التدخين وأضراره


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل وقوله الحق: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم عام في مسألة عمت بها البلوى، والبعض قد أفتى وقال فيها على الله بغير علم فضلّ وأضل، رغم وضوح الأدلة على تحريمها، فالجميع يقر بأن الدخان من الخبائث، فلا نجد عاقلاً قبل أن يشرب الدخان يقول: بسم الله، وبعد أن يشربه يقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وهذا إقرار بأنه من الخبائث، لكنه في زمن الإحن والمحن، وحينما وسد الأمر إلى غير أهله نجد من يقول: إن التدخين للأغنياء حلال وللفقراء حرام، حتى التفرقة أصبحت بين الأغنياء والفقراء في أمر التدخين، وبعضهم يقول: التدخين ليس حراماً وإنما هو مكروه؛ لأنه ليس فيه نص قطعي الثبوت والدلالة، معنى ذلك: أن الحرام لا بد أن يكون بنص قطعي الثبوت، والقطعي الثبوت يعني به: القرآن أو الحديث المتواتر، والقطعي الدلالة يعني به: الواضح المعنى، وبهذه القاعدة الأصولية التي رددها البعض في الفضائيات وسمعها الجميع يصير كل الحرام المبني على حديث الآحاد ليس بحرام، فالذهب حرام على الرجال، وحديث تحريم الذهب آحاد، إذاً: هو ظني الثبوت، إذاً: وفقاً لهذه القاعدة التي أصّلها البعض ممن ينتسبون إلى العلم زوراً: أن كل حرام يبنى على أحاديث الآحاد مردود، وبذلك هدموا الدين.

وقبل أن أبدأ في أدلة بيان تحريم الدخان، وقبل أن أبدأ في بيان نشأة هذه الظاهرة: لِم تدخن؟ فليسأل كل عاقل نفسه لماذا أنت تدخن؟

الجواب متعدد طبقاً للمشارب والصفات والمواصفات، فقائل يقول: أنا أدخن لأشعر أنني رجل، فالرجولة لا تكون إلا بالدخان، غلام صغير لم يبلغ الحلم يمسك بالسيجارة فيشعر بذلك أنه أصبح من الرجال.

وآخر يقول: أنا أدخّن لأن أبي يدخّن، ولأن شيخي يدخّن، هذا الكلام يغضب منه البعض، لكن إذا ابتليتم فاستتروا: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) كما قال صلى الله عليه وسلم، وثالث يقول: أنا أدخّن لأخرج همي بالسيجارة.

يا عبد الله! أرأيت عاقلاً يقتل نفسه ليخرج همه؟ أليس الله يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، أنا معي دراسة من الأطباء تثبت أن الدخان يسبب الأمراض، فسرطان الرئة، وسرطان المثانة، وسرطان الحنجرة، وتشوه الأجنّة سببها التدخين.

إن المدخّن عند تدخينه يغيب عنه العقل، ولو حضر العقل وحكّمه في القضية لرد الأمر في الحال، جاءوا لمدخن عاقل بشاشة تليفزيونية بيضاء، فظل يدخّن وينفخ على الشاشة حتى تحولت الشاشة البيضاء إلى سوداء قاتمة؛ لأن الدخان به مادة النيكوتين التي تدخل في فتحات الرئة فتغلقها؛ لذلك تجد المدخّن يلهث، أي: أنه حينما يسير مشواراً طويلاً أو يصعد السلّم لا يستطيع؛ وذلك لأن رئته مغلقة.

فيا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟!

وآخر يقول: أنا أدخّن لأن حبيبتي أغضبتني فأريد أن أنسى إغضابها لي بالسيجارة.

امرأة في السيارة تدخّن وتريد أن تكون كالرجال، فتراها مترجّلة تشعل السيجارة وتشعر أنها من الرجال وفي عداد الرجال.

فهذه الظاهرة عجيبة، وتختلف الإجابات بحسب اختلاف المشارب.

فلماذا أدخّن؟

هذا سؤال ينبغي أن يطرحه كل عاقل على نفسه: لماذا أنا أدخّن؟

ربما يقول قائل: إن كانت حرام سنحرقها، وإن كانت حلال نشربها: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121].

