الحرب بين الحقائق والمبادئ والمواقف


الحلقة مفرغة

الحمد لله لا إله غيره ولا رب سواه، من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه وقاه، ومن سأله أعطاه، له الحمد سبحانه وتعالى على كل حال وفي كل آنٍ، حمداً كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، المرسل إلى الناس أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: "الحرب بين الحقائق والمبادئ والمواقف" موضوع يهمنا جميعاً الحديث عنه؛ إذ اليوم لا حديث للناس إلا هذه الحرب الجائرة الظالمة، فهي شاغلة وسائل الإعلام، وهي موضوع حديث الناس في مجتمعاتهم.

ومنبر الجمعة لا يغيب عن ذلك، مع أنه أنزه من الألاعيب السياسية، وأصدق من الأضاليل الإعلامية، وأرفع من المساومات الاقتصادية المالية، وأشمل من النظرات الجزئية، وأحكم من الاندفاعات العاطفية، وأقرب إلى النصوص الشرعية، وألصق بالمصالح المرعية، فحديثه في مثل هذه الأمور ينبغي أن يحوز هذه الصفات المهمة، وألا تكون رغبات الناس في حديث عاطفي، أو اندفاع وارتفاع صوتي، وكأنما نحن مرة أخرى لا نعي الدروس، ولا نفقه الحقائق، ولا نعتصم بالمبادئ.

ونبدأ بالحقائق؛ لأن معرفتها أساس فيما يبنى عليها من الأحكام، وخاصة أن الصور مضطربة، وأنها مزيفة، وأنها مغلفة بأطنان من الأكاذيب والأحابيل السياسية والمغالطات الإعلامية.

فحرب أمريكا وبريطانية ومن لف لفهما على العراق حقيقتها هذه الجوانب التي نوجزها، والحديث والمقام يقصر عن الاستيعاب:

فهذه الحرب فيها مخالفة قانونية، وقد أصموا آذاننا بالشرعية الدولية والقوانين العالمية والمرجعية الدولية.. وغير ذلك، فأين هي اليوم من أفعالهم التي يعلم الجميع أنهم قد فشلوا في أن يجدوا لها مظلة أو نسباً أو سبباً أو رابطاً بمجلس الأمن أو بمواده المختلفة.. أو غير ذلك؟!

ويزعمون كذلك أن هناك دولاً عديدة تؤيد هذا المسار، وتقتنع به، وتشارك فيه، ولم نسمع أسماءها، ولم نعرف من أحوال من هو معروف منها إلا أنه سار بعصا الإرهاب الأمريكي، أو فرحاً بالعطاء الموعود من أمريكا.

ثم نرى بعد ذلك ما يزيفونه ويغيرونه ويلبسونه على الناس جميعاً، وحتى على شعوبهم وجنودهم كذلك؛ فهذا جنرال أمريكي يخاطب جنوده فيقول: إن أسماءكم ستكتب بالذهب في لائحة الذين ساعدوا العراق على العودة إلى الأمم المتحدة!

وأظننا لا نحتاج إلى إفاضة في الأحاديث التي ربما تسمعونها في المقالات والمداولات والمحاورات السياسية، ولكنني أنتقل في ومضات سريعة إلى عهد قريب وليس بعيداً؛ لنرى أن هذه الدول التي ترغي اليوم وتزبد في هذه الناحية القانونية، أنها قد خالفتها مراراً وتكراراً.

وما قالوه عن حق النقض -وهو حق من حقوق الظلم والبغي- قد استخدمته أمريكا أكثر دولة في العالم وأعلى نسبة لصالح دولة البغي والكيان الصهيوني الغاصب في أرض الإسلام، حتى مجرد ألفاظ فيها إدانات وكلمات كان الفيتو لها بالمرصاد، حتى في لجان تقصي الحقائق أو البحث عن الوقائع كان لها ذلك الفيتو بالمرصاد.

وقريباً من ذلك أيضاً نرى الصيغة القانونية العجيبة الفريدة التي ليس لها مثيل في العالم، وذلك في الأسرى الذين أسرتهم أمريكا ولم توجه لهم تهمة، ولم ترفع لهم حقاً قانونياً، ولم تشرع لهم حقاً إنسانياً، ثم تقول بعد ذلك: إنها ترعى القوانين، وإنها إنما تهدف إلى مثل هذه الرعاية!

