الأحاديث المعلة في باب الصيام [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على ما تيسر من الأحاديث المعلة في أبواب الصيام فنقول:

الحديث الأول: هو ما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يفطر من قاء أو احتجم أو احتلم ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود في كتابه السنن وغيرهم من حديث سفيان الثوري عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أصحابه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

وهذا الحديث وقع فيه اختلاف واضطراب شديد من وجوه متعددة: أولها من جهة الوقف والرفع، فرواه عن سفيان الثوري جماعة، كـعبد الرحمن بن مهدي ، و أبي عاصم النبيل ، و محمد بن يوسف ، كلهم يروونه عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم به ويجعلونه مرفوعاً، ورواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن سفيان الثوري وجعله موقوفاً على الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عبد الرزاق من وجهين: فرواه عن سفيان الثوري و معمر بن راشد الأزدي ، فجعل معمراً متابعاً لـسفيان، ولكن معمراً رفع الحديث وجعل سفيان يقف الحديث على الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

والوجه الآخر من جهة الاضطراب في الإسناد: أن هذا الحديث روي على عدة أوجه من جهة الرفع والإرسال والإسناد، فتارة يجعل من مسند أبي سعيد الخدري ، وتارة يجعل من مسند عبد الله بن عباس ، وتارة يجعل من مسند رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يجعل مرسلاً من حديث عطاء .

أما الوجه الأول: وهو ما يجعل مسنداً من حديث أبي سعيد الخدري ، فرواه عبد الرحمن بن مهدي ، و محمد بن يوسف ، وأبو عاصم النبيل ، و سفيان الثوري .

الثاني: يجعلونه من مسند رجل لا من مسند أبي سعيد رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرويه عبد الرحمن بن مهدي و أبو عاصم النبيل ، و محمد بن يوسف ، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني كلهم يروونه عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف عندهم في الرفع والوقف على ما تقدم الكلام، وتابع سفيان في روايته معمر على هذا الوجه، وجاء من وجه آخر وهو الوجه الثاني من مسند أبي سعيد الخدري هذا جاء من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي و ابن خزيمة و البيهقي وغيرهم، وهذا الوجه منكر، وذلك لأن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وقد توبع عليه، ولكن قد وقع في هذه المتابعة اضطراب، وقد أنكر الحفاظ الإسناد إلى أبي سعيد الخدري فأنكره أبو حاتم و أبو زرعة ، و ابن خزيمة ، و الترمذي في كتابه السنن، و ابن عدي في كتابه الكامل، و أبو نعيم في كتابه الحلية، وغيرهم من الأئمة، وذلك من وجوه: أن راوي هذا الحديث هو سفيان الثوري و سفيان الثوري إمام في الحفظ، ولو كان هذا الحديث يثبت لديه عن أحد من الصحابة باسمه ما قال: رجلاً، ولهذا نقول: إن هذا الوجه خطأ ووهم، ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاق، بل لا يثبت أيضاً كونه عن أبي سعيد .

الوجه الثالث: جاء من مسند عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، فقد رواه هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عروة ، وجعله من مسند عبد الله بن عباس ، وقد وقع فيه اختلاف في هذا الوجه في رواية هشام بن سعد ، فإنه رواه عنه أبو خالد الأحمر واضطرب في روايته عنه، وهذا الوجه وهم وغلط أيضاً.

الوجه الرابع: أنه جعل من مرسل عطاء ، فجاء من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أبا سعيد ولا ابن عباس ، ولا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل وأمارة على الاضطراب، ومثل هذا المتن يحتاج إليه، ولما لم يضبط مع كونه عن سفيان الثوري دل على عدم ثبوته إلا من هذه الأوجه عنده، وهذه الوجوه مضطربة من جهة الإسناد، ومن جهة المتن، فإن المتن يحتاج إليه فإنه قال: ( لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم)، ومثل هذه المعاني لو جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لضبطت من وجوه متعددة.

الحديث الثاني: هو حديث ثوبان عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث لا تفطر الصائم: القيء، والحجامة، والاحتلام ).

