غنائم العابدين وخسائر الغافلين


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله على ما أفاض من الخيرات، وما وهب من الرحمات، وما كتب من مغفرة السيئات، وما تمنن به وتفضل من مضاعفة الحسنات؛ له الحمد رب الأرض والسماوات، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو أهل الحمد والثناء لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، وله الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ويوافي فضله وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، له الحمد سبحانه وتعالى دائماً أبداً ما دامت السماوات والأرض.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله؛ علم الهدى ومنار التقى، شمس الهداية الربانية، ونور الرعاية الإلهية؛ أشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

استحضار فضل الله وشرف الزمان

أيها الإخوة! غنائم العابدين وخسائر الغافلين في هذه الأيام الشريفة والليالي المباركة، ولم يبق من شهرنا إلا سبعة أيام، وهانحن إذا تأملنا واعتبرنا وجدنا أمرين لابد لنا من استحضار معانيهما، ومن تذكرهما:

أولهما: فضل الله سبحانه وتعالى بما جعل من فضل الزمان، وما أكرمنا به من شرف المكان، وما وعدنا عليه من مضاعفة الأعمال والأجور، وما جعله في هذا الموسم من محو الخطايا والآثام.

والثاني: هو عقل العاقلين، وفطنة المؤمنين، وتلهف العابدين، كي لا تضيع بقية الأيام، ولا تذهب سائر الليالي التي هي أشرف أيام وليالي شهر في العام، وأفضل عشر في الشهر وفيها ليلة القدر، حتى تكون القلوب موصولة معلقة بالله راغبة في ثوابه، مقبلة على طاعته كلما فتر عزمها أو ضعف جدها وسيرها جاءها من نداء الإيمان ومن فضل الرحمن ما يشد العزم، ويضاعف العمل.

ونحن في هذه الأيام المباركة والليالي الفاضلة حري بنا أن نعيد التذكر لفضل الله، ونعيد الحساب لتقصيرنا في طاعة الله، وننتبه إلى أن الأيام والليالي إذا انقضت لا تعود، وأن مواسم الخير يوشك إذا تقوضت خيامها أن يرجع الناس فائزين رابحين، أو خاسرين محرومين، وكل مؤمن وعاقل يختار لنفسه الأمثل.

وإذا كانت الأيام والليالي فيها من شأن الدنيا والآخرة، وراحة النفس، ولهو القلب مع جد العمل في الطاعة والذكر؛ فإن هذه الأيام والليالي لا تنبغي فيها الشركة، ولا يحسن فيها الاختلاط، بل لابد أن تكون ممحصة خالصة للطاعة والعبادة، وأن تكون ذات انقطاع عن الدنيا وتعلق بالآخرة، وهجر للغفلة وانغماس في الذكر، وقطع للخلائق واتصال بالخالق، وحياة للقلوب والأرواح، وهجر لحياة الجسوم والأشباح؛ فإننا في سائر أيامنا وليالينا يكاد يكون حظ الطاعة ونصيب العبادة قليلاً إلا من رحم الله.

حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر

لعلنا في أول وقفاتنا نرى الصورة المثلى والقدوة العظمى صلى الله عليه وسلم، أعظم الخلق عبادة لربه، وأشدهم خشية منه، وأكثرهم ذكراً له، وأعظمهم تعلقاً به، وأكثرهم وسعياً إلى رضوانه، فأي شيء كان حاله، وكانت عبادته صلى الله عليه وسلم؟ ليس في رمضان ولا في عشره الأواخر بل في سائر الأيام والليالي.

ومع ذلك فلنا أن نتصور ونتدبر في حاله الذي وصف به في هذه الأيام والليالي الفاضلة، لعلنا ونحن نقف هذه الوقفات -التي نكاد نحفظها- ندرك تماماً أنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويلقننا درساً عظيماً ينبغي ألا ننساه أبداً، وألا ننساه في هذه الأيام خصوصاً؛ فمن حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) ، وفي صحيح مسلم رواية أخرى تحتاج إلى مزيد تأمل: (كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره).

ونحن نعلم ما كان اجتهاده في غيره: كان يقوم حتى تتفطر قدماه، ولا يدع قيام الليل في سفر ولا حضر، ويذكر الله في كل أحواله، ويستغفر الله في يومه وليلته مائة مرة، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم عباد الله عبادة له.

فكيف نتصور أنه كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، أي اجتهاد فوق هذا الاجتهاد؟ وأي عبادة تزيد على هذه العبادة! إنها دروس عظيمة من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، إنه يقول لنا: لابد من الزيادة، لأجل فضيلة هذا الشهر، وإدراك ختامه في هذه الليالي العشر، والتعرض لموافاة وموافقة ليلة القدر، ونيل عظيم الأجر بما هو أعظم من ألف شهر، أنريد ذلك ونحن نائمون غافلون وفي الأسواق لاهون وسائرون؟!

أنريد ذلك ونحن ما نزال نتحدث بلغو القول وباطله؟!

أنريد ذلك ونحن ما يزال ليلنا مع القنوات والأحجيات والألغاز؟! أنريد ذلك ونحن لا نزيد عما مضى في شهرنا بل ننقص منه؟!

أنريد ذلك ونحن في كل طاعتنا وعبادتنا لا نبلغ عشر معشار ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم؟!

لعلي أترك لكم فرصة أن تتفكروا وتتدبروا كيف كان اجتهاده في هذه الأيام؟ وأي شيء يزيده على ما هو عليه من طاعة الله وعبادته؟

وهذا حديث الترمذي من رواية أم سلمة قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه) .

وفي رواية الطبراني من حديث علي رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة) .

وفي رواية أنس في وصف حاله في العشر: (إذا دخلت طوى فراشه، واعتزل النساء)، إنه إعلان أنها أيام غير الأيام، وليالي ليست كالليالي، وزمان يخرج عن زمان الدنيا إلى الآخرة، ووقت يستقطع من لهو الحياة وغفلتها إلى ذكر الآخرة والتعلق بها، ووقت لا تنبغي فيه الشركة ولا يحسن فيه الاختلاط بحال من الأحوال، فما بالنا نزيد من الاختلاط والتخليط حتى تقل العبادة، وتعظم الغفلة، ويندر الذكر، ويعظم اللهو، نسأل الله عز وجل السلامة.

أيها الإخوة! غنائم العابدين وخسائر الغافلين في هذه الأيام الشريفة والليالي المباركة، ولم يبق من شهرنا إلا سبعة أيام، وهانحن إذا تأملنا واعتبرنا وجدنا أمرين لابد لنا من استحضار معانيهما، ومن تذكرهما:

أولهما: فضل الله سبحانه وتعالى بما جعل من فضل الزمان، وما أكرمنا به من شرف المكان، وما وعدنا عليه من مضاعفة الأعمال والأجور، وما جعله في هذا الموسم من محو الخطايا والآثام.

والثاني: هو عقل العاقلين، وفطنة المؤمنين، وتلهف العابدين، كي لا تضيع بقية الأيام، ولا تذهب سائر الليالي التي هي أشرف أيام وليالي شهر في العام، وأفضل عشر في الشهر وفيها ليلة القدر، حتى تكون القلوب موصولة معلقة بالله راغبة في ثوابه، مقبلة على طاعته كلما فتر عزمها أو ضعف جدها وسيرها جاءها من نداء الإيمان ومن فضل الرحمن ما يشد العزم، ويضاعف العمل.

ونحن في هذه الأيام المباركة والليالي الفاضلة حري بنا أن نعيد التذكر لفضل الله، ونعيد الحساب لتقصيرنا في طاعة الله، وننتبه إلى أن الأيام والليالي إذا انقضت لا تعود، وأن مواسم الخير يوشك إذا تقوضت خيامها أن يرجع الناس فائزين رابحين، أو خاسرين محرومين، وكل مؤمن وعاقل يختار لنفسه الأمثل.