وهذه الحرب جريمة إنسانية؛ لأن الذي سمع أو قرأ بعضاً مما يقولونه عن الأسلحة وآثارها الإنسانية والبشرية وآثارها على البيئة والأرض والجو والبحر، يعلم أن طغيان القوم وإجرامهم بالغ مبلغاً لا تتصوره كثير من العقول، ولا تكاد تدركه، وقد قال ذلك خبراء منهم بألسنتهم، ومن قوادهم ومشاركيهم في هذه الجوانب العسكرية، وأن الأرض تتأثر بما يكون من هذه الأسلحة التي فيها جوانب الإشعاعات، ليس لمدة عشرات ولا مئات ولا آلاف من السنين، بل أكثر من ذلك!

ويقولون بعد هذا كما يصرح هذا الجنرال الأمريكي: نقوم بكل جهد لكي نضمن أمرين: أقل دمار جماعي شامل! وهذا من فضل الله أن تعبيراتهم تدينهم، فهو يقول: أقل دمار جماعي شامل.

إذاً: ثمة دمار جماعي شامل، وهو يهدف إلى تقليله!

ثم يقول: الأمر الثاني: أن يقدر العراقيون على الدخول في عصبة الأمم متى استطاعوا، ويقول: نريد تفادي وقوع خسائر بشرية، وليس عندنا شيء ضد شعب العراق، مشكلتنا مع النظام.

ولا نناقش هذا، ولا ندخل في تكذيبه، ولكننا نقول: استدعوا الأحداث القريبة، ما الذي جرى في أفغانستان؟! وأين ذهبت القنابل الذكية، ألم تقع فوق رءوس الناس وهم في الاحتفالات والأعراس؟! ألم تقع الأخطاء حتى قتلوا من جنود الحلفاء ما قتلوا؟! ألم تكن كمية القنابل التي ألقيت باعترافهم أكثر مما ألقي في الحرب العالمية الأولى والثانية؟!

ثم بعد ذلك كلنا سمع وعلم ماذا جرى من استخدام لأسلحة اليورانيوم في بلاد المسلمين في البوسنة والهرسك، وحرب الخليج التي سبقت، وما زال آثار الأمراض والتشويهات الخلقية حتى في بعض جنودهم فضلاً عن أبناء العراق، والأجنة المشوهة والأطفال المشوهين من آثار هذه الجرائم العظيمة للدولة العظيمة في طغيانها وبغيها.

مخالفة الغرب للديمقراطية

ثم هي أيضاً حرب مخالفة للديمقراطية، فالديمقراطية -الدين الجديد الذين يبشرون به- ما هو؟! وأين هي الديمقراطية من هذه الجموع الحاشدة، ليس في بلاد العرب، لكنها في بلاد أوروبا وأمريكا، وهي تعارض وتقول: إن الديمقراطية التي هي رأي الشعب قد سحقت ومحقت وأحرقت على أصوات هدير المدافع وقصفها ونيرانها!

ونعلم أن بعض الدول المشاركة نسبة المعارضين فيها من الشعب تزيد على (85%)، وبالأمس القريب تعتقل الشرطة الأمريكية المتظاهرين ضد الحرب، وأعجب منه أنهم اعتقلوا اعتقالاً احتياطياً -كما يزعمون- المتقدمين لطلبات اللجوء في أمريكا؛ لأنهم يشكلون خطراً، فكان من ضمن الاحتياطات اعتقالهم، وقد قال المسئول: إنه اعتقال مؤقت ومعقول وحذر! ولا نعلق على ذلك.

ونعود مرة أخرى إلى أفغانستان، فأين ديمقراطيتها، وأين عمرانها بعد خرابها، وأين مساعداتها الاقتصادية، وأين رخاؤها ورغد عيشها، وأين انضباط أمنها واستتباب أحوالها؟!

إن العاقل يفكر في واقع منظور مرئي ومسموع، وقد أهين رئيسها في معقل البلد الذي جاءت به، حتى اضطروا إلى الاعتذار له؛ لأنه عومل معاملة مهينة مشينة، ثم ما الذي صنعوه؟! وما الذي يصنع هناك؟! لم نسمع إلا عن جمعيات نسائية، وصوالين تجميل نسائية، ومسرح للثقافة كما يقولون، وغير ذلك من المجلات وغيرها، وهذا هو الذي يقدمونه نموذجاً لما يريدونه!

حقيقة الديمقراطية التي يريدها الغرب في الإسلام

ونحن نقول: ماذا يريدون بالديمقراطية التي يبشرون بها؟!