ولنأتِ إلى البعد الاقتصادي: كم ينفق العالم على السجائر؟ هب أن رب أسرة يدخّن في اليوم علبة واحدة من المالبورو أو السوبر الذي هو أرخص، فلو قلنا بأن سعر السوبر بالجنيه المصري (2.5) × (30) يساوي (75) جنيهاً في الشهر، فكم في السنة؟ (75) × (12) يساوي (900) جنيه في السنة، أي: أنه يقترض من أجل الدخان، ولا يجد ما ينفقه على رغيف الخبز، فتقول له الزوجة: نريد خبزاً للأولاد، فيقول: لا أملك شيئاً، فتقول: وقيمة السجائر معك؟ يقول: لا أستطيع أن أفارقها، ولا أستطيع أن أقلل من شربها، فهذا إدمان إن زاد به الحال يشربها محشية.

هذا الذي يحدث، وسندهم أن البعض أفتى بأن التدخين ليس حراماً لكنه مكروه، والذي يكرهه هو الله عز وجل، فلماذا تفعل المكروه؟

والله إني أحبك أيها الأخ! فأقول لك: أدلة تحريم التدخين عديدة.

يقول بعض العلماء: التدخين عادة مارسها الهنود الحمر في أمريكا قبل أن تُكتشف، وانتقلت إلى أوروبا مع المستكشفين الأوائل لأمريكا، أي: أنه عند اكتشاف أمريكا اكتشفوا التدخين، ثم انتشرت في العالم في القرنين السابع والثامن.

وتجد من أمانة هؤلاء أنهم يكتبون على علبة السجائر: التدخين ضار جداً بالصحة، هم يقولون: التدخين ضار، وعلماؤنا يقولون: لا مشكلة في التدخين! ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، ويقول: (ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) السؤال الأول: (عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فأنت اكتسبت ألفاً من الجنيهات في هذا الشهر، ففيم أنفقتها؟ في الدخان يا عبد الله؟! أتقول لربك: أنفقتها في الدخان؟!

هذا معناه: أن الذي يدخّن يضيّع ماله هباء منثوراً، ولذلك العلماء يمثّلون له برجل جن وذهب عقله، فأمسك بالعملة الورقية وبما يملك من أموال وأشعل فيها النار، أي: أني أنا الآن أُخرج من جيبي هذه العملة (20) جنيهاً؛ وأخرج عوداً من الكبريت ثم أُشعل فيه، ما تقولون في تصرفي هذا: عاقل أم غير عاقل؟ لا يمكن أن يوصف بالعقل من يحرق العملة التي يشتري بها الطيبات والطعام، لكن المدخن يفعل ذلك.

وبعض الناس ابتلي بهذه الظاهرة حتى نُزع الحياء من وجهه، يركب معك في السيارة ويُشعل السيجارة، فتقول له: يا أخي! أنا أبغض هذه الرائحة، فيقول: إذا كانت لا تعجبك انزل! فهو يريد أن يلوث الهواء، ويريد لمن بجواره أن يدخّن؛ لأن هناك شيئاً يسمى التدخين السلبي، والتدخين السلبي معناه: أن غير المدخن يجلس بجوار المدخن، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أن يقترب من المسجد، فهل التدخين يقل عن البصل والثوم والكراث؟! رائحة فم المدخّن كيف تجدونها يا إخواني؟!

أدلة تحريم الدخان من الكتاب

إن أدلة تحريم التدخين في الكتاب والسنة هي أكثر من دليل نسوقها إلى هؤلاء؛ لأن التحريم يقوم على أدلة، ولا نحرم إلا بنص.

الدليل الأول: في سورة الأعراف، يقول ربنا سبحانه في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] إذاً: القرآن أتى بقواعد عامة، وعلى هذه القاعدة نقيس المستحدثات، فإن قيل: التدخين مبتكر ومستحدث، وليس عليه دليل في القرآن والسنة، فإننا نقول: وهذا البنج كذلك مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، وكذلك الهروين جديد مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، إذاً: الهروين مكروه، والبنج مكروه، فهل أحد يسلم بذلك؟! أقول: هذا الكلام ينشر في الفضائيات ويُسمع ويُكتب في الجرائد والصحف، ممن ينتسبون إلى العلم زوراً وبهتاناً.

