معالم العصمة عند وقوع الفتنة


الحلقة مفرغة

الحمد لله جل جلاله، وعز جاهه، وتقدست أسماؤه، وعظم عطاؤه، وعم نواله، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله إلى الناس كافةً أجمعين، وبعثه رحمةً للعالمين، وختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وهدانا به من بعد الضلالة، وأرشدنا من بعد الغواية، وأعزنا من بعد الذلة، وكثرنا من بعد القلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن (معالم العصمة عند وقوع الفتنة) أمر مهم، وموضوع خطير نحن في أمس الحاجة إليه مع تعاظم البلية وتفاقم الرزية، وكثرة الاختلاف والتنابذ والتنابز بالألقاب، والتباعد والتجافي في الآراء، والافتراق والانقطاع في الصفوف، وغير ذلك مما نمر به ونشهده، نسأل الله سبحانه وتعالى العصمة من الفتنة، وإنه جل وعلا قد قدر الفتنة والابتلاء، والفتنة ابتلاء وامتحان واختبار، ثم صارت تطلق على كل مكروه أو كل ما يئول إليه الأمر من المكروه والسوء والشر والفساد، نسأل الله عز وجل السلامة، وقد اقتضت سنة الله سبحانه وتعالى وقوع الفتن وجريان المحن تمحيصاً للإيمان، وتمييزاً للصفوف، وابتلاء يصدق به الصادقون، ويظهر به الكاذبون، ويفتن به وينصرف عن الحق المنافقون، وقد قال سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].

قال ابن كثير في تفسيره: هذا استفهام استنكار. أي: هذا السؤال على صيغة الإنكار، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، وقال السعدي رحمه الله: سنته تعالى وعادته في الأولين وفي هذه الأمة أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وأن يسلط الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة وفتنة الشهوات المعارضة للإرادة، فمن صدق وثبت فأولئك هم المؤمنون.

ثم بين عاقبة هذا الابتلاء، فقال رحمه الله: فمن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكاً وريباً، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.

وكم نرى مَنْ تحير شكاً في الثابت المقطوع به من دين الله، بل من غير وبدل وصار مخالفاً مخالفةً واضحةً تامةً للمقتضى الظاهر البين مما جاء في آيات الله وثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنه ينبغي أن يعلم أن الإيمان ليس كلمةً تقال، وإنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، والفتنة هي الدالة على أصل الإيمان، وهي سنة الله جل وعلا الجارية، ونحن لا نشك أبداً في أننا في زمن فتنة وأحداث عظيمة وجليلة، لكننا عندما ننظر بنور الله، وعندما نستهدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكشف لنا حقائق الأمور، وتبدد ظلمات الشبهات، ونعزف بإذن الله سبحانه وتعالى عن إغراء الشهوات، ولعلنا نصف واقعنا المعاصر وحالتنا الراهنة التي يتكالب فيها الأعداء وتفترق فيها الآراء ليس بوصف من عندنا، ولا بقول من زماننا، وإنما بما ذكره المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففيما صح عند الشيخين من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وصف به أواخر الزمان قال عليه الصلاة والسلام: (يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج. قيل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل).

فهل ترى صورةً أوضح وأدق من هذا التعبير في وصف أحوالنا اليوم في تقارب هذا الزمان واختصاره -كما يطلقون عليه اليوم أنه أصبح كقرية صغيرة- وقبض العلم بموت العلماء، وذهاب المخلصين الصادقين منهم إلا من رحم الله؟

ولقد ظهرت الفتن واشتهرت كما ذكر الشراح، فتأتي فتنة عظيمة ترقق التي قبلها، وفتنة في الشرق تنسي فتنة الغرب، وفتنة في عقر الدار بعد فتنة في نائي الديار، حتى يرى الإنسان هذا الظهور والاشتهار والكثرة رأي العين، لا يحتاج إلى بيان، ولا إلى شرح.

(ويلقى الشح) أي: يغرس في النفوس. وكم نراه ظاهراً! والهرج والقتل ما أدراك ما هو؟! وكم أعداده؟! وما هي أسلحته الفتاكة؟! وما هي جرائم القوى العظمى التي تتولى كبره وتنأى وتحمل عقابه وإثمه إنسانياً ودينياً؟

ثم كذلك ننظر إلى ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في صورة توضيحية أكثر، كما ورد في الصحيح عند البخاري ومسلم أيضاً من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه أشرف على أطم من الآطام فقال لأصحابه: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر) أليس قطر المطر يصيب كل شيء كل قطعة من الأرض وكل مكان من الأمكنة؟

وذلك من كثرة الشيوع وعموم البلوى بمثل هذه الفتن، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسى كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) رواه مسلم في صحيحه.

والله لكأنا نرى ذلك رأي العين، نرى من اسمه اسم المسلمين وسمته سمتهم، ثم نرى حاله ومقاله وفعله لا يختلف عن فعل الكافرين، بل ربما كان أشد، ولأجل أي شيء يفعل ذلك؟ لا ترى سبباً، ولا تستطيع أن تبحث عن علة إلا أمر يتلعق بدنياه، حفاظاً على روحه، أو رعاية لمصالحه، أو حفظاً لمطامعه، أو خوفاً على شيء من عرض هذه الدنيا.

قال الحسن البصري في تعليقه وبيانه لهذا الحديث -وهو من أفصح البيان وأوضحه-: يصبح الرجل محرماً لدم أخيه وعرضه وماله ويمسي مستحلاً له. أهواء تعبث، ومصالح تحكم، ودين يضوي، وإيمان يرق، ويقين يضعف، نسأل الله عز وجل السلامة.

ثم يقول الحسن رحمه الله عندما ذكر قوله: (يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل): فو الله لقد رأيناهم صوراً ولا عقولاً، وأجساماً ولا أحلاماً، فراش نار، وذباب طمع، يغدون بدرهمين، ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز.

(والله لقد رأيناهم) من القائل؟ الحسن البصري ، في أي زمن؟ في زمن التابعين، مع وجود بعض الصحابة الغر الميامين، (والله لقد رأيناهم صوراً ولا عقولاً، وأجساماً ولا أحلاماً) ثم بين حالهم، أفلسنا نرى من ذلك ما هو أظهر وما هو أشهر وما هو أكثر وما هو أخطر؟

بلى والله، ومن لم ير ذلك فربما لم تكن له عين بصيرة، نسأل الله عز وجل السلامة.

لنتأمل هذه الومضات الإيمانية القرآنية التي تبين الافتراق بين المؤمنين الصادقين وبين المنافقين الزائغين والكافرين المعتدين الظالمين، والتي تبين كيف تمحص الفتن الناس، وكيف تظهر مكنونات ما في قلوبهم، وتخرج دخائل نفوسهم، وتظهر خواطر عقولهم، وتكشف ذلك في فلتات ألسنتهم، وفي كثير من أحوالهم وأفعالهم.

قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10]، بمجرد الابتلاء اليسير والمحنة العارضة نجد من ينسلخ من دينه ويتجرد من إيمانه، ويمسخ حتى من فطرته وخلقه، لأي شيء؟ لأجل عذاب دنيوي، أو لأجل رهبة بشرية، وينسى عذاب الآخرة، وينسى قوة الله رب الأرباب وملك الملوك وجبار السماوات والأرض، ينسى أن أمر الله جل وعلا بين الكاف والنون، وأن كل قوى الأرض لا يمكن أن يكون لها أثر ولا ذكر ولا خبر إذا أراد الله سبحانه وتعالى إفناءها، وإذا أراد الله عز وجل ردها في نحور أربابها، وإذا أراد الله عز وجل أن تكون شقوة لمن يأخذون بها ويؤذون بها ويعتدون بها.

وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11].

أليس هذا حالاً نراه؟ أليست هذه صورة ينبغي أن تمتلئ قلوبنا رهبة وخوفاً من أن نكون من أربابها أو أن نكون من أصحابها؟

إنها الفتن التي تقلب القلوب، وتعبث بالآراء، فإن لم تكن لنا عصمة من الله فسنضيع مع الضائعين، ونزيغ مع الزائغين، ونهلك مع الهالكين.