إنها حرية المرأة وفق نظامهم الانحلالي، وذلك من أولى وأول مقاصدهم، وحرية الأديان على مذهبهم الكفري؛ وماذا وراء ذلك؟! وراءه إصلاح سياسي على قاعدة أساسية، وهي: عدم تحكيم الشريعة الإسلامية.

ومع ذلك قد يكون في قولهم بعض صدق، لكنه حق يراد به باطل، فقد يستغلون ظلماً واقعاً وأوضاعاً مختلة في بلاد عربية وإسلامية، لكن ما عندهم أشد وقوعاً، وأعظم وأفظع جرماً، وأبعد وأعمق خطراً، حتى ندرك الأمور، فلا يعني إقرار ما هم عليه من ذلك أن غيره صالح صلاحاً كاملاً، لكنه لابد من جمع الأمر من جوانبه كلها.

ثم هي أيضاً حرب مخالفة للديمقراطية، فالديمقراطية -الدين الجديد الذين يبشرون به- ما هو؟! وأين هي الديمقراطية من هذه الجموع الحاشدة، ليس في بلاد العرب، لكنها في بلاد أوروبا وأمريكا، وهي تعارض وتقول: إن الديمقراطية التي هي رأي الشعب قد سحقت ومحقت وأحرقت على أصوات هدير المدافع وقصفها ونيرانها!

ونعلم أن بعض الدول المشاركة نسبة المعارضين فيها من الشعب تزيد على (85%)، وبالأمس القريب تعتقل الشرطة الأمريكية المتظاهرين ضد الحرب، وأعجب منه أنهم اعتقلوا اعتقالاً احتياطياً -كما يزعمون- المتقدمين لطلبات اللجوء في أمريكا؛ لأنهم يشكلون خطراً، فكان من ضمن الاحتياطات اعتقالهم، وقد قال المسئول: إنه اعتقال مؤقت ومعقول وحذر! ولا نعلق على ذلك.

ونعود مرة أخرى إلى أفغانستان، فأين ديمقراطيتها، وأين عمرانها بعد خرابها، وأين مساعداتها الاقتصادية، وأين رخاؤها ورغد عيشها، وأين انضباط أمنها واستتباب أحوالها؟!

إن العاقل يفكر في واقع منظور مرئي ومسموع، وقد أهين رئيسها في معقل البلد الذي جاءت به، حتى اضطروا إلى الاعتذار له؛ لأنه عومل معاملة مهينة مشينة، ثم ما الذي صنعوه؟! وما الذي يصنع هناك؟! لم نسمع إلا عن جمعيات نسائية، وصوالين تجميل نسائية، ومسرح للثقافة كما يقولون، وغير ذلك من المجلات وغيرها، وهذا هو الذي يقدمونه نموذجاً لما يريدونه!

ونحن نقول: ماذا يريدون بالديمقراطية التي يبشرون بها؟!

إنها حرية المرأة وفق نظامهم الانحلالي، وذلك من أولى وأول مقاصدهم، وحرية الأديان على مذهبهم الكفري؛ وماذا وراء ذلك؟! وراءه إصلاح سياسي على قاعدة أساسية، وهي: عدم تحكيم الشريعة الإسلامية.

ومع ذلك قد يكون في قولهم بعض صدق، لكنه حق يراد به باطل، فقد يستغلون ظلماً واقعاً وأوضاعاً مختلة في بلاد عربية وإسلامية، لكن ما عندهم أشد وقوعاً، وأعظم وأفظع جرماً، وأبعد وأعمق خطراً، حتى ندرك الأمور، فلا يعني إقرار ما هم عليه من ذلك أن غيره صالح صلاحاً كاملاً، لكنه لابد من جمع الأمر من جوانبه كلها.

والكنيسة الرئيسة قد منعت الحرب وعارضتها ووصفتها بأبشع الأوصاف، فلا ندري على أي شيء يحاربون، فلا دينهم رجعوا إليه، ولا قوانينهم التزموا بها، ولا إنسانيتهم راعوها، ولا ديمقراطيتهم طبقوها، ثم بعد ذلك يقولون: إن هذا حق مشروع، وإنه عمل ممدوح، وإنها غاية ستكون وردية اللون وضيئة القسمات مشرقة الأضواء، فمن يصدق هذا؟!

لا أحد يصدق هذا إلا إذا صدقنا أن الذئب يرعى الغنم ويسوسها ويغذيها ويحميها، ويمنعها مما يضرها ويؤذيها.

