مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه وعونه- بعنوان: مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

والعناصر الرئيسة لهذا الدرس هي كما يلي:

أولاً: البكاء في القرآن.

ثانياً: البكاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: أنواع البكاء العشرة كما ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى.

رابعاً: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم.

خامساً: بكاء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

وابتداء نقرر أن جمود العين من قسوة القلب، فالعين التي لا تبكي من خشية الله تدل على أن قلب صاحبها فيه جمود، ولذلك يقول ربنا عن أصحاب القلوب الجامدة: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74]، و(أو) هنا بمعنى: (بل)، أي أن قلوب اليهود أقسى من الحجارة.

وبتتبع بعض المواضع التي ورد فيها ذكر البكاء في القرآن الكريم نجد ما يلي:

الموضع الأول: قال ربنا عز وجل في سورة النجم: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:59-61]، ومعنى (سامدون)، أي: مغنون.. لاهون.. لاعبون، ومعنى كلمة: (اسمد لنا)، أي: غن لنا، قال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، والله إنه الغناء.

الموضع الثاني من مواضع البكاء: في قول الله تعالى في سورة مريم بعد ذكر بعض الرسل: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58]، قرأ عمر رضي الله عنه هذه الآية ونزل من على المنبر وسجد، ونظر إلى القوم فما رآهم بكوا؛ فقال: أيها الناس! هذا السجود فأين البكاء؟ أي: أن ربنا قال: خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58]، ولم يقل: خَرُّوا سُجَّداً فقط.

الموضع الثالث: في سورة التوبة: قول ربنا سبحانه وتعالى عن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يخرجوا معه في غزوة تبوك؛ ليقاتلوا أعداء الله سبحانه، فلم يجد لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، أي: لم يجدوا شيئاً يستطيعون الجهاد به، فكان حالهم أنهم تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ [التوبة:92]، لعدم استطاعتهم على الجهاد في سبيل الله، أريتم مثل هذا أيها الإخوة الكرام؟!

الموضع الرابع: في سورة المائدة وهو مهم جداً، قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ، البعض يقرؤنها إلى هنا ويقف، والمعنى لم يكتمل ولم يتضح، وهذا خطأ فادح عند الكثير، بل لابد أن يكملوا الآية، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ [المائدة:82-83]، وذلك أنهم آمنوا؛ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً ، وإذا سمعوا القرآن آمنوا، أما أن تقرأ: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82] وتقف، فهذا غرض في نفسك يا عبد الله! لا بد أن تكمل الآية إلى آخرها.

الموضع الخامس: في سورة يوسف، قال تعالى: وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ [يوسف:16]، إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً ولم يأتوا نهاراً، لأن الكاذب يبدو في وجهه الكذب، فكأنهم تستروا بلباس الليل؛ ليخفوا كذبهم عن أبيهم، وهذا من أنواع البكاء العشرة المعروف ببكاء النفاق.

الموضع السادس: في سورة يوسف جاء ذكر البكاء أيضاً، قال تعالى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ [يوسف:84]، أي: من كثرة البكاء عليه أصيب بما يسميه علماء الطب: بالماء الأبيض، ولم يكن يعقوب كما يقول البعض: أعمى، بل كان مبصراً، لكنه لكثرة البكاء ابيضت عيناه من الحزن من كثرة البكاء على ولده.

الموضع السابع: أيضاً جاء ذكر البكاء في سورة الإسراء، يقول ربنا سبحانه عن عباده المؤمنين: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109]، وبتتبع مواضع البكاء في القرآن تجد أن هذه الآيات تبين أن من صفات عباد الرحمن أنهم يبكون خوفاً من الله عز وجل.

وهذه نماذج من البكاء في القرآن ليست على سبيل الحصر.

أما البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:

ففي حديث أبي هريرة الجامع المانع في فضائل الأعمال، وتعطير أو ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وفي رواية الموطأ: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، وجميع الروايات في البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والموطأ تنتهي إلى أبي هريرة .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، أي: بكى من خشية ربه، ولذلك لا يلج النار أحد بكى من خشية الله، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى يعود اللبن في الضرع)؛ لأنه بكى من خشية الرحمن عز وجل.

ومن الأحاديث في فضل البكاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ولما استمتعتم بالنساء على الفرش) وذلك أنه رأى الجنة والنار صلى الله عليه وسلم.