هذا الحديث هو حديث ثوبان أخرجه الطبراني في كتابه الأوسط من حديث يزيد بن موهب ، عن عبد الله بن وهب ، عن يزيد بن عياض ، عن أبي عدي ، عن القاسم بن أبي عبد الرحمن ، عن ثوبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث منكر ومعلول بعدة علل: أول هذه العلل: هو تفرد يزيد بن موهب به، فإن يزيد بن موهب متأخر، وتفرده عن مشهور كحال عبد الله بن وهب ومع ثقة يزيد ، إلا أنه ليس من المكثرين من الأخذ بالرواية، وأيضاً ليس من أهل الاختصاص بالرواية عن عبد الله بن وهب ، اختصاصاً يميزه عن غيره إذا انفرد بحديث فإنه يقدم، ثم إن طبقته متأخرة، وهذه علة أخرى، ومثل هذا المعنى ينبغي ألا يتفرد به من حاله كحال يزيد بن موهب ، وكذلك من طبقته كطبقته، فإنه متأخر جداً بمثل هذا المعنى، وأمثال المفاريد التي تفرد بها الرواة في طبقات متأخرة لا تحمل إذا كانت تتضمن معاني جليلة وهامة، وفيصلاً في مسائل الفقه، ومسائل الأحكام كأمثال هذا الحديث، ولما كان ذلك لا يحتمل دل على نكارة أمثال هذه الروايات، وما يقبل هو ما يتغافل عنه الرواة الحفاظ الثقات من فضائل الأعمال وأمثالها، التي إذا مر جيل دل على احتمال تفرد من كان متأخراً لانشغالهم بالحفظ وضبط روايات الأحكام.

ولهذا نقول: إن طالب العلم في أبواب التفرد لا بد أن ينظر إلى جهتين: الجهة الأولى: ثقل المتن، يعني من جهة قيمته وقوته، والجهة الثانية: من جهة الراوي المتفرد، والراوي المتفرد له جهات متعددة، من جهة زمنه، وكذلك اختصاصه، وشيخه، وبلده، وعنايته بعلم من العلوم ونحو ذلك، وحفظه وضبطه، وغير ذلك من الخصائص التي ينبغي أن ينظر فيها في أمر الراوي، وإذا نظرنا إلى كثير من الأحكام التي يتفرد فيها بعض المتأخرين نجد أن سبب الإعلال عند العلماء هو تأخر طبقة الراوي، وذلك أن طالب العلم إذا أراد أن يحسب المدد بين هذا الراوي المتأخر وبين تلفظ النبي عليه الصلاة والسلام بالقول يجد أنه كلما بعدت زال احتمال الغرابة والتفرد، فإذا كان بينه وبين تلفظ النبي صلى الله عليه وسلم قرن أو مائة وخمسون سنة، أو نحو ذلك، فإنه كلما تأخر زاد احتمال الرد، وكلما كان مبكراً زاد احتمال القبول، وهذا يتباين مع اجتماع جملة من القرائن في ذلك.

ثم إنه مع تفرد يزيد في هذا، فإن ثمة علة أخرى، وهي: أن هذا الحديث يرويه عبد الله بن وهب عن يزيد بن عياض ، وهذا الحديث يكفي رده بتفرد يزيد أيضاً، فـيزيد متروك الحديث ولا يحتج به، قد ضعفه يحيى بن معين ، فقال: ليس هو بشيء، ضعيف الحديث، وتركه غير واحد، بل اتهم بالكذب، وفي هذا الحديث أيضاً من لا يعرف، ولهذا نقول: إن هذا الحديث معلول بعدة علل.

كذلك فإن تفرد الطبراني رحمه الله بإخراجه لمثل هذا الحديث من مظان الغرابة والإعلال، و الطبراني في كتبه يورد الغرائب، ولهذا نقول: إن من وجوه الإعلال ومظانها انفراد الطبراني عن غيره، وليس إخراج الطبراني ، فقد يخرج الطبراني حديثاً ويوافقه عليه غيره ممن تقدم، ولكن إذا انفرد الطبراني غالباً عن الكتب الستة فإن ذلك من قرائن الإعلال، وإذا تفرد عن الصحيح أيضاً فهي قرينة لكنها دون السابقة، وفي هذا نقول: إن تفرد الطبراني بإخراجه لهذا الحديث عن ثوبان وعدم معرفته في المصنفات المتقدمة من هذا الوجه دليل وأمارة على ضعفه، وقد أخرجه من وجه آخر وهو أيضاً مطروح من حديث عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث، وهذا الوجه لا يصح، ولهذا نقول: إن حديث ثوبان مردود.

