Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

صور متناقضة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله ذي الفضل والمن والإحسان، فضل ديننا على سائر الأديان، وحبب إلينا الطاعة والإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وندبنا إلى السماحة والإحسان، وحذرنا من الخصومة والعدوان، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً ملء الأرض وملء السماوات وملء ما شاء من شيء بعده.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، وهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وكثر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة.

وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

مفهوم العطلة والإجازة

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون! صور متناقضة جالت بخاطري من واقع الزمن الذي نحن فيه في وقت الصيف، ومن خلال ملامسة لواقع ومشكلات الناس واختلافاتهم، ولعلنا ونحن نشير إلى هذه الصور ونبين تناقضها، نهيج النفوس إلى الترفع عما لا يليق، ولا يرضي الله جل وعلا، ولا يشرف في الانتساب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي الوقت نفسه يشد ويجذب ويرغب ويحث على أن نأخذ الصور الإيجابية، ونتحلى بها؛ لنرقى في مدارج الكمال، ولنغير سيء الأقوال والأفعال والأحوال، ولست بمكثر، حتى يكون التركيز على ما يكون به النفع والفائدة:

الوقت بين العمل والكسل:

تناقض واختلاف بين من يحرصون على اغتنام الأوقات وملئها بالأعمال الصالحة المثمرة وبين من يضيعون هذه الأوقات فيما يعود عليهم بالضرر، أو فيما لا يجنون به النفع والفائدة، وكم هي المفارقات العجيبة التي نراها بدءاً من الكلمات والمصطلحات والمفاهيم والدلالات، وانتهاءً إلى الأعمال والممارسات! فماذا نسمي هذا الوقت؟! نسميه عطلة، والعطلة والعطالة والعطل في اللغة هو: ترك الشيء والتخلي عنه.

فامرأة عطل، أي: متخلية عن الزينة، والعطالة: ترك العمل وترك الجد، فكأننا بمثل هذه التسمية نوحي هذا الإيحاء.

والإجازة هي الانتهاء من الشيء والحصول على المراد، فكأن طلابنا قد انتهوا من أمر علمهم وتعلمهم ولم يعد لهم بذلك شأن، ونجد ذلك المفهوم يسري في دوائر المجتمع.

فالأسر في هذه الفترة لا تكلف أبناءها شيئاً، ولا تحثهم على أمر؛ لأنهم قد انتهوا من دراستهم، أو نجحوا في اختباراتهم، والإعلام كذلك يبث مثل ذلك، فهو يقول لنا في هذه الأوقات: اسهروا إلى آخر الليل، وتأتينا السهرات المطولة؛ لأنه ليس عندنا في الصباح عمل، بل نوم وكسل!

تضييع الوقت في حياة المسلمين

ضياع الأوقات له أثر سيئ في السلوك، وللأسف الشديد فإن حال الكثير اليوم سهر وعبث حتى انشقاق الفجر، ونوم وكسل حتى انتصاف النهار.

إنها صورة مقيتة تتكرر في كل وقت في مثل هذه الأيام، صور نراها في زحام السيارات، وامتلاء الأسواق، واستمرار الأفراح والأعراس إلى آخر الليل، صور نراها في كثير من الجوانب السلبية التي تقتل الوقت قتلاً، وتبدد الثروة تبديداً، وتبين أن في عقول كثير منا ونفوسهم زللاً أو خللاً في الفكر، وهبوطاً وضعفاً في الهمة، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نهدر هذه الثروة في أمة تحتاج إلى كل ثانية؛ لتعوض النقص، وتتدارك الخلل، وتحاول اللحاق بركب الأمم التي تقدمت.

نحن اليوم نأكل مما يزرعون، ونلبس مما يصنعون، ونحاول أن ندافع عن أنفسنا بما يعطونه لنا، فكيف نعوض هذا ونحن أمة تريد أن تنام ملء عيونها، وأن تأكل ملء بطونها، وأن تضحك ملء أشداقها، وأن تسترخي عقولها فلا تفكر في أمر يهمها، ولا في خطب جلل فيه مصيرها، ولا في قمة ترتقي إليها، ولا في مكانة تطمح إلى الوصول إليها.

تأملوا أنه إذا وقع حادث كانقطاع كهرباء أو تعطل قطارات أو نحو ذلك خرجت علينا الأخبار تخبرنا أن الخسائر تقدر بكذا وكذا مليون من الدولارات أو غيرها، فكيف حسبوها؟!

قالوا: هذا الوقت -نصف ساعة مثلاً- من محسوب أوقات العمال والمدراء والموظفين، ومن أوقات المصانع، وتوقف الإنتاج فيها، ثم يقولون لنا: إن هناك خسارة كبرى، أما نحن فلا نحسن هذه الحسابات!

إن أحدنا يقول: وماذا يحصل لو تأخرنا نصف ساعة أو ساعة؟ وماذا يحصل لو تأخرنا ونحن في وقت عطلة وإجازة؟ وكأننا نقول: إن هذه الثروة ليست لها عندنا قيمة، وليس لها وزن، وليس لها في حياتنا أثر، مع أن ديننا على عكس هذه المفاهيم في كل دلالة وإيحاء من آيات كتابنا وأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم.

أهمية الوقت في القرآن ومحاسبة الإنسان عليه

قال عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:61-62].

لم يأت الليل ويعقبه النهار ويتلو الليل نهاراً وتتوالى الأيام والأعوام عبثاً، بل لتُملأ بالذكر والشكر وعمران الحياة، وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، وكلنا يعلم ذلك الحث القرآني: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] .. وسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21] .. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148].

وكلنا يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أبلاه، وعن شبابه فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ما عمل فيه)، وكلنا يعلم قوله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، كل ذلك معلوم، ولكن أين أثره في واقع الحياة؟!

صور من حياة السلف والعلماء في استثمار الوقت

ولنأخذ الصور المقابلة، ولنأخذ الفهم الصائب، ولنأخذ الروح الإيمانية الجدية العملية القوية التي نقتبس بعض صورها من كلام أئمتنا وعلمائنا ومواقفهم ومآثرهم في مثل هذا الشأن:

قال عز وجل: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8]، وهذه آيات نقرؤها كثيراً.

قال ابن كثير : إذا فرغت من شأن الدنيا وأحوال العباد فانصب لعبادة ربك، فإذا فرغت فاعمل؛ فليس هناك فراغ، وليس هناك وقت لإضاعته أو قتله، أو البقاء ساعات طوالاً في لعب الورق، أو مشاهدة المسلسلات، أو قضاء الأوقات بالأحاديث اللاغية الباطلة.

وقوله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ [الشرح:7]، يدل على أنه يُوجد بعد الفراغ نصب وجد وتعب، فأين إذاً تلك الراحة؟! إن الراحة لا تكون إلا بعد الجد والعمل، وحديث (ساعة وساعة) فهمناه في كثير من صور حياتنا فهماً خاطئاً، وقصته في السيرة وعند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على غير ذلك الفهم؛ فقد جاء عنهم أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنا إذا كنا معك كأنا نرى الجنة والنار، فإذا انصرفنا إلى أهلنا وعافسنا الأزواج والأبناء أنكرنا نفوسنا) .

إنه شعور إيماني دقيق شفاف حساس، يجعلهم يرون الفرق بين ما هم عليه عند صحبة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم من إيمان قوي، وروح محلقة، وهمة عالية، ونفس أبية، وقوة فتية، وما قد ينحدرون إليه عندما ينشغلون بحياتهم وأهلهم وأزواجهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لو تدومون على حالكم التي تكونون فيها معي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة)، فتلك هي الساعتان، ليستا ساعة لهو وعبث ومعصية ومنكر، وساعة استغفار وقليل من صالح الأعمال هنا أو هناك.

ثم انظر إلى تأكيد هذه المعاني في كلام كثير انتخبت قليلاً منه بعد أن وجدت أن كلماته كأنما هي إيقاظ لكل واحد منا، لننظر كيف فهم وكيف ترجم علماؤنا هذه المعاني القرآنية؟

يقول القرطبي ناقلاً عن مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك.

وعن الجنيد : إذا فرغت من أمر الخلق فاجتهد في عبادة الحق.

و الشنقيطي رحمه الله من العلماء المتأخرين في عصرنا يقول: الآية حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم؛ حيث لم تترك للمسلم فراغاً في وقته؛ لأنه إما في عمل للدنيا، وإما في عمل للآخرة.

وقد روي عن ابن عباس : أنه مر على رجلين يتصارعان فقال: (ما بهذا أمرنا بعد فراغنا).

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إني لأكره لأحدكم أن يكون خالياً سبهللاً، ليس في عمل دنيا ولا دين).

ومضات من أفعال السلف وحرصهم على الوقت

ولو أردنا أن ننقل من الأقوال لرأينا كثيراً وسمعنا كثيراً من هذه المعاني المشرقة التي تبين الفهم الصحيح لقيمة هذه الحياة، ولكني أنتقل من الأقوال إلى الأفعال من الصور الأخرى:

ذكر الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله: أنه كان يقسم ليله ثلاثة أقسام: قسم يكتب فيه، وقسم يصلي فيه، وقسم ينام فيه.

قال الذهبي رحمه الله معلقاً على ذلك: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

أي: حتى نومه صار عبادة؛ لأنه يأتي في سياق راحة تستأنف بها الأعمال، وتتجدد بها الهمة، ويتقد النشاط.

ويقول أبو الوليد الباجي من علماء المالكية: إذا كنت أعلم علماً يقيناً أن جميع ساعات حياتي كساعة، فلمَ لا أكون ضنيناً بها، وأجعلها في صلاح وطاعة؟!

والعمر كساعة؛ تنقضي منها الثواني، وتتولى بعد ذلك الدقائق، ثم الأرباع والأنصاف، ثم تنتهي.

ففي قوله: (إذا كنت أعلم يقيناً أن حياتي كلها كساعة، فلمَ لا أجعلها في عمل وطاعة؟) فقه الحياة، وفقه الوقت، وفقه الدقائق والثواني.

دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ

وبعضهم لو قلنا له: هذه ثانية، لقال: وما هذه الثانية؟ ولو قلنا: دقيقة، لقال: لا تدقق، ولو قلنا: ساعة، لقال: أمرها سهل، وإن كان يوماً فلا بأس، وإن كان أسبوعاً فكذا وكذا.

إذاً: فما قيمة العمر كله؟ وما قيمة هذا الوقت؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ الستين) ، رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

وتأمل معي كذلك حال ابن عقيل الحنبلي ، وهو من العلماء الأفذاذ الذين ضربوا مثلاً عظيماً في اغتنام الأوقات، يقول: قد عصمني الله في شبابي بنوع من العصمة، وقصر همتي على العلم، وما خالطت في شبابي لعاباً قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم، وهأنا في عشر الثمانين - أي: في الثمانين من العمر- أجد من الحرص على العلم أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين!

فهو يقول: ما خالطت لعاباً قط، ونحن اليوم نأتي باللعابين ليضيعوا لنا الأوقات، ونجد أن كثيراً مما يكون في هذه العطل أو الإجازات مخصص لتبديد الأوقات وتضييعها، مع أن الآمال قبلها تقول وخاصة عند الطلاب: إذا جاء الصيف سأفعل وأفعل، وإذا جاء الصيف سأحفظ وأحفظ، وإذا جاء الصيف سأقرأ وأقرأ، ثم نراه لاهياً عابثاً نائماً كسولاً إلى غير ذلك مما نراه.

وهكذا نرى مواقف عظيمة وكلمات جليلة: هذا أبو بكر محمد بن عبد الباقي من سلالة كعب بن مالك رضي الله عنه يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وما من علم إلا وقد نظرت فيه إلا النحو؛ فإن حظي فيه قليل، قال: وما علمت أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب!

وهذه الصور الكثيرة أختمها بصورة للإمام ابن كثير رحمه الله مع الإمام أبي الحجاج المزي ، وكان شيخه في الحديث، ثم تزوج ابن كثير ابنته، فـابن كثير يحدث عن هذا الإمام العظيم فيقول: وقذتني كلمة سمعتها من أبي الحجاج - الوقذ هو: الحصاة تصيبك، أي: آلمتني وأيقظتني- قيل: ما هي؟ قال: سمعته يقول على أعواد المنبر: إن امرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له حري أن تطول عليها حسرته يوم القيامة!

فكانت هذه الكلمة ترن في أذن ابن كثير وتجيش في نفسه، وكأنها سياط تضربه وتوقظه، وكلما فتر تذكر، وكلما كسل نشط، وحسبنا في هذا المقام مثل هذه التذكرة؛ فلا سهر ولا عبث، ولا نوم ولا كسل، ولا فوضى ولا أذى.

نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى هذه الخلال، وأن يحلينا بهذه الخصال، وأن يجعلنا مغتنمين للأوقات، وغير مضيعين للثواني والدقائق والساعات.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون! صور متناقضة جالت بخاطري من واقع الزمن الذي نحن فيه في وقت الصيف، ومن خلال ملامسة لواقع ومشكلات الناس واختلافاتهم، ولعلنا ونحن نشير إلى هذه الصور ونبين تناقضها، نهيج النفوس إلى الترفع عما لا يليق، ولا يرضي الله جل وعلا، ولا يشرف في الانتساب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي الوقت نفسه يشد ويجذب ويرغب ويحث على أن نأخذ الصور الإيجابية، ونتحلى بها؛ لنرقى في مدارج الكمال، ولنغير سيء الأقوال والأفعال والأحوال، ولست بمكثر، حتى يكون التركيز على ما يكون به النفع والفائدة:

الوقت بين العمل والكسل:

تناقض واختلاف بين من يحرصون على اغتنام الأوقات وملئها بالأعمال الصالحة المثمرة وبين من يضيعون هذه الأوقات فيما يعود عليهم بالضرر، أو فيما لا يجنون به النفع والفائدة، وكم هي المفارقات العجيبة التي نراها بدءاً من الكلمات والمصطلحات والمفاهيم والدلالات، وانتهاءً إلى الأعمال والممارسات! فماذا نسمي هذا الوقت؟! نسميه عطلة، والعطلة والعطالة والعطل في اللغة هو: ترك الشيء والتخلي عنه.

فامرأة عطل، أي: متخلية عن الزينة، والعطالة: ترك العمل وترك الجد، فكأننا بمثل هذه التسمية نوحي هذا الإيحاء.

والإجازة هي الانتهاء من الشيء والحصول على المراد، فكأن طلابنا قد انتهوا من أمر علمهم وتعلمهم ولم يعد لهم بذلك شأن، ونجد ذلك المفهوم يسري في دوائر المجتمع.

فالأسر في هذه الفترة لا تكلف أبناءها شيئاً، ولا تحثهم على أمر؛ لأنهم قد انتهوا من دراستهم، أو نجحوا في اختباراتهم، والإعلام كذلك يبث مثل ذلك، فهو يقول لنا في هذه الأوقات: اسهروا إلى آخر الليل، وتأتينا السهرات المطولة؛ لأنه ليس عندنا في الصباح عمل، بل نوم وكسل!

ضياع الأوقات له أثر سيئ في السلوك، وللأسف الشديد فإن حال الكثير اليوم سهر وعبث حتى انشقاق الفجر، ونوم وكسل حتى انتصاف النهار.

إنها صورة مقيتة تتكرر في كل وقت في مثل هذه الأيام، صور نراها في زحام السيارات، وامتلاء الأسواق، واستمرار الأفراح والأعراس إلى آخر الليل، صور نراها في كثير من الجوانب السلبية التي تقتل الوقت قتلاً، وتبدد الثروة تبديداً، وتبين أن في عقول كثير منا ونفوسهم زللاً أو خللاً في الفكر، وهبوطاً وضعفاً في الهمة، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نهدر هذه الثروة في أمة تحتاج إلى كل ثانية؛ لتعوض النقص، وتتدارك الخلل، وتحاول اللحاق بركب الأمم التي تقدمت.

نحن اليوم نأكل مما يزرعون، ونلبس مما يصنعون، ونحاول أن ندافع عن أنفسنا بما يعطونه لنا، فكيف نعوض هذا ونحن أمة تريد أن تنام ملء عيونها، وأن تأكل ملء بطونها، وأن تضحك ملء أشداقها، وأن تسترخي عقولها فلا تفكر في أمر يهمها، ولا في خطب جلل فيه مصيرها، ولا في قمة ترتقي إليها، ولا في مكانة تطمح إلى الوصول إليها.

تأملوا أنه إذا وقع حادث كانقطاع كهرباء أو تعطل قطارات أو نحو ذلك خرجت علينا الأخبار تخبرنا أن الخسائر تقدر بكذا وكذا مليون من الدولارات أو غيرها، فكيف حسبوها؟!

قالوا: هذا الوقت -نصف ساعة مثلاً- من محسوب أوقات العمال والمدراء والموظفين، ومن أوقات المصانع، وتوقف الإنتاج فيها، ثم يقولون لنا: إن هناك خسارة كبرى، أما نحن فلا نحسن هذه الحسابات!

إن أحدنا يقول: وماذا يحصل لو تأخرنا نصف ساعة أو ساعة؟ وماذا يحصل لو تأخرنا ونحن في وقت عطلة وإجازة؟ وكأننا نقول: إن هذه الثروة ليست لها عندنا قيمة، وليس لها وزن، وليس لها في حياتنا أثر، مع أن ديننا على عكس هذه المفاهيم في كل دلالة وإيحاء من آيات كتابنا وأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم.