خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب المواقيت - حديث 175-179-أ
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى, وهي مسألة إدراك الصلاة مع الإمام, بم يدرك الإنسان الصلاة مع الجماعة؟ ظاهر الحديث يدل على أن من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك الصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة).
ولذلك قال ابن تيمية والشيخ ابن سعدي وغيرهما من أهل العلم، قالوا: هذا يشمل جميع صور الإدراك. وبناءً عليه فإن من أدرك مع الإمام ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة, وهذا مذهب مالك ورواية عن الشافعي والإمام أحمد , ونقل عن جماعة من السلف, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكثير من العلماء المحققين المعاصرين, أن الجماعة تدرك بإدراك ركعة مع الإمام.
وحجتهم: حديث الباب.
ومن حججهم أيضاً: اللفظ الآخر: ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة).
بل جاء في صحيح مسلم التصريح بذلك، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك من الصلاة ركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة)، وظاهر هذه الرواية صريح في أن من أدرك ركعة مع الإمام أدرك الصلاة, ومن أدرك أقل من ركعة لا يكون أدرك فضل الجماعة تاماً, وإن كانت هذه اللفظة قال الشيخ الألباني : إنه يخشى من شذوذها؛ وذلك لتفرد ابن وهب بها عن يونس ؛ فإن ابن وهب تفرد بها عن يونس , هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أن الصلاة مع الجماعة تدرك بإدراك تكبيرة الإحرام, فإذا كبر تكبيرة الإحرام قبل أن يسلم الإمام يكون أدرك الجماعة, وهذا هو مذهب الشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة, ونقل عن جماعة من الصحابة كـابن مسعود , ونقل عن الحسن البصري أيضاً وشقيق بن سلمة وغيرهم, أنه إن أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام فقد أدرك الجماعة.
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، والحديث متفق عليه من حديث أبي قتادة وأبي هريرة : ( فما أدركتم فصلوا)، قالوا: إنه إذا أدرك مقدار تكبيرة الإحرام فإنه ينبغي له أن يكبرها ويصلي مع الإمام, ويكون أدرك الجماعة. وكأن ابن حزم أيضاً يذهب هذا المذهب.
والراجح هو القول الأول, أن إدراك الجماعة مع الإمام يكون بإدراك ركعة, فإذا أدركت الإمام في الركعة الأخيرة من الصلاة ولو راكعاً فركعت معه أدركت الجماعة, أما إن أدركت دون ذلك فإنك لا تكون أدركت الصلاة وفضل الجماعة كاملة.
ما يفعله من أدرك الإمام على هيئة من هيئات الصلاة
الوارد في الأحاديث أنه يكون مع الإمام على الحال التي هو عليها, فإذا جئت والإمام راكع فاركع معه, وإذا جئت وهو ساجد فاسجد معه, وإذا جئت وهو جالس فاجلس معه, ولا أرى أن يقف الإنسان لينتظر وينظر هل الإمام في الركعة الأخيرة أو ليس في الركعة الأخيرة, بل ينضم معه على الحال التي هو عليها, كما ورد في سنن أبي داود بسند حسن من حديث ابن مسعود وغيره , فإذا جاء الإنسان والإمام على حال فإنه ينضم معه على الحال التي هو عليها, لكن لو جاء وهو في التشهد الأخير ورآه متوركاً وظن أنه يدرك جماعة في المسجد فلا بأس أن ينتظر لهذه الجماعة, وإن انضم مع الإمام فحسن أيضاً. هذه مسألة إدراك الجماعة أو إدراك الإمام.
لكن هاهنا سؤال وإن كان ليس في صلب الموضوع، لكن يكثر السؤال عنه: من جاء والإمام على حال فماذا يصنع ؟
الوارد في الأحاديث أنه يكون مع الإمام على الحال التي هو عليها, فإذا جئت والإمام راكع فاركع معه, وإذا جئت وهو ساجد فاسجد معه, وإذا جئت وهو جالس فاجلس معه, ولا أرى أن يقف الإنسان لينتظر وينظر هل الإمام في الركعة الأخيرة أو ليس في الركعة الأخيرة, بل ينضم معه على الحال التي هو عليها, كما ورد في سنن أبي داود بسند حسن من حديث ابن مسعود وغيره , فإذا جاء الإنسان والإمام على حال فإنه ينضم معه على الحال التي هو عليها, لكن لو جاء وهو في التشهد الأخير ورآه متوركاً وظن أنه يدرك جماعة في المسجد فلا بأس أن ينتظر لهذه الجماعة, وإن انضم مع الإمام فحسن أيضاً. هذه مسألة إدراك الجماعة أو إدراك الإمام.
بعد ذلك ننتقل إلى أحاديث الليلة, وهي أحاديث أوقات النهي، وهي حديث أبي سعيد وحديث عقبة بن عامر وحديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة وحديث جبير بن مطعم.
الحديث الأول: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
رواه البخاري في كتاب المواقيت, باب النهي عن الصلاة بعد العصر, ورواه مسلم -أيضاً- في صلاة المسافرين، باب الأوقات التي ينهى عن الصلاة فيها .
ولفظ البخاري : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ( سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أربع كلمات فأعجبنني وآنقنني، سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم, وقال: لا صوم في يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى, وقال: لا صلاة بعد صلاتين: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس, وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي ).
وفي رواية عند البخاري أيضاً: ( لا صلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس). والحديث رواه أبو داود والنسائي وغيرهم, في حديث أبي سعيد هذا قوله: (لا صلاة بعد الصبح).
معاني ألفاظ الحديث
وقوله: (حتى تطلع الشمس) جاء مفسراً في الرواية الأخرى (حتى ترتفع الشمس), والمقصود بارتفاع الشمس أيضاً جاء مبيناً في حديث عمرو بن عبسة في النسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى ترتفع الشمس قيد رمح أو قيس رمح)، وهذا عند أبي داود والنسائي , حديث عمرو بن عبسة عند أبي داود والنسائي . (حتى ترتفع الشمس قيد رمح أو قيس رمح)، ومعنى (قيد) أو (قيس) معناه: قدر رمح, وارتفاع الشمس قدر رمح ذكر بعض أهل العلم أنه يستغرق نحو عشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة, يعني: بعد طلوع الشمس بربع ساعة يكون زال وقت النهي، ويجوز للإنسان أن يتنفل حينئذ، عشر دقائق إلى ربع ساعة. هذه الكلمات في حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
وهذا خبر يفيد النهي، فهو نفي يفيد النهي, أي: لا تصلوا بعد الصبح, ولذلك جاء صريح حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضاً: ( نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ), فهو نفي في اللفظ, لكنه في الحقيقة نهي عن الصلاة.
وقوله: (حتى تطلع الشمس) جاء مفسراً في الرواية الأخرى (حتى ترتفع الشمس), والمقصود بارتفاع الشمس أيضاً جاء مبيناً في حديث عمرو بن عبسة في النسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى ترتفع الشمس قيد رمح أو قيس رمح)، وهذا عند أبي داود والنسائي , حديث عمرو بن عبسة عند أبي داود والنسائي . (حتى ترتفع الشمس قيد رمح أو قيس رمح)، ومعنى (قيد) أو (قيس) معناه: قدر رمح, وارتفاع الشمس قدر رمح ذكر بعض أهل العلم أنه يستغرق نحو عشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة, يعني: بعد طلوع الشمس بربع ساعة يكون زال وقت النهي، ويجوز للإنسان أن يتنفل حينئذ، عشر دقائق إلى ربع ساعة. هذه الكلمات في حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
أما في حديث عقبة بن عامر -وأترك المسائل؛ لأن الأحاديث هذه كلها في موضوع واحد- حديث عقبة بن عامر فهو في صحيح مسلم كما أشار المصنف, [وله] يعني: لـمسلم عن عقبة بن عامر : ( ثلاث ساعات).
معاني ألفاظ الحديث
وهل المقصود بالساعة يعني: الساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة؟ قطعاً لا, ليس هذا هو المقصود, لكن للفائدة: ورد في بعض النصوص النبوية ما يدل على الساعة المحددة, ففي سنن أبي داود وغيره يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة)، ومن المعلوم الآن أن الفلكيين يقسمون النهار ثنتي عشرة ساعة, ويقسمون الليل أيضاً إلى ثنتي عشرة ساعة, وهذا بحسب الأغلب أو المتوسط, وإلا فقد يأخذ الليل من النهار أو النهار من الليل.
نريد أحد الإخوة يخرج لنا في الأسبوع القادم حديث ( يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة ), ويذكر من خرجه وطرقه, والحكم عليه وكل ما يتعلق به.
إذاً: هذا المقصود بالساعة في الحديث, وقت من الزمن غير محدد.
قوله: (نهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا) (أو أن نقبر) بضم الباء أو بكسرها, فيجوز أن نقبُر أو نقبِر, ولعل الضم أرجح, والمقصود بـ(أن نقبر فيهن موتانا) يعني: أن ندخلهم في قبورهم.