نسأل الله عز وجل أن يعصمنا، ونسأله سبحانه وتعالى أن ينجينا، وأن يجعلنا أوثق بما عنده مما في أيدينا.

إننا إذا تأملنا وجدنا حالاً تصوره الآيات يشبه حالنا اليوم وقد تكالب علينا الأعداء، وقد اختلفت آراء الأولياء والأحباء، بل تضاربت مصالحهم، بل وقد تهيأت أسباب ظهور صراعهم وعدائهم، وصارت جلية واضحة.

أي شيء في كتاب الله يصور لنا ذلك؟

قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، سبحان الله! كأن الآيات تنطق بألسنة كثير ممن يقع منهم ذلك في هذا اليوم فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

قاعدة مطردة، نفي مؤبد، هذا كلام رب العالمين (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) أين هم؟

إن وجدوا فلن يكون للكافرين عليهم سبيل، قد تكون جولة، ولكن الدولة تعود إلى أهل الحق إلى قيام الساعة.

ولكن كثيراً من الناس لا يوقنون، وعند الشدة لا يثبتون، وذلك هو أثر الفتنة التي يقضيها الله عز وجل، فإن ثبت الثابت واعتصم بالله عز وجل فيوشك عما قريب أن تنكشف الغمة، وأن تفرج هذه الملمة، وأن يكون للناس من ورائها خيرٌ عظيم وفرج كبير ونصر عظيم، ولكن كثيراً من الناس لا يوقنون، ولكن كثيراً من الناس لا يصبرون ولا يثبتون، نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا من أولئك، وعندما نتلو هذه الآيات نجد ما بعدها مباشرة: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142].

من مواقف المنافقين أنهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أي شيء أوضح من بيان أن هذه المواقف هي مواقف النفاق الذي لا يصدق معه الإيمان؟ إنما يكون ظاهراً لا باطناً، وإنما يكون صورةً لا حقيقة، وإنما يكون مداهنةً لأغراض وليس صدقاً كما هو الأصل في هذا الإيمان، ولسنا نريد أن نفيض الحديث عن الفتنة، فإنها مما يراه الناس ويعرفونه، لكننا نريد أن نقف مع معالم العصمة من هذه الفتنة والنجاة من هذا الهلاك والخروج من هذا المأزق، سيما وأن الأحداث تتوالى، وأن البلايا تتعاظم، والله عز وجل قد من علينا بكثير مما نحتاج إليه، ونحتاج إلى التبصر به حتى نسلم بعون الله عز وجل، وهذه بعض المعالم:

الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

الأمر الأول: الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].

قال الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: يعني بذلك جل شأنه وثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعاً، يريد بذلك تعالى ذكره: تمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهد إليكم في كتابه، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله.

وقال ابن كثير : وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ.

يعصمون من الخطأ إذا ائتلفوا واتفقوا، وينجون من الآراء الزائغة والمواقف الحائرة والمواقف الخاطئة كذلك، والله سبحانه وتعالى قد بين ذلك في آيات كثيرة: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78]، عندما تأتي الفتن وتشتد المحن نجد الناس يلجئون ويفزعون إلى ما يظنونه مستمسكاً ومستعصماً وملاذاً، فبعض الناس يرجع إلى قوى من قوى أهل الدنيا وإن كانت قوىً كافرةً باغيةً ظالمة، يلتمس الأمن في ظلالها، والحماية في جوارها، والنصرة في طريقها أو في مسيرها، وذلك من أعظم الزيغ وأشد الفتنة، وأكبر الارتداد عن دين الله سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل السلامة.

والله جل وعلا يبين أنه لا عصمة إلا لمن اعتصم به، يقول سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [النساء:146]، وغير أولئك لا ينجون، وغير أولئك لا يصيبون، وغير أولئك لا يكون لهم ما يقع به أمنهم من الخوف، ولا نجاتهم من الهلكة.

لا بد أن نتأمل في هذه الآيات وفي غيرها، وكذلك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:175]، لا شك أن المسائل مختلطة، وأن الأمور محيرة، فكيف تنكشف الطريق؟ وكيف يعرف المسار؟ وكيف تنجلي الغمة؟ وكيف تكشف الظلمة؟

إنه لا كشف إلا بنور الوحي، ولا بصيرة إلا ببصيرة الإيمان، ولا معرفة إلا بمعرفة اليقين، فكلما اعتصمنا بكتاب ربنا اعتصاماً حقيقياً عن وعي وإدراك، وعن إيمان ويقين، وعن ثبات وصبر فإن ذلك هو العون الأساسي.

تقوى الله

الأمر الثاني: تقوى الله، ونعني التعلق الذي يزداد عند الفتن والمحن، والذي يعظم عند اشتداد الكرب والبلاء، مع أن كثيراً من الناس إذا ازدادت الشدة ذهلت عقولهم، وفزعت قلوبهم، فانصرفوا عن حياض التقوى، وخرجوا من دائرة العبادة، ولم يكن ذلك دافعاً لهم لمزيد من التعلق، وللإكثار من الارتباط بالعبادة والطاعة؛ لأن الناس في وقت الفتن يذهلون وينشغلون بأمور أنفسهم، وينصرفون كثيراً عن أمور تعلقهم بطاعة ربهم وعبادته سبحانه وتعالى، أليس قد قال الحق جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]؟

كن مع تقوى الله وسوف تجد -بإذن الله عز وجل- كل عسير يسيراً، وكل صعب سهلاً، وكل مغلق مفتوحاً، وذلك وعد الله القاطع الذي لا يتخلف بإذن الله عز وجل.

وتأمل كيف يبين النبي صلى الله عليه وسلم أثر العبادة في وقت الفتنة على وجه الخصوص، وفي ذلك أحاديث كثيرة عندما تتأملها تدرك أنه كلما زادت الفتنة ينبغي أن تزيد من العبادة والطاعة، هذا حديث معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي) رواه مسلم ، وفي رواية أخرى عند الطبراني -وهي صحيحه-: (عبادة في الهرج أو الفتنة كهجرة إلي) قال الشراح: لما كانت فتنة الدين كانت النجاة منها في زمنه صلى الله عليه وسلم الهجرة إليه وإلى دار الإسلام لتثبيت الإيمان وإعلاء رايته، والعبادة لله عز وجل، فلما كانت الفتن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كان المنجى هو العودة إلى العبادة والطاعة، والاستكثار منها، فهي هجرة من المعاصي إلى الطاعات، ومن الفتن إلى الثبات، ومن كل سوء إلى كل خير بإذن الله سبحانه وتعالى، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن السجدة في زمن الفتنة تعدل الدنيا وما فيها، وكم نرى من الناس انصرافاً وذهولاً، فكلما اشتد الخطب زاد الشرود والبعد والغفلة عن الطاعة والصلة بالله سبحانه وتعالى.

دعاء الله جل وعلا

الأمر الثالث: دعاء الله جل وعلا، وقد يكون ذلك مندرجاً فيما قبله، لكن التفصيل مهم، وذكر الآحاد والأفراد مهم، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، أفليس وقت المحن هو وقت الدعاء الخالص الذي ينطرح فيه المؤمنون بين يدي الله؟

أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل في سيرته في كل شدة ومحنة؟

كانت يداه الكريمتان مرفوعتين تضرعاً إلى الله، وعيناه تذرفان تبتلاً وخضوعاً وتضرعاً إلى الله، وقلبه يخفق، ولسانه ينطق، إنها صورة لا بد أن تعظم وأن تكثر في حياتنا الذاتية عموماً، وعند هذه الفتن خصوصاً.

والله سبحانه وتعالى بين لنا أثر الدعاء، وبينه لنا في سير الرسل والأنبياء، كما في قصة آدم وزوجه: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، عندما وقعت الفتنة بالأكل من الشجرة كان المخرج الدعاء والتبتل والتضرع لرب الأرض والسماء، فكان الفيض، وكانت التوبة، وكانت النعمة من الله سبحانه وتعالى على آدم.

وفي قصة يونس عليه السلام نعرف جميعاً ماذا كان يقول في جوف الحوت، وماذا كان دعاؤه وذكره الذي كان سبباً من أسباب تفريج همه وكربه ونجاته مما ألم به: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، وفي مثل هذا الدعاء إقرار بالخطأ، واعتراف بالذنب، ورجاء وابتهال، وتضرع بطلب السلامة من الآثار الوخيمة، ولذلك ورد كذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللفظة لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] قال عليه الصلاة والسلام: (لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) رواه الترمذي في السنن.