أيها الأحباب الكرام! والبكاء من خشية الله يقسمه العلماء إلى أنواع، يقول العلامة ابن القيم : وكان بكاء النبي صلى الله عليه وسلم كضحكه، أي: لم يضحك قهقهة، إنما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، لحديث: (ما رؤي مستجمعاً ضاحكاً قط)، لم يضحك مثلنا بقهقهة وبصوت مرتفع؛ لأن هذا من صنع الغافلين، كذلك كان بكاؤه لا يشعر به أحد، يقول العلامة ابن القيم : فكان بكاؤه من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، إنما كانت عيناه تدمعان دون أن يشعر به أحد.

وفي هذا لما قال لـعبد الله بن مسعود : (اقرأ علي القرآن، قال ابن مسعود : فقرأت عليه من سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] قال: حسبك -أي: كفاك- فنظرت إلى وجهه؛ فإذا عنياه تذرفان )، أي: أن ابن مسعود ما علم ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم بصوته، إنما علم بكاءه بالنظر إلى وجهه عليه الصلاة والسلام.

يقول العلامة ابن القيم : وينقسم البكاء إلى عشرة أنواع:

أولاً: بكاء الرحمة والرقة.

ثانياً: بكاء الخوف والخشية.

ثالثاً: بكاء المحبة والشوق.

رابعاً: بكاء الفرح والسرور.

خامساً: بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله.

سادساً: بكاء الحزن.

سابعاً: بكاء الخور والضعف.

ثامناً: بكاء النفاق.

تاسعاً: البكاء المستعار والمستأجر.

عاشراً: بكاء الموافقة.

والفرق بين بكاء الخوف وبكاء الحزن أن بكاء الخوف على ما هو آت، وبكاء الحزن على ما وقع من فعل مضى.

ودمعة الحزن تختلف عن دمعة الفرح، فإن دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن ساخنة، لذلك فرق بين بكاء وبكاء.

والبكاء المستعار: كأن تأتي بامرأة لتبكي على رجل لا تعرفه، وتستعيرها بأجر، يقول أحد السلف لأبيه: يا أبتِ! مالي أراك إذا تحدثت بكى الناس، وإن تحدث غيرك لم يبك أحد؟ قال: يا ولدي! ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. ليست من أصيبت في زوجها أو ولدها كمن يؤتى بها لتبكي بأجر.

أيها الإخوة الكرام! وبالتتبع لبعض مواقف بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه بكى في مواضع منها:

أولاً: بكاؤه في يوم بدر عليه الصلاة والسلام؛ لما عاتبه الله في أسرى بدر: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]، لما جاءه عمر وجده يبكي هو وأبو بكر تحت الشجرة، فقال: يا رسول الله! لم تبكيان؟ فإن وجدت ما يبكي بكيت، وإلا تباكيت. وهذا يسمى بكاء المجاملة.

ثانياً: بكاؤه لما أوحى الله إليه باستشهاد شهداء مؤتة الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر الطيار بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة .

ثالثاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم ، وقال: (إن العين لتدمع).

رابعاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن في أكثر من حديث:

الحديث الأول وهو حديث ابن مسعود ، والحديث الثاني: لما أنزل الله عليه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، والسيوطي رحمه الله في كتابه (الإتقان) يضرب بها مثلاً فيما نزل من القرآن ليلاً.

تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: دعيني أصلي لربي، فبكى حتى بلَّ الأرض من دموعه، ودخل عليه بلال فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: كيف لا أبكي يا بلال وقد أنزل الله علي الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190])، أي: لأصحاب العقول.

وتطالعنا جريدة الأهرام القاهرية بمقال في (5/3/2004) عن الصورة التي أذهلت العالم، وهي أن وكالة (ناسا) الفضائية الأمريكية لما أطلقت مكوك الفضاء قام بتصوير الكرة الأرضية من أعلى، فلما صور الكرة الأرضية وجدها معتمة -مظلمة- إلا مكة والمدينة، لكنهم إلى الآن يكابرون عن قبول الحق، وعن الإيمان والإسلام، ولا يؤمنون وقد تبين لهم الحق، وربنا يقول: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]، لكن الكاتبة قالت في مقالتها: والمسجد الأقصى في فلسطين لم يكن على منوال المسجد الحرام والمسجد النبوي، وترجع السبب إلى أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له، لكني أقول: المسجد الحرام حرام، والمسجد النبوي حرام، والمسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام؛ وهذا خطأ شائع بيننا أن نقول عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين، وهذا خطأ فادح، إنما الحرمان هما المسجد الحرام والمسجد النبوي، أما المسجد الأقصى فليس بحرام، بل إنه مبارك تشدُّ إليه الرحال، لكن لا يأخذ حكم المسجد الحرام والمسجد النبوي من أحكام الحرمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثال ذلك:

لو أنك وجدت لقطة في المسجد الحرام بمكة لا تأخذها، أما في المسجد الأقصى فإنك تأخذها.

