شرح العقيدة الواسطية [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه حيث يقول: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]؛ ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح ].

آخر ما ذكر الشيخ رحمه الله من القواعد في هذه المقدمة قوله: [ وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات ] وبينا النفي الوارد في كتاب الله عز وجل والإثبات، وقلنا: إن الأصل فيما وصف الله به نفسه الإثبات، فهذا الأصل، حتى النفي الذي وصف الله به نفسه المقصود به والمراد منه الإثبات، وهذه هي طريقة القرآن، وهي الطريق التي سلكها سلف الأمة، وسار عليها من سلك منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وقابل هذا الطريق وخالفه الذين وصفوا الله عز وجل بالنفي تفصيلاً، وبالإثبات إجمالاً، وهؤلاء هم المتكلمون، فالمطالع ما ألفه المتكلمون من أهل البدع في هذا الباب يجد أنهم يفصلون ويطنبون في السلوب والنفي، ويجملون في الإثبات، حتى إن بعضهم لا يثبت لله عز وجل وصفاً إلا وصف الوجود.

ولا شك أن هذا في غاية المضادة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بينه القرآن؛ فإن القرآن لم يأت بالنفي إلا لأجل الإثبات، ولم يأت نفي مقصود لذاته؛ ولذلك تجد أن هؤلاء المفتونين بالكلام يجعلون التنزيه والتقديس فيما يصفون الله به سبحانه وتعالى من السلوب، فتجد أحدهم يقول: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، ولا يرى، ولا يشار إليه، ولا يقرب منه شيء، ولا يقرب من شيء، وما إلى ذلك من النفي، وهم يريدون بهذا النفي -زعموا- التنزيه والتعظيم، لكن أي تنزيه وتعظيم في قلب العبد إذا اعتقد مثل هذا الكلام الذي لا يحصل منه إلا النفي؟! قال الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.. [الحشر:22-23] إلى آخر ما ذكر الله من أسمائه وصفاته في هذا الموضع وفي غيره، فمن أي الطريقين يحصل للعبد تعظيم الله عز وجل؟

فذاك لا يحصل به إلا الجفاء والغلظة للقلب والجهل بالرب، وأما هذا الطريق -طريق القرآن- فهو الذي يحصل به غاية العلم بالله سبحانه وتعالى، العلم الذي يستطيعه المخلوق؛ لأن العليم الخبير أعطانا وأظهر لنا من العلم المتعلق بذاته ما تحيط به عقولنا، وما تستطيع أن تدركه أذهاننا، والإحاطة التي ذكرناها ليست الإحاطة التامة، إنما هي إحاطة الإدراك، وإلا فالكيفيات أمرها إلى الله عز وجل لا نحيط بها، كما تقدم بيانه في الشرح.

ثم بعد أن بين الشيخ رحمه الله هذا، وبين أن أهل السنة والجماعة ملتزمون بهذا الصراط، سالكون هذا السبيل لا يحيدون عنه ولا يميلون، بين أن هذا الصراط هو صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وبهذا تعلم أن ما جاءت به الرسل فيما يتعلق بالخبر عن الله عز وجل واحد، فلم تختلف الرسل فيما أخبرت به عن الله عز وجل؛ لأن الرب الذي بعث أولهم هو الذي بعث آخرهم، فالموصوف والمدعو إليه في جميع الرسالات هو رب واحد، هو رب العالمين الذي جاء القرآن ببيان أوصافه والخبر عنه على أكمل وجه.

ثم بعد أن فرغ من هذا الفصل أتى بفصل بين فيه بعض ما في كتاب الله عز وجل مما يتعلق بالخبر عنه سبحانه وتعالى، تطبيقاً للقواعد المتقدمة واستدلالاً لها، فقال رحمه الله: [ وقد دخل في هذه الجملة ]، والمشار إليه هو ما تقدم من القواعد المتعلقة بالأسماء والصفات.

وقد تقدم لنا في كلامه رحمه الله قاعدتان: القاعدة الأولى: لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

الثانية: أنه سبحانه وتعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، فننظر إلى ما ساقه رحمه الله من الأمثلة، وما أدرجه تحت تلك الجملة.

فقال: [ وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص ]، وسورة الإخلاص هي سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والاسم المشهور في السنة لهذه السورة هو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، سميت بأول ما جاء فيها، وورد اسم الإخلاص لهذه السورة في السنة أيضاً في جامع الترمذي، لكن الاسم المشهور الذي وردت به الأحاديث هو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وسميت بهذا الاسم لأنها أخلصت في الخبر عن الله عز وجل، هذا فيما يتعلق بمضمونها.

وأما ما يتعلق بمطلوبها فلأن من عمل بها، وقام بما تضمنته فإنه حقق الإخلاص، وهذه السورة لها شأن عظيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بها صلاة النهار ويختتم بها صلاة الليل، فكان يقرأ بها في وتره، ويقرؤها في سنة الفجر في ركعتي الفجر، وفي ركعتي المغرب، وفي ركعتي الطواف، فكان يكررها صلى الله عليه وسلم في العديد من النوافل، وقد قال لأصحابه مرة: (احشدوا -أمرهم بالاجتماع- أقرأ عليكم ثلث القرآن، فلما احتشدوا واجتمعوا قرأ عليهم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم قال: ألا إنها تعدل ثلث القرآن)، فجمعهم صلى الله عليه وسلم ليبين لهم صفة ربهم سبحانه وتعالى، وفضل ما جاء في هذه السورة.

قال المؤلف رحمه الله: [ في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن ]. أي: تعدل في الثواب والجزاء، ووجه كونها تعدل ثلث القرآن أن معاني القرآن ثلاثة: ثلث يتعلق بالله عز وجل، وثلث يتعلق بالأحكام، وثلث يتعلق بالقصص والأخبار، وهذه السورة تضمنت الثلث المتعلق بالخبر عن الله وعن التوحيد، وذكرنا أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب والجزاء، لكن هل تعدل ثلث القرآن في الإجزاء والاكتفاء؟

الجواب: لا؛ ولذلك لو قرأ الإنسان هذه السورة في ركعة من صلاته ثلاث مرات فإنها تعدل القرآن في الثواب، لكن هل تكفيه عن قراءة الفاتحة؟ لا تكفيه عن قراءة الفاتحة؛ لأنها تعدل ثلث القرآن في الثواب لا في الإجزاء.

قال رحمه الله: [ تعدل ثلث القرآن حيث يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] ].

افتتحت هذه السورة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقول الذاتي، والقول الإعلامي الإخباري التبليغي؛ وذلك لأهمية ما تضمنته هذه السورة، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ القرآن كله، لكن حيثما رأيت القرآن أمر الله عز وجل نبيه بأن يقول، فذاك لأن المضمون بعد القول أمر يحتاج إلى عناية وانتباه.

مجامع التوحيد التي تضمنتها السورة

قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] تضمنت هذه السورة ثلاثة معانٍ هي مجامع التوحيد، ولا يستقر التوحيد في قلب العبد إلا باجتماعها:

الأمر الأول: إثبات الأحدية لله سبحانه وتعالى التي تقتضي نفي الشريك، وذلك في قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

الأمر الثاني: إثبات الصمدية له سبحانه وتعالى، وهي تقتضي اتصافه بأوصاف الكمال.

الأمر الثالث: إثبات تنزهه سبحانه وتعالى عن الشبيه والنظير والمثيل، وذلك في قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4].

ما تضمنته السورة إثباتاً

هذه السورة تضمنت إثباتاً ونفياً، فالإثبات قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فأثبتت هذه الآية لله سبحانه وتعالى الإلهية، وأثبتت له الأحدية، والإلهية تتعلق بالعبادة، والأحدية تتعلق بالعبادة وبالربوبية وبالأسماء والصفات، وهذا الاسم (الأحد) لم يرد ذكره في غير هذه السورة، وهذا مما اختصت به هذه السورة، ومن مزايا هذا الاسم من أسمائه سبحانه وتعالى أنه لا يسمى به غيره إلا في النفي، أما في الإثبات فلا يسمى به إلا الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2] فيه إثبات هذا الاسم له سبحانه وتعالى، والصمد تنوعت عبارات السلف في بيانه وشرحه وتفسيره، وأشهرها تفسيران:

التفسير الأول -وهو الأكثر والأشهر في كتب المفسرين، والأكثر المنقول عن الصحابة والتابعين- تفسيره بأنه الذي لا جوف له، فهو مصمت سبحانه وتعالى، ونزه ربك عن المثال، أو عن تصور حقيقة هذه الصفة، فإنه لم يدر في خلد صحابة رسول الله ولا التابعين ولا سلف هذه الأمة التمثيل أو التشبيه، بل هم سائرون على ما تقدم تقريره من قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فإثبات هذا المعنى لا يلزم منه أي محذور، ولا أي نقص في الرب سبحانه وتعالى، وإنما فسر بأنه لا جوف له لأنه الغني سبحانه وتعالى، وإنما احتاج غيره إلى الجوف لافتقاره إلى ما يغذيه، أو إلى ما تقوم حياته به، وهو سبحانه الصمد القائم بنفسه الغني عن كل أحد، فليس به حاجة إلى أحد سبحانه وتعالى، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

التفسير الثاني للصمد -وهو الذي جاء في كلام بعض السلف، ورجحه كثير من المتأخرين- أنه السيد الذي تنزل به الحوائج، فيكون (الصمد) بمعنى (القيوم)؛ لأن القيوم الذي يقوم على كل نفس بما كسبت، فلا قيام لنفس من أنفس بني آدم ومن أنفس غير بني آدم إلا به سبحانه وتعالى، فالمعنى الثاني: الصمد الذي تنزل به حوائج الخلق ويقضيها جل وعلا. وهذان المعنيان هما بمعنى (القيوم) كما بينا في المعنى الثاني، وكذلك في المعنى الأول؛ لأنه القائم بنفسه المقيم لغيره.