ولكن الإمام النووي رحمه الله فهم من هذا اللفظ معنى آخر, وقال: إن معنى (أن نقبر فيهن موتانا) قال: إن بعض أهل العلم حملوا هذا على صلاة الجنازة, أنها لا تصلى في هذه الأوقات. ثم قال: وهذا لا يجوز أن يحمل الحديث عليه؛ لأن العلماء أجمعوا -والكلام لا يزال للنووي - أجمعوا على جواز صلاة الجنازة في هذه الأوقات، وإنما يمنع من ذلك من تعمد تأخيرها إلى هذا الوقت.
فكأن النووي رحمه الله يقول: إن المقصود بالقبر هو القبر الحقيقي, وأن النهي هو عن تعمد تأخير الميت إلى دفنه في الوقت, وذكر إجماع العلماء على جواز صلاة الجنازة في هذه الأوقات الثلاثة.
وتعقبه الشوكاني في نيل الأوطار بأنه لا وجه لتخصيص من تعمد تأخير الدفن, إلا إذا نظرنا إلى عموم النصوص التي تدل على رفع الحرج عن غير المعتمد.
وفي كلام النووي رحمه الله عندي نظر.
أولاً : من جهة حكايته الإجماع على جواز الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة, فلعلي سأذكر لكم -إن شاء الله- في الحلقة القادمة كلام أهل العلم في هذه المسألة, صحيح أنهم أجمعوا على الصلاة على الجنائز بعد الفجر وبعد العصر, هذا إجماع كما سيأتي, أما الإجماع في هذه الأوقات الثلاثة فهناك من نهى عن ذلك في الأوقات الثلاثة, يعني: عند طلوع الشمس وعند الزوال وعند الغروب.
الأمر الآخر: حمله النهي على من تعمد تأخير الدفن, وأقول: ما المانع أن يحمل النهي في الحديث على مطلق النهي عن القبر, خاصة وأن هذه الأوقات أوقات قصيرة، هي دقائق معدودة من الممكن أن يؤخر الميت, ولا يضر تأخير الميت عشر دقائق أو خمس دقائق أحياناً، لا يضر حتى تغرب الشمس أو ترتفع أو تزول.
قوله: (حين تطلع الشمس بازغة) معنى (بازغة) أي: طالعة, والمقصود: حين تظهر وتبرز, ولذلك قال: (حتى ترتفع). وقد بينت معنى ارتفاعها.
(وحين يقوم قائم الظهيرة) قال بعض أهل العلم في تفسير هذه العبارة: إن المقصود بقائم الظهيرة يعني: أن يقوم القائم في الظهيرة فلا يكون له ظل.
وقيل: بل المقصود أن الشمس كأنها تقف في نظر الرائي المتأمل وذلك عند الزوال, يخيل إليه أن الشمس واقفة لا تتحرك, وهي في الواقع تتحرك, فقالوا: هذا معنى (قائم الظهيرة)، يعني: حين تقف الشمس.
وقال بعضهم: بل المقصود بقائم الظهيرة البعير يكون على الأرض, فإذا صار وقت الزوال ووقت شدة الحر فإنه يقوم من شدة الرمضاء. وهذا المعنى الثالث فيه عندي بعض النظر؛ لأن ما بعد الزوال أشد حرارة مما قبل الزوال, وإن كان يحتمل أن البعير يكون باركاً فإذا صار وقت الزوال قام, ولا يمنع أن تزيد الحرارة بعد ذلك.
المقصود -على كل حال- بقائم الظهيرة هو لحظة الزوال التي لا يكون للأشياء فيها ظل يتحرك, يعني: يزيد لحظة وقوف الظل أو انعدام الظل في بعض البلاد, كما ذكرنا سابقاً عند وقت الظهر أن الظل ينعدم في مكة في بعض الأوقات, فهذا وقت الزوال.
وقد قدر العلماء وقت زوال الشمس بما بين خمس إلى عشر دقائق, الوقت الذي تحرم فيه الصلاة عند الزوال هو ما بين خمس إلى عشر دقائق.
(حتى تزول الشمس), يعني: تتجه جهة المغرب ويبدأ الظل يزداد.
(وحين تتضيف الشمس للغروب) قوله: (تتضيف) بفتح التاءين والضاد والياء, تتضيف, والمقصود (تتضيف) أي: تميل, والمعنى: أنها تقرب من الغروب أو تكاد أن تغرب, ولذلك جاء في حديث ابن عمر المتفق عليه قال: ( وإذا غاب حاجب الشمس فأمسك عن الصلاة حتى تغرب)، فدل على أن قوله: (وحين تتضيف للغروب) يعني: تقرب من الغروب أو يغرب أولها وحاجبها وهو أعلاها.
والحديث رواه مسلم -كما ذكر المصنف- في الموضع السابق المشار إليه, باب الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها, وفيه ذكر الأوقات الثلاثة غير الوقتين اللذين ذكرا في حديث أبي سعيد .
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |