خطب ومحاضرات
الشباب بين المهاوي والمعالي
الحلقة مفرغة
الحمد لله، لا إله غيره، ولا رب سواه، لا يضل من استهداه، ولا يخيب من رجاه، ولا يحرم من دعاه، من توكل عليه كفاه، ومن تعرض لرحمته أعطاه، له الحمد سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا، واهد عقولنا، ونور بصائرنا، وثبت أقدامنا، وأحسن ختامنا، واختم بالصالحات آجالنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
هذا الدرس رقمه (180)، ينعقد في يوم الجمعة السابع من شهر شعبان عام (1424هـ)، وعنوانه: الشباب بين المهاوي والمعالي.
وليس مقصودنا أن نتحدث عن الشباب وأهمية هذه الفترة العمرية، فقد سلف لنا حديث في مثل هذا، وإنما مرادنا هنا أن نوضح هذه المعاني البينية التي سنتعرض لذكر تعلق الشباب بها.
المهاوي: جمع هاوية ومهواه، وأصل الاستنباط اللغوي لهذه الكلمة من الفعل الثلاثي (هوى)، ومعناه كما قال أهل اللغة: هو أصل يدل على خلو وسقوط، فالشيء الذي فيه هواء هو خال فارغ، وإذا قلت: هوى الشيء فمعناه: سقط ولم يكن شيء يحجزه، بل كان هناك فراغ أدى إلى مثل هذا السقوط، وأصله الهواء بين الأرض والسماء، سمي كذلك لخلوه، وكل خال هواء كما قال جل وعلا: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم:43] أي: خالية فارغة من الإيمان وتثبيته، وقال المفسرون في هذا المعنى: خالية من الفهم لا تعي شيئاً.
والهوة: هي الحفرة البعيدة القعر أي: الهاوية السحيقة التي فيها بعد وفراغ وخلو، من تعرض لها أو جاء إليها فإنه يسقط ويهوي.
والوهدة: هي الغامض من الأرض التي لا يتفطن إليها؛ لأنها أرض منخفضة ليست ظاهرة، فيقع الإنسان فيها وقد يتعثر.
ومن هنا نجد أن خلاصة معنى هذه المهاوي أن فيها معنى الخلو والفراغ، وأن فيها معنى الخفاء والغموض، وأن فيها -في آخر الأمر- معنى التردي والسقوط.
وأما المعالي فإنها واضحة في دلالتها من حيث اشتقاقها من الفعل الثلاثي (علو) وهو السمو والارتفاع، ومعنى ذلك: السمو إلى المعالي العظيمة والارتفاع إلى المهمات الجسيمة.
وهذا معناه أننا ندور في هذا الكلام حول الأمور والمطالب الشريفة السامية.
وقال الخليل : المعلاة: الكسب والشرف، والجمع المعالي، وفلان من علية الناس أي: من أهل الشرف، فكل هذه المعاني السامية ترتبط بذلك، ومعنى هذا أن بينهما تضاد، فنحن لا نريد المهاوي ولكن نريد المعالي، ونحذر من المهاوي ونرغب في المعالي، لا نريد لشبابنا أن يسقطوا بين الحفر، بل نريد لهم أن يسموا ويعلوا إلى القمر، لا نريد لهم أن يسقطوا في الأدناس، بل نريد لهم أن يرتقوا وأن يكونوا شامة بين الناس، لا نريد لهم أن يتلوثوا بالوحل والطين، بل نريد لهم أن يتجملوا بالعطر والطيب، نريد ألا يفقدوا الرعاية والحماية، ولكننا نريد أن يجدوا التشجيع والإعانة.
نريد هنا أن ننبه إلى بعض المهاوي وأخطارها وأسبابها وأضرارها، حتى يكون ذلك بمثابة تنبيه وتحذير وقرع لأجراس الخطر للشباب ولمن يهمهم أمر الشباب من الآباء والأمهات، ومن سائر دوائر المجتمع في أهم وأكثر دوائره تأثيراً وخاصة في التعليم والإعلام، وهذا ما سنتحدث عنه بإيجاز؛ لأن كل هاوية من تلك المهاوي جديرة بأن تفرد لها أحاديث خاصة، وقد سبق لنا في بعضها مثل ذلك.
وسأتحدث عن أربعة مهاوٍ من الأمور التي لا تخطئها العين، ونعلم يقيناً أن لها صلة أكيدة بالشباب، وتأثيراً عظيماً فيهم، وأضراراً كبيرة تلحق بهم، ويعود ذلك بالتالي على المجتمعات الإسلامية والأمة الإسلامية بأكثر الأضرار التي نشكو ونعاني منها، وسنذكر في آخر الأمر بعضاً من المعالي، وإذا حذرنا من تلك المهاوي فيكون هناك شيء من الترغيب في تلك المعالي.
أضرار التدخين وطرق الإقلاع عنه
التدخين كلنا يعرفه، ولكنني أقول: إن الأرقام المتعلقة بالتدخين في فئة الشباب ترعب، والحقائق تخيف، والنتائج تنذر بخطر عظيم، وهذه وقفات مختصرة جداً، وإلا فإن هناك ما هو أعظم وأكبر وأخطر.
إن الأرقام المتوافرة على التدخين في دائرة الشباب مرعبة، وقد نشرت صحفنا المحلية: أن دراسة أجرتها وزارة التربية والتعليم في المدارس شملت (752) تلميذاً في المرحلة المتوسطة والثانوية بالمدارس الحكومية في مدينة الدمام، أعطت هذه النتائج أن (30%) من هؤلاء الطلاب مدخنون في المرحلة المتوسطة والثانوية، و(90%) من هؤلاء المدخنين بدءوا بالتدخين في مرحلة مبكرة، وبينت الدراسة أن (55%) من طلبة السنة النهائية في المرحلة الثانوية لا يقدرون حق التقدير احتمال إصابتهم بالإدمان على التدخين.
ومن الأرقام المؤسفة أن جمعية مكافحة التدخين أشارت إلى أن (17%) من الطبيبات السعوديات العاملات في منطقة الرياض مدخنات.
ومن الأرقام المفزعة كذلك دراسة أجريت على مدارس البنات في المرحلة المتوسطة والثانوية في منطقة مكة المكرمة، وأظهرت أن من (35%) إلى (55%) من الطالبات مدخنات، وهذه النسبة تزيد عند المعلمات.
وتشير إحصائية أخرى إلى أن عدد المدخنين إجمالياً في المملكة بلغ نحو (ستة ملايين) مدخن ما بين ذكر وأنثى ومقيم ومواطن، وأن إجمالي ما يدخنونه (ثمانية مليارات وسبعمائة ألف سيجارة)، وأن ذلك يكلف (ستمائة وثلاثة وثلاثين مليون ريال) في العام الواحد.
لو حسبنا هذه الأرقام وتحدثنا عن البطالة أو عن المشروعات أو عما سيأتي من تكاليف العلاج سنرى كم هي الجريمة فادحة! وكم هي الخسارة عظيمة في هذه الهاوية الخطيرة!
والتقارير العامة من منظمة الصحة العالمية تقول: إن أعداد المدخنين تتناقص في أمريكا والدول الأوروبية والدول المتحضرة، وأنها تتزايد في دول العالم الثالث، وتتوقع بحلول عام (2020م) أن يكون (70%) من أسباب الوفيات راجعة إلى التدخين.
أرقام أخرى تقول: إن استهلاك السيجارة في المملكة ليس كما ذكرت وإنما أرقام أخرى: (خمسة عشر مليار سيجارة)، وأنها تكلف ذلك الرقم الذي ذكرته، وأن إجمالي نسبة المدخنات من بين المدخنين عموماً تزيد على (20%) .
ونشرت جريدة البيان الإماراتية في تقرير نشره المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن التبغ كلف المجتمع الدولي عموماً أحد عشر ألف وفاة يومياً.
أما الدراسات تقول: إن (خمسة وأربعين) وفاة يومياً في دول الخليج سببها المباشر التدخين، وهذه الوفيات يمكن أن تحسب بالساعات، بل ربما بما هو أقل من ذلك.
وتقول الدراسة التي أجريت في عام (2000م): إن هناك ألف وفاة سنوية بأمراض سرطانية لها علاقة مباشرة بالتدخين.
وتقول هذه الدراسة: إن التدخين ينتشر بمقدار (40%) في المجتمع الرجالي و(10%) في المجتمع النسائي و(15%) في مجتمع الصغار والشباب المراهقين.
وتؤكد الدراسة أن فئة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي وطلبة كليات الطب يمارسون التدخين بنسبة تصل إلى ثلث الشريحة، وتتجاوز نصف الشريحة في السعودية والكويت والإمارات التي أكدت الدراسة أن (44%) من الأطباء الذكور يدخنون السيجارة.
وفي دراسة أيضاً أجريت في إحدى مناطق المملكة على الطالبات أن (27%) من طالبات المرحلة المتوسطة و(35%) من المرحلة الثانوية، وأكثر من (50%) من المعلمات كلهن يدخن السجائر.
وإحصائية علمية في المملكة قدرت أن خسائر مستشفى الملك فيصل التخصصي في علاج الحالات المرضية للمدخنين بلغت أكثر من (عشرة مليار دولار) خلال خمسة وعشرين عاماً.
وتؤكد هذه الأرقام والإحصاءات أن المملكة هي الدولة الرابعة على مستوى العالم في استيراد واستهلاك التدخين.
وتبلغ نفقات التدخين في استيراده -فضلاً عما يترتب عليه من مصروفات العلاج- أكثر من الميزانيات المخصصة للبحوث العلمية وتطوير التعليم.
وتقول الأرقام الأخرى العامة: إن أعلى الدول في العالم تدخيناً بالنسبة إلى عدد السكان هي تركيا، البلد الإسلامي الذي يبلغ نسبة المدخنين فيه إلى نسبة عدد السكان (67.5%) من إجمالي عدد السكان.