إذاً: من قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ [الأعراف:157] نستطيع أن نضع قاعدة، هذه القاعدة هي:

كل طيب حلال، وكل خبيث حرام، وإذا جئنا نسأل أنفسنا: هل السجائر والشيشة والبوري والسيجار من الطيبات أم من الخبائث؟ هل هناك عاقل يقول: إنها من الطيبات؟ لا يمكن.

إذاً: خذوا هذه الأدلة التي تزيد عن عشره، وادفعوها في وجوه هؤلاء لعلهم يستيقظون؛ لأن الشباب يريد فتوى يتعلق بها، فأفتى البعض بجواز التدخين وبعدم حرمته، وبأنه مكروه وليس بحرام، ويفهم الشباب من هؤلاء الذين يُنسبون إلى الفتوى بأن التدخين ليس بحرام.

إن مفتي الديار المصرية الشيخ: نصر فريد واصل أصدر فتوى وعُلّقت في المساجد، فحواها: التدخين حرام شرعاً، والدخان أشد حرمة من شرب الخمر، هو قال ذلك، لكن مع تحفّظنا على الجزء الأخير في الفتوى؛ لأن التدخين مقاس على الخمر، وليس الخمر مقاساً على التدخين، فالخمر أصل والتدخين فرع يقاس عليه، فلا يمكن أن نقول: إن الفرع يزيد عن الأصل؛ لأن العلة في تحريم التدخين هو الضرر الذي سيعود على المسلمين.

ومن أمثلة القياس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فقاس العلماء على الخطبة الإيجار، فإذا استأجرت محلاً في شارع العزيز ووقعت عقد الإيجار مع المالك، فجاء آخر وقال للمؤجر: أنا أزيدك في الإيجار فافسخ العقد، ففسخ العقد معك، هل يجوز هذا أم يحرم؟ يحرم؛ لأن العلة واحدة، فالعلة في عدم الخطبة هي عدم إيغال الصدر، وعدم إثارة الفتن بين المسلمين، وكذلك العلة في الإيجار قال العلماء هي نفس العلة في الخطبة، فالشريعة تضع أصولاً عامة، ونحن نقيس على تلك الأصول ما يتفق معها في العلة، لماذا حرّم الله الخمر؟ هل لأنها صفراء؟ إذاً: الفانتا حرام، والشبس حرام، وعصير البرتقال حرام! إذاً: لم تحرم لأنها صفراء، فهل حرمت لأنها سائل؟ إذاً: كل السوائل تحرم، إذاً: ليست هذه هي العلة، إنما حُرّمت الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتُذهب العقل وتفتر الجسد، وفيها ضرر، وربنا يقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219].

وبهذه الآية نضع قاعدة وهي: كل شيء إثمه أكبر من نفعه فهو حرام.

الدليل الثاني: يقول ربنا في سورة البقرة: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، والدخان إلقاء باليد إلى التهلكة، قال: وَلا تُلْقُوا نهي يفيد التحريم، فالإنسان لا يجوز له أن يقتل نفسه.

الدليل الثالث: قول ربنا في سورة النساء: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وهذه الآية لها مناسبة، فقد نزلت في عمرو بن العاص حينما كان في غزوة من الغزوات وأصابته جنابة، وكان من الصحابة من يستيقظ على هذه الحال، وهذا رد على بعض الناس الذين يظنون أن هذا لا يجوز، فـعمرو بن العاص حين استيقظ رأى الجنابة في ثوبه، فنظر فإذا بالجو رطب، ودرجة الحرارة تحت الصفر، أي: أن الجو بارد شديد البرودة، فإذا اغتسل أصيب بأذى، ومن الممكن أن يتجمد، فماذا صنع عمرو ؟ تيمم وصلى بأصحابه صلاة الفجر، وهذا الحديث عند البخاري يقول فيه: المتيمم يؤم المتوضئ، وهو حكم فقهي، فـعمرو بن العاص رفع الجنابة بالتيمم، ثم صلى بأصحابه، وبعد الصلاة علم أصحابه بما صنع، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أصليت بهم وأنت جنب يا عمرو ؟! قال: يا رسول الله! تذكرت قول ربي عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام وأقره على فعله).