الحديث الثالث في هذا: هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة ).

هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث معلول بتفرد مهدي عن عكرمة ، و عكرمة من المشهورين بالرواية، وله أصحاب كثر يعتنون بحديثه، وتفرد مهدي بهذا الحديث بهذا الوجه عن عكرمة من وجوه الإعلال، الأمر الثاني: أن مهدياً في ذاته مجهول، وقد جهله غير واحد من الأئمة، ولهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه.

الحديث الرابع في هذا: هو حديث عبد الله بن بسر ، عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحا عنبة فليمضغه ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، جاء من حديث ثور عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر ، عن أخته الصماء ، عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.

علة حديث النهي عن صوم يوم السبت

هذا الحديث تكلم فيه الأئمة، وهو حديث حمصي، وأعل بهذا الوجه؛ لأنه ليس من أحاديث الحجاز، وأعله بذلك الزهري وهو إمام أهل المدينة والرواية، وقول الزهري رحمه الله: هذا حديث حمصي، هذا إعلال، وجه الإعلال بكون هذا الحديث حمصياً لأن الوحي نزل على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة، فينبغي أن يرجع الحديث إلى المدينة، وهذا من وجوه الإنكار، وهذا في تلك الطبقة، فكيف إذا تسلسل الإسناد وشرق وغرب إلى طبقة متأخرة كما تقدم معنا في حديث القيء في تفرد عيسى بن يونس ، فهو متأخر كوفي يرويه عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، وهم عراقيون، فهو حديث عراقي، في الطبقة الأولى، وفي طبقة التابعين، وأتباعهم، ومن جاء بعدهم أيضاً في مثل هذا المعنى في القيء، ثم لا يأتي في المدينة ولا في مكة، فهذا من أمارة الإنكار، ولهذا حينما يقول ابن شهاب : هذا حديث حمصي، هذا أمارة على النكارة والرد والإعلال، ونحن نشير كثيراً إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني ببلدان الراوي كما يعتني بذواتهم من جهة الثقة والضبط؛ لأن بلد الراوي لها أثر من جهة الإعلال في وجوه متنوعة، منها التفرد فكلما تأخرت الطبقة ولم يخرج من هذا البلد كان من مظنة الإعلال؛ لأنهم يكتمون أمثال هذه الأحاديث، وغالباً الراوي إذا كان لديه حديث فيه ظنة وجاءه غريب فإنه لا يحدث به، لأن لديه ظنة في هذا الحديث وشك، حتى لا يسقط من عين القادم، ويدور الحديث في هذا البلد ولا يخرج منها، وربما يبقى مائة سنة وهو لدى اثنين أو ثلاثة، فإذا دون وجاءنا بعد ذلك ظننا أنه مشتهر، وبقاؤه مائة سنة في بلد ولم يخرج منها أمارة على نكارته، لهذا هذا الحديث مع أهميته وجلالة قدره لو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب أن ينقل مثل هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، وقد أعله سائر الأئمة، وهو معلول بعدة علل: أول هذه العلل: غرابة الإسناد، وكونه حمصياً، ولا يرجع إلى المدينة.

الأمر الثاني: أن هذا الحديث قد وقع في إسناده اضطراب، فتارة يجعل من حديث عبد الله بن بسر عن أخته الصماء ، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن عمته، وتارة عن خالته، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن أبيه، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة، وهذا اضطراب، وعدم حفظ الإسناد أمارة على عدم حفظ المتن وضبطه، وإذا وجدنا أن الحديث من جهة الإسناد اختل وجهه وتعدد، والراوي في هذا الإسناد لا يحتمل منه مثل هذه المغايرة، فنقول: إن هذا الإسناد مضطرب، بخلاف الحافظ الكبير الذي يعدد الوجوه فإن هذا يحتمل منه ذلك.

العلة الثالثة في هذا: أن هذا المتن متن منكر، وذلك لمخالفته سائر الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أقوى منه، وهذا الحديث أكثر وقوعاً وتلبساً لحكمه من الناس.

وهناك أحاديث تعل هذا الحديث منها: ( حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على صفية رضي الله عنها، وجلس إليها يوم الجمعة، وقال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري ).

وحديث صيام داود، صيام يوم وإفطار يوم.

وحديث صيام الست من شوال، وعرفة، فليس فيها استثناءات، وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

وصيام عاشوراء، وصيام يوم قبله. وسبب إعلالنا لهذا الحديث: أن هذا الحديث ما جاء بمثل هذه الأحاديث في القوة، وما تعم به البلوى من الأحكام وجاءت أحاديث أخرى هي أقوى منه إسناداً وأقل من جهة عموم البلوى فإن هذا من أمارات الإنكار، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله يقول: هذا الحديث يخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث الثابتة هي التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر منها، من ذلك صيام النبي عليه الصلاة والسلام في شعبان، حتى قيل: إنه يصومه كله، فهذا سنة، وكذلك إكثار النبي عليه الصلاة والسلام من صيام المحرم، وصيام رجب، ( حتى نقول: لا يفطر ) كما جاء في حديث عبد الله بن عباس وغير ذلك من الأحاديث، فهذه الأحاديث تعل حديث يوم السبت، وتدل على أن هذا الحديث منكر.

ولهذا نقول: إن مثل هذا المعنى ينبغي أن يثبت أقوى ثبوتاً من النهي عن صيام يوم العيد؛ لأن السبت كل أسبوع، والعيد في السنة مرتان، فالحاجة ماسة إلى السبت أكثر من العيد، ولهذا نقول: إنه ينبغي أن يثبت الإسناد بما هو أقوى من ذلك، وقد يكون الإسناد ظاهره الصحة، لكن مقتضى الشريعة والنصوص أن مثل هذا الحديث لا يمكن أن يقبل، حتى لو كان ظاهره الصحة؛ لأن مقتضى إحكام الشريعة يخالفه، فلا بد أن يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام بمثلها أو أقوى منها، خاصة في المنهيات الحولية، ونحو ذلك. كذلك لو نظر الإنسان إلى المنهيات التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام والتي تحدث للإنسان في النادر، يجد ثبوت النصوص فيها، سواءً في مسائل الألبسة، سواء في حال الإنسان في سفره، أو حاله مع الآخرين، أو النهي عن بعض الألفاظ ونحو ذلك، التي يندر وقوعها من الإنسان، يجد أن النصوص في ذلك ظاهرة، وتلبس الناس فيها أقل، لهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، ولكن الإشكال الذي يستشكله البعض هو ظهور صحة الإسناد، فإن الإسناد هذا يرويه ثور ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر ، عن أخته الصماء ، وهذا إسناد ظاهره الصحة، ولكن ما زال الأئمة رحمهم الله ينكرونه، ولهذا يقول الأوزاعي رحمه الله: ما زلت أكتمه حتى انتشر، يعني: هذا الحديث وشاع، وذلك يستفاد منه أمور: منها: أن هذا الحديث لم يكن معروفاً أول زمن الأوزاعي رحمه الله، و الأوزاعي من أهل الاستيعاب في الرواية والإكثار والتتبع، فيعلم أن هذا الحديث لم يكن مشتهراً، وإنما اشتهر في آخر زمنه، فلما اشتهر أخذ يحدث به ولا يعمل به رحمه الله، ولهذا نقول: إن مثل هذا الكلام من الأوزاعي هو إعلال، ويقول مالك رحمه الله: هذا حديث كذب، ومراده بذلك خطأ، أي: مختلق، إما أن يكون عن طريق العمد، وبعض الأئمة استدرك على الإمام مالك مثل هذه الكلمة وقال: إن هذا الحديث ليس بكذب باعتبار أن فيه اتهاماً للرواة ونحو ذلك، وليس فيه كذاب، ولكن نقول: إن أهل الحجاز والمتقدمين لا يريدون بكلمة الكذب تعمد الكذب، وإنما يريدون بذلك الخطأ، وهذا معلوم عند العرب حتى في أشعارهم، ولهذا يقول الشاعر:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا

وكذلك قول أبي طالب في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كذبتم وبيت الله لا تأخذونه ما دام فيه للسيف قائم

وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان ربما يقول شيئاً ولا يستطيع العمل به وهو صادق فيه، كذلك قوله: العين لا تكذب الإنسان لكن تغره أي: أنها رأت خيالاً، وقولهم: كذبتك عينك، يعني: أن الإنسان ربما يخدع ويتوهم من غير عمد، وهذا هو مراد الإمام مالك رحمه الله، وقد رد عليه غير واحد من الأئمة وقال: إن هذا الحديث ليس بكذب، وفيه شدة على هذا الحديث، ولكن نقول: إن هذا الحديث فيما يظهر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ به بمثل هذا العموم، وسائر الأئمة وعامتهم على رده، وقد قال فيه النسائي رحمه الله: إن هذا الحديث حديث مضطرب، وأعله الإمام أحمد و الأثرم وجماعة من الحفاظ، ومن الأئمة من مال إلى تصحيحه كـالترمذي و ابن خزيمة و ابن حبان ، فإنهم قالوا: إن النهي هنا جاء بإفراد يوم السبت، ونقول: حتى لو كان لإفراد يوم السبت ينبغي أن يكون بأقوى من هذا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يجد إلا لحاء عنبة فليمضغه )، وهذا فيه تشديد في مسألة صيام يوم السبت، لهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ذلك -وهذه علة أخرى- أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم يعملوا به مع عموم البلوى به، لهذا لا تجد فتيا للصحابة عليهم رضوان الله تعالى بالمنع من ذلك، وأبصر الناس بعمل الصحابة وخاصة أهل المدينة الإمام مالك رحمه الله، ولهذا قال: إنه كذب، يعني: أنه لا يعرف من جهة الرواية ولا يعرف من جهة العمل، وكثيراً ما نجد أقوال الإمام مالك رحمه الله العامة ما يعل الأحاديث لو تأملنا به، خاصة ما يتعلق بما ينبغي أن يشتهر وتعم به البلوى، ومما ينبغي الإشارة إليه من قرائن الإعلال أن مثل هذا الحديث في رواية عبد الله بن بسر واختلاله في ذلك عن أخته، أو عن أمه، أو عن عمته، أو عن أبيه، أو هو يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل هذا الحكم بجلالة قدره يدعو إلى ضبط الإنسان لراويه، فالروايات التي تأتي على الإنسان من غير ثقة بمتونها هي التي ينساها الإنسان، بخلاف الأخبار العظيمة فإنها لا تنسى، وهذا المتن متن عظيم، ويتضمن حكماً، ولما جاء بهذا الاضطراب دل على أن هذا لا يحتمل، ويمكن أن يحتمل إلى ما دونه لشيء من الفضائل، لكن اضطراب في مثل ذلك هذا من الأمور الشاقة، ولهذا نقول: إن الحديث قد توفرت فيه مجموعة من العلل التي لا يثبت الحديث بمثلها.

الأخذ بالحديث الضعيف في أبواب النهي

أما هل نأخذ به؟ فذكرنا مراراً في مجالس أن الحديث إذا كان ضعيفاً ولكن في أبواب النهي فإنه يؤخذ به على سبيل الاحتياط إذا كان مثله مما يحتمل أو يقارب القبول، لا في الأحاديث المنكرة الواهية، والإمام أحمد رحمه الله يأخذ بالحديث الضعيف في أبواب الاحتياط في النهي، ككراهة التنزيه ونحو ذلك، الذي لا تتضمن فعلاً وإنما تتضمن تروكاً؛ لأن النهي يتضمن تركاً لا يتضمن مبادرة وفعلاً؛ لأن التعبد يظهر في الفعل، ولهذا يأخذ في أمور الكراهة؛ لأنها في أبواب الاحتياط، ولكن نقول هذا في مسائل الأحاديث محتملة القبول بخلاف مثل هذا الحديث الذي يعد مطروحاً.