وعدد المدخنين في مصر يرتفع سنوياً ما بين (8-9%)، وهو معدل أعلى بكثير من معدل زيادة المواليد.
وتقدر دراسات الشركات المصنعة والمستوردة للتدخين: أن في مصر ما بين (ستة عشر) إلى (سبعة عشر مليون) مدخن.
وتقول وزارة الصحة المصرية: إن المصريين ينفقون نحو (خمسة مليارات جنيه) على التدخين، أي: نحو (22%) من متوسط الدخل القومي للفرد في مصر.
وهذه الأرقام كافية في أن تظهر لنا فداحة الأمر وخطورته الشديدة الكبيرة.
وقفة ثانية مع قضية قريبة منا ولصيقة بنا كثيراً: أعددت استمارة صغيرة فيها معلومات عن الشخص، ومتى بدأ التدخين، وكم سيجارة يدخن في اليوم، وما هو سبب تدخينه لأول مرة، وهل فكر في الإقلاع عن التدخين، وكم المدة التي مكثها عندما أقلع عن التدخين ثم عاد إليه.
وقد اخترت من نحو أربعين استمارة هذه النماذج اليسيرة، وكلها أخذت من دائرة لا تزيد عن مئات الأمتار عن هذا المسجد الذي نستمع فيه إلى هذا الحديث.
هذه استمارات اخترتها لمن يدخنون وهم دون الخامسة عشر من العمر.
استمارة أحد المدخنين عمره اثنان وعشرون عاماً، يقول: إنه بدأ التدخين قبل خمسة عشر عاماً، أي: أنه بدأ يدخن وهو ابن سبع سنوات! ويقول: إنه يدخن يومياً نحو خمس عشرة سيجارة، والسبب الرفقة والأصحاب، ويقول: فكر أكثر من مرة بترك التدخين ولكنه لم يتركه إلا لأقل من أسبوع فقط.
وآخر عمره عشرون عاماً يذكر أنه بدأ التدخين قبل عشر سنوات، أي: وعمره عشر سنوات، ولكنه يدخن قليلاً، وقد ترك التدخين نحواً من عام ثم عاد إليه.
وآخر عمره ستة وعشرون عاماً ودخن قبل خمسة عشر عاماً أي: وعمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم، ولم يفكر في ترك التدخين، والسبب أيضاً الرفقة والأصحاب.
وآخر عمره اثنا عشر عاماً، ويدخن في اليوم أكثر من عشرين سيجارة، ولم يفكر في الإقلاع عن التدخين بعد كما يقول.
وهذا عمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة، ويقول: فكر مرة واحدة، وتوقف لأقل من أسبوع.
واثنان عمرهما أربعة عشر عاماً، وكلاهما يدخن في اليوم ما بين خمس عشرة إلى أكثر من عشرين سيجارة.
وأكثر الأسباب التي ذكرت في هذه الاستمارات هي الرفقة والأصحاب، خمسة وعشرون مدخناً من هؤلاء الأربعين ذكروا هذا السبب.
ومن الأسباب الأخرى: كتب بعضهم: الطفش، وكتب آخر: الوهم، وكتب ثالث: السفر إلى الخارج، وكتب رابع: طيش الشباب.
ثم ليست من مهمة حديثنا هذا الوقوف مع الأضرار والأخطار، وأقول هذا حتى أدفع من يسمع إلى أن يراجع ويبحث، وأرجو ألا يراجعني بل يراجع نفسه ويبحث ثم يعود؛ لأن التدخين أشد خطراً وضرراً من الخمر والمخدرات على المستوى العام، وتبين الآن أن في مادة التبغ أكثر من أربعمائة مكون كيميائي، فيها على حد أدنى أربعون مكوناً ساماً قاتلاً على المدى البعيد، وكل من يتجاوز التدخين عشر سنوات فإنه يكون معرضاً للإصابة بالسرطان أو تصلب الشرايين بنسبة تزيد على (80%)، والأرقام من حيث الاستهلاك والشيوع أكثر بكثير من بقية الأحوال الأخرى.
لذلك بدأت الحديث عن التدخين؛ لأنه خطير، ولأن الحديث عنه والمواجهة له من المفترض أن تكون أيسر وأسهل من غيره من المهاوي الخطيرة.
أما بالنسبة للأحكام الفقهية أيضاً، فليس مرادنا الوقوف عندها، ولكنني وجدت لبعض الفتاوى نوعاً من الشمول والقوة، التي لعل ذكرها يزيل الأوهام؛ لأنه يكاد يجمع المدخنون وطائفة كبيرة من غير المدخنين أن التدخين لا يعدو أن يكون مكروهاً، وهذا لمن يجترئ ويقول: إنه مكروه، وإلا فبعضهم يرى أنه دون ذلك، مع أنه عقد في عام (1402هـ) أو (1412هـ) مؤتمر في المدينة المنورة في الجامعة الإسلامية، وحضره جمع من العلماء، وأفضل ما أصدروه من هذا المؤتمر: فتوى جماعية بحرمة التدخين، وأنا أذكر هذه النصوص من فتوى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والثانية أوسع وأشمل، وفيها من المعاني ما يستلفت النظر والانتباه، قال ابن باز رحمه الله: الدخان محرم؛ لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والله عز وجل إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب، وحرم عليهم الخبائث، قال الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، وقال تعالى في الحكم من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] ، فكل ما هو خبيث محرم.
ولا أظن مجنوناً وليس عاقلاً في الدنيا يمكن أن يقول: إن الدخان ليس خبيثاً، فضلاً عن أن يقول: إنه طيب.
قال: وهكذا جميع المسكرات كلها من الخبائث، والدخان لا يجوز شربه، ولا بيعه، والتجارة فيه كالخمر، والواجب على كل من يشربه ويتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة.
أما فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيقول فيها: شرب الدخان محرم، وكذلك بيعه وشراؤه، والتأجير لمن يبيعه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ودليل تحريمه قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى نهى أن نؤتي السفهاء أموالنا؛ لأن السفيه يتصرف بها فيما لا ينفع، وبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولا من مصالح الدنيا، فكيف يكون صرفها في ذلك؟! فيكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله تعالى لعباده.
ومن أدلة تحريمه: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] ووجه الدلالة من الآية: أنه قد ثبت في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تئول بصاحبها إلى الموت مثل: السرطان، فيكون متناولها قد أتى سبباً لهلاكه.
ومن أدلة تحريمه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، ووجه الدلالة من هذه الآية: أنه إذا كان قد نهى عن الإسراف في المباحات -وهو مجاوزة الحد فيها- فإن النهي عن صرف المال في أمر لا ينفع يكون من باب أولى.
ومن أدلة تحريمه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولا شك أن صرف المال في شراء الدخان إضاعة له؛ لأنه إذا صرف المال فيما لا فائدة منه فهو إضاعة بلا شك، وهناك أدلة أخرى، والعاقل يكفيه دليل واحد.
أما النظر الصحيح الدال على تحريمه فهو أن كل عاقلٍ لا يمكنه أن يتناول شيئاً يكون سبباً لضرره ومرضه، ويستلزم نفاذ ماله من صرفه فيه؛ لأن العاقل لابد أن يحافظ على بدنه وعلى ماله، ولا يهمل ذلك إلا من كان ناقصاً في عقله وتفكيره.
ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضاً: أن شربه يستلزم ثقل العبادات على شاربه، ولا سيما الصيام، فإن شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه من بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا قد يكون في أيام الصيف الطويلة، فيكون الصوم لديه مكروهاً.
وحينئذ فإنني أوجه النصيحة لإخواني عموماً والمبتلين به خصوصاً، بالتحذير منه بيعاً وشراء، وشرباً وتأجيراً لمحلات من أجل بيعه فيها، ومعونة عليه من أي وجه كان.
وهذا يكفينا في هذا الأمر.
وأما الإقلاع عن التدخين فقد قامت لذلك جمعيات، وابتكرت فيه بعض المبتكرات، ولكن الوازع الديني ومراقبة الله عز وجل والخوف من ارتكاب الإثم وما يلحق بذلك، هو أول وأعظم الأسباب المعينة على الإقلاع، ومع ذلك فثمة وصايا نقولها في ومضات سريعة، والأمر أقصر من أن نستطيع الإلمام بجوانبه المختلفة:
يقول الناصحون: حاول أن تتعرف على أضرار التدخين بشكل جيد وواسع.
حدد الوقت المناسب للإقلاع، واربطه بذكرى عزيزة لديك أو بإنجاز مهم عندك.
أعلن نبأ إقلاعك عن التدخين لأفراد أسرتك ولجميع من حولك؛ حتى يكون ذلك محرجاً لك ومعيناً للآخرين على تذكيرك، وأنت في الحقيقة أكبر من ذلك.
حاول أن تجد بديلاً عن السيجارة في إشغال يديك وليس نوعاً آخر، ضع قلماً في يدك دائماً، اصطحب شيئاً في يدك حتى لا تأكلك يدك كما يقول المدخنون.
أقلع عن بعض المشروبات التي كنت تعتاد شرب الدخان معها كالشاي أو القهوة أو غير ذلك.
تجنب الأماكن التي كنت تذهب إليها مع أصدقائك للتدخين.
تجنب الاختلاط بالمدخنين.
ارفض كل عرض يقدم لك للعودة إلى التدخين.
وقبل ذلك وبعده استعن بالله عز وجل، وأخلص في دعائك له أن يعينك على أن تترك هذا التدخين.