لو أنك نفرت طيراً في الحرم المكي والمدني فإنه يحرم عليك ذلك، أما لو نفرت طيراً في فلسطين لا يحرم عليك.

فنقول: المسجد الأقصى من المساجد المباركة التي تشد إليها الرحال، أما المسجد الحرام والمسجد النبوي فإنهما حرمان، ولذلك فإن النور يسطع منهما على الأرض، هذا هو السبب، وليس كما قالت الكاتبة أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له.

فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى عند نزول الآيات، قال لـبلال : (أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها -أو سمعها- ولم يتدبرها. ثم قرأ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191]).

وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قول الله عز وجل عن إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36]، ثم تلا قوله تعالى عن عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله إليه جبريل، وقال له: سله ما يبكيك؟ والله أعلم بما يبكيه، فقال صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي -يبكي على أمته- فأوحى الله إليه بقوله: قل له -يا جبريل-: إنا سنرضيه في أمته ولا نسوؤه).

سادساً: وبكى النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضار حفيدته أمامة .

سابعاً: وبكى في صلاة الكسوف -والحديث في البخاري- : وهو ساجد بين يدي ربه، أخذ ينفخ ويبكي ويتأول القرآن، فيقول: (رب! وعدتني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؛ خوفاً أن تكون الساعة).

ثامناً: وبكى عند قتل حمزة ، وقتل السبعين من حفظة القرآن، وعند قبر أمه، وقال: (استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي)؛ وبكى على قبر ابنته، وبكى على مصعب بن عمير ، وبكى على عثمان بن مظعون ، وبكى عندما مر بديار الهالكين عليه الصلاة والسلام، وكان لا يملك دمعه صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض مواقف بكائه عليه الصلاة والسلام.

أما بكاء الصحابة فحدث عنه ولا حرج، فـالصديق من صفاته أنه كان لا يملك دمعه، فقد كان أسيفاً، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها حينما قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت: يا رسول الله! مر عمر ؛ فإن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه، إذا قرأ القرآن بكى).

وقد بكى أبو بكر عندما أدركهم سراقة بن مالك في طريق الهجرة خوفاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر يلتفت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت.

وبمناسبة الهجرة أقول: لا تسمعوا لهؤلاء الذين لا يحققون للناس ما ينقلون، ففي برنامج إذاعي أو تلفزيوني -كما أخبرني أحد الناس أن المتحدث أستاذ في الجامعة، لا يليق به أن ينقل دون أن يحقق- يقول المتحدث: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الغار حمله الصديق ، ثم مزق أبو بكر ثوبه، وسد به الفتحات التي في الغار إلا موضعاً واحداً خرج منه ثعبان ولدغ أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجره، وأبو بكر يكتم البكاء، فنزلت دموعه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال: ما يبكيك يا أبا بكر ؟! قال: لدغني الثعبان يا رسول الله! فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الثعبان: لم لدغت الصديق يا ثعبان؟! قال: حبك يا عدنان! عليه الصلاة والسلام! هل هذا الكلام يقال في إذاعة أو في قناة، ويعرض على الناس في المحافل العامة؟

وفي الهجرة: العنكبوت والحمامة، وربنا يقول: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة:40]، والعناكب جنود مرئية، لكننا ما زلنا نعرض الهجرة على الناس بهذا السياق الذي لا يرضي الله عز وجل، فنحن بحاجة إلى تحقيق تاريخي.

وأحدهم سمعته منذ فترة يقول: قال موسى لربه: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، فقال: يا موسى خذ حجراً واكسره، فكسر الحجر فخرج من الحجر حجر، ثم كسر الثاني فخرج منه حجر، ثم كسر الثالث فخرج منه حجر، إلى أن وصل إلى السابع فوجد فيه دودة تقول: سبحان من رزقني! ما هذا الكلام؟! وهل هذا يعرض على الناس إلى الآن؟ هؤلاء ليس لهم عقول، كليم الله يقول: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، هل كليم الله لا يعلم أن الله هو الرزاق؟! هذا كلام -يا إخواني- لا ينبغي أن يقال منا إلا بعد التحقيق الحديثي، فقد يكون ضعف في الإسناد أو في المتن.