هذا الحديث تكلم فيه الأئمة، وهو حديث حمصي، وأعل بهذا الوجه؛ لأنه ليس من أحاديث الحجاز، وأعله بذلك الزهري وهو إمام أهل المدينة والرواية، وقول الزهري رحمه الله: هذا حديث حمصي، هذا إعلال، وجه الإعلال بكون هذا الحديث حمصياً لأن الوحي نزل على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة، فينبغي أن يرجع الحديث إلى المدينة، وهذا من وجوه الإنكار، وهذا في تلك الطبقة، فكيف إذا تسلسل الإسناد وشرق وغرب إلى طبقة متأخرة كما تقدم معنا في حديث القيء في تفرد عيسى بن يونس ، فهو متأخر كوفي يرويه عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، وهم عراقيون، فهو حديث عراقي، في الطبقة الأولى، وفي طبقة التابعين، وأتباعهم، ومن جاء بعدهم أيضاً في مثل هذا المعنى في القيء، ثم لا يأتي في المدينة ولا في مكة، فهذا من أمارة الإنكار، ولهذا حينما يقول ابن شهاب : هذا حديث حمصي، هذا أمارة على النكارة والرد والإعلال، ونحن نشير كثيراً إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني ببلدان الراوي كما يعتني بذواتهم من جهة الثقة والضبط؛ لأن بلد الراوي لها أثر من جهة الإعلال في وجوه متنوعة، منها التفرد فكلما تأخرت الطبقة ولم يخرج من هذا البلد كان من مظنة الإعلال؛ لأنهم يكتمون أمثال هذه الأحاديث، وغالباً الراوي إذا كان لديه حديث فيه ظنة وجاءه غريب فإنه لا يحدث به، لأن لديه ظنة في هذا الحديث وشك، حتى لا يسقط من عين القادم، ويدور الحديث في هذا البلد ولا يخرج منها، وربما يبقى مائة سنة وهو لدى اثنين أو ثلاثة، فإذا دون وجاءنا بعد ذلك ظننا أنه مشتهر، وبقاؤه مائة سنة في بلد ولم يخرج منها أمارة على نكارته، لهذا هذا الحديث مع أهميته وجلالة قدره لو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب أن ينقل مثل هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، وقد أعله سائر الأئمة، وهو معلول بعدة علل: أول هذه العلل: غرابة الإسناد، وكونه حمصياً، ولا يرجع إلى المدينة.

الأمر الثاني: أن هذا الحديث قد وقع في إسناده اضطراب، فتارة يجعل من حديث عبد الله بن بسر عن أخته الصماء ، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن عمته، وتارة عن خالته، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن أبيه، وتارة من حديث عبد الله بن بسر عن النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة، وهذا اضطراب، وعدم حفظ الإسناد أمارة على عدم حفظ المتن وضبطه، وإذا وجدنا أن الحديث من جهة الإسناد اختل وجهه وتعدد، والراوي في هذا الإسناد لا يحتمل منه مثل هذه المغايرة، فنقول: إن هذا الإسناد مضطرب، بخلاف الحافظ الكبير الذي يعدد الوجوه فإن هذا يحتمل منه ذلك.

العلة الثالثة في هذا: أن هذا المتن متن منكر، وذلك لمخالفته سائر الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أقوى منه، وهذا الحديث أكثر وقوعاً وتلبساً لحكمه من الناس.

وهناك أحاديث تعل هذا الحديث منها: ( حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على صفية رضي الله عنها، وجلس إليها يوم الجمعة، وقال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري ).

وحديث صيام داود، صيام يوم وإفطار يوم.

وحديث صيام الست من شوال، وعرفة، فليس فيها استثناءات، وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

وصيام عاشوراء، وصيام يوم قبله. وسبب إعلالنا لهذا الحديث: أن هذا الحديث ما جاء بمثل هذه الأحاديث في القوة، وما تعم به البلوى من الأحكام وجاءت أحاديث أخرى هي أقوى منه إسناداً وأقل من جهة عموم البلوى فإن هذا من أمارات الإنكار، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله يقول: هذا الحديث يخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث الثابتة هي التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر منها، من ذلك صيام النبي عليه الصلاة والسلام في شعبان، حتى قيل: إنه يصومه كله، فهذا سنة، وكذلك إكثار النبي عليه الصلاة والسلام من صيام المحرم، وصيام رجب، ( حتى نقول: لا يفطر ) كما جاء في حديث عبد الله بن عباس وغير ذلك من الأحاديث، فهذه الأحاديث تعل حديث يوم السبت، وتدل على أن هذا الحديث منكر.

ولهذا نقول: إن مثل هذا المعنى ينبغي أن يثبت أقوى ثبوتاً من النهي عن صيام يوم العيد؛ لأن السبت كل أسبوع، والعيد في السنة مرتان، فالحاجة ماسة إلى السبت أكثر من العيد، ولهذا نقول: إنه ينبغي أن يثبت الإسناد بما هو أقوى من ذلك، وقد يكون الإسناد ظاهره الصحة، لكن مقتضى الشريعة والنصوص أن مثل هذا الحديث لا يمكن أن يقبل، حتى لو كان ظاهره الصحة؛ لأن مقتضى إحكام الشريعة يخالفه، فلا بد أن يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام بمثلها أو أقوى منها، خاصة في المنهيات الحولية، ونحو ذلك. كذلك لو نظر الإنسان إلى المنهيات التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام والتي تحدث للإنسان في النادر، يجد ثبوت النصوص فيها، سواءً في مسائل الألبسة، سواء في حال الإنسان في سفره، أو حاله مع الآخرين، أو النهي عن بعض الألفاظ ونحو ذلك، التي يندر وقوعها من الإنسان، يجد أن النصوص في ذلك ظاهرة، وتلبس الناس فيها أقل، لهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، ولكن الإشكال الذي يستشكله البعض هو ظهور صحة الإسناد، فإن الإسناد هذا يرويه ثور ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر ، عن أخته الصماء ، وهذا إسناد ظاهره الصحة، ولكن ما زال الأئمة رحمهم الله ينكرونه، ولهذا يقول الأوزاعي رحمه الله: ما زلت أكتمه حتى انتشر، يعني: هذا الحديث وشاع، وذلك يستفاد منه أمور: منها: أن هذا الحديث لم يكن معروفاً أول زمن الأوزاعي رحمه الله، و الأوزاعي من أهل الاستيعاب في الرواية والإكثار والتتبع، فيعلم أن هذا الحديث لم يكن مشتهراً، وإنما اشتهر في آخر زمنه، فلما اشتهر أخذ يحدث به ولا يعمل به رحمه الله، ولهذا نقول: إن مثل هذا الكلام من الأوزاعي هو إعلال، ويقول مالك رحمه الله: هذا حديث كذب، ومراده بذلك خطأ، أي: مختلق، إما أن يكون عن طريق العمد، وبعض الأئمة استدرك على الإمام مالك مثل هذه الكلمة وقال: إن هذا الحديث ليس بكذب باعتبار أن فيه اتهاماً للرواة ونحو ذلك، وليس فيه كذاب، ولكن نقول: إن أهل الحجاز والمتقدمين لا يريدون بكلمة الكذب تعمد الكذب، وإنما يريدون بذلك الخطأ، وهذا معلوم عند العرب حتى في أشعارهم، ولهذا يقول الشاعر:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا

وكذلك قول أبي طالب في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كذبتم وبيت الله لا تأخذونه ما دام فيه للسيف قائم

وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان ربما يقول شيئاً ولا يستطيع العمل به وهو صادق فيه، كذلك قوله: العين لا تكذب الإنسان لكن تغره أي: أنها رأت خيالاً، وقولهم: كذبتك عينك، يعني: أن الإنسان ربما يخدع ويتوهم من غير عمد، وهذا هو مراد الإمام مالك رحمه الله، وقد رد عليه غير واحد من الأئمة وقال: إن هذا الحديث ليس بكذب، وفيه شدة على هذا الحديث، ولكن نقول: إن هذا الحديث فيما يظهر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ به بمثل هذا العموم، وسائر الأئمة وعامتهم على رده، وقد قال فيه النسائي رحمه الله: إن هذا الحديث حديث مضطرب، وأعله الإمام أحمد و الأثرم وجماعة من الحفاظ، ومن الأئمة من مال إلى تصحيحه كـالترمذي و ابن خزيمة و ابن حبان ، فإنهم قالوا: إن النهي هنا جاء بإفراد يوم السبت، ونقول: حتى لو كان لإفراد يوم السبت ينبغي أن يكون بأقوى من هذا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يجد إلا لحاء عنبة فليمضغه )، وهذا فيه تشديد في مسألة صيام يوم السبت، لهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ذلك -وهذه علة أخرى- أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم يعملوا به مع عموم البلوى به، لهذا لا تجد فتيا للصحابة عليهم رضوان الله تعالى بالمنع من ذلك، وأبصر الناس بعمل الصحابة وخاصة أهل المدينة الإمام مالك رحمه الله، ولهذا قال: إنه كذب، يعني: أنه لا يعرف من جهة الرواية ولا يعرف من جهة العمل، وكثيراً ما نجد أقوال الإمام مالك رحمه الله العامة ما يعل الأحاديث لو تأملنا به، خاصة ما يتعلق بما ينبغي أن يشتهر وتعم به البلوى، ومما ينبغي الإشارة إليه من قرائن الإعلال أن مثل هذا الحديث في رواية عبد الله بن بسر واختلاله في ذلك عن أخته، أو عن أمه، أو عن عمته، أو عن أبيه، أو هو يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل هذا الحكم بجلالة قدره يدعو إلى ضبط الإنسان لراويه، فالروايات التي تأتي على الإنسان من غير ثقة بمتونها هي التي ينساها الإنسان، بخلاف الأخبار العظيمة فإنها لا تنسى، وهذا المتن متن عظيم، ويتضمن حكماً، ولما جاء بهذا الاضطراب دل على أن هذا لا يحتمل، ويمكن أن يحتمل إلى ما دونه لشيء من الفضائل، لكن اضطراب في مثل ذلك هذا من الأمور الشاقة، ولهذا نقول: إن الحديث قد توفرت فيه مجموعة من العلل التي لا يثبت الحديث بمثلها.