المسكرات والمخدرات أسبابها ودواعيها وأضرارها
وقد قمت بزيارة لمستشفى الأمل الذي يعالج فيه المدمنون، ورأيت بأم عيني أن الغالبية العظمى التي تصل بحد أدنى إلى (60%) وربما بحد أعلى إلى نحو (70%) أو (75%) هم من الشباب، وعندما نقول: من الشباب أي: من سن الرابعة عشر، بل ودون ذلك أيضاً في بعض الأحيان، إلى نحو الثلاثين من العمر، كلهم من المدمنين الذين تجتالهم هذه الهاوية، وتدفنهم فيها حقيقة لا مجازاً، وإن الصور الحقيقية لهذا -ولست بصدد الإحصاءات- مخيفة ومرعبة وتلفت النظر إلى قضية الشباب، لكن أبدأ هنا بقضية مهمة وهي الأوهام الخاطئة والأحلام القاتلة التي تغري الشباب أو توقعهم فيها؛ لأننا سوف نذكر ذلك في الأسباب من بعد.
أول هذه الأوهام: ما يروجه المروجون ويشيعه غيرهم كذلك من أن هذه المخدرات ليست محرمة، وأنها ليست كالخمر؛ لأن الخمر ورد فيه نص، وأن المخدرات ليس فيها نصوص تدل على حرمتها، وبعض الناس إذا وقع في هذه الآفة فإنه يستمرئ هذا القول، ويحاول أن يقنع نفسه به.
ثاني هذه الأوهام: وهو أن هذه المخدرات تنسي أصحابها الهموم، وتفرج عنهم الغموم، وتدخل شيئاً من السرور والسعادة إلى نفوسهم، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً، فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والنكد الدائم، والهم المقلق، وسوداوية الحياة كما سنذكر في بعض الصور.
الوهم الثالث ونذكره بصراحة؛ لأنه يشيع بين الناس، ومن أراد أن يلتفت إلى هذا فليقرأ ما كتب عن قصص الإدمان وطريقته، هذا الوهم الثالث: أن هذه المخدرات تعطي قوة ومتعة جنسية لمتعاطيها، وهذا أيضاً مما يروجه الذين يسعون لنشر هذه المخدرات، وهذه الأوهام إنما ذكرتها؛ لأنها هي من أكثر المصائب التي تصطاد الشباب وترغبهم أو تغريهم بهذه الآفة المهلكة المدمرة.
ننتقل بعد ذلك إلى توضيح تفصيلي للأسباب الموصلة والطرق المهلكة للإدمان:
أولها وعلى رأسها كما أشرت من قبل: غياب الوازع الديني وضعفه؛ لأن التزكية والعبادة والإقبال على الطاعة والصلة بالله عز وجل أمر أساسي، ومتى فقد فإنه يترتب على فقده هذه المعضلة وغيرها من أمثالها.
السبب الثاني: ضعف التربية الأسرية، ويتجلى ذلك في صور عديدة جداً منها: غياب الآباء والأمهات عن أحوال أبنائهم، ومعرفة مشكلاتهم، والجلوس إليهم، والحوار معهم، ومعرفة ما يجول بخواطرهم، وتلمس معاناتهم، فيبقى هؤلاء نهباً حينئذ للفراغ، أو للهم الذي يظنون أنه سوف يزول بدخولهم أو بتعاطيهم لهذه المخدرات، ويكونون كذلك فريسة لفراغ قاتل يودي بهم إلى رفقة فاسدة كما سنذكر.
ومن الأسباب المتعلقة بهذا الجانب في التربية: توفير الأموال وإعطاؤها عند الطلب للأبناء، دون التنبه أو السؤال أو المتابعة لكيفية صرفها، ومجالات الانتفاع بها، ونجد قصص واقعية في هذه المستشفيات، وبعضها مدون في كتب، وبعضها مباشرة من بعض ما يلمسه الإنسان في مثل تلك الزيارات أن بعض الآباء يعطون أبناءهم مصروفات في أيديهم لا أقول: تصل إلى المئات بل تصل إلى الآلاف، أو يكون المال موجوداً في المنزل، ولا يحرج الأب على أحد أن يأخذ منه شيئاً، أو لا يلتفت إذا أخذ منه شيء، وهذا يكون له أثره الواضح.
السبب الثالث: رفقة السوء وأصحاب الفساد، وبعض هؤلاء -وهذا أيضاً مأخوذ من اعترافاتهم وإقراراتهم- يحمل حقداً على الآخرين؛ لأنه قد وقع في هذه الآفة، ورأى مستقبله ينهار، وصحته تتهاوى، فيريد أن يوقع الآخرين فيما وقع فيه، ولذلك بعضهم يتفنن في أن يجعل غيره مدمناً، فرفقة السوء لا تصاحب؛ لأنهم ربما يتفننون لكي يصلوا إلى إدخال الشاب في حظيرة الإدمان؛ فإنه إذا امتنع أو رفض تعاطيها وكان معهم فإنهم قد يضعون له تلك المخدرات في العصير أو في الشاي أو في غيرها من المشروبات وهو لا يدري؛ حتى يدمن المخدرات رغماً عن أنفه، وبغير معرفته، وقد وقع ذلك كثيراً، وهو من أساليب المروجين؛ لأنهم يريدون أن ينفقوا بضاعتهم، وأن يكسبوا الأموال المحرمة، فيسعون إلى ذلك.
السبب الرابع: الإعلام والأفلام، وما أدراك ما في هذه الأفلام؟! فإنه يعرض من فنون هذه الأمور ومن صورها ما يقولون: إنه للتنفير منها أو لبيان خطرها، وحقيقته أنه يرغب فيها، فإنك لا ترى بطلاً في غالب الأحوال إلا وهو مدخن، وتراه إذا أراد أن يستمتع يشرب المسكر، وتراه يشرب المخدر وهو في حالة تبدي أنه في سرور أو غير ذلك، إضافة إلى تعليم طرق وأساليب التخفي، ونحو ذلك من أمور أخرى سيأتي ذكرها.
السبب الخامس: السفر إلى الخارج، وقد ذكرت إحصائية أجريت على بعض المدمنين في السعودية: أن (22%) منهم تعاطوا المخدرات للمرة الأولى في خارج البلاد، وهذا أيضاً خطر واضح تمارسه الأسر دون أن تلتفت إلى مخاطره، فيقول لك هؤلاء الآباء والأمهات: دعه يتنزه، أو يروح على نفسه، أو يكتشف العالم، لماذا نعقده؟ لماذا نمنعه؟ ويترك له الحبل على غاربه، ثم ينتهي به الأمر إما في سجون الشرطة، وإما في مستشفيات الإدمان، وإما في مقابر الموتى، وتلك الحالات أكثر في الشباب منها في الحالات الأولى.
السبب السادس: الاستخدام السيئ للأدوية، وبعض العطور، وبعض الأغراض التي تستخدم في غير ما أعدت لها، وهذا أيضاً ينبغي الانتباه له والحذر منه، والشباب يقعون فيه وخاصة صغار السن الذين لا يملكون المال ولا يعرفون الأمور؛ فإنهم يبدءون بتلك الأمور الموجودة في البيوت، والموجودة في كل مكان، وتكون هي بداية الطريق، وبعض هؤلاء -كما هو وارد في تلك الدراسات والإحصاءات- قد بدءوا في بعض تلك العادات المسماة بالشفط أو بالشم أو غير ذلك، وهم في سن السابعة والتاسعة قبل أن يبلغوا العاشرة من أعمارهم، وهذه قضية أيضاً خطيرة.
السبب السابع: التفكك الأسري بالطلاق وكثرته، وكثرة الشقاق والخصام والنزاع بين الوالدين، ووجود أجواء الحرمان العاطفي والتربوي بين الأب والأم، وانعكاسه على الأبناء.
السبب الثامن: استهداف أعداء الإسلام والمسلمين عموماً وأتباعهم لشباب الأمة؛ لأنهم إذا دمروا الشباب فقد جاء السبب الأكبر لتدمير الأمة، ولو تذكرنا الإحصاءات في التدخين، فإن الإحصاءات تكاد تكون مثلها تماماً في المخدرات.
وفي دراسة نشرتها مجلة الفرقان الكويتية في عددها الأخير ذكرت إحصاءات خليجية، وذكرت إحصاءات أيضاً سعودية إلى أن نحو (60%) - (70%) من المتعاطين للمخدرات هم من فئة الشباب من سن الرابعة عشر إلى الثلاثين من العمر.
وأما مسألة الحكم الشرعي فالأمر فيها على خلاف الوهم قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر قليله فكثيره حرام) كما ورد في الصحيح.
وقد أجمع العلماء المتقدمون في مسألة واضحة بينة تترتب عليها الآثار، قال الإمام النووي : كل ما يزيل العقل من الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة فحكمه حكم الخمر في التحريم، وقال الحصفكي من علماء الحنفية نقلاً عن الجامع: من قال بحل البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع.
فالمسألة ليست فقط في الحل، وكل ما ذكرناه من الأدلة السابقة من الإلقاء بالأيدي للتهلكة، وتحريم الخبائث، وغير ذلك يدخل في هذه الحرمة دخولاً واضحاً.
أما الآثار أيها الإخوة! فإني أريد أن أذكر بعضاً من هذه الآثار، مع الإشارة إلى بعض القصص الواقعية؛ لأن هذه القصص قد يكون لها من التأثير والتذكير والاعتبار أكثر مما يكون لغيرها من النقاط أو المعلومات.
هناك آثار كثيرة وخطيرة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسر وعلى مستوى المجتمع والأمة، والآثار لها جوانب كثيرة منها: جوانب صحية ومالية واجتماعية ودينية، وفي كل هذه الآثار من الجوانب ما يضيق المقام عن ذكره أو حصره.
وبعض هذه الآثار تكون على مستوى الفرد في بدنه وعقله وماله، ومن ذلك: ضعف العقل، وقلة التركيز، وعدم القدرة على الاستحضار، ولذلك يتخلف هؤلاء المتعاطون للمخدرات في دراساتهم ويرسبون، وينتهي بهم المطاف جزماً إلى ترك الدراسة، وعدم القدرة على المواصلة، وهناك الأمراض الخطيرة الفتاكة التي تصيب البدن من تليف الكبد، ومن ارتفاع نسبة الإدمان في الدم حتى تصل في الجرعات الزائدة إلى الموت المفاجئ وهو كثير جداً.
وقد قرأت وشاهدت صوراً حقيقية لبعض الشباب، وقد أغلق على نفسه غرفته، ثم أخذ هذه الحقنة بعد أن ربط يده، وكانت جرعة زائدة، فمات وهو منكفئ على جبهته، وبقي أكثر من ثلاثة أيام في هذا المكان دون أن يشعر به أحد.
وهناك أسرة مكونة من عدد من الأبناء كانت من الأسر الكريمة والطيبة، وابنها الأكبر دخل في هذا الطريق، وانتهى به الأمر إلى أن مات ولم يعرف أهله سبباً لموته، وكان من ضحايا المخدرات.
والعجيب أن أخاه الأصغر منه كان يذهب معه في بعض تلك الجلسات ولم يكن يتعاطى المخدرات، فبعد وفاة أخيه وبعد العبرة به إذا بأولئك الصحبة يغرونه بالالتحاق بهم ثم يدمن المخدرات ثم يكون أيضاً ثاني الموتى، ويلحقه الابن الأصغر أيضاً، ويموت الثلاثة من الأبناء بسبب المخدرات، والقصة واقعية حقيقية بأسمائها وأشخاصها، وكثير من هذه القصص قد لا تعلم؛ لأن الأسر تستر على نفسها.
وأما المال فإنه يبدد بشكل عجيب، حتى إن أقل الناس ينفق إذا أراد أن يواظب على القدر الذي يحتاج إليه من هذه المخدرات ما لا يقل عن مائتي ألف ريال في العام الواحد، وهناك ما يترتب على هذا، فإن الذي يفقد المال يبدأ فيسرق من مال أهله، ويسرق ذهب زوجته، بل إنه يبيع أثاث بيته وأثاث بيت أهله قطعة قطعة، وقد قرأت من قصص (لجنة بشائر الخير) وهي لجنة في علاج الإدمان والمدمنين في الكويت، وأعرف رئيسها، وقد زرت هذه اللجنة والتقيت ببعض المدمنين التائبين، يذكر في القصص: أن أماً اتصلت به تقول له: أدركني فإن ابني قد جاء بشاحنة، وهو يشحن جميع أثاث البيت، وقد باعه لأجل تأمين المخدرات، وتبقى أمه ويبقى هو بلا أثاث وبلا مال، وينتهي الأمر إلى ما أشرنا إليه.
ومن الآثار: فقدان الشهية، وعدم الاستمتاع بالطعام، وغثيان دائم، واستفراغ مستمر -وقانا الله وإياكم-، وعندما يستخدمون الشمة يصابون بالتهاب الجيوب الأنفية، وتسيل أنوفهم مخاطاً على طول الوقت، ومن يستخدمون الإبر تتورم أجسادهم حتى لا يبقى موطن يستطيعون أن يستخدموا فيه ضرب الإبر لا في الأيدي ولا في الأرجل، حتى يأتي الوقت الذي يضعون الإبر في الأماكن القاتلة، ويموتون على قوارع الطرق وفي أماكن العمل، ويموتون في صور -نسأل الله عز وجل السلامة منها- لا يرضاها المسلم للعدو الكافر فضلاً عن الشاب المسلم الطاهر.
ومن الآثار أيضاً: انعدام القوة والقدرة الجنسية، مع أنهم يوهمون المتعاطين بقوتها ترويجاً لهذه المخدرات، فضلاً عن المخاطر والمآسي الأسرية التي انتهت ببعضهم إلى أن يضرب زوجته وهي حامل فتسقط، وأن يهدد أبناءه بالقتل بالسكين، ويفعل بعضهم ذلك.
والصور كثيرة وخطيرة في هذه الأمور، وليست مستغربة، بمعنى: أنها ليست نادرة، بل هي حقيقية وكثيرة.
ومن الآثار: عقوق الآباء والأمهات والعدوان عليهم، وانحراف الأبناء، والسمعة السيئة، وفقدان الوظيفة، وضياع الدراسة، وتشوه المواليد الذين يكونون من نسل المدمنين أو المدمنات، إلى صور أخرى مأساوية مهلكة محرقة يكاد المرء يعجب: كيف مع كل هذا يمكن أن يتعاطى الناس ذلك؟!
ومن المخاطر على مستوى المجتمع، وهي من أسوأ المخاطر وأكثرها ضرراً وخطراً على الإيمان وعلى السلوك والأخلاق: انتشار الدياثة والدعارة، فإن المدمن يرضى السوء والفاحشة في أهله، بل ويجبر زوجه على ذلك لقاء ما يحصل عليه من المخدرات.
والمدمنة والعياذ بالله تبيع شرفها وعرضها لأجل هذه المخدرات، وهذا واقع ظاهر بيَّن معروف مشهور لا يحتاج إلى إقامة الأدلة.
ومن المخاطر: انتشار الجريمة، وهو أثر اجتماعي خطير، فإن السرقات -وخاصة السرقات المسلحة- والاحتيال والبطش والقوة والقتل كله في كثير من هذه الأحوال وبنسبة مئوية مرصودة في الخارج -وليست عندنا- قد تصل في بعض الأحيان إلى (80%) من الجرائم التي لها ارتباط بالمخدرات والمسكرات.
وأيضاً أثر اجتماعي خطير: وهو الحوادث المرورية القاتلة للذين يقودون وهم سكارى أو تحت تأثير المخدرات، وكم منهم من تأتيه حالات من الإغماء -من أثر هذه المخدرات- وهم يقودون سياراتهم، فيهلكون ويهلكون، نسأل الله عز وجل السلامة.
ومن الآثار الاجتماعية أيضاً: المصروفات الصحية الهائلة، والإمكانات التي استدعت أن يكون هناك مستشفيات خاصة وعلاج طبي وعلاج صحي وعلاج نفسي وعلاج ديني، وتستنفد من الجهود والطاقات والأموال ما كان جديراً بأن ينفق في التعليم والبناء والتربية وغير ذلك من المصالح والمعالي العظيمة.
قصص محزنة كثيرة، وبعضها قصص عجيبة، منها: قصة لزوجة كريمة، رأت زوجها يهوي في هذه الهاوية، والمرأة في كثير من الأحوال ضعيفة لا تقدر أن تصنع شيئاً، إلا أنها استعانت بعد الله عز وجل ببعض الأقارب، فكلهم تبرأ وابتعد وأراد أن يجتنب هذا المدمن، وفكرت واستشارت طبيباً على الهاتف، فأشار عليها بخطة، ثم قامت بتنفيذ هذه الخطة، استدعت حداداً ليجعل على نافذة الحمام -أكرمكم الله- حديداً قوياً لا يمكن اختراقه، وجعل حديداً من الجهة الأخرى، وبينهما عازل يمنع خروج الصوت، ولما سئلت قالت: الإزعاج يأتينا من الخارج، ويزعج الأبناء، وبعض الأمور، وانتظرت زوجها حين ياتي وهو على حالته من المخدرات، وكانت قد أعدت في الحمام فراشاً ومخدة للنوم، وثلاجة حافظة وضعت فيها مشروبات ليس فيها شيء من الحديد أو الزجاج، بل هي من الكراتين، ووضعت بعض الأدوية التي تعلمتها من الطبيب، ولما جاء زوجها قالت: ادخل الحمام وسوف تستريح، ثم حبسته في ذلك الحمام مدة أسبوع وهي تعطيه شيئاً من الطعام من هذه النافذة، وقد كان يصيح ويسبها ويتلفظ بالطلاق ونحو ذلك، ولكنها تركته محبوساً في الحمام حتى بدأ يستعيد عافيته، ويتخلص من أثر تلك المخدرات، وبدأ في الطعام والشراب المعتاد، ثم انتهى أثر المخدر، واستطاع بفضل الله عز وجل ثم بفضل هذه الزوجة العاقلة ترك المخدرات، ومن تجرؤ على مثل هذا وتفكر فيه؟
والحقيقة أن الحالات التي في هذه الظروف عظيمة وخطيرة جداً، والأمر فيها كما قلنا: كثير وكبير.
الفضائيات أسبابها وآثارها وأضرارها وطرق الوقاية منها
الوقفة الأولى: أكثر المشاهدين والمتأثرين بالفضائيات هم من الشباب والشابات، وهنا ومضات سريعة في هذا؛ لأن الأرقام موجودة، والدراسات العلمية مكتوبة ومطبوعة ومقروءة.
أولاً: الشابات أكثر مشاهدة وتأثراً بالفضائيات من الشباب، لماذا؟ لأن قدرتهن على الخروج والتحرك أقل، فهن في بيوتهن وفي حجرهن يقضين أكثر الوقت مع هذه الفضائيات.
ثانياً: الشباب أكثر تجمعاً ومشاهدة جماعية من الشابات لهذه الفضائيات.
ثالثاً: الأسر تتأثر وتبدأ تنحل عرا أخلاقها وآدابها شيئاً فشيئاً، وذلك بإدمان المشاهدة المحافظة نسبياً كما يقولون.
رابعاً: الشيوخ يتصابون، والعجائز يتشببن، فالتأثر ليس مقتصراً على الشباب، فكم من شيخ عجوز يفتن وينحرف، ويصل إلى درجة من الانحراف لا يصدقها عقل، وعنده من الأبناء والبنات بل وربما الأحفاد والحفيدات ما يجعل مثل فعله قبيحاً في غاية القبح.
خامساً: الصغار هم الضحايا الأبرياء، حيث تتفتح أعينهم على هذه القنوات منذ بداية نعومة أظفارهم، وتنطمس بصائرهم، وتسود فطرهم، وتختل موازينهم، وتقبح كلماتهم، وتنحرف سلوكياتهم، شاء آباؤهم وأمهاتهم أم لم يشاءوا، عرفوا أو لم يعرفوا.
الوقفة الثانية: أننا نجد في هذه القنوات من الأمور المؤثرة الشيء الكثير، ولا أريد أن أذكر النسب، ولا أريد أن أذكر أوقات عرض هذه النسب.
في كل قناة برامج دينية كم نسبتها؟ قدروها، ومتى تعرض؟ عندما ينام الناس، ولم يعد هناك مشاهدون، يبدأ بث هذه البرامج، ويقومون بإعادتها وإعادتها كرات ومرات، حتى من يشاهدها ويقصد مشاهدتها بعد فترة يصبح قد حفظها ومل منها، لكن أوقات الذروة -كما تسمى- التي فيها أكثر المشاهدين ماذا فيها؟
أولاً: باقات الأفلام التي يعلن عنها على صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفاز، فيها محتويات تخرب العقائد والأفكار والتصورات، وتزيغ العقول، وتحرف السلوك، وتدعو وتحث وترغب وتسهل الجرائم.
ثانياً: هذه الفضائيات تحطم الحدود، فليس هناك حدود جغرافية، ولا حدود أخلاقية، ولا مراعاة ثقافية، ولا خصوصية قومية أو وطنية، فهي تتجاوز ذلك كله، بل إن الإعلانات حتى في القنوات غير العربية تقدم باللغة العربية، وتكتب الأرقام ويقال: من يتحدث بالعربية فهذه الأرقام كذا وكذا، ومن يتحدث بغيرها فهذه الأرقام كذا وكذا، وتظهر على الشاشات الجمل باللغة العربية وهي جمل تدعو وترغب.
ثم أيضاً: البدعة الجديدة المحدثة، تلك الأغاني الخليعة الماجنة التي لا يعرف الإنسان هل هو يستمع إلى غناء أم ينظر إلى فجور وفسق؟
وإن كنا نعلم حرمة ذلك كله، لكن الناس كانوا يستمعون إلى الغناء، والأثر فيه أقل، واليوم يرون فيه ما يرون.
ثالثاً: البرامج المباشرة، وما أدراك ما فيها من الأحاديث والمغازلات والمعاكسات، وكنت أقول فيما سبق: يشتكي بعض الناس من بعض المعاكسات على هاتف منزله، فيصدر الأمر بالمراقبة، وتكون هناك عقوبات من الإمارة، أما اليوم فعلى صفحات الجرائد الإعلان: إذا أردت أن تهدي عبر الهواتف المحمولة أغنية أو تسجل رسالة أو تنقل صورة أو غير ذلك!! أصبح الأمر في هذا شائعاً متاحاً، وكأنه مباح، مع أنه ليس من باب الإباحة الشرعية، وأحسب أيضاً أننا جميعاً نقر بأن الشباب يقضون كثيراً من الأوقات في هذا، مما يؤثر آثاراً عظيمة، بل إنهم أصبحوا متخصصين في فنون البرمجة وفك التشفير وقلة التكلفة ونحو ذلك، كما نشرت صحفنا تحقيقات عن هذه القضايا، وأن هناك بطاقات بقليل من الأموال يمكن أن تشاهد بها قنوات إباحية جنسية، ليست واحدة ولا ثنتين ولا خمساً ولا عشراً بل أكثر من ذلك، وأنها تجدد بعشرة ريالات، وأن هذا أصبح مألوفاً ومعروفاً، ثم بعد ذلك نشكو من أحوال الشباب، وكل ما ذكرناه في التدخين والمخدرات والمسكرات من أعظم أسبابه هذه القنوات.
هذه بعض الآثار الحقيقية المباشرة، وأتعجب أننا نعلم أنه قد صدرت الفتاوى بتحريم المخدرات وتحريم ترويجها، بل ومعاملة مروجي المخدرات معاملة من الناحية الشرعية تصل إلى حد القتل، وأحسب أن هذا الذي يكون في الفضائيات لا يقل عن ترويج المخدرات في آثاره وأضراره، فكيف يكون تسويقه والإعلان عنه بهذه الصورة المؤثرة المرغبة، التي في كل يوم تقدم جديداً، وتقدم من الأسعار ما هو أرخص، وتقول في إعلاناتها الواضحة الظاهرة: إننا نقدم هذه الأفلام مباشرة كما هي، يعني: ليس هناك رقابة، وليس هناك قص، وليس هناك حجب لشيء من هذا؟! وهذه من أعظم المخاطر على الشباب.
شبكة الإنترنت آثارها وأضرارها وخطورتها
والدراسات تقول: إن أكثر المواقع التي فيها الدخول من الجمهور والتفاعل معها بالدرجة الأولى: هي المواقع الإباحية الجنسية.
والدرجة الثانية -وهذا عجيب وقد رأيته في إحصاءات ودراسات علمية-: مواقع الدين والأفكار والمناقشات المتعلقة بذلك!
أما بالنسبة لواقع شبابنا فإن أكثر من نسبة (70%) يستخدمون (الإنترنت) في المجالات الجنسية، والمغازلات والمعاكسات، وتبادل الصور، ومشاهدة الأفلام، وكل ما هناك من العلم والثقافة وغير ذلك ليس هو الذي يعتني به الشباب إلا قلة منهم، ولا أقول: أغلقوا هذه الوسيلة، ولكن لنبين أن عدم المتابعة والانضباط فيه خطورة عظيمة.
ثم أيضاً هناك ما يسمى بالأحاديث المباشرة، ولوحات استخدام الكلمات الأجنبية، التي تتيح فرصة التخفي، فلا يعرف من أنت، وتتحدث بما شئت لمن شئت، وتتحدث هي كما شاءت لمن شاءت، ويكتب من شاء لمن شاء، وتكتب ما شاءت لمن شاءت، والأمور تبقى على هذه الصورة المزرية المؤثرة والخطيرة.
الهاوية الأولى: التدخين، ربما يكون ترتيبنا ليس مقصوداً بذاته؛ فإن كل واحدة من هذه المهاوي لها ما يقدمها على غيرها من وجوه كثيرة حتى يحتار المرء في أيها يبدأ!
التدخين كلنا يعرفه، ولكنني أقول: إن الأرقام المتعلقة بالتدخين في فئة الشباب ترعب، والحقائق تخيف، والنتائج تنذر بخطر عظيم، وهذه وقفات مختصرة جداً، وإلا فإن هناك ما هو أعظم وأكبر وأخطر.
إن الأرقام المتوافرة على التدخين في دائرة الشباب مرعبة، وقد نشرت صحفنا المحلية: أن دراسة أجرتها وزارة التربية والتعليم في المدارس شملت (752) تلميذاً في المرحلة المتوسطة والثانوية بالمدارس الحكومية في مدينة الدمام، أعطت هذه النتائج أن (30%) من هؤلاء الطلاب مدخنون في المرحلة المتوسطة والثانوية، و(90%) من هؤلاء المدخنين بدءوا بالتدخين في مرحلة مبكرة، وبينت الدراسة أن (55%) من طلبة السنة النهائية في المرحلة الثانوية لا يقدرون حق التقدير احتمال إصابتهم بالإدمان على التدخين.
ومن الأرقام المؤسفة أن جمعية مكافحة التدخين أشارت إلى أن (17%) من الطبيبات السعوديات العاملات في منطقة الرياض مدخنات.
ومن الأرقام المفزعة كذلك دراسة أجريت على مدارس البنات في المرحلة المتوسطة والثانوية في منطقة مكة المكرمة، وأظهرت أن من (35%) إلى (55%) من الطالبات مدخنات، وهذه النسبة تزيد عند المعلمات.
وتشير إحصائية أخرى إلى أن عدد المدخنين إجمالياً في المملكة بلغ نحو (ستة ملايين) مدخن ما بين ذكر وأنثى ومقيم ومواطن، وأن إجمالي ما يدخنونه (ثمانية مليارات وسبعمائة ألف سيجارة)، وأن ذلك يكلف (ستمائة وثلاثة وثلاثين مليون ريال) في العام الواحد.
لو حسبنا هذه الأرقام وتحدثنا عن البطالة أو عن المشروعات أو عما سيأتي من تكاليف العلاج سنرى كم هي الجريمة فادحة! وكم هي الخسارة عظيمة في هذه الهاوية الخطيرة!
والتقارير العامة من منظمة الصحة العالمية تقول: إن أعداد المدخنين تتناقص في أمريكا والدول الأوروبية والدول المتحضرة، وأنها تتزايد في دول العالم الثالث، وتتوقع بحلول عام (2020م) أن يكون (70%) من أسباب الوفيات راجعة إلى التدخين.
أرقام أخرى تقول: إن استهلاك السيجارة في المملكة ليس كما ذكرت وإنما أرقام أخرى: (خمسة عشر مليار سيجارة)، وأنها تكلف ذلك الرقم الذي ذكرته، وأن إجمالي نسبة المدخنات من بين المدخنين عموماً تزيد على (20%) .
ونشرت جريدة البيان الإماراتية في تقرير نشره المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن التبغ كلف المجتمع الدولي عموماً أحد عشر ألف وفاة يومياً.
أما الدراسات تقول: إن (خمسة وأربعين) وفاة يومياً في دول الخليج سببها المباشر التدخين، وهذه الوفيات يمكن أن تحسب بالساعات، بل ربما بما هو أقل من ذلك.
وتقول الدراسة التي أجريت في عام (2000م): إن هناك ألف وفاة سنوية بأمراض سرطانية لها علاقة مباشرة بالتدخين.
وتقول هذه الدراسة: إن التدخين ينتشر بمقدار (40%) في المجتمع الرجالي و(10%) في المجتمع النسائي و(15%) في مجتمع الصغار والشباب المراهقين.
وتؤكد الدراسة أن فئة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي وطلبة كليات الطب يمارسون التدخين بنسبة تصل إلى ثلث الشريحة، وتتجاوز نصف الشريحة في السعودية والكويت والإمارات التي أكدت الدراسة أن (44%) من الأطباء الذكور يدخنون السيجارة.
