شرح الفتوى الحموية [25]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين، أما بعد:

[ فصل : وقد قال القائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] أنه استولى وقهر وملك، وأن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء، والأرض فالله قادر عليها، وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فلو كان الله مستوياً على العرش بمعنى: الاستيلاء -وهو عز وجل مستولٍ على الأشياء كلها- لكان مستوياً على العرش وعلى الأرض، وعلى السماء وعلى الحشوش والأقذار؛ لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها، وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله مستوٍ على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء، الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها، وذكر دلالات من القرآن والحديث والإجماع والعقل ].

ذكر مذهب أهل البدع في الاستواء

ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أبي الحسن أن المعتزلة والجهمية والحرورية خالفوا فيما تقدم من ذكر الاستواء, والاستواء -كما ذكرنا- صفة فعلية، أثبتها أهل السنة والجماعة لله سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، بل إن إثبات استواء الله عز وجل من المتواتر الذي جاءت به النصوص.

واستواء الله عز وجل على العرش ذكرنا أن أهل السنة والجماعة أطلقوا في تفسيره أربع كلمات، وهذه المعاني الأربعة هي: العلو، والصعود, والاستقرار, والارتفاع، هذه الكلمات هي التي وردت عن السلف في تفسير معنى الاستواء، وهي تفسير وليست تأويلاً، أي: وليست تحريفاً للكلم عن مواضعه كما سلك أرباب الكلام.

وقد بين الشيخ فيما نقله عن أبي الحسن تأويلات المتكلمين لهذه الصفة فقال: (وقد قال القائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية -والحرورية: فرقة من فرق الخوارج- إن معنى قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) أنه استولى وقهر وملك) أي: أن استوى بمعنى استولى وقهر وملك، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ لأن استوى جاء تفسيرها في كلام السلف بالمعاني المتقدمة، وأما تأويلها بأنه استولى وقهر وملك فهذا باطل لا يصح من حيث اللغة، ولا من حيث المعنى.

ومن تأويلاتهم أيضاً: أن الاستواء بمعنى الإقبال، فقالوا: استوى على العرش بمعنى: أقبل عليه أو أقبل إليه، وكل هذه تأويلات باطلة لم ترد عن السلف، وهي مضادة لما فهم من كلام الله سبحانه وتعالى.

قال: (وإن الله عز وجل في كل مكان) وهذا أمر لا يتعلق بالاستواء فحسب، بل يتعلق أيضاً بالعلو، فإن الاستواء دليل خاص من أدلة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، ولذلك استدل به أهل السنة على علو الله سبحانه وتعالى.

وأما أدلة العلو فهي كثيرة، وقد اجتمعت عليه جميع الدلالات من الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل، والعلو الذي يثبته أهل السنة والجماعة صفة لله سبحانه وتعالى هو علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، فعلو القهر وعلو القدر لا خلاف فيهما بين أهل القبلة، فكلهم يثبت علو القهر وعلو القدر، لكنهم اختلفوا في علو الذات، فأثبت أهل السنة والجماعة علو الله سبحانه وتعالى بذاته على خلقه، وخالف في ذلك أهل الكلام، فقالوا: إنه سبحانه ليس عالياً على خلقه، وأولوا النصوص التي فيها إثبات علوه بأنها علو القهر أو علو القدر؛ ليفروا من إثبات علو الذات.

وهؤلاء الذين نفوا العلو اختلفوا بعد ذلك في: هل الله سبحانه وتعالى في كل مكان أو أنه ليس في مكان؟ فمنهم من قال: إنه في كل مكان، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة، وقال آخرون: إنه ليس في مكان، وهو مقتضى قول الجهمية الذين يقولون: لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، وما إلى ذلك من تفصيلاتهم الباطلة.

إبطال تأويل الاستواء

فلما اختلفوا في هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه الله في كلامه فقال: (وإن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه كما قال أهل الحق) ويلزم على القولين: على قول من نفى أنه داخل العالم وخارجه، وقول من أثبت أنه في كل مكان؛ يلزم على القولين لوازم باطلة، وهم إنما فروا من إثبات العلو؛ لأنهم ادعوا أنه يلزم على إثبات العلو لوازم باطلة، لكن يقال لهم في الجواب: إن ما فررتم إليه من أنه سبحانه وتعالى ليس في مكان أو أنه في كل مكان يلزم عليه من اللوازم الباطلة أكثر مما توهتموه في إثبات العلو، فإن إثبات العلو لله عز وجل لا يلزم عليه أي لازم باطل, إذ إن كلامه سبحانه وتعالى هو كما قال عنه سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] فكلامه محكم لا باطل فيه.