إذاً: حدّثوني أيها الأطباء! أيها العقلاء! عن الأمراض التي يجذبها التدخين وتسبب الموت، فبعض الناس يربط حياته بالسيجارة، حتى إني سمعت من طبيب أنه جاء بأبيه إلى مصر ليقدمه ليعالجه، فوجد الطبيب أن الأب عنده مرض في الرئة، فقال له: لا بد أن تقلع عن التدخين، وبعد أن خرجا من العيادة اتجها إلى القاهرة، فأشعل المريض السيجارة فقال له ابنه: يا أبي! ألم ينهك الطبيب عن التدخين؟ قال: يا ولدي! حتى نصل إلى بلدنا، أي: أنه يريد أن يرى لنفسه مسوّغاً..، فيا عبد الله! أنت تقتل نفسك بهذا الدمار وبهذا السم.

وسألني طالب في مدرسة الصلايع سؤالاً وجيهاً، لكنني لم أستطع الإجابة. قال: طالما أنهم يكتبون على التدخين أنه ضار جداً بالصحة فلم أنشئوا المصانع لإنتاجه؟ فتوقفت. قال: طالما أنكم تقرون أن التدخين يدمّر الصحة ويدمّر الاقتصاد ويعطّل الإنتاج فلِم تقدمونه لشبابنا؟ ولِم يُنتج في مصانعنا؟ أليس من العقل والحكمة أن نمنع ما يضر، طالما أننا اتفقنا على أنه يضر.

الدليل الرابع: من سورة البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219].

والسؤال الآن: إثم التدخين أكبر من نفعه، أم نفعه أكبر من إثمه، أم كله إثم؟

الجواب: كله إثم، ما هو النفع في التدخين؟ إن سألت تاجراً يتاجر في الدخان في دكانه فإنه يقول: يجلب لي الأرباح.

وحينما سألت أحد التجار الذين يبيعون الحلوى والجبن ويكتب في ورقة: أنا لا أبيع الدخان، قال: كما ترى فالرزق محدود؛ لأن التدخين كان يجلب علينا الزبائن السفهاء، وبعض الناس يذهب مئات الكيلو مترات لكي يأتي بعلبة السجائر، وبعض الناس يفطر على السيجارة في رمضان قبل أن يتناول التمر. يقول للمغرب: ائتنا فإني أشتاق إلى السيجارة، وهذا من العته والجنون!

يا عبد الله! إني أحبك فقف مع نفسك وقفة وسلها: بماذا أنتفع من التدخين؟

الدليل الخامس: يقول ربنا عز وجل في سورة الإسراء: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:26-27] فالتدخين تبذير أم ادخار؟ بل هو التبذير بعينه، وربما يقول قائل: أنا غني، فحينما أشرب السجائر لا أبذّر.

يا عبد الله! الإنفاق فيما يضر يعد تبذيراً باتفاق أهل العلم.

أدلة تحريم الدخان من السنة

الدليل الأول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده: (لا ضرر ولا ضرار) فأي شيء يسبب لك ضرراً فهو حرام.

الدليل الثاني: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم : (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). فربما يقول قائل: النص يقول: كره لكم، ولم يقل: حرم عليكم، فالجواب: يقول الله في سورة الإسراء بعد أن عدد المحرمات من الشرك والقتل وغيرها: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38]، فهل معنى ذلك: أن هذا ليس بحرام؟ إن العلماء يعبّرون عن الحرام بالكراهة؛ ولذلك الإمام الشافعي كان أحياناً يقول عن الحرام: أكرهه، أي: أحرمه، فيعبّرون عن الحرام بالمكروه، وعليه فإضاعة المال حرام.

الدليل الثالث: حديث متفق عليه أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير). ونافخ الكير هو الحداد الذي يعمل النار بيده ليليّن الحديد، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب مثلاً للجليس السوء بنافخ الكير.

فهل الذي يشعل السيجارة حامل مسك أم نافخ كير؟ ألست تجد في ثوبه فتحة؛ لأنه كان يشرب فطارت قطعة من النار على ثوبه، فكل ملابسه محروقة، فيحرق ثيابه وثياب صاحبه، وكم من الحوادث حدثت بسبب السيجارة، يقف عند محطة بنزين ويشعل السيجارة فيلقيها وسط المحطة فيحدث الحريق، فكل الحرائق معظم أسبابها السيجارة، كذلك الأب في بيته ينسى السيجارة على المنضدة ويغلبه النوم، فأشعلت السيجارة المنضدة والتهمتها، ثم أشعلت في البيت حريقاً، فاستيقظ الرجل على احتراق بيته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء)، فإن من أسباب التدخين قرناء السوء، ففي المآتم البدعية الشيخ يقرأ، وأهل الميت يوزعون السيجارة على الناس، فلا يصبرون عند قراءة القرآن على تقديم الأذى والمصيبة الأدهى والأمر بعد أن ينتهي الشيخ من القراءة يصير الجميع مدخنين، نسأل الله العافية! فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، أين الأسوة؟ أين القدوة؟ مدرس يدخّن، وأستاذ جامعي يدخّن، ومقدم برامج في التلفزيون يدخّن.