وفي دراسة أيضاً أجريت في إحدى مناطق المملكة على الطالبات أن (27%) من طالبات المرحلة المتوسطة و(35%) من المرحلة الثانوية، وأكثر من (50%) من المعلمات كلهن يدخن السجائر.
وإحصائية علمية في المملكة قدرت أن خسائر مستشفى الملك فيصل التخصصي في علاج الحالات المرضية للمدخنين بلغت أكثر من (عشرة مليار دولار) خلال خمسة وعشرين عاماً.
وتؤكد هذه الأرقام والإحصاءات أن المملكة هي الدولة الرابعة على مستوى العالم في استيراد واستهلاك التدخين.
وتبلغ نفقات التدخين في استيراده -فضلاً عما يترتب عليه من مصروفات العلاج- أكثر من الميزانيات المخصصة للبحوث العلمية وتطوير التعليم.
وتقول الأرقام الأخرى العامة: إن أعلى الدول في العالم تدخيناً بالنسبة إلى عدد السكان هي تركيا، البلد الإسلامي الذي يبلغ نسبة المدخنين فيه إلى نسبة عدد السكان (67.5%) من إجمالي عدد السكان.
وعدد المدخنين في مصر يرتفع سنوياً ما بين (8-9%)، وهو معدل أعلى بكثير من معدل زيادة المواليد.
وتقدر دراسات الشركات المصنعة والمستوردة للتدخين: أن في مصر ما بين (ستة عشر) إلى (سبعة عشر مليون) مدخن.
وتقول وزارة الصحة المصرية: إن المصريين ينفقون نحو (خمسة مليارات جنيه) على التدخين، أي: نحو (22%) من متوسط الدخل القومي للفرد في مصر.
وهذه الأرقام كافية في أن تظهر لنا فداحة الأمر وخطورته الشديدة الكبيرة.
وقفة ثانية مع قضية قريبة منا ولصيقة بنا كثيراً: أعددت استمارة صغيرة فيها معلومات عن الشخص، ومتى بدأ التدخين، وكم سيجارة يدخن في اليوم، وما هو سبب تدخينه لأول مرة، وهل فكر في الإقلاع عن التدخين، وكم المدة التي مكثها عندما أقلع عن التدخين ثم عاد إليه.
وقد اخترت من نحو أربعين استمارة هذه النماذج اليسيرة، وكلها أخذت من دائرة لا تزيد عن مئات الأمتار عن هذا المسجد الذي نستمع فيه إلى هذا الحديث.
هذه استمارات اخترتها لمن يدخنون وهم دون الخامسة عشر من العمر.
استمارة أحد المدخنين عمره اثنان وعشرون عاماً، يقول: إنه بدأ التدخين قبل خمسة عشر عاماً، أي: أنه بدأ يدخن وهو ابن سبع سنوات! ويقول: إنه يدخن يومياً نحو خمس عشرة سيجارة، والسبب الرفقة والأصحاب، ويقول: فكر أكثر من مرة بترك التدخين ولكنه لم يتركه إلا لأقل من أسبوع فقط.
وآخر عمره عشرون عاماً يذكر أنه بدأ التدخين قبل عشر سنوات، أي: وعمره عشر سنوات، ولكنه يدخن قليلاً، وقد ترك التدخين نحواً من عام ثم عاد إليه.
وآخر عمره ستة وعشرون عاماً ودخن قبل خمسة عشر عاماً أي: وعمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم، ولم يفكر في ترك التدخين، والسبب أيضاً الرفقة والأصحاب.
وآخر عمره اثنا عشر عاماً، ويدخن في اليوم أكثر من عشرين سيجارة، ولم يفكر في الإقلاع عن التدخين بعد كما يقول.
وهذا عمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة، ويقول: فكر مرة واحدة، وتوقف لأقل من أسبوع.
واثنان عمرهما أربعة عشر عاماً، وكلاهما يدخن في اليوم ما بين خمس عشرة إلى أكثر من عشرين سيجارة.
وأكثر الأسباب التي ذكرت في هذه الاستمارات هي الرفقة والأصحاب، خمسة وعشرون مدخناً من هؤلاء الأربعين ذكروا هذا السبب.
ومن الأسباب الأخرى: كتب بعضهم: الطفش، وكتب آخر: الوهم، وكتب ثالث: السفر إلى الخارج، وكتب رابع: طيش الشباب.
ثم ليست من مهمة حديثنا هذا الوقوف مع الأضرار والأخطار، وأقول هذا حتى أدفع من يسمع إلى أن يراجع ويبحث، وأرجو ألا يراجعني بل يراجع نفسه ويبحث ثم يعود؛ لأن التدخين أشد خطراً وضرراً من الخمر والمخدرات على المستوى العام، وتبين الآن أن في مادة التبغ أكثر من أربعمائة مكون كيميائي، فيها على حد أدنى أربعون مكوناً ساماً قاتلاً على المدى البعيد، وكل من يتجاوز التدخين عشر سنوات فإنه يكون معرضاً للإصابة بالسرطان أو تصلب الشرايين بنسبة تزيد على (80%)، والأرقام من حيث الاستهلاك والشيوع أكثر بكثير من بقية الأحوال الأخرى.
لذلك بدأت الحديث عن التدخين؛ لأنه خطير، ولأن الحديث عنه والمواجهة له من المفترض أن تكون أيسر وأسهل من غيره من المهاوي الخطيرة.
أما بالنسبة للأحكام الفقهية أيضاً، فليس مرادنا الوقوف عندها، ولكنني وجدت لبعض الفتاوى نوعاً من الشمول والقوة، التي لعل ذكرها يزيل الأوهام؛ لأنه يكاد يجمع المدخنون وطائفة كبيرة من غير المدخنين أن التدخين لا يعدو أن يكون مكروهاً، وهذا لمن يجترئ ويقول: إنه مكروه، وإلا فبعضهم يرى أنه دون ذلك، مع أنه عقد في عام (1402هـ) أو (1412هـ) مؤتمر في المدينة المنورة في الجامعة الإسلامية، وحضره جمع من العلماء، وأفضل ما أصدروه من هذا المؤتمر: فتوى جماعية بحرمة التدخين، وأنا أذكر هذه النصوص من فتوى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والثانية أوسع وأشمل، وفيها من المعاني ما يستلفت النظر والانتباه، قال ابن باز رحمه الله: الدخان محرم؛ لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والله عز وجل إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب، وحرم عليهم الخبائث، قال الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، وقال تعالى في الحكم من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] ، فكل ما هو خبيث محرم.
ولا أظن مجنوناً وليس عاقلاً في الدنيا يمكن أن يقول: إن الدخان ليس خبيثاً، فضلاً عن أن يقول: إنه طيب.
قال: وهكذا جميع المسكرات كلها من الخبائث، والدخان لا يجوز شربه، ولا بيعه، والتجارة فيه كالخمر، والواجب على كل من يشربه ويتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة.
أما فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيقول فيها: شرب الدخان محرم، وكذلك بيعه وشراؤه، والتأجير لمن يبيعه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ودليل تحريمه قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى نهى أن نؤتي السفهاء أموالنا؛ لأن السفيه يتصرف بها فيما لا ينفع، وبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولا من مصالح الدنيا، فكيف يكون صرفها في ذلك؟! فيكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله تعالى لعباده.
ومن أدلة تحريمه: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] ووجه الدلالة من الآية: أنه قد ثبت في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تئول بصاحبها إلى الموت مثل: السرطان، فيكون متناولها قد أتى سبباً لهلاكه.
ومن أدلة تحريمه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، ووجه الدلالة من هذه الآية: أنه إذا كان قد نهى عن الإسراف في المباحات -وهو مجاوزة الحد فيها- فإن النهي عن صرف المال في أمر لا ينفع يكون من باب أولى.
ومن أدلة تحريمه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولا شك أن صرف المال في شراء الدخان إضاعة له؛ لأنه إذا صرف المال فيما لا فائدة منه فهو إضاعة بلا شك، وهناك أدلة أخرى، والعاقل يكفيه دليل واحد.
أما النظر الصحيح الدال على تحريمه فهو أن كل عاقلٍ لا يمكنه أن يتناول شيئاً يكون سبباً لضرره ومرضه، ويستلزم نفاذ ماله من صرفه فيه؛ لأن العاقل لابد أن يحافظ على بدنه وعلى ماله، ولا يهمل ذلك إلا من كان ناقصاً في عقله وتفكيره.
ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضاً: أن شربه يستلزم ثقل العبادات على شاربه، ولا سيما الصيام، فإن شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه من بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا قد يكون في أيام الصيف الطويلة، فيكون الصوم لديه مكروهاً.
وحينئذ فإنني أوجه النصيحة لإخواني عموماً والمبتلين به خصوصاً، بالتحذير منه بيعاً وشراء، وشرباً وتأجيراً لمحلات من أجل بيعه فيها، ومعونة عليه من أي وجه كان.
وهذا يكفينا في هذا الأمر.
وأما الإقلاع عن التدخين فقد قامت لذلك جمعيات، وابتكرت فيه بعض المبتكرات، ولكن الوازع الديني ومراقبة الله عز وجل والخوف من ارتكاب الإثم وما يلحق بذلك، هو أول وأعظم الأسباب المعينة على الإقلاع، ومع ذلك فثمة وصايا نقولها في ومضات سريعة، والأمر أقصر من أن نستطيع الإلمام بجوانبه المختلفة:
يقول الناصحون: حاول أن تتعرف على أضرار التدخين بشكل جيد وواسع.
حدد الوقت المناسب للإقلاع، واربطه بذكرى عزيزة لديك أو بإنجاز مهم عندك.
أعلن نبأ إقلاعك عن التدخين لأفراد أسرتك ولجميع من حولك؛ حتى يكون ذلك محرجاً لك ومعيناً للآخرين على تذكيرك، وأنت في الحقيقة أكبر من ذلك.