أما هل نأخذ به؟ فذكرنا مراراً في مجالس أن الحديث إذا كان ضعيفاً ولكن في أبواب النهي فإنه يؤخذ به على سبيل الاحتياط إذا كان مثله مما يحتمل أو يقارب القبول، لا في الأحاديث المنكرة الواهية، والإمام أحمد رحمه الله يأخذ بالحديث الضعيف في أبواب الاحتياط في النهي، ككراهة التنزيه ونحو ذلك، الذي لا تتضمن فعلاً وإنما تتضمن تروكاً؛ لأن النهي يتضمن تركاً لا يتضمن مبادرة وفعلاً؛ لأن التعبد يظهر في الفعل، ولهذا يأخذ في أمور الكراهة؛ لأنها في أبواب الاحتياط، ولكن نقول هذا في مسائل الأحاديث محتملة القبول بخلاف مثل هذا الحديث الذي يعد مطروحاً.

الحديث الخامس في هذا: هو حديث هنيدة بن خالد عن امرأته، عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس، وتسعة أيام من ذي الحجة ).

هذا الحديث جاء من حديث أبي عوانة عن الحر بن الصباح عن هنيدة به، وهو مضطرب، أخرجه الإمام أحمد ، وأخرجه أبو داود ، و النسائي ، وغيرهم، ووقع فيه الاضطراب من وجوه متعددة، من هذه الوجوه: أنه يروى من حديث الحر بن الصباح عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، وتارة عن امرأته عن أم سلمة ، وتارة عن امرأته عن حفصة .

ووقع اضطراب في المتن أيضاً، فتارة يقال: ثلاثة أيام، وتارة يقال: الاثنين والخميس، وتارة يقال: أول اثنين وخميس، وتارة يقال: الاثنين وخميسين، وتارة: أول اثنين وخميسين، وفي بعض الوجوه يذكر التسع من ذي الحجة، وفي بعضها لا يذكر، وهذا اضطراب في السند والمتن، وقد حكم عليه النسائي رحمه الله بالاضطراب، وهذا الحديث معارضٌ لما ثبت في الصحيح من حديث عائشة أنها قالت: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط )، يعني: عشر ذي الحجة، ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر من جهة المتن، ومضطرب من جهة الإسناد، وهذا الاضطراب كما هو ظاهر في تعدد الوجوه ممن لا يحتمل منه التعدد، كذلك فإن هذا المتن على الاضطراب الذي وقع فيه فإنه تارة يذكر تسعاً من ذي الحجة وتارة لا يذكرها، وتسعاً من ذي الحجة لا بد أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام عند عائشة أو قريباً منها، فلا بد أن يدور عليها اليوم، ولما نفت الصوم في مثل هذه المدة الطويلة فنفيها ينبغي أن يؤخذ ولا يقال: إن من علم حجة على من لم يعلم، وذلك أنه لو كان الصيام على يوم، أو فعله النبي عليه الصلاة والسلام أو قولاً على سبيل الاعتراض لاحتمل ذلك، وعشر من ذي الحجة هي فاضلة يترقب فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيها، ولما لم ينقل بل نفي دل على عدم صحته وثبوته.