ثم قال الشيخ: (وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة) يعني: في تفسير الاستواء إلى قدرته، (وقالوا: إنه استوى على العرش، يعني: قدر عليه) وهذا معنى قولهم: استولى, ثم قال الشيخ في مناقشة هذا التأويل الباطل: (فلو كان كما ذكروه) يعني: لو كان معنى الاستواء الاستيلاء فـ(لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء) أي: على العرش وعلى الأرض السابعة، فهو مستولٍ على العرش وعلى غيره فلا فرق.

قال: (فالله قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فلو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء -وهو عز وجل مستولٍ على الأشياء كلها- لكان مستوياً على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش، وعلى الأقذار؛ لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها) فلا معنى لتخصيص الاستواء بالعرش في سبع آيات من كتابه.

قال: (وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: -يعني: أن يقول القائل- إن الله مستوٍ على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في كل شيء، فلما كان من الممكن عند أهل الإسلام أن يقولوا: إن الله مستوٍ على الحشوش وعلى الأخليه دل ذلك على أن معنى الاستواء المذكور في كتابه والذي خص به العرش ليس هو معنى الاستيلاء الذي هو ثابت على كل شيء، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها، وذكر دلالات من القرآن والحديث والإجماع والعقل) يعني: على ما قرره من أن الاستواء ليس معناه: الاستيلاء، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء باطل.

ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أبي الحسن أن المعتزلة والجهمية والحرورية خالفوا فيما تقدم من ذكر الاستواء, والاستواء -كما ذكرنا- صفة فعلية، أثبتها أهل السنة والجماعة لله سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، بل إن إثبات استواء الله عز وجل من المتواتر الذي جاءت به النصوص.

واستواء الله عز وجل على العرش ذكرنا أن أهل السنة والجماعة أطلقوا في تفسيره أربع كلمات، وهذه المعاني الأربعة هي: العلو، والصعود, والاستقرار, والارتفاع، هذه الكلمات هي التي وردت عن السلف في تفسير معنى الاستواء، وهي تفسير وليست تأويلاً، أي: وليست تحريفاً للكلم عن مواضعه كما سلك أرباب الكلام.

وقد بين الشيخ فيما نقله عن أبي الحسن تأويلات المتكلمين لهذه الصفة فقال: (وقد قال القائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية -والحرورية: فرقة من فرق الخوارج- إن معنى قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) أنه استولى وقهر وملك) أي: أن استوى بمعنى استولى وقهر وملك، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ لأن استوى جاء تفسيرها في كلام السلف بالمعاني المتقدمة، وأما تأويلها بأنه استولى وقهر وملك فهذا باطل لا يصح من حيث اللغة، ولا من حيث المعنى.

ومن تأويلاتهم أيضاً: أن الاستواء بمعنى الإقبال، فقالوا: استوى على العرش بمعنى: أقبل عليه أو أقبل إليه، وكل هذه تأويلات باطلة لم ترد عن السلف، وهي مضادة لما فهم من كلام الله سبحانه وتعالى.

قال: (وإن الله عز وجل في كل مكان) وهذا أمر لا يتعلق بالاستواء فحسب، بل يتعلق أيضاً بالعلو، فإن الاستواء دليل خاص من أدلة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، ولذلك استدل به أهل السنة على علو الله سبحانه وتعالى.

وأما أدلة العلو فهي كثيرة، وقد اجتمعت عليه جميع الدلالات من الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل، والعلو الذي يثبته أهل السنة والجماعة صفة لله سبحانه وتعالى هو علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، فعلو القهر وعلو القدر لا خلاف فيهما بين أهل القبلة، فكلهم يثبت علو القهر وعلو القدر، لكنهم اختلفوا في علو الذات، فأثبت أهل السنة والجماعة علو الله سبحانه وتعالى بذاته على خلقه، وخالف في ذلك أهل الكلام، فقالوا: إنه سبحانه ليس عالياً على خلقه، وأولوا النصوص التي فيها إثبات علوه بأنها علو القهر أو علو القدر؛ ليفروا من إثبات علو الذات.

وهؤلاء الذين نفوا العلو اختلفوا بعد ذلك في: هل الله سبحانه وتعالى في كل مكان أو أنه ليس في مكان؟ فمنهم من قال: إنه في كل مكان، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة، وقال آخرون: إنه ليس في مكان، وهو مقتضى قول الجهمية الذين يقولون: لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، وما إلى ذلك من تفصيلاتهم الباطلة.

فلما اختلفوا في هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه الله في كلامه فقال: (وإن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه كما قال أهل الحق) ويلزم على القولين: على قول من نفى أنه داخل العالم وخارجه، وقول من أثبت أنه في كل مكان؛ يلزم على القولين لوازم باطلة، وهم إنما فروا من إثبات العلو؛ لأنهم ادعوا أنه يلزم على إثبات العلو لوازم باطلة، لكن يقال لهم في الجواب: إن ما فررتم إليه من أنه سبحانه وتعالى ليس في مكان أو أنه في كل مكان يلزم عليه من اللوازم الباطلة أكثر مما توهتموه في إثبات العلو، فإن إثبات العلو لله عز وجل لا يلزم عليه أي لازم باطل, إذ إن كلامه سبحانه وتعالى هو كما قال عنه سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] فكلامه محكم لا باطل فيه.

ثم قال الشيخ: (وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة) يعني: في تفسير الاستواء إلى قدرته، (وقالوا: إنه استوى على العرش، يعني: قدر عليه) وهذا معنى قولهم: استولى, ثم قال الشيخ في مناقشة هذا التأويل الباطل: (فلو كان كما ذكروه) يعني: لو كان معنى الاستواء الاستيلاء فـ(لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء) أي: على العرش وعلى الأرض السابعة، فهو مستولٍ على العرش وعلى غيره فلا فرق.

قال: (فالله قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فلو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء -وهو عز وجل مستولٍ على الأشياء كلها- لكان مستوياً على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش، وعلى الأقذار؛ لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها) فلا معنى لتخصيص الاستواء بالعرش في سبع آيات من كتابه.

قال: (وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: -يعني: أن يقول القائل- إن الله مستوٍ على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في كل شيء، فلما كان من الممكن عند أهل الإسلام أن يقولوا: إن الله مستوٍ على الحشوش وعلى الأخليه دل ذلك على أن معنى الاستواء المذكور في كتابه والذي خص به العرش ليس هو معنى الاستيلاء الذي هو ثابت على كل شيء، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها، وذكر دلالات من القرآن والحديث والإجماع والعقل) يعني: على ما قرره من أن الاستواء ليس معناه: الاستيلاء، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء باطل.

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم قال: باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين، وذكر الآيات على ذلك. ورد على المتأولين لها بكلام طويل لا يتسع هذا الموضع لحكايته: مثل قوله: فإن سئلنا أتقولون لله يدان؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وقوله تعالى لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) وقد جاء في الخبر المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خـلق آدم بيده، وخلـق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده) وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويريد بها النعمة، وإذا كان الله إنما خاطب العرب بلغتها، وما يجري مفهوماً في كلامها ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل البيان أن يقول القائل: فعلت كذا بيدي، ويعني: بها النعمة، بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بِيَدَيَّ) النعمة. وذكر كلاماً طويلاً في تقرير هذا ونحوه ].

وهذا كما ذكر في هذا النقل، أن الصواب إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى وهي صفة اليدين، وهما ثابتتان له سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وأما تأويل المؤولين لهذه الصفة بأنها القدرة أو النعمة فهذا تأويل غلط، لا تدل عليه النصوص، بل النصوص دالة على خلافه.

وأجاب على تأويل اليدين بالنعمة بأجوبة، فبعد أن ذكر الآيات والنصوص الدالة على إثبات صفة اليدين له سبحانه وتعالى قال: (وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويريد بها النعمة)؛ لأن التثنية لا يراد بها إلا عين المعدود، ومعلوم أن نعمة الله سبحانه وتعالى لا حصر لها ولا إحصاء؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] فيستحيل إحصاؤها إن عدت.

إذاً: هذا الوجه الأول في إبطال تفسير اليدين بالنعمة: وهو أن اللفظ جاء بصيغة التثنية، والتثنية لا ترد إلا ويقصد منها العدد المذكور، بخلاف الجمع فقد يرد للتعظيم، وبخلاف المفرد فقد يراد به الجنس، ولذلك كانت هذه الصيغة التي وردت في إثبات صفة اليدين من أقوى الأدلة على إثبات هذه الصفة؛ لأنه لا مجال للتأويل فيها، بخلاف الإفراد والجمع، فقد يقال: إن الجمع للتعظيم، وقد يقال: إن الإفراد لجنس النعمة وليس المراد اليد الحقيقية، مع أن الأدلة التي فيها الإفراد والجمع دالة أيضاً على إثبات صفة اليد له سبحانه وتعالى؛ لأنه لا تنسب هذه الصفة إلا لمن له يد، إذ لا تذكر الصفة وتضاف إلى شيء إلا لمن كان متصفاً بها، فلا يقال: هذا ما عمله بيده إلا لمن كان له يد، بل لابد أن يكون من أضيفت إليه اليد موصوفاً بها.

قال: (وإذا كان الله إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوماً في كلامها، ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي ويعني بها النعمة, بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة. وذكر كلاماً طويلاً في تقرير هذا ونحوه) والكلام في تقرير هذه الصفة طويل، والمراد أن صفة اليد ثابتة لله سبحانه وتعالى وقد وردت في كتابه تعالى على ثلاثة أوجه: وردت بالإفراد، ووردت بالتثنية، ووردت بالجمع.

الإفراد كقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] وكقوله: وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، والتثنية كقوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75], والجمع كقوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] وكلها دالة على إثبات هذه الصفة له سبحانه وتعالى.