حاول أن تجد بديلاً عن السيجارة في إشغال يديك وليس نوعاً آخر، ضع قلماً في يدك دائماً، اصطحب شيئاً في يدك حتى لا تأكلك يدك كما يقول المدخنون.
أقلع عن بعض المشروبات التي كنت تعتاد شرب الدخان معها كالشاي أو القهوة أو غير ذلك.
تجنب الأماكن التي كنت تذهب إليها مع أصدقائك للتدخين.
تجنب الاختلاط بالمدخنين.
ارفض كل عرض يقدم لك للعودة إلى التدخين.
وقبل ذلك وبعده استعن بالله عز وجل، وأخلص في دعائك له أن يعينك على أن تترك هذا التدخين.
الهاوية الثانية: المسكرات والمخدرات، وهي درجة أعلى وإن كنت قد أشرت إلى أن التدخين في الجملة أكثر ضرراً، سواء على الفرد أو على المستوى العام فإن ضرره أكبر؛ لأن شريحة المتعاطين له والمتضررين منه أكثر بكثير من تلك الدائرة، ومرة أخرى الشباب هم الضحايا في مثل هذه الهاوية الخطيرة.
وقد قمت بزيارة لمستشفى الأمل الذي يعالج فيه المدمنون، ورأيت بأم عيني أن الغالبية العظمى التي تصل بحد أدنى إلى (60%) وربما بحد أعلى إلى نحو (70%) أو (75%) هم من الشباب، وعندما نقول: من الشباب أي: من سن الرابعة عشر، بل ودون ذلك أيضاً في بعض الأحيان، إلى نحو الثلاثين من العمر، كلهم من المدمنين الذين تجتالهم هذه الهاوية، وتدفنهم فيها حقيقة لا مجازاً، وإن الصور الحقيقية لهذا -ولست بصدد الإحصاءات- مخيفة ومرعبة وتلفت النظر إلى قضية الشباب، لكن أبدأ هنا بقضية مهمة وهي الأوهام الخاطئة والأحلام القاتلة التي تغري الشباب أو توقعهم فيها؛ لأننا سوف نذكر ذلك في الأسباب من بعد.
أول هذه الأوهام: ما يروجه المروجون ويشيعه غيرهم كذلك من أن هذه المخدرات ليست محرمة، وأنها ليست كالخمر؛ لأن الخمر ورد فيه نص، وأن المخدرات ليس فيها نصوص تدل على حرمتها، وبعض الناس إذا وقع في هذه الآفة فإنه يستمرئ هذا القول، ويحاول أن يقنع نفسه به.
ثاني هذه الأوهام: وهو أن هذه المخدرات تنسي أصحابها الهموم، وتفرج عنهم الغموم، وتدخل شيئاً من السرور والسعادة إلى نفوسهم، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً، فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والنكد الدائم، والهم المقلق، وسوداوية الحياة كما سنذكر في بعض الصور.
الوهم الثالث ونذكره بصراحة؛ لأنه يشيع بين الناس، ومن أراد أن يلتفت إلى هذا فليقرأ ما كتب عن قصص الإدمان وطريقته، هذا الوهم الثالث: أن هذه المخدرات تعطي قوة ومتعة جنسية لمتعاطيها، وهذا أيضاً مما يروجه الذين يسعون لنشر هذه المخدرات، وهذه الأوهام إنما ذكرتها؛ لأنها هي من أكثر المصائب التي تصطاد الشباب وترغبهم أو تغريهم بهذه الآفة المهلكة المدمرة.
ننتقل بعد ذلك إلى توضيح تفصيلي للأسباب الموصلة والطرق المهلكة للإدمان:
أولها وعلى رأسها كما أشرت من قبل: غياب الوازع الديني وضعفه؛ لأن التزكية والعبادة والإقبال على الطاعة والصلة بالله عز وجل أمر أساسي، ومتى فقد فإنه يترتب على فقده هذه المعضلة وغيرها من أمثالها.
السبب الثاني: ضعف التربية الأسرية، ويتجلى ذلك في صور عديدة جداً منها: غياب الآباء والأمهات عن أحوال أبنائهم، ومعرفة مشكلاتهم، والجلوس إليهم، والحوار معهم، ومعرفة ما يجول بخواطرهم، وتلمس معاناتهم، فيبقى هؤلاء نهباً حينئذ للفراغ، أو للهم الذي يظنون أنه سوف يزول بدخولهم أو بتعاطيهم لهذه المخدرات، ويكونون كذلك فريسة لفراغ قاتل يودي بهم إلى رفقة فاسدة كما سنذكر.
ومن الأسباب المتعلقة بهذا الجانب في التربية: توفير الأموال وإعطاؤها عند الطلب للأبناء، دون التنبه أو السؤال أو المتابعة لكيفية صرفها، ومجالات الانتفاع بها، ونجد قصص واقعية في هذه المستشفيات، وبعضها مدون في كتب، وبعضها مباشرة من بعض ما يلمسه الإنسان في مثل تلك الزيارات أن بعض الآباء يعطون أبناءهم مصروفات في أيديهم لا أقول: تصل إلى المئات بل تصل إلى الآلاف، أو يكون المال موجوداً في المنزل، ولا يحرج الأب على أحد أن يأخذ منه شيئاً، أو لا يلتفت إذا أخذ منه شيء، وهذا يكون له أثره الواضح.
السبب الثالث: رفقة السوء وأصحاب الفساد، وبعض هؤلاء -وهذا أيضاً مأخوذ من اعترافاتهم وإقراراتهم- يحمل حقداً على الآخرين؛ لأنه قد وقع في هذه الآفة، ورأى مستقبله ينهار، وصحته تتهاوى، فيريد أن يوقع الآخرين فيما وقع فيه، ولذلك بعضهم يتفنن في أن يجعل غيره مدمناً، فرفقة السوء لا تصاحب؛ لأنهم ربما يتفننون لكي يصلوا إلى إدخال الشاب في حظيرة الإدمان؛ فإنه إذا امتنع أو رفض تعاطيها وكان معهم فإنهم قد يضعون له تلك المخدرات في العصير أو في الشاي أو في غيرها من المشروبات وهو لا يدري؛ حتى يدمن المخدرات رغماً عن أنفه، وبغير معرفته، وقد وقع ذلك كثيراً، وهو من أساليب المروجين؛ لأنهم يريدون أن ينفقوا بضاعتهم، وأن يكسبوا الأموال المحرمة، فيسعون إلى ذلك.
السبب الرابع: الإعلام والأفلام، وما أدراك ما في هذه الأفلام؟! فإنه يعرض من فنون هذه الأمور ومن صورها ما يقولون: إنه للتنفير منها أو لبيان خطرها، وحقيقته أنه يرغب فيها، فإنك لا ترى بطلاً في غالب الأحوال إلا وهو مدخن، وتراه إذا أراد أن يستمتع يشرب المسكر، وتراه يشرب المخدر وهو في حالة تبدي أنه في سرور أو غير ذلك، إضافة إلى تعليم طرق وأساليب التخفي، ونحو ذلك من أمور أخرى سيأتي ذكرها.
السبب الخامس: السفر إلى الخارج، وقد ذكرت إحصائية أجريت على بعض المدمنين في السعودية: أن (22%) منهم تعاطوا المخدرات للمرة الأولى في خارج البلاد، وهذا أيضاً خطر واضح تمارسه الأسر دون أن تلتفت إلى مخاطره، فيقول لك هؤلاء الآباء والأمهات: دعه يتنزه، أو يروح على نفسه، أو يكتشف العالم، لماذا نعقده؟ لماذا نمنعه؟ ويترك له الحبل على غاربه، ثم ينتهي به الأمر إما في سجون الشرطة، وإما في مستشفيات الإدمان، وإما في مقابر الموتى، وتلك الحالات أكثر في الشباب منها في الحالات الأولى.
السبب السادس: الاستخدام السيئ للأدوية، وبعض العطور، وبعض الأغراض التي تستخدم في غير ما أعدت لها، وهذا أيضاً ينبغي الانتباه له والحذر منه، والشباب يقعون فيه وخاصة صغار السن الذين لا يملكون المال ولا يعرفون الأمور؛ فإنهم يبدءون بتلك الأمور الموجودة في البيوت، والموجودة في كل مكان، وتكون هي بداية الطريق، وبعض هؤلاء -كما هو وارد في تلك الدراسات والإحصاءات- قد بدءوا في بعض تلك العادات المسماة بالشفط أو بالشم أو غير ذلك، وهم في سن السابعة والتاسعة قبل أن يبلغوا العاشرة من أعمارهم، وهذه قضية أيضاً خطيرة.
السبب السابع: التفكك الأسري بالطلاق وكثرته، وكثرة الشقاق والخصام والنزاع بين الوالدين، ووجود أجواء الحرمان العاطفي والتربوي بين الأب والأم، وانعكاسه على الأبناء.
السبب الثامن: استهداف أعداء الإسلام والمسلمين عموماً وأتباعهم لشباب الأمة؛ لأنهم إذا دمروا الشباب فقد جاء السبب الأكبر لتدمير الأمة، ولو تذكرنا الإحصاءات في التدخين، فإن الإحصاءات تكاد تكون مثلها تماماً في المخدرات.
وفي دراسة نشرتها مجلة الفرقان الكويتية في عددها الأخير ذكرت إحصاءات خليجية، وذكرت إحصاءات أيضاً سعودية إلى أن نحو (60%) - (70%) من المتعاطين للمخدرات هم من فئة الشباب من سن الرابعة عشر إلى الثلاثين من العمر.
وأما مسألة الحكم الشرعي فالأمر فيها على خلاف الوهم قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر قليله فكثيره حرام) كما ورد في الصحيح.
وقد أجمع العلماء المتقدمون في مسألة واضحة بينة تترتب عليها الآثار، قال الإمام النووي : كل ما يزيل العقل من الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة فحكمه حكم الخمر في التحريم، وقال الحصفكي من علماء الحنفية نقلاً عن الجامع: من قال بحل البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع.
فالمسألة ليست فقط في الحل، وكل ما ذكرناه من الأدلة السابقة من الإلقاء بالأيدي للتهلكة، وتحريم الخبائث، وغير ذلك يدخل في هذه الحرمة دخولاً واضحاً.
أما الآثار أيها الإخوة! فإني أريد أن أذكر بعضاً من هذه الآثار، مع الإشارة إلى بعض القصص الواقعية؛ لأن هذه القصص قد يكون لها من التأثير والتذكير والاعتبار أكثر مما يكون لغيرها من النقاط أو المعلومات.
هناك آثار كثيرة وخطيرة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسر وعلى مستوى المجتمع والأمة، والآثار لها جوانب كثيرة منها: جوانب صحية ومالية واجتماعية ودينية، وفي كل هذه الآثار من الجوانب ما يضيق المقام عن ذكره أو حصره.
وبعض هذه الآثار تكون على مستوى الفرد في بدنه وعقله وماله، ومن ذلك: ضعف العقل، وقلة التركيز، وعدم القدرة على الاستحضار، ولذلك يتخلف هؤلاء المتعاطون للمخدرات في دراساتهم ويرسبون، وينتهي بهم المطاف جزماً إلى ترك الدراسة، وعدم القدرة على المواصلة، وهناك الأمراض الخطيرة الفتاكة التي تصيب البدن من تليف الكبد، ومن ارتفاع نسبة الإدمان في الدم حتى تصل في الجرعات الزائدة إلى الموت المفاجئ وهو كثير جداً.
وقد قرأت وشاهدت صوراً حقيقية لبعض الشباب، وقد أغلق على نفسه غرفته، ثم أخذ هذه الحقنة بعد أن ربط يده، وكانت جرعة زائدة، فمات وهو منكفئ على جبهته، وبقي أكثر من ثلاثة أيام في هذا المكان دون أن يشعر به أحد.
وهناك أسرة مكونة من عدد من الأبناء كانت من الأسر الكريمة والطيبة، وابنها الأكبر دخل في هذا الطريق، وانتهى به الأمر إلى أن مات ولم يعرف أهله سبباً لموته، وكان من ضحايا المخدرات.
والعجيب أن أخاه الأصغر منه كان يذهب معه في بعض تلك الجلسات ولم يكن يتعاطى المخدرات، فبعد وفاة أخيه وبعد العبرة به إذا بأولئك الصحبة يغرونه بالالتحاق بهم ثم يدمن المخدرات ثم يكون أيضاً ثاني الموتى، ويلحقه الابن الأصغر أيضاً، ويموت الثلاثة من الأبناء بسبب المخدرات، والقصة واقعية حقيقية بأسمائها وأشخاصها، وكثير من هذه القصص قد لا تعلم؛ لأن الأسر تستر على نفسها.
وأما المال فإنه يبدد بشكل عجيب، حتى إن أقل الناس ينفق إذا أراد أن يواظب على القدر الذي يحتاج إليه من هذه المخدرات ما لا يقل عن مائتي ألف ريال في العام الواحد، وهناك ما يترتب على هذا، فإن الذي يفقد المال يبدأ فيسرق من مال أهله، ويسرق ذهب زوجته، بل إنه يبيع أثاث بيته وأثاث بيت أهله قطعة قطعة، وقد قرأت من قصص (لجنة بشائر الخير) وهي لجنة في علاج الإدمان والمدمنين في الكويت، وأعرف رئيسها، وقد زرت هذه اللجنة والتقيت ببعض المدمنين التائبين، يذكر في القصص: أن أماً اتصلت به تقول له: أدركني فإن ابني قد جاء بشاحنة، وهو يشحن جميع أثاث البيت، وقد باعه لأجل تأمين المخدرات، وتبقى أمه ويبقى هو بلا أثاث وبلا مال، وينتهي الأمر إلى ما أشرنا إليه.
ومن الآثار: فقدان الشهية، وعدم الاستمتاع بالطعام، وغثيان دائم، واستفراغ مستمر -وقانا الله وإياكم-، وعندما يستخدمون الشمة يصابون بالتهاب الجيوب الأنفية، وتسيل أنوفهم مخاطاً على طول الوقت، ومن يستخدمون الإبر تتورم أجسادهم حتى لا يبقى موطن يستطيعون أن يستخدموا فيه ضرب الإبر لا في الأيدي ولا في الأرجل، حتى يأتي الوقت الذي يضعون الإبر في الأماكن القاتلة، ويموتون على قوارع الطرق وفي أماكن العمل، ويموتون في صور -نسأل الله عز وجل السلامة منها- لا يرضاها المسلم للعدو الكافر فضلاً عن الشاب المسلم الطاهر.
ومن الآثار أيضاً: انعدام القوة والقدرة الجنسية، مع أنهم يوهمون المتعاطين بقوتها ترويجاً لهذه المخدرات، فضلاً عن المخاطر والمآسي الأسرية التي انتهت ببعضهم إلى أن يضرب زوجته وهي حامل فتسقط، وأن يهدد أبناءه بالقتل بالسكين، ويفعل بعضهم ذلك.
والصور كثيرة وخطيرة في هذه الأمور، وليست مستغربة، بمعنى: أنها ليست نادرة، بل هي حقيقية وكثيرة.
ومن الآثار: عقوق الآباء والأمهات والعدوان عليهم، وانحراف الأبناء، والسمعة السيئة، وفقدان الوظيفة، وضياع الدراسة، وتشوه المواليد الذين يكونون من نسل المدمنين أو المدمنات، إلى صور أخرى مأساوية مهلكة محرقة يكاد المرء يعجب: كيف مع كل هذا يمكن أن يتعاطى الناس ذلك؟!
ومن المخاطر على مستوى المجتمع، وهي من أسوأ المخاطر وأكثرها ضرراً وخطراً على الإيمان وعلى السلوك والأخلاق: انتشار الدياثة والدعارة، فإن المدمن يرضى السوء والفاحشة في أهله، بل ويجبر زوجه على ذلك لقاء ما يحصل عليه من المخدرات.
والمدمنة والعياذ بالله تبيع شرفها وعرضها لأجل هذه المخدرات، وهذا واقع ظاهر بيَّن معروف مشهور لا يحتاج إلى إقامة الأدلة.
ومن المخاطر: انتشار الجريمة، وهو أثر اجتماعي خطير، فإن السرقات -وخاصة السرقات المسلحة- والاحتيال والبطش والقوة والقتل كله في كثير من هذه الأحوال وبنسبة مئوية مرصودة في الخارج -وليست عندنا- قد تصل في بعض الأحيان إلى (80%) من الجرائم التي لها ارتباط بالمخدرات والمسكرات.
وأيضاً أثر اجتماعي خطير: وهو الحوادث المرورية القاتلة للذين يقودون وهم سكارى أو تحت تأثير المخدرات، وكم منهم من تأتيه حالات من الإغماء -من أثر هذه المخدرات- وهم يقودون سياراتهم، فيهلكون ويهلكون، نسأل الله عز وجل السلامة.
ومن الآثار الاجتماعية أيضاً: المصروفات الصحية الهائلة، والإمكانات التي استدعت أن يكون هناك مستشفيات خاصة وعلاج طبي وعلاج صحي وعلاج نفسي وعلاج ديني، وتستنفد من الجهود والطاقات والأموال ما كان جديراً بأن ينفق في التعليم والبناء والتربية وغير ذلك من المصالح والمعالي العظيمة.
قصص محزنة كثيرة، وبعضها قصص عجيبة، منها: قصة لزوجة كريمة، رأت زوجها يهوي في هذه الهاوية، والمرأة في كثير من الأحوال ضعيفة لا تقدر أن تصنع شيئاً، إلا أنها استعانت بعد الله عز وجل ببعض الأقارب، فكلهم تبرأ وابتعد وأراد أن يجتنب هذا المدمن، وفكرت واستشارت طبيباً على الهاتف، فأشار عليها بخطة، ثم قامت بتنفيذ هذه الخطة، استدعت حداداً ليجعل على نافذة الحمام -أكرمكم الله- حديداً قوياً لا يمكن اختراقه، وجعل حديداً من الجهة الأخرى، وبينهما عازل يمنع خروج الصوت، ولما سئلت قالت: الإزعاج يأتينا من الخارج، ويزعج الأبناء، وبعض الأمور، وانتظرت زوجها حين ياتي وهو على حالته من المخدرات، وكانت قد أعدت في الحمام فراشاً ومخدة للنوم، وثلاجة حافظة وضعت فيها مشروبات ليس فيها شيء من الحديد أو الزجاج، بل هي من الكراتين، ووضعت بعض الأدوية التي تعلمتها من الطبيب، ولما جاء زوجها قالت: ادخل الحمام وسوف تستريح، ثم حبسته في ذلك الحمام مدة أسبوع وهي تعطيه شيئاً من الطعام من هذه النافذة، وقد كان يصيح ويسبها ويتلفظ بالطلاق ونحو ذلك، ولكنها تركته محبوساً في الحمام حتى بدأ يستعيد عافيته، ويتخلص من أثر تلك المخدرات، وبدأ في الطعام والشراب المعتاد، ثم انتهى أثر المخدر، واستطاع بفضل الله عز وجل ثم بفضل هذه الزوجة العاقلة ترك المخدرات، ومن تجرؤ على مثل هذا وتفكر فيه؟
والحقيقة أن الحالات التي في هذه الظروف عظيمة وخطيرة جداً، والأمر فيها كما قلنا: كثير وكبير.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2907 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2729 استماع |
فاطمة الزهراء | 2694 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2627 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2541 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2533 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2533 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2485 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2467 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2449 استماع |