أيضاً: قصة عابد الحرمين ابن المبارك حينما قال لشيخه الفضيل بن عياض :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

هل من الأدب أن يقول الطالب لشيخه: أنت تلعب بالعبادة؟!

وهل هذا من أدب السلف؟! لا يمكن أن نقبل هذا.

أيضاً ما ذكره الذهبي في الكبائر أن رجلاً دفن أخته، فوقعت حافظة نقوده في قبرها، فلما وارى التراب على القبر بحث عن المحفظة فلم يجدها، فرجع إلى القبر وفتحه يبحث عن محفظته، فهل في السلف من يرجع إلى القبر ويفتحه حباً في المال؟! أليس منكم رجل رشيد؟! هل هذا كلام يقال على المنابر للناس؟ هذا كلام لا يقبل يا إخواني!

أيضاً: الرجل الذي لم يصل العشاء في جماعة، فلما فاتته الجماعة عاد إلى بيته وصلى سبعاً وعشرين صلاة، فهذا كلام باطل، لأنه لا صلاة في اليوم مرتين، وما كان السلف يجهلون أنه لا يجوز أن تعاد الصلاة أكثر من مرة، لا يجوز أن تعاد الصلاة إلا لسبب شرعي؛ كبطلان أو خطأ، كأن صلى متلبساً بنجاسة، أو صلى إلى غير القبلة؛ فيجوز أن يعيد طالما أنه في الوقت، أما إذا صلى صلاة صحيحة ثم يعيد الصلاة سبعاً وعشرين مرة، فهذا كلام لا يقبل بحال؛ لأنه يعارض الصحيح.

أيضاً: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسماعيل أتى بالسكين، ووضعها على رقبة إسماعيل، فانثنت السكين ولم تقطع، فقال إبراهيم: يا رب! إن السكين لم تتحرك ولم تؤد دورها، قال: يا إبراهيم! إن الذي نزع الرحمة من قلبك نزع الحدة من السكين!

هل نزعت الرحمة من قلب إبراهيم؟! لا إله إلا الله!

هذا الكلام -والله- يقال وسط عشرة آلاف مصل، أن الله سبحانه وتعالى نزع الرحمة من قلب إبراهيم، والجميع يجلس ويقول: ما أجمل هذه القصة! والناس تحب القصص، ويستضيفون من يجمع يميناً ويساراً، ويتخبط ويخبط، ويعرض هذه البضاعة الفاسدة على الناس دون تحقيق.

فيا عباد الله! لا بد أن نحقق قبل أن ننقل، ولذا فأول حديث وقع عند البخاري من الثلاثيات في كتاب العلم: حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال علي ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار)، عليه الصلاة والسلام.

وهو أول الثلاثيات عند البخاري رحمه الله تعالى.

إذاً: بكاء الصديق ، وبكاء عمر ، وبكاء عثمان ، وبكاء علي ، وبكاء ابن عباس ، وبكاء ابن عمر ، وبكاء أبي الدرداء ، وبكاء أبي سعيد الخدري ، وبكاء عائشة ، وبكاء خديجة ، وبكاء صحابيات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبكاء أم أيمن ؛ حدث ولا حرج عن بكاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من الله عز وجل.

أيها الأحباب الكرام! (مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم) كان هو عنوان اللقاء، وفي الحديث الذي توقفنا عنده في البخاري أن ابن عوف سأله عند بكائه على ولده إبراهيم: (حتى أنت يا رسول الله تبكي! قال: (إنما هي رحمة الله سبحانه وتعالى يضعها في قلب من شاء من عباده).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا خشيته، وأن يرزقنا الخوف منه، والعمل بكتابه.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

آمين. آمين. آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حكم تصوير وطباعة الكتب دون علم مؤلفيها وناشريها

السؤال: نحن طلبة في الجامعة نقوم بتصوير الكتب الجامعية؛ لأن ثمنها مرتفع، سواء كتب عليها (حقوق الطبع محفوظة) أو لم يكتب، فما حكم هذا؟

الجواب: يجوز طالما أنك تنتفع بها ولا تتاجر بها، يجوز في حال الانتفاع فقط.

حكم الزواج برجل لا يصلي إلا الجمعة

السؤال: تمت خطبتي إلى شاب لا أعرفه، ولكنه لا يصلي إلا الجمعة، ويعمل مدرس سباحة؟

الجواب: إذا كان لا يصلي إلا الجمعة فهو تارك للصلاة، وتارك الصلاة اختلف العلماء في حكمه، فلا تتزوجي هذا الرجل، وهو -إن مات على ذلك- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر يرافقهم في جنهم.

حكم سجود التلاوة في أوقات الكراهة

السؤال: هل يجوز سجود التلاوة في أوقات الكراهة؟

الجواب: المسألة خلافية، والراجح أنه يجوز.

حكم بيع المرابحة

السؤال: اتفقت مع أحد الأشخاص على شراء سيارته، ولما لم يكتمل المبلغ المتفق عليه اتفقت مع أحد البنوك الإسلامية على شراء هذه السيارة من هذا الشخص، وإعادة بيعها لي بالتقسيط بعد إضافة مصروفات البنك وغير ذلك، فما حكم ذلك؟

الجواب: هذا البيع يسمى بيع المرابحة، يجوز للبنك أن يشتري السيارة، وأن ينقل ملكيتها إليه، ثم يعود ويبيعها إلى المستهلك الذي يريد شراء هذه السيارة بسعر جديد دون أن يحمله فوائد في حال التأخير، فإن تحمل فوائد فهو ربا.

الحكم على حديث: (ولما تلذذتم بالنساء على الفرش)

السؤال: عبارة: (ولا تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني ، ما رأيكم في ذلك؟

الجواب: رواية: (لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها الشيخ أبو إسحاق حفظه الله، ننظر في تضعيفها إن شاء الله تعالى.

الحكم على حديث: (إياكم وخضراء الدمن)

السؤال: أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حديث: (إياكم وخضراء الدمن

الجواب: هذا حديث غير صحيح أبداً.

عدم كون المسجد الأقصى حرماً

السؤال: ما الدليل على أن المسجد الأقصى ليس حرماً؟

الجواب: هذا السؤال خطأ، والأصل أن يقال: ما الدليل على أن المسجد الأقصى حرام؛ لأن الأصل في الأرض أنها كلها مباحة، إنما التحريم يحتاج إلى دليل، لكن الأدلة واضحة على أن المسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام، والمنطقة الحرام لا ينفر طيرها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، ولا يجوز أن تصطاد فيها وأنت حل.

فلو أن رجلاً اصطاد في فلسطين عند المسجد الأقصى فإن صيده مباح ولا نلزمه بشيء؛ لأن المسجد الأقصى لم يأخذ خصائص المسجد الحرام.

حدود نظر الخاطب للمخطوبة وعورة المرأة أمام محارمها

السؤال: ما حدود نظر الخاطب للمخطوبة وما حدود عورة المرأة أمام المحارم؟ وما حدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته؟

الجواب: أما حدود نظر الخاطب للمخطوبة فهو الوجه والكفان، وله أن يراها ثلاث مرات.

وحدود عورة المرأة أمام المحارم الوجه والكفان، الشيخ الألباني له كتاب في هذا، لا سيما المحارم الذين عندهم ضعف في الدين.

وحدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته أنه يحل له كل شيء إلا الدبر والحيض والنفاس، وما عدا ذلك (أنَّى شئتم)، وخاصة عند وجود الترف في هذه الأيام، فالإنترنت يفتح والدش يبث، وأصبحنا نتفنن في ذلك، نسأل الله العافية.

الحكم على الأحاديث القدسية

السؤال: هل الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف؟ وهل هي من مصادر التشريع؟

الجواب: الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف، وإن صحت فهي من مصادر التشريع.

حكم البكاء بصوت مرتفع في صلاة الجماعة

السؤال: ما حكم بكاء المصلي بصوت مرتفع في صلاة الجماعة؟

الجواب: الحقيقة لا أدري ما الذي جرى لهذه الصحوة؟! لا بد أن نستقيم على السنة، والسنة فيها خشوع وأدب وعدم زحام.

أخبرني ثقة أنه قبل الصلاة حدث عند الباب مشاكل وضرب وزحام، أين الأدب والخشوع في الذهاب لصلاة الجمعة؟! أين السكينة والوقار؟! أين احترام المسلم لأخيه المسلم؟! أين سعة الصدر؟! هل يحدث هذا من الملتزمين؟!

إذاً: نحن لا يمكن أن ننظم مكاناً واحداً، إذا كنا بهذه الطريقة ليس لدينا نظام فلنتق الله عز وجل، ولنحفظ الأدب في التعامل مع الناس، والبكاء له آداب، ومن آدابه: عدم رفع الصوت، أما الذي يبكي بصوت مرتفع فهذا نسأل الله له العافية.

حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها

السؤال: ما حكم المرأة التي تمتنع عن زوجها في الفراش؟

الجواب: تلعنها الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت باتت تلعنها الملائكة) .