وجمع آخرون بين هذين المعنيين لهذا الاسم العظيم فقالوا: إن الصمد هو الكامل في أوصافه، فله من العلم غايته، وله من الحلم نهايته، وله من كل صفة منتهاها، فلا فوق ما وصف به نفسه من الصفات، فله الغاية في كل صفة من أوصافه، وهذا المعنى ورد عن بعض السلف فقال: السيد الذي كمل في سؤدده، الحليم الذي كمل في حلمه، العليم الذي كمل في علمه، فيكون معنى الصمد: هو الكامل في أوصافه.

واعلم أن هذا الاسم من الأسماء الحسنى لم يرد ذكره في غير هذه السورة، فيكون ثاني اسم من الأسماء التي اختصت به هذه السورة التي بينت صفة الرحمن سبحانه وتعالى.

ما تضمنته السورة نفياً

قال تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، ما تقدم كله صفات ثبوت، وصفات وجودية، وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] هذا أول الصفات السلبية، وأول النفي المذكور في هذه السورة، وهذا هو نفي للتفصيل، (لم يلد) فلم يتفرع عنه شيء، فليس له فرع، (ولم يولد) فلم يتفرع عن شيء، فلا أصل له، فهو سبحانه وتعالى المنزه عن الأصل والفرع؛ وذلك لكمال الله وكمال قيوميته سبحانه وتعالى، فلا يحتاج إلى أصل ينتسب إليه، ولا إلى فرع يستند إليه أو يتقوى به، بل هو الغني سبحانه وتعالى، فهل أفادنا هذا النفي معنى ثبوتياً أم لا؟ وهل هو نفي محض؟

الجواب: لا، إنما هو نفي لإثبات كمال الغنى، هذا من حيث المعنى العام، ونفي ما وصفه به الجاهليون من أن له ولداً، كما قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال المشركون: الملائكة بنات الله، فكل هذا منفي بقوله سبحانه وتعالى: (لم يلد)، وهذا النفي في هذه الآية لبيان كمال صمديته سبحانه وتعالى؛ ولذلك فسر جماعة (الصمد) بأنه الذي لم يلد ولم يولد.

ثم قال: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، وهذا فيه النفي أيضاً، ووصفه سبحانه وتعالى بالنفي والسلب، وهو نفي وسلب إجمالي، والمراد منه نفي الشريك، ونفي النظير وهو المثيل العديل؛ وذلك لكمال تفرده سبحانه وتعالى بصفات الكمال، وهو معنى قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ومعنى قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65]، ومعنى قوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً [البقرة:22]، ومعنى قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فهذا نفي مجمل لبيان كمال انفراده سبحانه وتعالى.

واعلم أنه سبحانه وتعالى لا كفؤ له في أسمائه، ولا كفؤ له في صفاته، ولا كفؤ له في أفعاله، ولا كفؤ له في شيء من أموره، بل ولا فيما يجب له؛ ولذلك إذا جمعت بين أول هذه السورة وآخرها وبين قوله: (اللَّهُ أَحَدٌ)، وبين قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ اجتمع لك غاية التوحيد بنفي التمثيل ونفي الشريك، وبهذا يصح ما ذكره الشيخ رحمه الله من أن هذه السورة وما ذكر فيها من أوصاف داخلة في الجملة المتقدمة التي اختطها أهل السنة والجماعة، وسار عليها سلف الأمة من إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، والإقرار بأن الله سبحانه وتعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات.

قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] تضمنت هذه السورة ثلاثة معانٍ هي مجامع التوحيد، ولا يستقر التوحيد في قلب العبد إلا باجتماعها:

الأمر الأول: إثبات الأحدية لله سبحانه وتعالى التي تقتضي نفي الشريك، وذلك في قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

الأمر الثاني: إثبات الصمدية له سبحانه وتعالى، وهي تقتضي اتصافه بأوصاف الكمال.

الأمر الثالث: إثبات تنزهه سبحانه وتعالى عن الشبيه والنظير والمثيل، وذلك في قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4].