وهي كذلك صفقة تجارية واضحة المعالم لمزيد من عقود الأسلحة ومزيد من عقود الإنشاء وغير ذلك.

وهي الإرهاب بعينه، وهي الاستغفال بعينه، ولكن ذلك له أيضاً جذور فكرية، فإن القوم في تكوينهم الفكري والعقلي وحضارتهم المعاصرة قائمون على الاستعلاء، والنظرة الدونية للأمم والشعوب، وإن روجوا غير ذلك فإن حقيقة ساستهم وقيادتهم كذلك.

فهذا الرئيس الأمريكي السابق روز فيلت يقول: بالحرب فقط يمكننا اكتساب الرجولة اللازمة للفوز في الصراع الذي يسود الحياة!

ويقول: إن أعظم فضائل الإنسان تولد في الحرب، وإن السلام الدائم يؤدي إلى الترهل والفساد والانحلال.

إنهم منشئون على هذا البغي والعدوان والهيمنة والسيطرة والتحكم، وذلك في فكرهم، وما صدام الحضارات وصراعها عنا ببعيد، يقول جنرال عسكري بالأمس القريب: سيكون عنصر المفاجأة في هذه الحرب من خلال الهجوم بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، من حيث السرعة والدقة، والخطط التي لدينا الآن لم ير أحد مثلها قط. إنه غرور وعنجهية ونوع من التعالي الذي يدلنا على حقيقة المنطلقات الفكرية للحرب.

وكما قلت: إن مقامنا ليس مقام تحليل لهذه المعاني، ولكنه بيان للحقائق، فكل الذي يقال في أكثره هراء وكذب، لا نكذبه نحن بأقوالنا، ولا ندحضه بآيات كتاب ربنا ولا بأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهي التي تقيم الحق والعدل والإنسانية وكل المعاني الفاضلة على الوجه الصحيح، ولكننا نقولها بقوانينهم وبشرائعهم، ونقولها من واقعهم القريب قبل البعيد، وما أدراك ما البعيد؟!

فمن الذي دمر تلك المدن في اليابان بالقنابل الذرية؟! ومن الذي قتل في حربه ثلاثة ملايين في أرض فيتنام؟! ومن ومن .. إلى غير ذلك.

وهذه أمور وحقائق تقابلها حقائق أخرى لابد من معرفتها؛ فإنه لابد من نظرة شاملة، نعم، إنه عدوان إرهابي ليس له أساس قانوني، لكنه في الوقت نفسه، وفي المقابل لا نحتاج إلى أن نغفل عن أن البعث في عقائده كفر صريح، وأن قيادته قد كان لها تاريخ قريب غير بعيد في ذات الجرائم قتلاً وتدميراً واضطهاداً وتعذيباً ونفياً وتشريداً.

فلسنا إذ ندافع عن العراق ندافع عن هذا البعث بكفره، ولا عن أولئك المجرمين ببغيهم وعدوانهم، لكن الآخر أخطر من الأول، وكلاهما وبال، ولكننا ندرك الحقائق من الواقع، وليس من قضايا العاطفة، وليس كذلك من الغوغائية التي تقول: إننا نفدي فلاناً أو فلاناً، ولا فداء إلا للدين، ولا إزهاق للأرواح إلا لإعلاء راية الله وصد عدوان المعتدين على حرمات الله عز وجل، وذلك أمر واضح، ويقوله كثيرون من أبناء العراق، ونعرفه نحن ويعرفه جميع الناس مما جرى في الفترات الماضية والعقود المتعاقبة، كما نعلم جميعاً بما لا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.

فإذا عرفنا هذه الحقائق اعتدلت النظرات، ولم نكن إما مع هؤلاء أو مع هؤلاء، بل نحن مع المبدأ والحق الذي ينبغي أن يكون، ولابد أن نعرف المفاسد والمصالح وأوزانها ومقاديرها.

فإن ديمقراطية أمريكا مسح لأصول ديننا من جذورها، وتغيير لمقومات مجتمعاتنا من أساسها، وانحراف تريد أن تشيعه كما هو شائع عندها وعند مثيلاتها، فهم يريدون دوماً أن يكون في بلادنا مثل الذي في بلادهم مما يزعمونه من حرية المرأة، وحرية الأديان، وانفتاح الفكر والمناهج؛ ليهدموا كل ما هو أصيل في حقوقنا.