ومن الدعاء الاستغفار، وهو من أسباب النجاة، كما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

والإكثار من الذكر، كما في قصة يونس: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]، والله سبحانه وتعالى جعل لنا أنواعاً من ذكره ودعائه والتبتل إليه من اعتصم بها وأدمن عليها وأكثر منها حيي الإيمان في قلبه، وعظمت التقوى في نفسه، وانكشفت البصيرة في عقله، وأصبح له من نور الله ومن اعتصامه به ومن دعائه له ومن تضرعه إليه ما يفيء به إلى خير كثير بإذن الله.

ومن ذلك الاستعاذة والتعوذ من هذه الفتن وشرورها وضلالها وزيغها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) رواه مسلم .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه في هذا التعوذ: لا يقولن أحدكم: إني أعوذ بالله من الفتن؛ فإنه ليس أحد منكم إلا وهو مشتمل على فتنة: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن.

نسأل الله عز وجل أن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يصرفنا عنها، وأن يفيء بنا إلى الحق والثبات، والاعتصام بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

الصبر والثبات

من معالم العصمة من الفتنة الصبر والثبات، ولا بد من ذلك، فإنها محن لا بد أن تصيب بالأذى، ولا بد أن يشعر بما فيها من البلاء، ولكن الصابرين بإذن الله عز وجل تكون لهم الغلبة والمخرج السالم البريء من أثر وخيم على إيمانهم ويقينهم، أو على سلوكهم وأخلاقهم، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:155-157].

هذه آيات ناطقة بأثر هذا الصبر في مثل تلك المحن والبلايا، وقد قال جل وعلا: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] لا يضرنا كيد الكائدين، ولا ظلم الظالمين، ولا عدوان المعتدين، وأهم شيء أن لا يضرنا في ديننا واعتقادنا وإسلامنا وثوابتنا والتزامنا شرع الله سبحانه وتعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153]، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).

وقال في دلالة هذا الصبر عند المحن: (يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر)، ومن هذا الصبر -كما ذكر العلماء- الصبر بكف اللسان، والمنع من الخوض في الفتن من غير بصيرة وعلم وبيان، ونحن نعلم أن كثيراً من القول في مثل هذه الأحوال باندفاع وعواطف ومجاراة لمن يقول ويخوض مع الخائضين إنما تعظم به الرزية، ويكثر به الاختلاف، وتعظم به الحيرة والاضطراب، وكثير من ذلك ليس له أساس يثبت، وإنما هو محض هذه الاضطرابات والاختلافات، وكذلك التنابز بالألقاب، والاختلاف بين الناس يعظم أثره بما يكون من قول اللسان في هذه الفتن، حتى عظم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك على وجه الخصوص في الفتنة، كما روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تكون فتنة تستنظف العرب) أي: تستوعبهم هلاكاً، (تكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف) رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما، وأحمد في مسنده بسند صحيح. (اللسان فيها أشد من وقع السيف) وذلك أمر مهم.

الإيمان بالولاء والبراء

ولعلنا نختم هذه المعالم بحقائق الإيمان وأباطيل الكفر، ومعرفتها في ضوء هذه الثوابت، فإننا نعرف من حقائق الولاء والبراء، ومن حقائق معرفة الظلم والاعتداء، ومن حقائق وجوب نصرة أهل الإيمان والإسلام، ومن حقائق الولاء لهم والبراء من أعدائهم ما ينبغي أن لا يتغير؛ لأن آيات القرآن لا تتغير، ولأن الحقائق الإيمانية الثابتة المقطوع بها لا تتبدل، والله عز وجل قد قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1].

وبين الله سبحانه وتعالى لنا حقيقتهم فقال: إِِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2].

وقال سبحانه وتعالى لأهل الإيمان وضرب لهم مثلاً وعبرة: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ [الممتحنة:4]، وهذا أمر واضح ميزانه، وتفريقه هو الإيمان والكفر، من آمن بالله رباً، وبرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً فهو الذي نواليه، ومن برئ من ذلك، بل وحاربه وعاداه فنحن أعداؤه إلى يوم الدين، بدل من بدل، وغير من غير، سيما إذا اجتمعت حقائق أخرى من الظلم والبغي والعدوان؛ فإن الله عز وجل قد بين ذلك بقوله: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9].

وأولئك قوم قد عرفنا أنهم أصحاب كل قتال لأهل الإسلام في كل ميدان، قد شهدت بذلك أدغال إفريقيا، كما شهدت به مواطن الضياء التي يزعمون في أوربا، كما شهدت به مواقع شرق وغرب كثيرة، ولا ننس أنه لا بد لنا من معلم مهم، وهو النظر الشامل الكامل في الأحداث، فإنها ليست قضيةً واحدة، وإنها ليست مسألةً عارضة، وإنها ليست مصلحةً عابرة، وإنما هي قضية شاملة، ومواجهة كاملة، نحن لن ننسى، ولا يمكن أن ننسى، ولا ينبغي أن ننسى قضيتنا الأولى في حرب أهل الإسلام والإيمان مع اليهود وأحلافهم من الصليبيين والنصارى، وقضية فلسطين ليست مما يجري ببعيد، بل هي أساسها وجوهرها، وهي هدفها وغايتها، وهي طريقها ومعبرها، ينبغي أن ندرك حقائق كلية شاملة، لا أن نسير مع السائرين، إن تحدثوا غرباً نظرنا غرباً، ولم يكن لنا إلا الغرب، وإن جاءوا شرقاً ذهبنا معهم، واهتممنا بما يقولون وما يفعلون، وننسى أن وراء ذلك الحقائق الثابتة والتاريخ الذي تشهد له ليست الأيام ولا الأعوام بل العقود والدهور والقرون، ولذلك ينبغي أن نعرف ذلك وأن نحرص عليه.

وأخيراً لا بد من الحرص فيما بيننا على أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نسد أبواب الفتن والاختلاف التي تعظم الفرقة وتزيد الفتنة، حتى نبرأ بإذن الله عز وجل، وتنكشف الغمة، وتنجلي هذه الملمة، ولا بد لها من أن تكون كذلك، وليس لها من دون الله كاشفة.

نسأل الله عز وجل أن يرد كيد الكائدين، وأن يدفع شرور المعتدين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهلك الظالمين، وأن يقصم ظهور الجبارين، وأن يرينا فيهم عجائب قدرته وعظيم سطوته.

اللهم! زلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم! اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، ورد كيدهم في نحرهم، واجعل بأسهم بينهم، واشغلهم بأنفسهم، اللهم! اجعلهم عبرةً للمعتبرين، اللهم! لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم! اجعل عدوانهم بدايةً لضرهم، وبدايةً لشرهم، وبداية لما يعود عليهم بالأذى والهلاك بإذنك يا رب العالمين.

نسألك -اللهم- أن تعيذنا من شرورهم، وأن تبرئنا من كيدهم، نسألك -اللهم- أن تحبط كيدهم، وأن تبطل مكرهم، وأن تجعل الخلف فيما بينهم يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.

نسألك -اللهم- أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم! خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك يا رب العالمين. اللهم! اجعلنا بكتابك معتصمين، وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلم مستمسكين، ولآثار السلف الصالح رضوان الله عليهم مقتفين، اللهم! اجعلنا أوثق بما عندك مما في أيدينا، اللهم! لا تجعل لنا إلى سواك حاجة، واجعلنا -اللهم- أفقر الفقراء إليك، اللهم! أغننا بفضلك عمن أغنيته عنا، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجةً يا رب العالمين، اللهم! إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تهلك رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.

اللهم! رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى والمأسورين والمحاصرين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! فرج همهم، ونفس كربهم، وامسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم! زد إيمانهم، وعظّم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادةً لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنةً لهم في الدين.

اللهم! اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم، اللهم! أنزل بأعدائك بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

اللهم! انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم! ثبت خطوتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.

اللهم! أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانةً صالحةً تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

اللهم! صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2534 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع