خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الواسطية [20]
الحلقة مفرغة
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال رحمه الله تعالى: [ وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات:
أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ].
هذا هو بحث الشفاعة الذي اتفقت الأمة على بعضه، وهو متفق عليه عند الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة.
يقول رحمه الله: (وله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات).
وإذا قيل لك: من أين هذا العد؟ فقل: هذا من الاستقراء والتتبع، ويستفاد هذا من دلالة الكتاب والسنة.
والشفاعة في اللغة: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وفي الاصطلاح: التوسط للغير في جلب نفع أو دفع ضر، وعرفها شيخ الإسلام بقريب من هذا فقال: التوسط في جلب النفع أو التخليص من السوء، والتخليص من السوء هو من صور دفع الضر.
وهذه الشفاعة جاءت في القرآن العظيم على نحوين، فجاءت مثبتة ، وجاءت منفية.
فالشفاعة المثبتة: هي ما دل عليه الكتاب والسنة من شفاعة أهل التوحيد بعد إذن الله جل وعلا ورضاه عن المشفوع، فهذه هي الشفاعة المثبتة، وأما الشفاعة المنفية فهي الشفاعة الشركية التي توصل بها أهل الشرك إلى صرف العبادة لغير الله.
فالبحث هنا في الشفاعة المثبتة، والشفاعة المثبتة تنقسم إلى قسمين من حيث اعتقاد أهل القبلة فيها:
الأول: قسم أجمع عليه أهل الإسلام، ولم يقع بينهم فيه خلاف، وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى، شفاعته في أهل الموقف أن يأتي الله جل وعلا لفصل القضاء.
فهذه لم يخالف فيها أحد من أهل الإسلام، بل أجمع عليها المسلمون، وهي المشار إليها في كلام المؤلف في الشفاعة الأولى حيث قال:
[أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف- موقف القيامة- حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء] فمتى يكون هذا؟
بعضهم قال: يكون في أول الأمر. لكن الظاهر أنه بعد أن يلقى أهل النار من الكفار فيها، فإنه إذا ألقي أهل النار فيها عند ذلك يشتد الكرب على أهل الإيمان، ولا يبقى إلا هم، فيتراجع الناس ويطلبون من يشفع عند الله أن يخلصهم من هذا الكرب وهذه الشدة، فيأتون آدم يطلبون منه الشفاعة فيعتذر، ثم يطلبون نوحاً فكذلك يعتذر، ويأتون بعد ذلك إبراهيم فيعتذر، وموسى فيعتذر، ويأتون عيسى فيعتذر، لكنه لا يذكر ذنباً بخلاف من تقدم، ويقول لهم: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبهذا الخبر يتبين أن هذا المقام لا يصلح إلا لمن وصف بهذا الوصف، وهو مغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر.
فاعتذار الأنبياء إنما هو لأجل عظم الموقف، ورفعة المكان والمقام الذي طلب منهم، وهو الشفاعة عند الله سبحانه وتعالى في فصل القضاء، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الناس: (أنا لها أنا لها).
ثم إنه يذهب صلى الله عليه وسلم ويطلب الشفاعة، لكنه لا يبتدئ بالطلب، إنما يأتي الله جل وعلا، فإذا رأى ربه سجد، فيقال له بعد طول سجود وكثرة حمد وثناء: (ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع) فعند ذلك يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب من رب العالمين أن يأتي لفصل القضاء.
والأحاديث التي في الصحيحين تختصر ذكر الشفاعة العظمى، فإذا ذكرت ما يكون من مراجعة الأنبياء ووصول الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما يكون منه من سجود؛ تذكر بعد ذلك الشفاعة في الأمة خاصة، ولا تذكر الشفاعة في فصل القضاء إلا في أحاديث قليلة، والسبب في هذا -وهذه مسألة مفيدة قل من ينبه عليها- أن الشفاعة العظمى لا خلاف فيها بين أهل الإسلام، ولذلك طوى ذكرها رواة الأحاديث، بخلاف الشفاعة في أهل الكبائر، وبقية أنواع الشفاعة؛ فإن الخلاف بين أهل السنة وغيرهم فيها قائم؛ فلذلك احتاج الرواة إلى أن يصرحوا ويذكروا شفاعته في الأمة وفي أهل الكبائر والذنوب، وطووا ذكر الشفاعة العظمى، مع أن المراجعة لا تكون في الشفاعة للأمة، إنما تكون في فصل القضاء، وقد جاء ذكر طلب فصل القضاء من النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيح، وهو أمر مجمع عليه.
فإذا قرأت في صحيح البخاري ، وفي صحيح مسلم وفي غيرهما أحاديث الشفاعة تجد أنه بعد قول الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (اشفع) يسأل الشفاعة لأمته، مع أن الناس طلبوا منه المجيء لفصل القضاء لعموم أهل الموقف، وليس الشفاعة الخاصة بأمته صلى الله عليه وسلم.
فيأتي الله جل وعلا لفصل القضاء، وهذا هو المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، وهو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، فالمقام المحمود فسره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث في الصحيحين وفي غيرهما بالشفاعة، وهي الشفاعة العظمى التي يحمده عليها الأولون والآخرون.
شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر يوم القيامة
قال: [ وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ].
هذا غير الاستفتاح، فالاستفتاح هو طلب فتح الباب، وهناك أمر آخر وهو أنه إذا فتح الباب فإن أهل الجنة لا يدخلونها إلا بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فيشفع لأهل الجنة في دخول الجنة، وهو المشار إليه في بعض أحاديث الصحيحين بقوله: (فيحد لي حداً - يعني: من الأمة- فأدخلهم الجنة)، وهو المشار إليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنا أول شفيع في الجنة) يعني: في دخولها. فيدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تدخل أمته.
قال: [ وهاتان الشفاعتان خاصتان له ] أي: لا يشاركه فيهما غيره لا من الملائكة، ولا من النبيين، ولا من الصديقين، ولا من الشهداء، ولا من الصالحين.
واعلم أنه يضاف إلى هاتين الشفاعتين شفاعة ثالثة خاصة به صلى الله عليه وسلم، وهي شفاعته في عمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه لا في رفعه، وذلك أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! عمك
وعلى كل حال فنحن لم نعلم ذلك صريحاً إلا في أبي طالب ، ثم إن المخفف عنه لا يدرك ذلك التخفيف، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب : (عليه نعلان -أو شراكان- من نار يغلي منهما دماغه، لا يرى أن أحداً أشد عذاباً منه)، هذا من حيث ما يظن وما يتصور، وأما من حيث الواقع فإنه تخفيف، فهذه ثالث الشفاعات التي يختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالشفاعة الأولى: الشفاعة العظمى.
والشفاعة الثانية: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها.
والشفاعة الثالثة: شفاعته في عمه أبي طالب .
الشفاعة فيمن استحق النار أو دخلها ومن خالف في ذلك
هذا النوع الثالث من الشفاعة، وهو الذي خالف فيه المعتزلة والخوارج وغلاة المرجئة.
أما المعتزلة والخوارج فأنكروا الشفاعة، وقالوا: لا شفاعة، فمن دخل النار لا يخرج منها بل هو خالد فيها. وأما غلاة المرجئة فأيضاً أنكروا هذا النوع من الشفاعة، وقالوا: إنه لا يشفع؛ لأنه لا يدخل النار أهل الإيمان، فقالوا: إذا كان لا يدخل أهل الكبائر النار بسبب كبائرهم فإنه لا حاجة إلى الشفاعة، فأنكروا هذا النوع من الشفاعة، وهذا قل من ينبه عليه في هذه الفرقة المخالفة.
أما عامة المرجئة فإنهم يثبتون هذا النوع من الشفاعة كأهل السنة وغيرهم.
فالشفاعة التي وقع فيها الخلاف بين الفرق هي الشفاعة لأهل الكبائر، فالوعيدية من المعتزلة والخوارج نفوا الشفاعة، وقالوا: لا يمكن أن يشفع لأحد في الخروج من النار، فمن دخلها فإنه لا يخرج منها. وقابلهم غلاة المرجئة فقالوا: لا يدخل أهل الكبائر النار أصلاً، وعليه فلا شفاعة. فقابلوهم في التعليل، وإن كانوا وافقوهم في النتيجة من حيث إنكار الشفاعة.
والذي عليه سلف الأمة -وهو ما دل عليه الكتاب والسنة- أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره يشفعون في أهل الكبائر، وأن ممن يدخل النار من يخرج منها، ولكن اعلم أن من يدخل النار نوعان:
فنوع دخولهم أبدي، وهم أهل الكفر، فهؤلاء لا يخرجون منها، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
ومنهم من يدخل ويعاقب ويمحص ويخلص، ثم بعد ذلك يخرج، وهذا في حق أهل الكبائر المسرفين على أنفسهم بالذنوب والمعاصي مع وجود الأصل الإيمان، وهم الذين وردت فيهم الأحاديث: (لا يبقى في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).
يقول رحمه الله: [ فيشفع فيمن استحق النار -أي: استوجبها- ألا يدخلها ].
هذه شفاعة دفع، أي: قبل أن يحل به العقاب وينزل يدفع عنه، وكذلك يشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، وهذه شفاعة رفع، وكلتاهما يثبتها أهل السنة والجماعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن القيم رحمه الله في تعليقه على سنن أبي داود عند ذكر هذه الشفاعة: ولم أقف لها على دليل. يعني: الشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها، وكذلك قال شيخنا رحمه الله: لا أعلم لها دليلاً. أي: الشفاعة في قوم استحقوا النار ألا يدخلوها.
وقد أشار بعض أهل العلم إلى دليل يمكن أن يكون مستنداً في إثبات هذه الشفاعة التي أثبتها أهل السنة والجماعة، وهو ما جاء في الصحيح أن الأنبياء عند الصراط يكون قولهم الذي يلهجون به: (رب سلم سلم)، فإنه في رواية سهل في صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيوضع الصراط ثم تحل الشفاعة فأقول: رب سلم سلم) أو: (وعند ذلك حلت الشفاعة فأقول: رب سلم سلم) وهذا دعاء بالسلامة لهم -وهم سالمون من النار- ولأممهم، وهذا الأثر يصلح دليلاً على هذا النوع من أنواع الشفاعة، وهو الشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها.
واستحقاقه لها كان برجحان سيئاته على حسناته، فهذا هو سبب استحقاق النار، وسبب استحقاق الجنة رجحان الحسنات على السيئات.
بقيت حالة، وهي مساواة الحسنات بالسيئات، وهذا أيضاً مما يستحق به الإنسان النار؛ لأن مساواة الحسنات والسيئات لا تنفعه في تخليصه من المؤاخذة إلا أن ترجح الحسنات على السيئات، فيعاقب -إن شاء الله- حتى تخف كفة السيئات وتثقل كفة الحسنات، وعند ذلك يكون ممن ثقلت موازينه فيدخل الجنة.
فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له -أي: للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فهي ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم.
لكن اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من هذه الشفاعة أوفر وأعلى من غيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم تميز في الشفاعة بأمرين:
الأمر الأول: أن الله سبحانه وتعالى خصه بأنواع منها.
الثاني: أن ما يشاركه فيها غيره حظه ونصيبه منها أوفر وأعلى، فهو أوفر الشافعين نصيباً، وأعلاهم حظاً؛ ولذلك فقوله: [وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم] لا يفيد التسوية بين هؤلاء، بل هم على درجات فيها.
قال: [ ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ].
وهذا كثير في السنة مستفيض متواتر، وهو الشفاعة في أقوام دخلوا النار أن يخرجوا منها، وهذا الذي خالف فيه من خالف من الوعيدية وغلاة المرجئة كما تقدم تقريره وبيانه.
وأهل السنة والجماعة يثبتون هذا النوع من الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولسائر النبيين والصديقين، بل وللملائكة كما سيأتي بيانه.
حاصل أنواع الشفاعات
وبقي نوع سادس من أنواع الشفاعة لم يذكره المؤلف رحمه الله، وهو شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع الدرجات في الجنة، واستدلوا لهذا بحديث أبي سلمة وفيه أنه دعا له فقال: (اللهم ارفع درجته في المهديين)، وكذلك استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لـعبيد أبي عامر : (واجعله فوق كثير من خلقك)، لكن هذه ليست خاصة به، لكن هذا النوع من الشفاعة حصل في الدنيا، فالدعاء كان في الدنيا، والكلام في الشفاعات التي تكون في الآخرة.
ويمكن أن يستدل لهذا النوع من الشفاعة بقوله تعالى: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21]، فإلحاق الذرية يكون برفع درجاتهم، وهذا فيه أن هذه الشفاعة -وهي شفاعة رفع الدرجات- ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عموم فضل الله ورحمته على هذه الأمة والأمم قبلها
بعد أن فرغ من ذكر أنواع الشفاعات قال: [ ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته ].
كما ثبت ذلك في الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه إذا شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون لم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين رب العالمين جل وعلا، فيخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط؛ تفضلاً منه ورحمة.
لكن اعلم أن قوله: (لم يعملوا خيراً قط)أي: فيما زاد على أصل التوحيد؛ لأنه لا يمكن أن يدخل الجنة إلا موحد، لكن هؤلاء لما عظمت ذنوبهم وثقلت سيئاتهم وعظم جرمهم لم يسعهم شفاعة الملائكة ولا شفاعة النبيين ولا شفاعة المؤمنين، فلم يسعهم إلا فضل الله وجوده ورحمته التي وسعت كل شيء، فيخرجهم سبحانه وتعالى تفضلاً منه ورحمة.
قال: [ ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الجنة ].
قوله: (فضل) يعني: زيادة لم تسكن وذلك لسعتها، نسأل الله أن نكون من أهلها.
قال: [ فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة ].
أي: ينشئ لها أقواماً في ذلك الوقت من غير أهل الدنيا فيدخلهم الجنة، وهؤلاء لا يلحقون بأهل الجنة الذين هم من أهل الدنيا ضيقاً ولا مزاحمة، بل هذا لبيان عظيم سعة هذه الجنة، وأن أهل الجنة من أهل الدنيا إذا قضوا مآربهم وبلغوا منازلهم وأخذوا ما أعد لهم فإن فضل الله واسع لا يضيق على هؤلاء، بل فضله جل وعلا يسع جميع هؤلاء، وينشئ الله للجنة خلقاً فيسكنهم في فضولها، أي: فيما زاد منها عن أهل الجنة.
وأما من هم هؤلاء الخلق؟ وكيف يكونون؟ فهذا ليس لنا البحث فيه؛ لأنه من أمور الغيب، ونحن نؤمن بما أخبرنا، ونقف فيما أخبرنا عنه من أمور الغيب على ما ورد بلا زيادة ولا نقص.
قال رحمه الله: [ وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة -يعني: أنواع وأجناس ما تضمنته الدار الآخر- من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار في العلم المأثور عن الأنبياء ].
أراد أن هذا الأمر ليس مما اختصت به الشريعة الإسلامية، ولا مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، بل هو من الأمور التي اتفقت عليها الأنبياء، فإن مما اتفق عليه الأنبياء في دعوتهم الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر، فختم الشيخ رحمه الله هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان بهذا الأمر ليبين لنا أن ما جاء في هذا الأصل ليس مما اختص به أهل الإسلام، بل هو عام لأهل الإسلام ولغيرهم من الأمم.
ولكن الذي تميز به خاتم النبيين وإمام المرسلين وما تميز به الكتاب المبين والقرآن المجيد هو في قوله: [ وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي ] أي: يشفي المحتاج ويكفي الطالب، وهذه الجملة تفيدنا فائدتين:
الفائدة الأولى: أن ما جاء في الكتاب والسنة مما يتعلق باليوم الآخر فيه الكفاية، وفيه الشفاء، وفيه الغنية عن كل ما سواه، فلا حاجة بنا إلى مطالعة غير الكتاب والسنة، بل الواجب في ذلك الاقتصار على ما جاء في الكتاب والسنة.
الفائدة الثانية: أن ما جاء في هذه الشريعة أعظم مما جاء في غيرها، وذلك أن هذه الشريعة أخبرت عمَّا يتعلق باليوم الآخر بأضعاف ما أخبرت به الشرائع السابقة، ففي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وفي الكتاب الحكيم من ذلك ما لا يحصى كثرة وتنوعاً في الإخبار عما يكون في اليوم الآخر.
فقال رحمه الله: [ وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك -أي: من الخبر عن اليوم الآخر وتفاصيل ذلك- ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه - أي: طلبه- وجده -أي: حصله- ]، وهو يشير إلى أنه لم يستوعب في هذا الفصل ما يتعلق باليوم الآخر، إنما ذكر جملاً وأصولاً، والذي يرغب في الزيادة والتفصيل فليرجع إلى الكتاب والسنة يجد في ذلك بغيته.
وبهذا يكون قد تم الكلام على هذا الأصل من أصول الدين ومن أصول الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الواسطية [16] | 2360 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [3] | 2197 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [21] | 2139 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [6] | 1990 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [25] | 1912 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [2] | 1902 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [18] | 1866 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [12] | 1848 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [24] | 1824 استماع |
شرح العقيدة الواسطية [19] | 1744 استماع |