شرح العقيدة الواسطية [17]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً، وهو كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف ].

قال رحمه الله: (وأن الله تعالى تكلم به حقيقة) ، والمراد بقوله: (حقيقة) يعني: أن إضافة الكلام إليه حقيقة وليس مجازاً كما تقول الكلابية والأشاعرة، فإن الكلابية والأشاعرة يقولون: إضافة الكلام إلى الله مجاز وليس حقيقة، وإلا فإنه ليس لله كلام يسمع، وإنما هو معنىً يقوم بالذات، هكذا قال عبد الله بن كلاب ، وهو أول من أحدث هذا القول في أمة الإسلام، وأول من عرف عنه إنكار أن القرآن كلام الله هو الجعد بن درهم ، وأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان، وهذا عبد الله بن سعيد بن كلاب أتى بقول محدث، لم يرض قول المعتزلة، ولم يسلك طريق أهل السنة، فقال: إن الكلام معنىً يقوم بذات الرب سبحانه وتعالى، وهو معنى أزلي، وهذا المعنى ترجمه وبينه إما جبريل وإما محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف عندهم، وهذا يرده الكتاب والسنة وإجماع السلف واللغة والعقل، كل هذا يرد على هذا القول، وتفصيل هذا مبسوط في كتابات أئمة السلف المتقدمين والمتأخرين.

فالذي يجب اعتقاده في كلام الله أنه كلام الله سبحانه وتعالى لفظه ومعناه، هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة.

أما أولئك فإنهم قالوا: المعنى من الله، وأما الكلام فليس منه، أما الحروف والألفاظ فليست منه هي من غيره؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (وأن الله تعالى تكلم به حقيقة).

وقد أكد الله جل وعلا كلامه فقال سبحانه وتعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، فأتى بالمصدر المؤكد لفعله وهو الكلام، فقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وهذا يبطل الأوهام الضالة التي تقول: إن الكلام مجاز وليس بحقيقة.

ثم قال رحمه الله: (وأن هذا القرآن) المشار إليه القرآن كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، (الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره) ، وهذا تأكيد للمعنى السابق، كلامه حقيقة، فالإضافة إليه إضافة حقيقية، (لا كلام غيره) كما قالوا: إن الكلام عبر عنه جبريل أو عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: ما معنى الكلام على قول هؤلاء؟

معنى الكلام عندهم: هو أن الله جل وعلا يخلق إدراكاً في نفس السامع فيفهم به مراد الله ويعبر عنه، هذا معنى الكلام عند الأشاعرة والكلابية، إذاً: عاد قولهم إلى نفي ما وصف الله به نفسه من الكلام، وإلى موافقة الجهمية في بعض قولهم، لكنهم ليسوا كالجهمية في الصراحة، فالجهمية صرحاء يقولون: كلام الله مخلوق، وهؤلاء يراوغون، فأخذوا بعض قول الجهمية، وبعض قول أهل السنة، أخذوا من أهل السنة أن المعنى من الله، وأخذوا من الجهمية أن الحروف والألفاظ ليست من الله بل هي مخلوقة؛ ولذلك بعض أئمة السلف يسمي الأشاعرة مخانيث المعتزلة؛ لأنهم لم يتمحضوا في الاعتزال، ولم يسلكوا سبيل أهل السنة والجماعة، بل لفقوا بين حق وباطل، وكانت النتيجة أن قالوا ضلالاً؛ لأن الحق واضح لا يقبل مثل هذه المداهنات والمجاملات.

فالواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه، وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.

عدم جواز إطلاق القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله

ثم قال: [ ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه ] لا يجوز إطلاق القول بأنه -أي:القرآن- حكاية عن كلام الله، وهذا إشارة إلى قول الكلابية فإنهم قالوا: القرآن حكاية عن كلام الله وليس هو كلام الله وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن المعنى من الله، وأما اللفظ فمن جبريل أو من الرسول.

وأما قوله: [ أو عبارة عنه ] هذا فيه الإشارة إلى عقيدة الأشاعرة، فإن الأشعري لم يرتض قول عبد الله بن كلاب في أن القرآن حكاية، وقال: إنما تكون الحكاية مثل المحكي، واللفظ الذي يتركب من حروف ليس مثل المعنى، فقال: لا أقول حكاية، قالوا له: ماذا تقول؟

قال: أقول: القرآن عبارة.

والحقيقة أن كلا القولين باطل وضلال، ما قاله الأشعري ، وما قاله ابن كلاب ، فكلا القولين ضلالة وخروج عن الصراط المستقيم، والواجب ما تقدم من كلام الشيخ، وهو الذي أجمع عليه السلف أن يقال: القرآن كلام الله، وماذا يضرنا إذا قلنا هذا؟ بل الضرر كل الضرر في مخالفة هذا؛ لأن مخالفة هذا هو مخالفة لما أفاده كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، بل وأجمعت عليه الأنبياء.

وبعد أن أشار المؤلف رحمه الله إلى طرق الضلالة في هذا الباب قال: [ بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة ].

هل ما في المصاحف كلام الله؟

الجواب: نعم، كلام الله حقيقة وليس مجازاً، هل ما يقرأه القارئ كلام الله؟

الجواب: نعم، هو كلام الله حقيقة لا مجازاً، ولا أحد يقول: إن قراءة القارئ كلام الله؛ ويريد صوت القارئ، أو يريد حركة القارئ وما يكون منه من فعل في أثناء القراءة، بل كلام السلف على أن قراءة القارئ للقرآن: الكلام كلام الله، والصوت صوت القارئ، فالكلام كلام البارئ، والصوت صوت القارئ، وهذا لا يمكن أن يرد على العقل السليم خلافهما أو شبهة فيها، وإنما جاءت الشبهة من تشبيه هؤلاء؛ لما أجلبوا بخيلهم ورجلهم على ما دلت عليه النصوص.

ثم يبين المؤلف رحمه الله وجه كون إطلاق لفظ كلام الله على ما في المصاحف وعلى ما يقرأ، فيقول: [ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً ]

إذا قال القائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، إذا قال القائل هذا القول هل هو كلام رسول الله أو لا؟

لا أحد ينكر أن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يريد أحد إذا قال: إن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللفظ والصوت الحادث هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟

لا، فالمراد بوصف الكلام بأنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام المبلَّغ، لا صوت المبلِّغ، ولا حركة المبلِّغ، فإن هذا لا يرد على ذهن أحد، وهذا أمر مستقر بالفطر، يدركه كل أحد، المسلم والكافر، ولكن هؤلاء خالفوا الحقائق الواضحة والبينات الساطعة ليقرروا ما عندهم من انحرافات وبدع.

القرآن كلام الله حروفه ومعانيه

ثم قال رحمه الله: [ وهو كلام الله حروفه ومعانيه ] الضمير يعود إلى أي شيء؟

إلى القرآن، فهو كلام الله حروفه ومعانيه، وهذا الذي يعتقده أهل السنة والجماعة، أن اللفظ والمعنى من الله؛ ولذلك سمى الله سبحانه وتعالى مجموع اللفظ والمعنى قرآناً، قال سبحانه وتعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، فجعل الكتاب الذي هو المكتوب وما تضمنه من لدن حكيم خبير جل وعلا، وقال سبحانه وتعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر:1]، الإشارة إلى أي شيء؟

إلى ما يقرأه المسلمون من قول تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، فالحروف والمعاني كلها من الله جل وعلا.

يقول رحمه الله: [ ليس كلام الله الحروف دون المعاني ]، هذا قول جماعة من أهل اللغة قالوا: إن الكلام هو الحروف لا المعاني، أشار إلى هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله، وأشار إلى القول الثاني بقوله: [ ولا المعاني دون الحروف ] إلى قول الأشاعرة والكلابية، وأما الجهمية فالحروف والمعاني عندهم مخلوقة؛ ولذلك هم يقولون ويطلقون: القرآن مخلوق، ويريدون بالخلق خلق الحروف وخلق المعاني ما عندهم إشكال، وقولهم أطرد من قول الأشاعرة والكلابية، لكنه أوغل في الضلالة.

ثم قال: [ ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه ] لا يجوز إطلاق القول بأنه -أي:القرآن- حكاية عن كلام الله، وهذا إشارة إلى قول الكلابية فإنهم قالوا: القرآن حكاية عن كلام الله وليس هو كلام الله وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن المعنى من الله، وأما اللفظ فمن جبريل أو من الرسول.

وأما قوله: [ أو عبارة عنه ] هذا فيه الإشارة إلى عقيدة الأشاعرة، فإن الأشعري لم يرتض قول عبد الله بن كلاب في أن القرآن حكاية، وقال: إنما تكون الحكاية مثل المحكي، واللفظ الذي يتركب من حروف ليس مثل المعنى، فقال: لا أقول حكاية، قالوا له: ماذا تقول؟

قال: أقول: القرآن عبارة.