وإذا كانت الأيام والليالي فيها من شأن الدنيا والآخرة، وراحة النفس، ولهو القلب مع جد العمل في الطاعة والذكر؛ فإن هذه الأيام والليالي لا تنبغي فيها الشركة، ولا يحسن فيها الاختلاط، بل لابد أن تكون ممحصة خالصة للطاعة والعبادة، وأن تكون ذات انقطاع عن الدنيا وتعلق بالآخرة، وهجر للغفلة وانغماس في الذكر، وقطع للخلائق واتصال بالخالق، وحياة للقلوب والأرواح، وهجر لحياة الجسوم والأشباح؛ فإننا في سائر أيامنا وليالينا يكاد يكون حظ الطاعة ونصيب العبادة قليلاً إلا من رحم الله.

لعلنا في أول وقفاتنا نرى الصورة المثلى والقدوة العظمى صلى الله عليه وسلم، أعظم الخلق عبادة لربه، وأشدهم خشية منه، وأكثرهم ذكراً له، وأعظمهم تعلقاً به، وأكثرهم وسعياً إلى رضوانه، فأي شيء كان حاله، وكانت عبادته صلى الله عليه وسلم؟ ليس في رمضان ولا في عشره الأواخر بل في سائر الأيام والليالي.

ومع ذلك فلنا أن نتصور ونتدبر في حاله الذي وصف به في هذه الأيام والليالي الفاضلة، لعلنا ونحن نقف هذه الوقفات -التي نكاد نحفظها- ندرك تماماً أنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويلقننا درساً عظيماً ينبغي ألا ننساه أبداً، وألا ننساه في هذه الأيام خصوصاً؛ فمن حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) ، وفي صحيح مسلم رواية أخرى تحتاج إلى مزيد تأمل: (كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره).

ونحن نعلم ما كان اجتهاده في غيره: كان يقوم حتى تتفطر قدماه، ولا يدع قيام الليل في سفر ولا حضر، ويذكر الله في كل أحواله، ويستغفر الله في يومه وليلته مائة مرة، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم عباد الله عبادة له.

فكيف نتصور أنه كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، أي اجتهاد فوق هذا الاجتهاد؟ وأي عبادة تزيد على هذه العبادة! إنها دروس عظيمة من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، إنه يقول لنا: لابد من الزيادة، لأجل فضيلة هذا الشهر، وإدراك ختامه في هذه الليالي العشر، والتعرض لموافاة وموافقة ليلة القدر، ونيل عظيم الأجر بما هو أعظم من ألف شهر، أنريد ذلك ونحن نائمون غافلون وفي الأسواق لاهون وسائرون؟!

أنريد ذلك ونحن ما نزال نتحدث بلغو القول وباطله؟!

أنريد ذلك ونحن ما يزال ليلنا مع القنوات والأحجيات والألغاز؟! أنريد ذلك ونحن لا نزيد عما مضى في شهرنا بل ننقص منه؟!

أنريد ذلك ونحن في كل طاعتنا وعبادتنا لا نبلغ عشر معشار ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم؟!

لعلي أترك لكم فرصة أن تتفكروا وتتدبروا كيف كان اجتهاده في هذه الأيام؟ وأي شيء يزيده على ما هو عليه من طاعة الله وعبادته؟

وهذا حديث الترمذي من رواية أم سلمة قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه) .

وفي رواية الطبراني من حديث علي رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة) .

وفي رواية أنس في وصف حاله في العشر: (إذا دخلت طوى فراشه، واعتزل النساء)، إنه إعلان أنها أيام غير الأيام، وليالي ليست كالليالي، وزمان يخرج عن زمان الدنيا إلى الآخرة، ووقت يستقطع من لهو الحياة وغفلتها إلى ذكر الآخرة والتعلق بها، ووقت لا تنبغي فيه الشركة ولا يحسن فيه الاختلاط بحال من الأحوال، فما بالنا نزيد من الاختلاط والتخليط حتى تقل العبادة، وتعظم الغفلة، ويندر الذكر، ويعظم اللهو، نسأل الله عز وجل السلامة.