كذلك مدرب كرة قدم يجلس في المباراة فيرى فريقه مغلوباً فتزاد حرقته، ثم يتبع السيجارة بالأخرى، وصاحب الكاميرا يقول: والمدرب متوتر ويشعل السيجارة ويشعل الأخرى، حتى قال بعضهم: أنا بفضل الله وحده أشرب علبة السيجارة في اليوم بعود كبريت واحد، أي: أنه يشعل واحدة تلو الأخرى، وأنه سيدخل الأولمبيات بفضل التدخين، هذه مصيبة ما بعدها مصيبة، والثاني يقول: بفضل الله أنا ولي من أولياء الله الصالحين، وتراه يدخن!

حتى رأيت العجب العجاب في السبعينات، جاءونا في بلدتنا برجل من الصعيد وقالوا: هذا شيخ يوحى إليه بطريقة، ونحن كنا صغاراً، فاجتمع الناس في صعيد واحد على مسرح، والرجل يقف بجواره من يقدّم له السيجارة ليشرب منها ويتبع الأخرى ويقول: يا سندي! ويدخن ويظن أنه يتلقى الوحي بالدخان.

إذاً: الدليل الثاني في حرمة التدخين: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يهديك- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك؛ وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) فهذا معناه: أن المدخن إما أن يحرق الثياب وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.

وأنا أستحلفك بالله أن تشم فم المدخّن، فستجد أنه تخرج منه الرائحة الكريهة فضلاً عن الآثار الأخرى.

الدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، والمدخّن يجاهر بالمعصية، ويلوّث الهواء، ويضر غيره فضلاً عن ضرره بنفسه.

الدليل الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) متفق عليه.

والعلة في عدم قرب آكل الثوم والبصل المسجد هي الرائحة التي تخرج من فمه، فتؤذي الملائكة، وهنا نقول: الدخان أشد كرهاً من رائحة الثوم والبصل.

الدليل السادس: أن معظم الفقهاء قد حرموه تحريماً قطعياً.

الدليل السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه؟ وعن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فسيسأل المدخّن عن ماله، فماذا يقول لربه عز وجل؟

أضرار الدخان الأخلاقية والصحية

إن لم يجد الابن المال الذي يدخّن به، فإنه يسرق من أبيه والأب يكدح، فهذا معناه: أن الدخان يعلمه السرقة، فإن لم يكن لدى الأب ثمن علبة السجائر فإنه يسرق من غيره، ولذا فالتدخين ضرره الأخلاقي على المجتمع مدمّر.

وإن كان المدخن صاحب أخلاق ولا يريد أن يسرق يسأل الناس إلحافاً، فيقول: أتملك سيجارة؟ لا، هذا يدخن بجواره فيقول له: أعطني واحدة، أو يقول: إذاً: فأعطني تخميسة! فتراه يذل نفسه لسيجارة؛ وذلك لأنه معدوم الإرادة إذ لا إرادة له، فأقول: التدخين له ضرر أخلاقي على المجتمع، وكذلك له ضرر اجتماعي على المجتمع؛ لأنه يسبب الأمراض بأعضاء المجتمع إن لم يأخذوا على يد المدخنين فضلاً عن الضرر الصحي الذي بيّنت.

يقول بعض العلماء: أجمع الأطباء على أن الدخان سبب هام مباشر لسرطان اللسان، وسرطان البلعوم، وسرطان القصبة الهوائية، وسرطان الحنجرة، والذبحة الصدرية، والسكتة القلبية، والسل، وقرحة المعدة..؛ وذلك لاحتوائه على سموم عديدة؛ من أهمها: النيكوتين الذي هو كالزفت الأسود، وقد جاءوا برجل مدخن مات وأخرجوا رئته؛ لينظروا في حالها، فإذا برئته تحمل شيئاً شديد السواد، فأخذ الطبيب يعصرها فنزل منها القطران الأسود، وهو الذي أغلق المسام والفتحات.

إن أدلة تحريم التدخين في الكتاب والسنة هي أكثر من دليل نسوقها إلى هؤلاء؛ لأن التحريم يقوم على أدلة، ولا نحرم إلا بنص.

الدليل الأول: في سورة الأعراف، يقول ربنا سبحانه في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] إذاً: القرآن أتى بقواعد عامة، وعلى هذه القاعدة نقيس المستحدثات، فإن قيل: التدخين مبتكر ومستحدث، وليس عليه دليل في القرآن والسنة، فإننا نقول: وهذا البنج كذلك مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، وكذلك الهروين جديد مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، إذاً: الهروين مكروه، والبنج مكروه، فهل أحد يسلم بذلك؟! أقول: هذا الكلام ينشر في الفضائيات ويُسمع ويُكتب في الجرائد والصحف، ممن ينتسبون إلى العلم زوراً وبهتاناً.

إذاً: من قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ [الأعراف:157] نستطيع أن نضع قاعدة، هذه القاعدة هي:

كل طيب حلال، وكل خبيث حرام، وإذا جئنا نسأل أنفسنا: هل السجائر والشيشة والبوري والسيجار من الطيبات أم من الخبائث؟ هل هناك عاقل يقول: إنها من الطيبات؟ لا يمكن.

إذاً: خذوا هذه الأدلة التي تزيد عن عشره، وادفعوها في وجوه هؤلاء لعلهم يستيقظون؛ لأن الشباب يريد فتوى يتعلق بها، فأفتى البعض بجواز التدخين وبعدم حرمته، وبأنه مكروه وليس بحرام، ويفهم الشباب من هؤلاء الذين يُنسبون إلى الفتوى بأن التدخين ليس بحرام.

إن مفتي الديار المصرية الشيخ: نصر فريد واصل أصدر فتوى وعُلّقت في المساجد، فحواها: التدخين حرام شرعاً، والدخان أشد حرمة من شرب الخمر، هو قال ذلك، لكن مع تحفّظنا على الجزء الأخير في الفتوى؛ لأن التدخين مقاس على الخمر، وليس الخمر مقاساً على التدخين، فالخمر أصل والتدخين فرع يقاس عليه، فلا يمكن أن نقول: إن الفرع يزيد عن الأصل؛ لأن العلة في تحريم التدخين هو الضرر الذي سيعود على المسلمين.

ومن أمثلة القياس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فقاس العلماء على الخطبة الإيجار، فإذا استأجرت محلاً في شارع العزيز ووقعت عقد الإيجار مع المالك، فجاء آخر وقال للمؤجر: أنا أزيدك في الإيجار فافسخ العقد، ففسخ العقد معك، هل يجوز هذا أم يحرم؟ يحرم؛ لأن العلة واحدة، فالعلة في عدم الخطبة هي عدم إيغال الصدر، وعدم إثارة الفتن بين المسلمين، وكذلك العلة في الإيجار قال العلماء هي نفس العلة في الخطبة، فالشريعة تضع أصولاً عامة، ونحن نقيس على تلك الأصول ما يتفق معها في العلة، لماذا حرّم الله الخمر؟ هل لأنها صفراء؟ إذاً: الفانتا حرام، والشبس حرام، وعصير البرتقال حرام! إذاً: لم تحرم لأنها صفراء، فهل حرمت لأنها سائل؟ إذاً: كل السوائل تحرم، إذاً: ليست هذه هي العلة، إنما حُرّمت الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتُذهب العقل وتفتر الجسد، وفيها ضرر، وربنا يقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219].

وبهذه الآية نضع قاعدة وهي: كل شيء إثمه أكبر من نفعه فهو حرام.

الدليل الثاني: يقول ربنا في سورة البقرة: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، والدخان إلقاء باليد إلى التهلكة، قال: وَلا تُلْقُوا نهي يفيد التحريم، فالإنسان لا يجوز له أن يقتل نفسه.

الدليل الثالث: قول ربنا في سورة النساء: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وهذه الآية لها مناسبة، فقد نزلت في عمرو بن العاص حينما كان في غزوة من الغزوات وأصابته جنابة، وكان من الصحابة من يستيقظ على هذه الحال، وهذا رد على بعض الناس الذين يظنون أن هذا لا يجوز، فـعمرو بن العاص حين استيقظ رأى الجنابة في ثوبه، فنظر فإذا بالجو رطب، ودرجة الحرارة تحت الصفر، أي: أن الجو بارد شديد البرودة، فإذا اغتسل أصيب بأذى، ومن الممكن أن يتجمد، فماذا صنع عمرو ؟ تيمم وصلى بأصحابه صلاة الفجر، وهذا الحديث عند البخاري يقول فيه: المتيمم يؤم المتوضئ، وهو حكم فقهي، فـعمرو بن العاص رفع الجنابة بالتيمم، ثم صلى بأصحابه، وبعد الصلاة علم أصحابه بما صنع، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أصليت بهم وأنت جنب يا عمرو ؟! قال: يا رسول الله! تذكرت قول ربي عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام وأقره على فعله).

إذاً: حدّثوني أيها الأطباء! أيها العقلاء! عن الأمراض التي يجذبها التدخين وتسبب الموت، فبعض الناس يربط حياته بالسيجارة، حتى إني سمعت من طبيب أنه جاء بأبيه إلى مصر ليقدمه ليعالجه، فوجد الطبيب أن الأب عنده مرض في الرئة، فقال له: لا بد أن تقلع عن التدخين، وبعد أن خرجا من العيادة اتجها إلى القاهرة، فأشعل المريض السيجارة فقال له ابنه: يا أبي! ألم ينهك الطبيب عن التدخين؟ قال: يا ولدي! حتى نصل إلى بلدنا، أي: أنه يريد أن يرى لنفسه مسوّغاً..، فيا عبد الله! أنت تقتل نفسك بهذا الدمار وبهذا السم.

وسألني طالب في مدرسة الصلايع سؤالاً وجيهاً، لكنني لم أستطع الإجابة. قال: طالما أنهم يكتبون على التدخين أنه ضار جداً بالصحة فلم أنشئوا المصانع لإنتاجه؟ فتوقفت. قال: طالما أنكم تقرون أن التدخين يدمّر الصحة ويدمّر الاقتصاد ويعطّل الإنتاج فلِم تقدمونه لشبابنا؟ ولِم يُنتج في مصانعنا؟ أليس من العقل والحكمة أن نمنع ما يضر، طالما أننا اتفقنا على أنه يضر.

الدليل الرابع: من سورة البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219].

والسؤال الآن: إثم التدخين أكبر من نفعه، أم نفعه أكبر من إثمه، أم كله إثم؟

الجواب: كله إثم، ما هو النفع في التدخين؟ إن سألت تاجراً يتاجر في الدخان في دكانه فإنه يقول: يجلب لي الأرباح.

وحينما سألت أحد التجار الذين يبيعون الحلوى والجبن ويكتب في ورقة: أنا لا أبيع الدخان، قال: كما ترى فالرزق محدود؛ لأن التدخين كان يجلب علينا الزبائن السفهاء، وبعض الناس يذهب مئات الكيلو مترات لكي يأتي بعلبة السجائر، وبعض الناس يفطر على السيجارة في رمضان قبل أن يتناول التمر. يقول للمغرب: ائتنا فإني أشتاق إلى السيجارة، وهذا من العته والجنون!

يا عبد الله! إني أحبك فقف مع نفسك وقفة وسلها: بماذا أنتفع من التدخين؟

الدليل الخامس: يقول ربنا عز وجل في سورة الإسراء: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:26-27] فالتدخين تبذير أم ادخار؟ بل هو التبذير بعينه، وربما يقول قائل: أنا غني، فحينما أشرب السجائر لا أبذّر.

يا عبد الله! الإنفاق فيما يضر يعد تبذيراً باتفاق أهل العلم.

الدليل الأول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده: (لا ضرر ولا ضرار) فأي شيء يسبب لك ضرراً فهو حرام.

الدليل الثاني: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم : (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). فربما يقول قائل: النص يقول: كره لكم، ولم يقل: حرم عليكم، فالجواب: يقول الله في سورة الإسراء بعد أن عدد المحرمات من الشرك والقتل وغيرها: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38]، فهل معنى ذلك: أن هذا ليس بحرام؟ إن العلماء يعبّرون عن الحرام بالكراهة؛ ولذلك الإمام الشافعي كان أحياناً يقول عن الحرام: أكرهه، أي: أحرمه، فيعبّرون عن الحرام بالمكروه، وعليه فإضاعة المال حرام.

الدليل الثالث: حديث متفق عليه أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير). ونافخ الكير هو الحداد الذي يعمل النار بيده ليليّن الحديد، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب مثلاً للجليس السوء بنافخ الكير.

فهل الذي يشعل السيجارة حامل مسك أم نافخ كير؟ ألست تجد في ثوبه فتحة؛ لأنه كان يشرب فطارت قطعة من النار على ثوبه، فكل ملابسه محروقة، فيحرق ثيابه وثياب صاحبه، وكم من الحوادث حدثت بسبب السيجارة، يقف عند محطة بنزين ويشعل السيجارة فيلقيها وسط المحطة فيحدث الحريق، فكل الحرائق معظم أسبابها السيجارة، كذلك الأب في بيته ينسى السيجارة على المنضدة ويغلبه النوم، فأشعلت السيجارة المنضدة والتهمتها، ثم أشعلت في البيت حريقاً، فاستيقظ الرجل على احتراق بيته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء)، فإن من أسباب التدخين قرناء السوء، ففي المآتم البدعية الشيخ يقرأ، وأهل الميت يوزعون السيجارة على الناس، فلا يصبرون عند قراءة القرآن على تقديم الأذى والمصيبة الأدهى والأمر بعد أن ينتهي الشيخ من القراءة يصير الجميع مدخنين، نسأل الله العافية! فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، أين الأسوة؟ أين القدوة؟ مدرس يدخّن، وأستاذ جامعي يدخّن، ومقدم برامج في التلفزيون يدخّن.

كذلك مدرب كرة قدم يجلس في المباراة فيرى فريقه مغلوباً فتزاد حرقته، ثم يتبع السيجارة بالأخرى، وصاحب الكاميرا يقول: والمدرب متوتر ويشعل السيجارة ويشعل الأخرى، حتى قال بعضهم: أنا بفضل الله وحده أشرب علبة السيجارة في اليوم بعود كبريت واحد، أي: أنه يشعل واحدة تلو الأخرى، وأنه سيدخل الأولمبيات بفضل التدخين، هذه مصيبة ما بعدها مصيبة، والثاني يقول: بفضل الله أنا ولي من أولياء الله الصالحين، وتراه يدخن!

حتى رأيت العجب العجاب في السبعينات، جاءونا في بلدتنا برجل من الصعيد وقالوا: هذا شيخ يوحى إليه بطريقة، ونحن كنا صغاراً، فاجتمع الناس في صعيد واحد على مسرح، والرجل يقف بجواره من يقدّم له السيجارة ليشرب منها ويتبع الأخرى ويقول: يا سندي! ويدخن ويظن أنه يتلقى الوحي بالدخان.

إذاً: الدليل الثاني في حرمة التدخين: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يهديك- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك؛ وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) فهذا معناه: أن المدخن إما أن يحرق الثياب وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.

وأنا أستحلفك بالله أن تشم فم المدخّن، فستجد أنه تخرج منه الرائحة الكريهة فضلاً عن الآثار الأخرى.

الدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، والمدخّن يجاهر بالمعصية، ويلوّث الهواء، ويضر غيره فضلاً عن ضرره بنفسه.

الدليل الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) متفق عليه.

والعلة في عدم قرب آكل الثوم والبصل المسجد هي الرائحة التي تخرج من فمه، فتؤذي الملائكة، وهنا نقول: الدخان أشد كرهاً من رائحة الثوم والبصل.

الدليل السادس: أن معظم الفقهاء قد حرموه تحريماً قطعياً.

الدليل السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه؟ وعن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فسيسأل المدخّن عن ماله، فماذا يقول لربه عز وجل؟


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
التاريخ الأسود لليهود 2409 استماع
الوقت وحرص الصالحين عليه 2395 استماع
اللحوم المسمومة 2348 استماع
الرحلة في طلب العلم 2337 استماع
فاصبر صبراً جميلاً 2275 استماع
وثيقة حرمات لا حدود 2257 استماع
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 2226 استماع
وقفة مع سورة الإنسان 2219 استماع
إنا بلوناهم 2099 استماع
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث 2059 استماع