وأستحضرها هنا مقالات جاهلية وإسلامية تبين لنا أموراً ينبغي معرفتها:

في وقعة حنين كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض مسلمة الفتح، وكان في أول المعركة ما كان من جولة كانت على المسلمين، وإذا بـصفوان بن أمية وهو حديث عهد بإسلام يضطرب أمره، ويأتيه من يقول: بطل سحر محمد، فلنكن مع القوم الغالبين، فقال وهو إذ ذاك في أول إسلامه:

لئن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من ثقيف أو هوازن.

أي: إن حكم محمد بالنسبة لهم وهو من قريش، أولى عندهم من أن يكون المتسلط عليهم أجنبياً أنأى وأبعد.

وقالها ابن عباد يوم جاء ابن تاشفين في أواخر عهد الأندلس لينصر أهل الإسلام، فقيل له: يا ابن عباد ! إن انتصر ابن تاشفين أخذ ملكك، فقال:

لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل!

ولا بد أن يعي المسلمون مواقفهم، وأن يزنوا كلماتهم، وأن يعرفوا مبادئهم، فـالمعتمد بن عباد يقول: لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل. وحسبك بها كلمة قالها في ظرف عصيب؛ وكان ملكه مهدداً، وكانت دولته إلى زوال، لكنه آثر أهل الإسلام والإيمان، وآثر أن يكون ذيلاً في الحق على أن يكون رأساً في الباطل. هذه بعض الحقائق.

وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة

أما المبادئ فقد أسلفنا الحديث عنها مراراً وتكراراً فيما سبق؛ لتكون واضحة في العقول والأذهان، راسخة في النفوس والقلوب، حاكمة للمواقف والمنطلقات، فلعلنا نستحضر ذلك:

وأول ذلك وأهمه: أن مرجعنا الأساسي وشريعتنا العظمى هي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست من قوانين الأمم المتحدة، ولا من أنظمة أمريكا ولا غيرها.

وجوب مراعاة مصالح الأمة الإسلامية

الأمر الثاني: أن المصالح الشرعية للأمة الإسلامية هي المرعية، وليس المصالح دنيوية، أو مصالح جزئية؛ فإن ذلك كما نعلم قد ضيع كثيراً من مقدرات المسلمين، ومن كلمتهم وهيبتهم، ومن قدرتهم على استقلاليتهم وبناء ذاتيتهم، ولابد أن نعرف ذلك وأن نعيه.

أهمية النظر إلى مآلات الأمور

والأمر الثالث: النظرة المستقبلية مع عدم إغفال الواقعية الآنية.

فإن النظر إلى أمر قريب يفقد الناس معرفة الحقائق الكبرى، والجرائم العظمى، والمؤامرات الخطيرة، فإن هذه القضية كما نسمع وتسمعون لا تتعلق بتحرير شعب العراق، فمن يحرره؟! ولأجل ماذا؟! هل هو لأجل سواد عيونهم، ولأجل الإخلاص المتناهي لهم، ولأجل الحرقة على أوضاعهم والرعاية لمصالحهم؟!

لا يصدق ذلك أحد، بل ما وراء ذلك من تسلط وهيمنة وتغلغل وما يتبعه مما لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى مداه.

شمولية القرآن الكريم

إن حديث المبادئ يطول ويطول، ونحن مرجعنا كتاب الله، قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهما غنية وكفاية، كما قال عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] ، وكما قال سلمان : (وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء، حتى إنه ما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ترك لنا منه خبراً).

وقد أسلفنا القول عن ثبات وحفظ القرآن الكريم وحفظ السنة في مجملها، وثبات ذلك في التطبيق العملي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما بالنا لا نرجع ولا نعتصم بذلك، ونلتفت إليه، ونجعله معولنا الأساسي؟! وندرك حينئذ به كل هذه الحقائق، ونكشف به كل تلك الدقائق، ونستطيع -بإذن الله عز وجل- مع الاعتقاد الإيماني واليقيني والالتجاء إلى الله عز وجل، أن يكون لنا حال أفضل ومواقف أظهر وأوضح وأثبت وأصح بإذن الله عز وجل.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2904 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2726 استماع
فاطمة الزهراء 2690 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2623 استماع
المرأة والدعوة [1] 2534 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2530 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2514 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2480 استماع
خطبة عيد الفطر 2460 استماع
التوبة آثار وآفاق 2445 استماع