والحقيقة أن كلا القولين باطل وضلال، ما قاله الأشعري ، وما قاله ابن كلاب ، فكلا القولين ضلالة وخروج عن الصراط المستقيم، والواجب ما تقدم من كلام الشيخ، وهو الذي أجمع عليه السلف أن يقال: القرآن كلام الله، وماذا يضرنا إذا قلنا هذا؟ بل الضرر كل الضرر في مخالفة هذا؛ لأن مخالفة هذا هو مخالفة لما أفاده كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، بل وأجمعت عليه الأنبياء.

وبعد أن أشار المؤلف رحمه الله إلى طرق الضلالة في هذا الباب قال: [ بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة ].

هل ما في المصاحف كلام الله؟

الجواب: نعم، كلام الله حقيقة وليس مجازاً، هل ما يقرأه القارئ كلام الله؟

الجواب: نعم، هو كلام الله حقيقة لا مجازاً، ولا أحد يقول: إن قراءة القارئ كلام الله؛ ويريد صوت القارئ، أو يريد حركة القارئ وما يكون منه من فعل في أثناء القراءة، بل كلام السلف على أن قراءة القارئ للقرآن: الكلام كلام الله، والصوت صوت القارئ، فالكلام كلام البارئ، والصوت صوت القارئ، وهذا لا يمكن أن يرد على العقل السليم خلافهما أو شبهة فيها، وإنما جاءت الشبهة من تشبيه هؤلاء؛ لما أجلبوا بخيلهم ورجلهم على ما دلت عليه النصوص.

ثم يبين المؤلف رحمه الله وجه كون إطلاق لفظ كلام الله على ما في المصاحف وعلى ما يقرأ، فيقول: [ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً ]

إذا قال القائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، إذا قال القائل هذا القول هل هو كلام رسول الله أو لا؟

لا أحد ينكر أن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يريد أحد إذا قال: إن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللفظ والصوت الحادث هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟

لا، فالمراد بوصف الكلام بأنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام المبلَّغ، لا صوت المبلِّغ، ولا حركة المبلِّغ، فإن هذا لا يرد على ذهن أحد، وهذا أمر مستقر بالفطر، يدركه كل أحد، المسلم والكافر، ولكن هؤلاء خالفوا الحقائق الواضحة والبينات الساطعة ليقرروا ما عندهم من انحرافات وبدع.

ثم قال رحمه الله: [ وهو كلام الله حروفه ومعانيه ] الضمير يعود إلى أي شيء؟

إلى القرآن، فهو كلام الله حروفه ومعانيه، وهذا الذي يعتقده أهل السنة والجماعة، أن اللفظ والمعنى من الله؛ ولذلك سمى الله سبحانه وتعالى مجموع اللفظ والمعنى قرآناً، قال سبحانه وتعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، فجعل الكتاب الذي هو المكتوب وما تضمنه من لدن حكيم خبير جل وعلا، وقال سبحانه وتعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر:1]، الإشارة إلى أي شيء؟

إلى ما يقرأه المسلمون من قول تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، فالحروف والمعاني كلها من الله جل وعلا.

يقول رحمه الله: [ ليس كلام الله الحروف دون المعاني ]، هذا قول جماعة من أهل اللغة قالوا: إن الكلام هو الحروف لا المعاني، أشار إلى هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله، وأشار إلى القول الثاني بقوله: [ ولا المعاني دون الحروف ] إلى قول الأشاعرة والكلابية، وأما الجهمية فالحروف والمعاني عندهم مخلوقة؛ ولذلك هم يقولون ويطلقون: القرآن مخلوق، ويريدون بالخلق خلق الحروف وخلق المعاني ما عندهم إشكال، وقولهم أطرد من قول الأشاعرة والكلابية، لكنه أوغل في الضلالة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الواسطية [16] 2355 استماع
شرح العقيدة الواسطية [3] 2195 استماع
شرح العقيدة الواسطية [21] 2136 استماع
شرح العقيدة الواسطية [6] 1986 استماع
شرح العقيدة الواسطية [25] 1910 استماع
شرح العقيدة الواسطية [2] 1898 استماع
شرح العقيدة الواسطية [18] 1864 استماع
شرح العقيدة الواسطية [12] 1846 استماع
شرح العقيدة الواسطية [24] 1822 استماع
شرح العقيدة الواسطية [19] 1740 استماع