباناً، ويصلون في نعالهم، ويصلون والسلاح على أكتافهم، ويصلون ركعة ثم يتأخرون كما جاء في وصف صلاة الخوف، ومع كل هذا لم يرخص لهم في ترك الجماعة، فقال تعالى: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء:102]، انظر إلى الحرص على الجماعة حتى في القتال، طائفة تدافع وطائفة تصلي في الخلف هذا دليل وجوب واضح، وأنت آمن ليس هناك ما يمنعك من الصلاة في الجماعة، ولكن يمكن أن تصلي النافلة مع أهلك كما جاء في حديث معاذ الذي في البخاري حيث كان يصلي العشاء الآخرة خلف النبي عليه الصلاة والسلام ثم يعود إلى قومه فيصلي بهم العشاء هو متنفل وهم مفترضون، وهذا دليل الشافعي -والراجح خلافاً للجمهور- على أنه يجوز للمتنفل أن يؤم المفترض، وحديث معاذ حجة وعمدة في هذا.

الحكم إذا نزل المني بعد الغسل

السؤال: زوجتي اغتسلت بعد الجماع ثم بعد ساعتين نزل شيء كالمني، فقلت أنا: يكفي الوضوء، وقالت هي: لا بد من الغسل؟

الجواب: إذا نزل مني من الفرج بعد الغسل دون أن تتبول المرأة أو الرجل فيجب الغسل، أما إذا تبول كما قال صاحب المغني فإن البول طارد لبقايا المني، يعني: إذا جامعت ثم تبولت ثم اغتسلت فلا عبرة لما ينزل بعد ذلك؛ لأن البول مسلك لمجرى المني، أما إذا اغتسلت دون تبول ونزل مني فإنه يلزمك الغسل بعد ذلك، والله تعالى أعلم.